الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع في الخروج إلى الصلاة بسكينة ووقار
المدخل إلى المسألة:
• الأصل في المشي إلى العبادة أن يكون بسكينة ووقار، إلا ما ورد فيه النص كالرَّمَلِ في موضعه، والإسراع بين العلمين في السعي.
قال تعالى: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} [لقمان: 19] وإذا كان هذا في المشي المباح فالمشي إلى العبادة أولى.
• التزام السكينة والوقار في السعي للصلاة سبب في التزامه بالصلاة، فالاستعجال في السعي يؤثر على قراءة المصلي وخشوعه، أو يحدث جلبة فيؤثر على خشوع عموم المصلين.
• إدراك الركعة ليس بأفضل من الالتزام بالسنة، والنص العام لا يقيده إلا نص مثله.
• إذا اجتمع الأمر والنهي بقوله صلى الله عليه وسلم: (وعليكم السكينة ولا تسرعوا) فإن ذلك لا يعني إلا توكيد الالتزام بهذا الأدب، وإلا فالأمر بالشيء نهي عن ضده.
• أَمَرَ الشرع بالمشي، ونَهَى عن الإسراع عند سمع الإقامة، وليس سماع الإقامة شرطًا للنهي، وإنما خرج مخرج الغالب؛ لأن الغالب أن الاستعجال إنما يقع عند سماع الإقامة خوف فوات إدراك التكبيرة أو الركعة.
[م-441] اختلف العلماء في حكم الإسراع لمن سمع الإقامة، وخشي فوات الركعة:
فقيل: يستحب السكينة والوقار مطلقًا، سواء أكانت الصلاةُ الجمعةَ أم غيرها، وسواء أخاف فوات تكبيرة الإحرام أم لا، وهذا مذهب الحنفية، والشافعية، ورواية
عن أحمد
(1)
.
وخالف المالكية، فقالوا: الإسراع بلا خَبَب جائز، ولا ينافي الوقار والسكينة، وتكره الهرولة، ولو خاف فوات الجمعة، فإن خاف فوات الوقت وجبت الهرولة
(2)
.
وقيل: يكره الإسراع الشديد مطلقًا، ويكره الإسراع اليسير إلا إذا خاف فوات تكبيرة الإحرام، وطمع في إدراكها، وهذا منصوص الإمام أحمد، وهو المشهور من مذهبه
(3)
.
قال أحمد في رواية مهنَّا: ولا بأس، إذا طمع أن يدرك التكبيرة الأولى أن يسرع شيئًا، ما لم يكن عجلة تقبح؛ جاء عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يعجلون شيئًا إذا تخوفوا فوت التكبيرة الأولى، وطمعوا في إدراكها
(4)
.
وقال إسحاق بن راهويه: إذا خاف فوات الركعة الأولى سعى
(5)
.
فخص ذلك بفوات الركعة، لا فوات تكبيرة الإحرام.
وقال ابن تيمية في شرح العمدة: إذا خشي أن تفوته الجماعة، أو الجمعة فلا يكره له الإسراع
(6)
.
وظاهر قوله: إذا خشي أن تفوته الجماعة أن ذلك مقيد بتعذر جماعة ثانية، قال في الإنصاف: «وقد ظهر مما تقدم أنه يعجل لإدراك الركعة الأخيرة، لكن هل تقيد
(1)
. الحجة على أهل المدينة (1/ 218)، تحفة الفقهاء (1/ 144)، بدائع الصنائع (1/ 218)، شرح مشكل الآثار (14/ 195)، شرح النووي على صحيح مسلم (5/ 99)، الحاوي الكبير (2/ 453) المهذب في فقه الإمام الشافعي (1/ 178)، المجموع (4/ 105)، كفاية النبيه (4/ 377)، الفروع (2/ 158).
جاء في مسائل أحمد وإسحاق رواية الكوسج (2/ 600) قلت: هل يسعى إلى الصلاة؟ قال: لا على حديث أبي هريرة. قال إسحاق: بلى، إذا خاف فوت التكبيرة الأولى. وانظر مسائل ابن هانئ (268).
(2)
. المنتقى للباجي (1/ 132)، الاستذكار (1/ 382)، شرح التلقين (2/ 725، 726)، مواهب الجليل (2/ 114)، الخرشي (2/ 33)، الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (1/ 334)،.
(3)
. المغني لابن قدامة (1/ 328)، شرح منتهى الإرادات (1/ 182)، كشاف القناع (1/ 326)، مطالب أولي النهى (1/ 414)، الإنصاف (2/ 40)، العدة شرح العمدة (ص: 75).
(4)
. فتح الباري لابن رجب (5/ 393)، المغني لابن قدامة (1/ 328).
(5)
. الأوسط لابن المنذر (4/ 147)، مسائل أحمد وإسحاق رواية الكوسج (2/ 601).
(6)
. شرح العمدة، كتاب الصلاة (ص: 598)، الإنصاف (2/ 40).
المسألتان بتعذر الجماعة؟ فيه تردد»
(1)
.
هذا مجموع الأقوال في المسألة، وملخصها كالتالي:
فالإسراع الشديد مكروه مطلقًا عند الجمهور، ولو خاف فوات الجمعة والجماعة.
واستثنى المالكية إذا خاف فوات الوقت فإنه يجب، ولا أظن المسألة هذه محل خلاف مع غيرهم.
وقال بعض الحنابلة: لا يكره الإسراع الشديد إذا خاف فوات الجمعة، أو الجماعة.
وأما الإسراع اليسير:
فقيل: يكره مطلقًا، وهو مذهب الحنفية، والشافعية، ورواية عن أحمد.
وقيل: لا يكره مطلقًا، وهو مذهب المالكية.
وقيل: يكره إلا إذا طمع في إدراك التكبيرة الأولى (تكبيرة الإحرام)، وهو مذهب الحنابلة.
وقيل: يكره إلا إذا طمع في إدراك الركعة الأولى، وهو قول إسحاق.
• سبب الخلاف:
الاختلاف في الإسراع اليسير، هل ينافي السكينة والوقار المأمور بهما في الحديث الصحيح:(وعليكم السكينة والوقار ولا تسرعوا).
ولأن سبب توجيه النهي كان مرتبطًا بإسراع حدثت معه جلبة دعت النبي صلى الله عليه وسلم ليسأل، ما شأنكم؟ قالوا: استعجلنا إلى الصلاة، فقال: لا تفعلوا
…
وذكر الحديث، فمن لم ينظر إلى خصوص السبب، قال العبرة بعموم اللفظ.
ومن يرى أن السبب وصف مؤثر ارتبط بسببه توجيه النهي، فيقيد الحكم بالحال التي توجَّه فيها النهي؛ لأنه المتيقن، وغيره لا يساويه، فلا يلحق به.
كما أن قوله صلى الله عليه وسلم: (فما أدركتم فصلوا
…
) هذا الشرط يبين أن النهي عن الإسراع متوجه لمن يدرك الصلاة، ويخشى أن يفوته بعضها، وأما إذا خاف فوات الصلاة جملة، فهل يشمله النهي؟ فالنهي عن الإسراع مكروه، فهل الحاجة إلى إدراك الصلاة ترفع الكراهة؟ لأن فوات الجمعة أو الجماعة لا يجبر، ولأن فضيلة
(1)
. الإنصاف (2/ 40).
إدراك الجمعة أو الجماعة تربو على تحصيل أجر ترك المكروه؛ فالمفسدة في ارتكاب المكروه مغمورة في فضل تحصيل الواجب إلا أن يقال: ترك النهي مقدم على فعل المأمور؛ لحديث: إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم. متفق عليه
(1)
.
ومن قال: يغتفر الإسراع اليسير لإدراك تكبيرة الإحرام أو لإدراك الركعة استشهد ببعض الآثار عن الصحابة، وهي معارضة بآثار أخرى بعدم الإسراع مطلقًا، سنأتي على تخريجها إن شاء الله تعالى.
• دليل من قال: يكره الإسراع مطلقًا:
الدليل الأول:
(ح-1045) ما رواه البخاري ومسلم من طريق شيبان، عن يحيى، عن عبد الله بن أبي قتادة،
عن أبيه، قال: بينما نحن نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ سمع جلبة رجال، فلما صلى قال: ما شأنكم؟ قالوا: استعجلنا إلى الصلاة؟ قال: فلا تفعلوا، إذا أتيتم الصلاة فعليكم بالسكينة، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا
(2)
.
الدليل الثاني:
(ح-1046) ما رواه البخاري ومسلم من طريق الزهري، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة،
عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إذا سمعتم الإقامة، فامشوا إلى الصلاة، وعليكم بالسكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا
(3)
.
وجه الاستدلال:
• اشتمل حديث أبي هريرة على ثلاثة أمور:
الأمر الأول: الأمر بالمشي إلى الصلاة، وهو ينافي السعي، ولأن الأمر
(1)
. البخاري (7288)، وصحيح مسلم (130 - 1337).
(2)
. البخاري (635)، وصحيح مسلم (155 - 603).
(3)
. صحيح البخاري (636)،.
بالشيء نهي عن ضده.
الأمر الثاني: الأمر بالسكينة والوقار، والسكينة محلها طمأنينة القلب، قال تعالى:{هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ} [الفتح: 4].
والوقار: يتعلق بحركة الجوارح، فالرجل الوقور تدل هيئته وحركاته على وقاره، فأراد الله للماشي للصلاة أن يكون مخبره ومنظره متحليًا بالطمأنينة وترك العجلة.
الأمر الثالث: النهي عن الإسراع، بقوله:(ولا تسرعوا) فلم يكتف الشارع بالأمر بالمشي، بل أضاف إلى ذلك التصريح بالنهي عن ضده، وهو الإسراع، وهو مطلق يشمل الإسراع الشديد واليسير، ولا ينتهك النهي لتحصيل المأمور؛ لأن النهي أشد؛ لحديث إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم. متفق عليه
(1)
.
وكان كل ذلك عند سماع الإقامة التي هي مظنة فوات التكبيرة الأولى، بل قد تفوته بعض الركعات، فدل الحديث على أنه لا يجوز الإسراع ولو كان يسيرًا، ولو خشي منه فوات الصلاة أو بعضها.
الدليل الثالث:
(ح-1047) ما رواه مسلم من طريق العلاء، عن أبيه،
عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إذا ثُوِّب للصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا، فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة
(2)
.
ورواه مالك في الموطأ، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، وإسحاق بن عبد الله أنهما أخبراه، أنهما سمعا أبا هريرة به
(3)
.
وروى مالك، عن نعيم بن عبد الله المدني المجمر،
أنه سمع أبا هريرة يقول: من توضأ فأحسن وضوءه، ثم خرج عامدًا إلى الصلاة، فإنه في صلاة مادام يعمد إلى الصلاة. وإنه يكتب له بإحدى خطوتيه
(1)
. البخاري (7288)، وصحيح مسلم (130 - 1337).
(2)
. صحيح مسلم (602).
(3)
. موطأ مالك (1/ 68).
حسنة، ويمحى عنه بالأخرى سيئة، فإذا سمع أحدكم الإقامة فلا يَسْعَ؛ فإن أعظمكم أجرًا أبعدكم دارًا، قالوا: لم يا أبا هريرة؟ قال: من أجل كثرة الخطا
(1)
.
[صحيح موقوف، ومثله لا يقال بالرأي].
وجه الاستدلال:
أن الحديث نهي عن الإسراع، ثم أكد ذلك ببيان العلة فقال صلى الله عليه وسلم:(فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة)، فأشار بهذا إلى أنه ينبغي أن يتأدب بآداب الصلاة من ترك العجلة، ولزوم الخشوع، وسكون الأعضاء، وهو رد على من قال: إن الإسراع الذي لا ينافي السكينة والوقار لا بأس به.
وفائدة أخرى من التعليل وهو أن المصلي إذا لم يدرك من الصلاة شيئًا فقد حصل له مقصوده؛ لكونه في صلاة منذ عمد إلى الصلاة.
• ونوقش:
بأن حديث أبي هريرة في الصحيحين وفي غيرهما رواه عنه أصحابه دون زيادة (فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة).
وقد انفرد بهذا الحرف مرفوعًا العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب، عن أبيه، عن أبي هريرة، والعلاء وثقه أحمد، وتجنب البخاري تخريج حديثه في صحيحه، وقال يحيى بن معين: ليس بذاك، لم يزل الناس يتوقون حديثه. وفي التقريب: صدوق ربما وهم.
وخالفه نعيم بن عبد الله المجمر، فرواه عن أبي هريرة موقوفًا
(2)
،
فأخشى
(1)
. الموطأ (1/ 33).
(2)
. رواه عن أبي هريرة جماعة منهم:
الأول: سعيد بن المسيب، كما في صحيح البخاري (636، 908)، وصحيح مسلم (602)، وأكتفي بهما.
الثاني: أبو سلمة كما في صحيح البخاري (636، 908)، وصحيح مسلم (602)، وأكتفي بهما.
الثالث: محمد بن سيرين، كما في صحيح مسلم (154 - 602)، وأكتفي بالصحيح.
الرابع: همام بن منبه، كما في صحيح مسلم (153 - 602)، وأكتفي بالصحيح.
الخامس: عطاء بن أبي رباح كما في مصنف عبد الرزاق (3270)، عن ابن جريج، عن عطاء به.
السادس: أبو رافع (نفيع بن رافع الصائغ)، كما في مسند أحمد (2/ 489)، وصحيح ابن خزيمة (1646).
…
السابع: أبو صالح السمان، كما في المعجم الأوسط (983) من طريق عمرو بن أبي سلمة (الدمشقي) حدثنا زهير بن محمد، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه به، وزهير بن محمد تُكُلِّمَ في رواية أهل الشام عنه، وهذا منها.
الثامن: الحسن البصري، كما في فوائد تمام (1082)، وجزء أبي الطاهر للدارقطني (95)، كلهم رووه عن أبي هريرة، ولم يذكر أحد منهم قوله:(فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة).
وخالفهم العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب، فرواه عن أبيه وإسحاق، عن أبي هريرة، بزيادة هذا الحرف. والعلاء لا يمكن الوثوق بما تفرد به مخالفًا لغيره.
ألا يكون هذا الحرف محفوظًا، ولو كان محفوظًا فأين أصحاب أبي هريرة من أصحاب الطبقة الأولى عنه؟
• ويجاب من ثلاثة وجوه:
الوجه الأول:
أن التعليل سواء أثبت أم لم يثبت فهو لا يرجع بالرد على أصل الحديث المتفق عليه، والمشتمل على الأمر بالمشي إلى الصلاة، والنهي عن الإسراع، ولزوم السكينة والوقار، وهذا كافٍ في ثبوت الحكم؛ وذلك لأن التعليل في الشرع لا يساق لثبوت الحكم في الأصل وهو المقصود هنا، بل لتعديته إذا وجدت العلة في الفرع.
الوجه الثاني:
أن هذه اللفظة ليس فيها ما يخالف قواعد الشريعة، فالشرع الذي جعل منتظر الصلاة في حكم المصلي كما في حديث أبي هريرة في الصحيحين
(1)
، لا يبعد أن يجعل العامد إلى الصلاة في حكم المصلي بجامع أن كليهما قصد إلى الصلاة، هذا بانتظارها، وهذا بالذهاب إليها، والجواب الأول أقوى.
الوجه الثالث:
أن هذا الحكم مما لا يقال بالرأي، فإذا ثبت موقوفًا من طريقٍ صحيحٍ عن أبي هريرة، فإن له حكم الرفع، والله أعلم.
(1)
. روى البخاري (647) بلفظ: ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة.
ولفظ مسلم (272 - 649) فإذا دخل المسجد كان في الصلاة ما كانت الصلاة تحبسه.
رواه البخاري ومسلم من طريق الأعمش، سمعت أبا صالح يقول: سمعت أبا هريرة.
الدليل الثالث:
النهي عن الإسراع مطلق، والنصوص المطلقة لا يقيدها إلا نص مثلها، أو إجماع.
الدليل الرابع:
قال الحافظ ابن حجر: «عدم الإسراع أيضًا يستلزم كثرة الخطا، وهو معنى مقصود لذاته، وردت فيه أحاديث كحديث جابر عند مسلم، أن بكل خطوة درجة»
(1)
.
• ويناقش:
في قول الحافظ: كثرة الخطا معنى مقصود لذاته فيه نظر، فهل كثرة الخطا مقصودة لذاتها، أم هي وسيلة، ولذلك لا يتقصد المصلي المسجد الأبعد إلا أن يقع اتفاقًا، والله أعلم.
• دليل من قال: يجوز الإسراع بلا هرولة.
الدليل الأول:
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9]، فأمر الله بالسعي إلى الجمعة، ونهى عن السعي إلى الصلاة، فكان السعي الذي أمرنا الله به هو غير السعي الذي نهانا عنه، فيجمع بينهما: أن المنهي عنه، هو السعي الشديد المنافي للوقار والسكينة، والمأمور به هو الإسراع بلا هرولة جمعًا بين الآية والحديث، فكان اسم السعي واقعًا على فعلين: أحدهما مأمور به، والآخر منهي عنه، والله أعلم.
• ونوقش:
بأن السعي يطلق تارة ويراد به الإسراع إلى الشيء كقوله صلى الله عليه وسلم فلا تأتوها وأنتم تسعونَ، وكالسعي بين العلمين إذا طاف بين الصفا والمروة.
وتارة يطلق السعي، ويراد به مطلق العمل سواء، أكان بإسراع أم بغيره فمن ذهب إلى الصلاة فقد سعى إليها.
(1)
. فتح الباري (2/ 118).
قال الطبري إمام المفسرين: والسعي في كلام العرب: العمل، يقال منه: فلان يسعى على أهله: أي يعمل فيما يعود عليهم نفعه
(1)
.
فمعنى {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9]. فامضوا إلى ذكر الله، وحكي عن عمر وابن مسعود أنهما كان يقرآن: فامضوا إلى ذكر الله
(2)
.
وهو معنى قول علمائنا: السعي إلى الجمعة واجب على كل من تلزمه الجمعة، لا يقصدون منه وجوب الإسراع إليها، وإنما يريدون مطلق الذهاب إليها
(3)
.
ومنه قوله تعالى: {وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا} [الإسراء: 19].
وقال سبحانه: {لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسِ* بِمَا تَسْعَى} [طه: 15].
وقال تعالى: {لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39].
وقال تعالى: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى}
…
[الليل: 4].
وقال تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} [الصافات: 102].
فالسعي إلى الجمعة إن كان بلا إسراع فهو المشي إليها، وهو المأمور به، وإن بلغ السعي إلى الصلاة حد الإسراع فهو المنهي عنه.
الدليل الثاني:
(ث-249) روى مالك، عن نافع، عن ابن عمر أنه سمع الإقامة، وهو بالبقيع، فأسرع المشي إلى الصلاة
(4)
.
• وأجيب:
بأن رأي ابن عمر معارض بما روي عن أنس وزيد بن ثابت، وأبي ذر وغيرهم.
(ث-250) روى ابن أبي شيبة في المصنف، قال: أخبرنا جعفر بن حيان
(1)
. تفسير الطبري ط هجر (3/ 581).
(2)
. تفسير الطبري (22/ 638)، تفسير البغوي (5/ 84)، تفسير الإمام الشافعي (3/ 1358)، معاني القرآن وإعرابه للزجاج (5/ 171)، تفسير السمعاني (5/ 434)، تفسير القرطبي (18/ 102).
(3)
. انظر المسالك في شرح موطأ مالك (2/ 449)، المنتقى شرح الموطأ (1/ 195)، تفسير القرطبي (18/ 106)، فتح الباري لابن رجب (8/ 156).
(4)
. الموطأ (1/ 72).
أبو الأشهب، عن ثابت البناني،
عن أنس بن مالك، قال: خرجت مع زيد بن ثابت إلى المسجد فأسرعت المشي فحبسني
(1)
.
وروى ابن أبي شيبة في المصنف، حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا حميد الطويل، عن ثابت، قال: أخذ بيدي أنس، فجعل يمشي رويدًا إلى الصلاة، ثم التفت إلي، فقال: هكذا كان يصنع زيد بن ثابت ليكثر خطاه
(2)
.
[صحيح].
(ث-251) وروى ابن أبي شيبة في المصنف، حدثنا غندر، عن شعبة، عن داود بن فراهيج، قال: حدثني مولاي سفيان بن زياد أنه كان ينطلق إلى المسجد، وهو يستعجل، قال:
لحقني الزبير بن العوام، فقال: اقصد في مشيك، فإنك في صلاة، لن تخطو إلا رفع الله لك بها درجة، وحط عنك بها خطيئة
(3)
.
[ضعيف]
(4)
.
الدليل الثالث:
أن المطلوب هو لزوم السكينة والوقار، والإسراع الخفيف لا ينافيهما، بخلاف الإسراع الشديد فإن القلب والنفس إذا ثار فقد فارق السكينة، وفي مفارقتها تفارق جوارحه الحلم والوقار.
• ويناقش:
هذا التوجيه يصح لو كان النصُّ أَمَرَ بلزوم السكينة والوقار، أمَّا وقد أمر الحديث بالمشي، ولزوم السكينة والوقار، ونهى عن السرعة فلم يترك النص مجالًا للنظر.
(1)
. المصنف (7406).
(2)
. المصنف (7411).
(3)
. مصنف ابن أبي شيبة (7407).
(4)
. في إسناده سفيان بن زياد، لم يَرْوِ عنه سوى داود بن فراهيج، وذكره ابن حبان في الثقات، ففيه جهالة، والله أعلم.
• دليل من قال: يسرع إذا خاف فوات الوقت:
الدليل الأول:
قال تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239].
وجه الاستدلال:
أن الشارع جعل إدراك الوقت مقدمًا على تأخير الصلاة بالطمأنينة، فيصلي الخائف من خروج الوقت، ولو كان راجلًا أو راكبًا، فإذا خاف على خروج الوقت وكان الإسراع سببًا في إدراك الصلاة في وقتها كان عليه الإسراع.
الدليل الثاني:
أن النهي عن الإسراع مكروه، وفوات الوقت محرم، فيغتفر ارتكاب المكروه دفعًا للمحرم.
ولأن الوقت إذا فات لا يمكن جبره.
• دليل من قال: يسرع إذا خاف فوات الجمعة والجماعة:
الدليل الأول:
قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم الإقامة فامشوا
…
)
رتب الشارع وجوب السعي إلى الصلاة عند سماع الإقامة، ولا يجب عليه السعي إلى الصلاة قبل ذلك إلا في صلاة الجمعة حيث أوجب السعي بسماع النداء، وهذا يدل على أن السعي للصلاة بسماع الإقامة بالسكينة والوقار مع القطع بإدراك الصلاة، ولو فات بعضها، وإلا لوجب السعي قبل سماع الإقامة، كما لو كان مكانه بعيدًا بحيث لو سعى عند سماع الإقامة لم يدرك الصلاة، فهذا يجب عليه أن يسعى قبل سماع الإقامة مع التزام السكينة والوقار، فإذا قصر وخشي من فوات الجمعة، والجمعة لا تقضى إذا فاتت، أو خاف فوات الجماعة، ولم يطمع في إدراك جماعة أخرى لم يكن داخلًا في حديث: إذا سمعتم الإقامة فامشوا، وعليكم السكينة والوقار، لأن هذا الخطاب متوجه لرجل يدرك الصلاة إذا سعى إليها بسكينة ووقار عند سماع الإقامة.
الدليل الثاني:
قوله صلى الله عليه وسلم: (فما أدركتم فصلوا
…
) هذا الشرط يبين أن النهي عن الإسراع
متوجه لمن يمكنه إدراك الصلاة، ويخشى أن يفوته بعضها، فيقال له: لا تسرع، فما أدركت فَصَلِّ، وما فاتك فَأَتِمَّهُ. وأما إذا خشي أن تفوته الجمعة، أو تفوته الجماعة، ولا يمكنه تدارك جماعة أخرى فإنه لا يدخل في النهي.
• ويناقش:
بأن قوله: (ما أدركتم فصلوا
…
وما فاتكم فأتموا)، لفظ (ما) في الجملتين من أسماء الشرط، وأسماء الشرط من ألفاظ العموم، فـ (ما أدركنا) عام يصدق على القليل والكثير، حتى لو أدرك الإمام في التشهد، فيقال له: امش وعليك السكينة والوقار فما أدركت فصل، وما فاتك فأتمه، ومن أدرك الإمام في التشهد فقد فاتته الجمعة والجماعة، فمن خص النهي عن الإسراع لمن يدرك ركعة من الصلاة فأكثر، فإن خشي أن يدرك أقل من ركعة كان مأمورًا بالإسراع من أجل إدراك الجمعة والجماعة فقد خص النص العام بلا مخصص.
• ويرد هذا الجواب:
أن قوله: (أدركتم) وقوله: (فاتكم) هذه حقائق شرعية، وليست حقائق لغوية، فالإدراك ليس هو مجرد اللحاق، فمن لحق الإمام بالتشهد فلم يدرك شيئًا من الصلاة، لأن الإدراك أطلق في مقابل الفوات، فأنت مأمور بالصلاة فيما أدركته منها، ومأمور بالإتمام لما فاتك شرعًا منها، وشرط إدراك الصلاة هو إدراك ركعة فأكثر، ولهذا من لحق بالإمام يوم الجمعة في التشهد لم يدرك الجمعة، وكذا الجماعة على الصحيح، فيكون الخطاب متوجهًا بالسكينة والوقار لرجل يصدق عليه أنه أدرك بعض الصلاة، وفاته بعضها، فيقال: ما أدركته فصله، فإذا فاتني الركوع فهذه الركعة لم أدركها، فلست مأمورًا بالدخول معه في السجود؛ لأني مأمور بصلاة ما أدركته مع الإمام شرعًا، وهذه الركعة قد فاتت، فالإدراك والفوات متقابلان، فيؤمر بصلاة ما أدركه، ولا يدركه إلا بإدراك الركوع، وإتمام ما فاته، فإذا خشي أن تفوته الصلاة لو لزم السكينة والوقار لم يكن مخاطبًا بقوله: فما أدركتم، وما فاتكم، فله أن يسرع، والله أعلم.
الدليل الثالث:
(ح-1048) ما رواه أحمد، من طريق إسحاق الفزاري، عن ابن جريج قال:
حدثني منبوذ، رجل من آل أبي رافع، عن الفضل بن عبيد الله بن أبي رافع،
عن أبي رافع قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى العصر ربما ذهب إلى بني عبد الأشهل، فيتحدث معهم حتى ينحدر للمغرب، قال: فقال أبو رافع: فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرعًا إلى المغرب إذ مر بالبقيع فقال: أف لك، أف لك، مرتين، فكَبُر في ذَرْعِي، وتأخرت، وظننت أنه يريدني، فقال: ما لك؟ امش، قال: قلت: أحدثتُ حَدَثًا يا رسول الله؟ قال: وما ذاك؟، قلت: أففت بي، قال: لا، ولكن هذا قبر فلان، بعثته ساعيًا على بني فلان، فغلَّ نمرة، فدُرِّع الآن مثلَها من نار
(1)
.
[ضعيف]
(2)
.
الشاهد من الحديث:
قوله في الحديث: (فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرعًا إلى المغرب) فالمغرب
(1)
. المسند (6/ 392).
(2)
. أخرجه أحمد (6/ 392) والنسائي (863)، والطبراني في الكبير (1/ 323) رقم: 962، والبيهقي في الشعب (4124)، من طريق أبي إسحاق الفزاري.
وأخرجه أحمد (6/ 392) والنسائي في المجتبى (862)، وفي الكبرى (937) وابن خزيمة في صحيحه (2337)، والروياني في مسنده (725)، والبيهقي في الشعب (4024)، من طريق ابن وهب، كلاهما (أبو إسحاق وابن وهب) عن ابن جريج به.
ومنبوذ المدني مولى أبي رافع، لم يوثقه أحد، وقال ابن حجر في التقريب: مقبول يعني حيث توبع، وإلا فلين، وليس له رواية إلا هذا الحديث، وقد روى عنه اثنان: أبو إسحاق الفزاري، وابن وهب، وذكر المزي محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب ممن روى عنه، ولم يذكر المزي ابن وهب مع أن روايته في النسائي، ولم يوثقه أحد، ففيه جهالة.
وشيخه الفضل بن عبيد الله بن أبي رافع المدني، ذكره ابن حبان في الثقات، وفي التقريب مقبول، ففيه جهالة أيضًا.
وجاء الحديث من طريق آخر ضعيف، أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (1/ 330)، وعنه أبو نعيم في الحلية (1/ 184) حدثنا المقدام بن داود، حدثنا أسد بن موسى، حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن كثير بن زيد، عن المطلب، عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم به بنحوه.
وشيخ الطبراني المقدم بن داود: ضعيف، وقد اتهم.
والمطلب عن أبي رافع مرسل، لم يسمع منه.
فمن أراد أن يحسن الحديث بالطريقين فهو سبيل يسلكه بعض المحققين، والله أعلم.
وقتها إذا وجبت الشمس، وهذا بالإجماع سواء أقلنا: إن لها وقتًا واحدًا، فيكون وقت سقوط الشمس هو وقت الوجوب، أو قلنا: إن لها وقتًا ممتدًّا إلى غياب الشفق، فيكون وقت سقوط الشمس وقتها المستحب، فدل على أن السرعة لا بأس بها إذا خشي فوات وقت الصلاة.
الدليل الرابع:
أن المكروه إذا دعت إليه حاجة رفعت الكراهة، وأي حاجة أعظم من فضيلة إدراك الجمعة والجماعة، فإن المصلحة في إدراكهما تربو على مصلحة ترك المكروه؛ فالمفسدة في ارتكاب المكروه مغمورة في فضل تحصيل العبادة الواجبة.
• دليل من قال: يسرع لإدراك تكبيرة الإحرام:
الدليل الأول:
(ث-252) ما رواه الطبراني في المعجم الكبير من طريق أبي عوانة، عن ليث بن أبي سليم، عن رجل، من طَىْء، عن أبيه،
أن ابن مسعود، خرج إلى المسجد، فجعل يهرول، فقيل له: أتفعل هذا وأنت تنهى عنه؟ قال: إنما بادرت حد الصلاة التكبيرة الأولى
(1)
.
[ضعيف]
(2)
.
وجه الاستدلال:
فهذا ابن مسعود الذي كان ينهى عن الإسراع لا يرى أن الإسراع لإدراك التكبيرة الأولى داخل في النهي، وهو أعلم بمعنى ما سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم.
• ويناقش:
بأن الأثر ضعيف، ولا يخصص بمثله الحديث المتفق عليه في الأمر بالمشي، والنهي عن الإسراع، ولو فرض صحة الأثر، فالموقوف لا يعارض به المرفوع، والله أعلم.
الدليل الثاني:
في حديث أبي قتادة نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسراع في حق أناس قد سمع جلبتهم،
(1)
. المعجم الكبير (9/ 254) رقم: 9259.
(2)
. في إسناده ليث بن أبي سليم، ضعيف، وفيه أيضًا رجل مبهم.
ورواه ابن المنذر في الأوسط (4/ 147) من طريق أبي الأحوص، قال: حدثنا ليث به.
وهو في الصلاة، وهذا لا يكون إلا بعد فوات تكبيرة الإحرام.
وفي حديث أبي هريرة: إذا سمعتم الإقامة فامشوا، والغالب على من مشى بعد سماع الإقامة أن تفوته التكبيرة الأولى، خاصة إذا لم يكن قريبًا من المسجد.
فكان النهي في هذين الحديثين متوجهًا في حق من فاتته تكبيرة الإحرام، ويخشى أن تفوته الركعة، لا في حق من طمع في إدراك تكبيرة الإحرام.
وفرق بين هذا الموضع وبين من يطمع في إدراك تكبيرة الافتتاح فقد جاء فضل عظيم فيمن يدرك حد الصلاة، وإدراك الحد: أن يدرك أولها، بأن يدرك الصلاة قبل تكبيرة الإمام؛ ليكون خلف الإمام إذا كبر للافتتاح، وهذا القدر لا ينجبر إذا فات؛ فإذا فاته حد الصلاة، فإنه قد أيس من إدراك الحد فإذا كان هذا المقصود العظيم الذي لا ينجبر فواته يحصل بإسراع يسير لم يكره ذلك بخلاف ما إذا فاتته الركعة فإنه يمكن أن يقضي ما فاته، فيكون داخلًا في عموم النهي عن الإسراع، بل هو المقصود من النهي؛ لأن الفوات إنما يكون بفوات الركعة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكرة لما أسرع لإدراك الركوع: زادك الله حرصًا ولا تَعُدْ.
وإذا جاز الإسراع لإدراك تكبيرة الافتتاح جاز الإسراع لإدراك الجمعة والجماعة إذا خشي فواتهما.
• ويناقش:
إذا كان السعي إلى الصلاة لا يجب إلا عند سماع الإقامة، فإن إدراك تكبيرة الافتتاح ليس واجبًا على المصلي، بل مندوب، وإذا تزاحم المندوب والمكروه، والأول ملحق بالأوامر، والثاني ملحق بالنواهي كان مراعاة النهي أولى من مراعاة الأمر.
(ح-1049) لما رواه البخاري ومسلم من طريق أبي الزناد، عن الأعرج،
عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:
…
إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم
(1)
.
• دليل من قال: يسرع إذا خاف فوات الركعة:
هذا القول لا أعلم له دليلًا، بل هو مصادم لصريح النص في قوله: (ولا
(1)
. صحيح البخاري (7288)، وصحيح مسلم (1337).
تسرعوا فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا).
إلا أن يكون قد بنى فقهه هذا على القول بأن الإسراع المنهي عنه هو الإسراع الشديد، وأما اليسير الذي لا ينافي السكينة والوقار فليس داخلًا في النهي، فإن كان بنى قوله على ذلك، فليس له أن يشترط في جواز الإسراع اليسير خوف فوات الركعة؛ لأن اليسير إذا لم يكن داخلًا في النهي كان له أن يسرع مطلقًا، ولو لإدراك قراءة الركعة، أو تكبيرة الافتتاح، والله أعلم.
• الراجح:
أن السعي إلى الصلاة يجب عند سماع الإقامة بشرط أن يدرك الصلاة، فإذا كان لا يدرك الصلاة لو سعى عند سماع الإقامة فيجب أن يسعى قبل سماعه الإقامة، فإذا تقرر هذا يكون الأمر بالسكينة والوقار وعدم الإسراع ليس في حق رجل يخشى أن تفوته الجمعة، أو تفوته الجماعة ولا بدل لها، بل كان موجهًا لرجل قُطِع بأنه يدرك بعض الصلاة، ويفوته بعضها، ولهذا قيل له: ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا، والأمر بالإتمام نص صريح بأنه قد أدرك بعض الصلاة إدراكًا شرعيًّا، فإذا خشي أن تفوته الصلاة فلا بأس بالإسراع إليها، والله أعلم.
* * *