المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الرابع في تسوية الصفوف - الجامع في أحكام صفة الصلاة - الدبيان - جـ ١

[دبيان الدبيان]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الكتاب

- ‌الباب الأول في صفة الصلاة

- ‌الفصل الأول في الأحكام المرتبطة بالخروج إلى الصلاة

- ‌المبحث الأول في استحباب الخروج متطهرًا بنية الصلاة

- ‌المبحث الثاني لا يستحب دعاء خاص للخروج إلى الصلاة

- ‌المبحث الثالث في الوقت الذي يجب الذهاب فيه للصلاة

- ‌المبحث الرابع في الخروج إلى الصلاة بسكينة ووقار

- ‌المبحث الخامس في كراهة التشبيك بين الأصابع إذا خرج إلى الصلاة

- ‌المبحث السادس في استحباب كثرة الخطا في الذهاب للصلاة

- ‌الفرع الأول في اختيار المسجد الأبعد طلبَا لكثرة الخطا

- ‌الفرع الثاني في استحباب مقاربة الخطا

- ‌الباب الثاني في الأحكام المرتبطة بدخول المسجد

- ‌الفصل الأول في استحباب تقديم اليمنى في الدخول واليسرى في الخروج

- ‌الفصل الثاني في استحباب الذكر الوارد لدخول المسجد

- ‌المبحث الأول في استحباب الاستعاذه

- ‌المبحث الثاني في استحباب التسمية والدعاء بالمغفرة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لدخول المسجد

- ‌المبحث الثالث في صلاة ركعتين قبل الجلوس

- ‌المبحث الرابع لا تشرع التحية لمن أدخل يده أو رأسه فقط

- ‌المبحث الخامس في تكرار تحية المسجد بتكرار الدخول

- ‌المبحث السادس في مشروعية تحية المسجد للمرور بلا مكث

- ‌المبحث السابع في فوات تحية المسجد بالجلوس

- ‌المبحث الثامن في حكم تحية المسجد

- ‌المبحث التاسع في منزلة تحية المسجد من السنن

- ‌المبحث العاشر تحية المسجد لمن صلى ركعتي الفجر في البيت

- ‌المبحث الحادي عشر اختصاص التحية بالمسجد

- ‌المبحث الثاني عشر صلاة تحية المسجد في وقت النهي

- ‌المبحث الثالث عشر في اشتراط النية لتحية المسجد

- ‌المبحث الرابع عشر في حصول تحية المسجد في أقل من ركعتين

- ‌المبحث الخامس عشر في صلاة تحية المسجد يوم الجمعة والإمام يخطب

- ‌المبحث السادس عشر في تحية المسجد إذا أقيمت الصلاة

- ‌الفرع الأول في ابتداء النافلة بعد إقامة الصلاة

- ‌الفرع الثاني إذا أقيمت الصلاة وهو يصلي النافلة

- ‌الباب الثالث في الأحكام التي تسبق تكبيرة الإحرام

- ‌الفصل الأول في قيام المأموم والإمام ليس في المسجد

- ‌الفصل الثاني في وقت قيام المأموم للصلاة والإمام في المسجد

- ‌الفصل الثالث في وقت تكبير الإمام بالصلاة

- ‌الفصل الرابع في تسوية الصفوف

- ‌الباب الرابع في أحكام تكبيرة الإحرام

- ‌توطئه

- ‌الفصل الأول في حكم تكبيرة الإحرام

- ‌الفصل الثاني في شروط تكبيرة الإحرام

- ‌الشرط الأول أن تقع تكبيرة الإحرام مقارنة للنية حقيقة أو حكمًا

- ‌الشرط الثاني أن يأتي بتكبيرة الإحرام قائمَا فيما يشترط فيه القيام

- ‌المبحث الأول في انقلاب الصلاة نفلَا إذا بطلت فرضًا

- ‌المبحث الثاني إذا كبر المسبوق تكبيرة واحدة ولم يكبر للركوع

- ‌الشرط الثالث أن تكون التحية بلفظ الله أكبر لا يجزئ غيرها

- ‌مبحث في تنكيس التكبير

- ‌الشرط الرابع أن يكون التكبير متواليًا

- ‌الشرط الخامس في اشتراط إسماع المصلي نفسه تكبيرة الإحرام والذكر الواجب

- ‌الشرط السادس أن تكون التحريمة بالعربية من القادر عليها

- ‌الشرط السابع سلامة التكبير من اللحن المغير للمعنى

- ‌الشرط الثامن في اشتراط القدرة على التكبير

- ‌الباب الخامس أحكام القيام في الصلاة

- ‌الفصل الأول حكم القيام

- ‌الفصل الثاني في منزلة القيام بالصلاة

- ‌الفصل الثالث في قدر القيام

- ‌الفصل الرابع في صفة القيام

- ‌الفصل الخامس في استناد المصلي في القيام

- ‌الفصل السادس في سقوط القيام عن المصلي

- ‌المبحث الأول لا يجب القيام في صلاة النافلة

- ‌المبحث الثاني افتتح النافلة قائمَا فأراد الجلوس من غير عذر

- ‌المبحث الثالث يسقط القيام بالعجز

- ‌المبحث الرابع ضابط العجز المسقط للقيام

- ‌المبحث الخامس سقوط القيام بالخوف

- ‌المبحث السادس في سقوط القيام من أجل المحافظة على الطهارة

- ‌المبحث السابع في المراوحة بين القدمين في الصلاة

- ‌المبحث الثامن في الصاق إحدى القدمين بالأخرى حال القيام

- ‌الفصل السابع في موضع النظر أثناء الصلاة

- ‌المبحث الأول في النظر إلى السماء أثناء الصلاة

- ‌المبحث الثاني في موضوع نظر المصلي في اثناء الصلاة

- ‌المبحث الثالث في موضوع نظر المصلي حال الركوع والسجود والجلوس

- ‌الفصل الثامن في رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام

- ‌المبحث الأول في مشروعية رفع اليدين

- ‌المبحث الثاني في صفة رفع اليدين

- ‌الفرع الأول في صفة رفع الأصابع

- ‌الفرع الثاني في صفة رفع الكفين

- ‌الفرع الثالث في منتهى الرفع

- ‌الفرع الرابع في رفع المرأة يديها في الصلاة

- ‌الفرع الخامس في ابتداء وقت الرفع وانتهائه

- ‌الفرع السادس في وضع اليدين بعد الفراغ من تكبيرة الإحرام

- ‌مسألة في حكم وضع اليد اليمنى على اليسرى

- ‌الفرع السابع في مكان وضع اليدين

- ‌الفرع الثامن في وقت القبض

- ‌الفرع التاسع في صفة وضع اليدين

الفصل: ‌الفصل الرابع في تسوية الصفوف

‌الفصل الرابع في تسوية الصفوف

المدخل إلى المسألة:

• ضابط تسوية الصفوف: اعتدالها على سمت واحد، وسد الْفُرَجِ، وإتمام الأول فالأول.

• الأمر بتسوية الصفوف ثابت بالسنة المتواترة، وعمل الخلفاء الراشدين.

• تسوية الصفوف من وظيفة الإمام، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يُقَوِّم الصف ويعدله بقوله وفعله وكان بعض الخلفاء يوكل بالناس من يسوِّي صفوفهم، وعلى آحاد المصلين أن يأمر بذلك؛ لأنه من الأمر بالمعروف والتعاون على البر.

• التقصير في بعض العبادات سبب لاختلاف القلوب وتنافرها وتباينها، لَتُسَوُّنَّ صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهم، فإما التسوية وإما المخالفة، •اختلاف صفوف المسلمين في الظاهر يقود لاختلاف البواطن.

• الوعيد على ترك تسوية الصفوف بالمخالفة بين الوجوه، ظاهره يدل على تحريم ما توعد عليه.

• تسوية الصف من تمام الصلاة، وتمام الشيء يكون واجبًا ومستحبًّا.

• التام: تارة يراد به ما يقابل الناقص، وتارة يراد به الكمال: وهو الزيادة على مطلق التمام، والأول واجب، والثاني مستحب.

[م-471] أجمع العلماء على مشروعية تعديل الصفوف

(1)

،

قال ابن عبد البر: «وأما تسوية الصفوف في الصلاة فالآثار فيها متواترة من

(1)

. انظر الاستذكار (2/ 28، 288)، المسالك في شرح موطأ مالك (3/ 115)، التوضيح لشرح الجامع الصحيح لابن الملقن (4/ 607).

ص: 297

طرق شتى صحاح كلها ثابتة في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم تسوية الصفوف، وعمل الخلفاء الراشدين بذلك بعده، وهذا ما لا خلاف فيما بين العلماء فيه»

(1)

.

واختلفوا في وجوبه:

فقيل: سنة، وهو مذهب الأئمة الأربعة

(2)

.

وقيل: واجب، وهو قول الظاهرية، واختيار البخاري، حيث ترجم له في صحيحه بقوله: باب إثم من لم يتم الصفوف، واختيار ابن تيمية، وبعض المتأخرين

(3)

.

قال ابن حزم: «فرض على المأمومين تعديل الصفوف، الأول فالأول، والتراص، والمحاذاة بالمناكب والأرجل»

(4)

.

ومن صلى ولم يُسَوِّ الصف، فصلاته صحيحة

(5)

.

وقال ابن حزم: صلاته باطلة.

وقال ابن مفلح في الفروع: «يحتمل أنه يمنع الصحة، ويحتمل: لا؛ لقوله عليه السلام: سووا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة متفق عليه، وتمام الشيء يكون واجبًا ومُسْتحبًّا .... »

(6)

.

(1)

. الاستذكار (2/ 288).

(2)

. فتح القدير لابن الهمام (1/ 359)، تبيين الحقائق (1/ 136)، المنتقى للباجي (1/ 279)، شرح البخاري لابن بطال (2/ 344)، إكمال المعلم (2/ 346)، المسالك في شرح موطأ مالك (3/ 116)، الذخيرة (2/ 78)، الفواكه الدواني (1/ 211)، شرح التلقين (2/ 702)، التوضيح لخليل (1/ 334)، حاشية الصاوي على الشرح الصغير (1/ 256)، منح الجليل (1/ 206)، التوضيح لشرح الجامع الصحيح (6/ 592، 593)، الحاوي الكبير (2/ 97)، البيان للعمراني (2/ 383)، المجموع (4/ 225)، التعليقة للقاضي حسين (2/ 727)، فتح الباري لابن رجب (6/ 281)، الكافي لابن قدامة (1/ 242)، المغني (1/ 333)، الفروع (2/ 162)، المبدع (1/ 377)، الإنصاف (2/ 39).

(3)

. المحلى (2/ 372)، مرعاة المفاتيح (4/ 1، 2)، الفروع (2/ 162)، الفتاوى الكبرى (5/ 331).

(4)

. المحلى (2/ 372).

(5)

. قال ابن حجر في فتح الباري (2/ 210): «ومع القول بأن التسوية واجبة فصلاة من خالف ولم يُسَوِّ صحيحة لاختلاف الجهتين .... وأفرط بن حزم فجزم بالبطلان» .

(6)

. الفروع (2/ 162).

ص: 298

• دليل من قال: تسوية الصفوف سنة:

الدليل الأول:

(ح-1168) ما رواه مسلم من طريق محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، قال: سمعت قتادة، يحدث،

عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سووا صفوفكم، فإن تسوية الصف، من تمام الصلاة

(1)

.

ورواه أحمد وغيره عن وكيع، عن شعبة به، بلفظ:(أقيموا صفوفكم، فإن من حسن الصلاة إقامة الصف)

(2)

.

ورواه أحمد من طريق همام، عن قتادة به، بلفظ:(إن من حسن الصلاة إقامة الصف)

(3)

.

المحفوظ من حديث أنس أنه بلفظ: (فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة) وأما لفظ (من حسن الصلاة إقامة الصف) فهو محفوظ من حديث أبي هريرة

(4)

.

الدليل الثاني:

(ح-1169) ما رواه البخاري ومسلم، من طريق عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن همام بن منبه،

عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: .... وأقيموا الصف في الصلاة، فإن إقامة الصف من حسن الصلاة

(5)

.

وجه الاستدلال من الحديثين:

قال ابن دقيق العيد: عن قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: (من تمام الصلاة) قد يؤخذ منه

(1)

. صحيح مسلم (433).

(2)

. رواه أحمد (3/ 274)، وابن أبي شيبة في المصنف (3528)، وابن خزيمة (1543)، والحاكم في المستدرك (787) عن وكيع به.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، وإنما اتفقا على غير هذا اللفظ، وهو أن تسوية الصف من تمام الصلاة. اهـ

(3)

. انظر تخريجه وافيًا إن شاء الله تعالى في أدلة القول الثاني.

(4)

. سوف أخرج حديث أنس بألفاظه عند الكلام على أدلة القول الثاني، إن شاء الله تعالى.

(5)

. صحيح البخاري (722)، وصحيح مسلم (126 - 435).

ص: 299

أنه مستحب غير واجب، لأنه لم يقل: إنه من أركانها، ولا من واجباتها، ولأن تمام الشيء أمر زائد على وجود حقيقته التي لا يتحقق إلا بها في مشهور الاصطلاح، وقد يطلق بحسب الوضع على بعض ما لا تتم الحقيقة إلا به

(1)

.

وقال ابن بطال عن قوله: (إقامة الصف من حسن الصلاة): «هذا الحديث يدل على أن إقامة الصفوف سنة مندوب إليها، وليس بفرض؛ لأنه لو كان فرضًا لم يقل عليه السلام: فإن إقامة الصفوف من حسن الصلاة؛ لأن حسن الشيء زيادة على تمامه، وذلك زيادة على الوجوب»

(2)

.

قلت: قوله: (من تمام الصلاة) تمام الشيء يحتمل أنه أراد التمام المنافي للنقص، فتكون التسوية على هذا واجبة، كقوله تعالى:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196]، فإتمامهما: تأدية كل ما فيهما من الوقوف، والطواف، وغير ذلك. وقوله: صلى الله عليه وسلم: (وما فاتكم فأتموا) متفق عليه، وسبق تخريجه.

ويحتمل أنه أراد تمامها: أي البلوغ بها رتبة الكمال، كما يقال: تم الشيء إذا كمل، فتكون التسوية مستحبة، إلا أنه لما قال في حديث أبي هريرة (إقامة الصف من حسن الصلاة) ترجح الثاني، وهو أنه قصد بالإتمام الكمال.

وأهل اللغة يرون أن التمام والكمال مترادفان.

وذكر بعض أهل اللغة أن بينهما فرقًا:

فالتمام: الإتيان بما نقص، والكمال: الزيادة على التمام، فإذا قلت: رجل تام الخَلْق لا يفهم السامع العربي إلا أنه لا نقص في أعضائه.

وإذا قلت: رجل كامل، يفهم منه أنه خَصَّه بمعنى زائد على التمام، كالحسن والفضل، فالكمال: تمام وزيادة.

وقد يطلق كل منهما على الآخر تجوزًا، وعليه قوله تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة: 3]

(3)

.

(1)

. انظر: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (1/ 217).

(2)

. شرح البخاري لابن بطال (2/ 347).

(3)

. انظر: تاج العروس (31/ 332).

ص: 300

الدليل الثالث:

حكي الإجماع على أن تسوية الصفوف مستحبة

(1)

.

وناقش دعوى الإجماع ابن مفلح، وابن حجر، مما يدل على ثبوت حكاية الإجماع.

قال ابن مفلح في الفروع: «ومن ذكر الإجماع على أنه مستحب فمراده ثبوت استحبابه، لا نفي وجوبه»

(2)

.

وقد يسلم هذا التأويل لو كان هناك من ينازع في ثبوت القول بالاستحباب، فيرد عليه بأنه مجمع على ثبوته، أما وهو قول عامة الفقهاء، ومنهم الأئمة الأربعة، بل لم يُحْكَ غيرُه في القرون المفضلة لم تكن هناك حاجة إلى هذه الطريقة لإثبات القول بالاستحباب.

وقال الحافظ في الفتح: «نازع -يعني ابن حزم- من ادعى الإجماع على عدم الوجوب بما صح عن عمر أنه ضرب قدم أبي عثمان النهدي لإقامة الصف، وبما صح عن سويد بن غفلة، قال: كان بلال يسوي مناكبنا، ويضرب أقدامنا في الصلاة، فقال: ما كان عمر وبلال يضربان أحدًا على ترك غير الواجب»

(3)

.

وقد رجعت إلى كتاب ابن حزم، فوجدته قد ذكر هذا الكلام في معرض استدلاله لقوله، لا في معرض حكاية الإجماع وردها بتلك الآثار، فلعل ابن حجر أخذه من كون ابن حزم حين أثبت وجود القول بالوجوب وذلك من فهمه لضرب عمر وبلال رضي الله عنهما أقدام من لم يسو الصف لزم منه خرق دعوى من حكى الإجماع، وأثر عمر وبلال سوف أذكرهما إن شاء الله تعالى في أدلة القول الثاني، وأناقش ثبوتهما، ودلالتهما على إثبات القول بالوجوب.

• دليل من قال: التسوية واجبة:

الدليل الأول:

(ح-1170) ما رواه مسلم من طريق محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، قال: سمعت قتادة يحدث،

(1)

. فيض القدير شرح الجامع الصغير (2/ 76).

(2)

. الفروع (2/ 163).

(3)

. فتح الباري (2/ 210)، وانظر المحلى بالآثار (2/ 379)، عون المعبود (2/ 259).

ص: 301

عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سووا صفوفكم، فإن تسوية الصف، من تمام الصلاة

(1)

.

وجه الاستدلال بالحديث من وجهين:

الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتسوية الصفوف، والأصل في الأمر الوجوب.

الثاني: أن التام في أصل الوضع هو ما يقابل الناقص، يقال: ولد تام الخلق: أي غير ناقص، والنقص من الصلاة لا يجوز، فكذلك تسوية الصفوف.

• ويناقش:

بأن القرينة الصارفة عن الوجوب إلى الاستحباب قوله في حديث أبي هريرة (إقامة الصف من حسن الصلاة).

وأن التمام يأتي بمعنى الكمال، ويأتي بمعنى إتمامها عن النقص، وحديث أبي هريرة قرينة أنه أراد الأول، والله أعلم.

الدليل الثاني:

(ح-1171) ما رواه البخاري ومسلم من طريق شعبة، قال: أخبرني عمرو بن مرة، قال: سمعت سالم بن أبي الجعد، قال:

سمعت النعمان بن بشير، يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لَتُسَوُّنَّ صفوفكم، أو ليخالِفَنَّ الله بين وجوهكم

(2)

.

وجه الاستدلال:

ورود الوعيد على تركه، وأنه سبب لاختلاف الجهات الدال على اختلاف القلوب وتنافرها دليل على أنه واجب؛ إذ المستحب لا عقوبة في تركه.

• وأجيب:

هذا الدليل من أقوى أدلة القائلين بالوجوب، وقد حاول ابن بطال أن يجيب عن هذا الدليل، فقال:«لما كان تسوية الصفوف من السنن المندوب إليها التي يستحق فاعلها المدح عليها، دل ذلك أن تاركها يستحق الذم والعتب»

(3)

.

(1)

. صحيح مسلم (433).

(2)

. صحيح البخاري (717)، وصحيح مسلم (436).

(3)

. شرح البخاري لابن بطال (2/ 347).

ص: 302

• وتعقب:

بأنه لا يلزم من ذم تارك السنة أن يكون آثمًا

(1)

، وأن يترتب عليه عقاب كالمتوَعَّدِ به من ترك تسوية الصفوف.

الدليل الثالث:

(ث-274) ما رواه البخاري من طريق سعيد بن عبيد الطائي، عن بشير بن يسار الأنصاري،

عن أنس بن مالك، أنه قدم المدينة فقيل له: ما أنكرت منا منذ يوم عهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما أنكرت شيئًا إلا أنكم لا تقيمون الصفوف

(2)

.

وجه الاستدلال:

أن إنكار أنس رضي الله عنه على ترك إقامة الصفوف دليل الوجوب؛ لأن الإنكار لا يقع إلا على ترك واجب.

• ورد هذا الاستدلال:

بأن الإنكار قد يقع على ترك السنن المؤكدة، أو على ارتكاب المكروه.

الدليل الرابع:

(ح-1172) ما رواه البخاري، قال: حدثنا أبو الوليد، قال: حدثنا شعبة، عن قتادة،

عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سووا صفوفكم، فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة

(3)

.

وجه الاستدلال:

إذا كانت تسوية الصفوف من إقامة الصلاة، كانت التسوية واجبة؛ لأن إقامة الصلاة واجبة، وكل شيء من الواجب فهو واجبٌ.

• ونوقش هذا:

بأن أبا الوليد الطيالسي انفرد بهذا اللفظ عن شعبة، وأصحاب شعبة يروونه

(1)

. فتح الباري لابن حجر (2/ 210).

(2)

. صحيح البخاري (724).

(3)

. صحيح البخاري (723).

ص: 303

بلفظ: (فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة)

(1)

.

(1)

. ورد هذا الحديث عن أنس بثلاثة ألفاظ،

فالحديث رواه شعبة، عن قتادة، عن أنس، وقد روي عن أنس بثلاثة ألفاظ:

اللفظ الأول: (فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة).

رواه أبو الوليد، عن شعبة، واختلف عليه:

فرواه البخاري (723)، عن أبي الوليد، عن شعبة، بلفظ:( .... من إقامة الصلاة).

وخالف البخاري أبو داود في سننه (668)، ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى (3/ 141).

وأبو خليفة الفضل بن حباب كما في صحيح ابن حبان (2174)، وتاريخ دمشق لابن عساكر (54/ 94).

وعثمان بن سعيد كما في السنن الكبرى للبيهقي (3/ 141)، ثلاثتهم رووه عن أبي الوليد الطيالسي، عن شعبة به، كلفظ الجماعة:(تسوية الصفوف من تمام الصلاة).

اللفظ الثاني: رواه أصحاب شعبة، عنه بلفظ:(فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة)، منهم.

الأول: محمد بن جعفر غندر، وهو من أثبت أصحاب شعبة، كما في صحيح مسلم (124 - 433)، ومسند أحمد (3/ 177، 274)، ومسند أبي يعلى (2997)، ومسند البزار (7109، 7158)، وصحيح ابن خزيمة (1543)، ومستخرج أبي نعيم على صحيح مسلم (968)، والفوائد لأبي الشيخ (9).

الثاني: يحيى بن سعيد القطان، كما في سنن ابن ماجه (993)، وصحيح ابن خزيمة (1543).

الثالث: عبد الرحمن بن مهدي، كما في مسند أبي يعلى (3137)، ومسند السراج (740، 742)، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم (1/ 169، 170).

الرابع: خالد بن الحارث، كما في صحيح ابن حبان (2171)،

الخامس: بهز بن أسد، كما في مسند أحمد (3/ 291)، ومسند أبي يعلى (3212)،

السادس: عفان بن مسلم، كما في مسند أحمد (3/ 254)، وشرح السنة للبغوي (3/ 368).

السابع: حجاج بن محمد كما في مسند أحمد (3/ 274)،

الثامن: سليمان بن حرب، كما في سنن أبي داود (668)، ومن طريقه البيهقي (3/ 141)،

التاسع: يزيد بن زريع، كما في مسند أبي يعلى (3137)،

العاشر: علي بن نصر الجهضمي، كما في سنن ابن ماجه (993)،

الحادي عشر: أبو داود الطيالسي، كما في مسنده (2094)، ومن طريقه أبو يعلى (3213)، وأبو عوانة في مستخرجه (1373)، وأبو نعيم في مستخرجه على صحيح مسلم (968).

الثاني عشر: أبو النضر هاشم بن القاسم، كما في سنن الدارمي (1298)، ومستخرج أبي عوانة (1373).

الثالث عشر: سعيد بن عامر الضبعي، كما في سنن الدارمي (1298).

الرابع عشر: بشر بن عمر الزهراني كما في سنن ابن ماجه (993).

الخامس عشر: بَدَل بن المُحَبَّر، كما في معجم ابن الأعرابي (97).

السادس عشر: أبو عامر عبد الملك بن عمرو العقدي، كما في مسند أبي يعلى (3055)، =

ص: 304

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

السابع عشر: حَبَّان بن هلال، كما في مسند السراج (743).

الثامن عشر: شعيب بن حرب، كما في تاريخ بغداد (11/ 227).

التاسع عشر: أسد بن موسى، كما في مستخرج أبي عوانة (1372).

العشرون: عمر بن مرزوق، كما في مستخرج أبي نعيم على صحيح مسلم (968).

الحادي والعشرون: عبد الملك بن إبراهيم الجدي، كما في الأوسط لابن المنذر (4/ 177)، كلهم رووه عن شعبة، عن قتادة عن أنس مرفوعًا بلفظ:«فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة» ، إلا عفان فإنه فإن روايته في مسند أحمد عن شعبة به موقوفًا. قال عبد الله بن أحمد: أظنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا أحسب أني قد أسقطته.

وقد أخرجه البغوي في شرح السنة (3/ 368) من طريق الحسين بن الفضل البجلي، عن عفان به، مرفوعًا من دون شك.

فالذي يبدو للباحث أن لفظ (فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة) قد انفرد بهذا اللفظ أبو الوليد الطيالسي على اختلاف عليه في لفظه، وقد خالفه أمة من الحفاظ، ولو خالف محمد بن جعفر وابن مهدي ويحيى بن سعيد القطان لكفى بالحكم على روايته بالشذوذ، فكيف وقد خالف معه أكثر من عشرين حافظًا، والله أعلم.

وخالف كل هؤلاء وكيع،

فرواه أحمد (3/ 274)، وابن أبي شيبة في المصنف (3528)، وابن خزيمة (1543)، والحاكم في المستدرك (787) عن وكيع، عن شعبة عن قتادة به، بلفظ:(أقيموا صفوفكم، فإن من حسن الصلاة إقامة الصف).

قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، وإنما اتفقا على غير هذا اللفظ، وهو أن تسوية الصف من تمام الصلاة. اهـ

قلت: بل هو لفظ شاذ من حديث أنس، وإن كان محفوظًا من حديث أبي هريرة، واللفظ هذا جاء من رواية همام، عن قتادة، وشعبة مقدم على همام، انظر اللفظ الثالث.

اللفظ الثالث: (فإن إقامة الصف من حسن الصلاة).

أخرجه أحمد (3/ 122)، حدثنا يزيد بن هارون، عن همام، عن قتادة، عن أنس.

وتابع همامًا مسعر بن كدام، أخرجه الطبراني في الأوسط (475، 5271) وأبو نعيم في الحلية (7/ 259) و (8/ 301) من طريق محمد بن أبي عمر العدني، قال: حدثنا بشر بن السري، قال: حدثنا مسعر (بن كدام) عن قتادة، بلفظ:(أقيموا صفوفكم، فإن من حسن الصلاة إقامة الصف).

قال الطبراني: لم يروه عن مسعر إلا بشر بن السري، ولا رواه عن بشر إلا ابن أبي عمر.

وقال أبو نعيم: تفرد به بشر بن السرى عن مسعر.

وقال مرة أخرى: غريب من حديث مسعر، تفرد به: بشر.

قلت: أشار الطبراني إلى علته، وهو تفرد ابن أبي عمر العدني، وهو صدوق فيه غفلة، والله أعلم.

وخالفهما شعبة، فرواه عن قتادة، بلفظ:(فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة) وهو المحفوظ من حديث قتادة عن أنس.

وشعبة مقدم على همام في قتادة، فحديث أنس المحفوظ أنه بلفظ:(فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة)، ولفظ (فإن إقامة الصف من حسن الصلاة) محفوظ من حديث أبي هريرة. رواه البخاري (722)، ومسلم (126 - 435) من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة

والله أعلم.

ص: 305

الدليل الخامس:

(ح-1173) ما رواه مسلم، من طرق عن الأعمش، عن عمارة بن عمير التيمي، عن أبي معمر،

عن أبي مسعود قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول: استووا، ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم

قال أبو مسعود: فأنتم اليوم أشد اختلافًا

(1)

.

فاختلاف الصف سبب لاختلاف القلوب، والعقاب لا يكون إلا على واجب.

الدليل السادس:

(ث-275) روى الحارث بن أبي أسامة في مسنده، قال: حدثنا يحيى بن أبي بكير، ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق،

عن عمرو بن ميمون، قال: شهدت عمر بن الخطاب رضي الله عنه غداة طُعِنَ، فكنت في الصف الثاني، وما يمنعني أن أكون في الصف الأول إلا هيبته، كان رضي الله عنه يستقبل الصف إذا أقيمت الصلاة، فإن رأى إنسانًا متقدمًا أو متأخرًا أصابه بالدرة، فذلك الذي منعني أن أكون في الصف الأول .... وذكر بقية الأثر

(2)

.

[صحيح]

(3)

.

قال ابن حزم: «روينا بأصح إسناد عن أبي عثمان النهدي، قال: كنت فيمن ضرب عمر بن الخطاب قدمه لإقامة الصف»

(4)

.

(1)

. صحيح مسلم (122 - 432).

(2)

. المطالب العالية (3898).

(3)

. رواه أبو نعيم في الحلية (4/ 151) من طريق يحيى بن أبي بكير به.

ورواه ابن سعد في الطبقات (3/ 340) أخبرنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل به.

(4)

. المحلى بالآثار (2/ 378).

ص: 306

(ث-276) وروى عبد الرزاق في المصنف، عن الثوري، عن الأعمش، عن عمارة بن عمران الجعفي،

عن سويد بن غفلة قال: كان بلال يضرب أقدامنا في الصلاة، ويسوي مناكبنا

(1)

.

[الصحيح أنه عن الأعمش، عن عمران]

(2)

.

قال ابن حزم: «فهذا بلال ما كان ليضرب أحدًا على غير الفرض»

(3)

.

• ونوقش:

بأن التعزير قد يكون على ترك السنن المؤكدة، أو على ارتكاب المكروه.

(1)

. مصنف عبد الرزاق (2435).

(2)

. رواه مسدد في مسنده عن الثوري، ولم يذكر الأعمش، كما في المطالب العالية (398)، وإتحاف الخيرة المهرة (1211)، قال: حدثنا يحيى، عن سفيان، حدثني عمار، عن عمران، عن سويد بن غفلة.

وفي إتحاف الخيرة المهرة، قال: عثمان بدلًا من عمار، فعندنا ثلاثة ألفاظ:(عمارة) كما في مصنف عبد الرزاق، والمحلى لابن حزم (2/ 379).

و (عمار) كما في مسند مسدد من المطالب العالية، و (عثمان) كما في مسند مسدد من إتحاف الخيرة، ولا أدري من هو؟ ولم أقف على ترجمة لعمارة أو عمار بن عمران، ولم أجد من الرواة عن عمران أحدًا يحمل أحد هذه الأسماء الثلاثة، وإنما وجدت الأعمش قد ذكر من الرواة عن عمران، والله أعلم.

وقد رواه ابن أبي شيبة في المصنف (3534) حدثنا ابن نمير، عن الأعمش، عن عمران، عن سويد، عن بلال، قال: كان يسوي مناكبنا وأقدامنا في الصلاة. وهذا إسناد صحيح، ولم يذكر الضرب.

وهذا الإسناد مخالف لإسناد عبد الرزاق، حيث جعل بين الأعمش وعمران عمارة.

ورواه الطبراني في الصغير (2/ 81) من طريق أحمد بن أبي الحواري، حدثنا عبد الله بن نمير، عن الأعمش، عن عمران بن مسلم، عن سويد بن غفلة، عن بلال رضي الله عه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يسوي مناكبنا في الصلاة.

فجعله مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

قال الطبراني: لم يروه عن الأعمش إلا ابن نمير، تفرد به أحمد بن أبي الحواري، ولا يروى عن بلال إلا بهذا الإسناد. اهـ

قلت: أحمد بن عبد الله بن ميمون بن أبي الحواري، ثقة، فقد يكون البلاء من شيخ الطبراني محمد بن علي بن خلف الدمشقي، حدث عنه جمع، ولم يوثق، ففيه جهالة.

(3)

. المحلى بالآثار (2/ 379).

ص: 307

(ث-277) فقد روى البخاري معلقًا عن روح، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، أن موسى بن أنس أخبره،

أن سيرين سأل أنسًا المكاتبة، وكان كثير المال، فأبى، فانطلق إلى عمر رضي الله عنه، فقال: كاتبه، فأبى، فضربه بالدرة، ويتلو عمر:{فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] فكاتبه

(1)

.

[لم أقف على سماع موسى بن أنس من عمر، وقد صح الأثر من مسند أنس]

(2)

.

قال مالك بن أنس: الأمر عندنا أن ليس على سيد العبد أن يكاتبه إذا سأله ذلك، ولم أسمع أن أحدًا من الأئمة أكره رجلًا على أن يكاتب عبده ....

(3)

.

ولأن الكتابة إما بيع أو عتق وكلاهما لا يجب، فهو كقوله تعالى:{إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} إلى قوله تعالى: {وَلَا تَسْئَمُوا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ} [البقرة: 282] فجمع بين الأمر بالكتابة، والنهي عن السآمة منها صغيرًا أو كبيرًا.

وإذا صح أن عمر ضرب بالدرة على ترك ما هو مستحب لم يكن ضربه على

(1)

. صحيح البخاري (3/ 151).

(2)

. لم يذكر المزي من شيوخ موسى بن أنس بن مالك عمر بن الخطاب.

قال الحافظ: وَصَله إسماعيل القاضي في (أحكام القرآن) قال: حدثنا علي بن المديني، حدثنا رَوْح بن عُبادة، بهذا.

ورواه عبد الرزاق في المصنف (15578) عن ابن جريج، قال: أخبرني مخبر، أن موسى بن أنس بن مالك، أخبره أن سيرين سأل أنس بن مالك

وذكر الأثر.

وفيه جهالة شيخ ابن جريج.

ورواه عبد الرزاق في المصنف (15577) عن معمر، عن قتادة، قال: سأل سيرين أبو محمد أنس بن مالك

وذكر الأثر.

وهذه الرواية لها علتان: إحداهما: رواية معمر عن قتادة فيها كلام،

والثانية: أن هذا الأثر مقطوع من كلام قتادة، وهو لم يشهد القصة.

ورواه الطبري في تفسيره ت شاكر (19/ 167) من طريق محمد بن بكر.

والبيهقي في السنن الكبرى (10/ 538) من طريق يحيى بن أبي طالب، أنبأ يزيد بن هارون، كلاهما (محمد بن بكر، ويزيد بن هارون) عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك، قال: أرادني سيرين على المكاتبة، فأبيت عليه، فأتى عمر بن الخطاب

وذكر نحو الأثر.

وهذا الإسناد متصل، وقد توبع فيه يحيى بن أبي طالب، فصح هذا الأثر، والله أعلم.

(3)

. الموطأ (2/ 788).

ص: 308

ترك التسوية بالصف دليلًا على الوجوب، والله أعلم.

الدليل السابع:

أن تسوية الصفوف، والتقارب فيما بينها مانع من دخول الشياطين بين المصلين، وأن عدم ذلك سبب لدخولها، فتتسلط عليهم بشدة الوسوسة، وقطع مثل ذلك عن الصلاة لا يستبعد وجوبه.

(ح-1174) فقد روى أحمد، قال: حدثنا أسود بن عامر، وعفان، قالا: حدثنا أبان، عن قتادة، عن أنس، قال أسود:

حدثنا أنس بن مالك، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رصوا صفوفكم، وقاربوا بينها، وحاذوا بالأعناق، فوالذي نفس محمد بيده إني لأرى الشياطين تدخل من خلل الصف كأنها الحذف، وقال عفان: إني لأرى الشيطان يدخل

(1)

.

[صحيح]

(2)

.

(1)

. المسند (3/ 260).

(2)

. والحديث أخرجه أحمد أيضًا (3/ 283)، والضياء المقدسي في الأحاديث المختارة (2433) عن عفان.

وأخرجه أحمد (3/ 260) والضياء المقدسي في الأحاديث المختارة (2434) عن أسود بن عامر.

والنسائي في المجتبى (815). وفي الكبرى (891) من طريق أبي هشام (المغيرة بن سلمة)، ثلاثتهم عن أبان، عن قتادة به.

ورواه مسلم بن إبراهيم، واختلف عليه فيه:

فرواه أبو داود كما في سننه (667)، ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى (3/ 142).

ومحمد بن معمر كما في صحيح ابن خزيمة (1545)، وابن حبان (6339).

ويوسف بن موسى كما في مسند السراج (741)، والأحاديث المختارة للمقدسي (2432).

ويوسف بن يعقوب الأزدي كما في الأحاديث المختارة (2436)،

وعلي بن عبد العزيز كما في الأوسط لابن المنذر (4/ 178).

وأبو عبد الله عبيد بن الحسن كما في تاريخ أصبهان لأبي نعيم (2/ 102)، ستتهم رووه عن مسلم بن إبراهيم، عن أبان، عن قتادة بمثل رواية الجماعة.

وخالفهم محمد بن الأزهر كما في صحيح ابن حبان (2166) فرواه عن مسلم بن إبراهيم، حدثنا أبان، وشعبة، قالا: حدثنا قتادة، عن أنس: أن رسول الله قال: رصوا صفوفكم، وقاربوا بينها، وحاذوا بالأكتاف، فوالذي نفسي بيده إني لأرى الشيطان يدخل من خلل الصف كأنها الحذف».

وخالف الجماعة في حرفين، الأول: زيادة شعبة في الإسناد،

والثاني: ذكر الأكتاف وقال الجماعة: الأعناق، والمحفوظ رواية الجماعة، والله أعلم.

ص: 309

• دليل من أبطل الصلاة بترك التسوية:

الدليل الأول:

الأمر بالشيء نهي عن ضده، فالأمر بالتسوية نهي عن الإخلال بها، والنهي يقتضي الفساد في أصح القولين عند أهل الأصول.

ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم كما في حديث عائشة: من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد.

رواه مسلم من طريق سعد بن إبراهيم، عن القاسم بن محمد، عن عائشة مرفوعًا

(1)

.

الدليل الثاني:

إذا صح أن التسوية واجبة، فإن تَعَمُّد ترك الواجب في الصلاة يبطلها في أحد قولي أهل العلم.

• وأجيب:

بأن التسوية هي واجب للصلاة مع مصلٍّ آخر، فليست التسوية جزءً امن واجبات الصلاة نفسها، فالجهة منفكة، فالأمر بالصلاة من حيث هي صلاة ليست التسوية جزءًا منها، وإنما الخلاف في ترك واجبٍ من واجبات الصلاة نفسها، أتبطل الصلاة بتركه أم لا؟ فالحنفية والمالكية يرون أن ترك واجبات الصلاة لا يبطلها في الجملة، بل ينقص أجرها، خلافًا للحنابلة القائلين ببطلان الصلاة إذا تعمد ترك الواجب فيها، وسبق بحث هذه المسألة، ولله الحمد، ورجحت قول الحنفية والمالكية.

• دليل من قال: لا تبطل الصلاة بترك التسوية:

أما من قال بأن التسوية سنة فظاهر، وأما من رأى وجوب التسوية، وأن الإخلال بذلك لا يبطل الصلاة، فاستدل على قوله:

(ث-278) بما رواه أنس بن مالك، أنه قدم المدينة فقيل له: ما أنكرت منا منذ يوم عهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما أنكرت شيئًا إلا أنكم لا تقيمون الصفوف.

رواه البخاري من طريق سعيد بن عبيد الطائي، عن بشير بن يسار الأنصاري، عن أنس

(2)

.

(1)

. صحيح مسلم (1718).

(2)

. صحيح البخاري (724).

ص: 310

وجه الاستدلال:

أن أنسًا رضي الله عنه لم يأمرهم بإعادة الصلاة، وهذا دليل على أحد أمرين: إما أن يقال: إن التسوية سنة كما هو قول أكثر أهل العلم، أو يقال: إن الإخلال بالتسوية لا يبطل الصلاة.

• الراجح:

القول بالوجوب من حيث دلالة النص قوي، إلا أن القول به لا يؤثر عن أحد من المتقدمين، فلا يعلم القول به قبل البخاري، وبعض طلبة العلم قد لا يبالي بهذا الشرط، فيذهب إلى الفهم من النص في معزل عن فهم السلف، وإذا لم يؤثر القول إلا عن الظاهرية، أو بعد القرون المفضلة فإني لا أنشط للذهاب إليه، وإن كنت لا أدفعه من حيث العمل، وقد قال ابن جريج لعطاء بن أبي رباح في مكاتبة العبد حين أمر الله تعالى في القرآن بمكاتبة العبد: أواجب عليَّ إذا علمت مالًا أن أكاتبه؟ قال: ما أراه إلا واجبًا؟ قال: قلت لعطاء: أتأثره عن أحد؟ قال: لا

(1)

.

وإذا كان هذا يقال لعطاء، وهو قد أدرك خلقًا كثيرًا من الصحابة رضوان الله عليهم، فكيف بالإمام البخاري عليه رحمة الله، فالسلف كانوا حريصين إلى تلمس إمام متقدم يكون سلفًا لهم خاصة من طبقة الصحابة والتابعين فيما لم يحفظ اختلاف بينهم، فإن اختلفوا كان الأمر واسعًا، فيتحرى أقربهما إلى الحق، والله أعلم.

* * *

(1)

. تفسير الطبري ت شاكر (19/ 167).

ص: 311