الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس في مشروعية تحية المسجد للمرور بلا مكث
المدخل في المسألة:
• استخدام المسجد للعبور حال نادرة، والمساجد لم تُبْنَ لهذا، فلا تقصد بالعموم.
• قاصد المسجد إما أن يدخل في الصلاة وهذا لا تحية عليه، أو يمكث فيه فيكون مخاطَبًا بالصلاة، سواء أجلس، أم مكث قائمًا، أم نام ولم يجلس، أم دخل مجتازًا.
• شرعت تحية المسجد تعظيمًا له، فكان اعتبارها حق الدخول أظهر في تعظيم المسجد من اعتبارها حق الجلوس فيه.
• قوله: صلى الله عليه وسلم (فلا يجلس) خرج مخرج الغالب، فلا مفهوم له.
• الوصف إذا خرج مخرج الغالب لا مفهوم له إجماعًا.
• ذكر الجلوس إن كان مقصودًا فهو للمبادرة بها، وعدم تأخيرها، والانشغال عنها، لا شرطًا للأمر بها.
• لا يفهم من قوله: (فلا يجلس) وجوب التحريمة لها قائمًا؛ لصحة النافلة جالسًا، فيتأكد أن الجلوس خرج مخرج الغالب.
[م-452] اختلفوا في المار في المسجد، هل يصلي تحية المسجد؟
فقيل: لا يصلي، وهو مذهب المالكية، ونص عليه أحمد، وبه قال إسحاق
(1)
.
جاء في مسائل أحمد وإسحاق رواية الكوسج: قلت له: تكره أن يمر الرجل
(1)
. التوضيح لخليل (2/ 99)، شرح ابن ناجي على الرسالة (1/ 169)، شرح الخرشي (2/ 5)، الشرح الكبير للدردير (1/ 314)، شرح زروق على الرسالة (1/ 275)، الدر الثمين والمورد المعين (ص:335)، أسهل المدارك (1/ 298)، حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني (1/ 297)، شرح الزرقاني على مختصر خليل (1/ 494)، منح الجليل (1/ 341).
في المسجد، ولا يصلي فيه؟
قال: أما مارًّا فلا أكرهه، ولكن لا يجلس حتى يصلي، ولا يتخذه طريقًا، قال إسحاق: كما قال»
(1)
.
وحجتهم: حديث أبي قتادة: فلا يجلس حتى يصلي ركعتين.
وقيل:
يصلي، ولو كان مارًّا، لأن ذكر الجلوس في الحديث خرج مخرج الغالب، وبه قال ابن العماد من الشافعية، والمذهب عند الحنابلة
(2)
.
قال البهوتي: «وتسن تحية المسجد ركعتان فأكثر لكل من دخله: أي المسجد، قصد الجلوس به أو لا؛ لعموم الأخبار»
(3)
.
والقائلون في سقوط تحية المسجد، اختلفوا في سبب ذلك، أهو من أجل المشقة، أم أنه غير مخاطب بها؛ لأنها يخاطب بها من يريد الجلوس؟ قولان للفقهاء، أصحهما عند المالكية الثاني.
وعلى القول الثاني لو صلى المار في المسجد ركعتين، كانت نفلًا مطلقًا، وهذا التفريق بين النفل المطلق وتحية المسجد يصح عند من يعتبر تحية المسجد من النفل المؤكد، وهي مسألة خلافية يحسن أن أقصدها بالبحث على وجه مستقل، أسأل الله وحده العون والتوفيق.
• وسبب الخلاف:
أن تحية المسجد من صلاة ذوات الأسباب، واختلفوا في السبب، أهو الدخول في المسجد، أم الجلوس فيه؟
فمن قال: إن السبب الجلوس في المسجد رأى أن النهي عن الجلوس حتى يصلي ركعتين في حديث أبي قتادة وصف مقصود، وأن حديث أبي قتادة:(فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) له منطوق، ومفهوم.
(1)
. مسائل أحمد وإسحاق (2/ 739).
(2)
. الفتاوى الفقهية لابن جحر الهيتمي (1/ 184)، الفروع (3/ 183)، الإقناع (1/ 198)، كشاف القناع (2/ 46)، مرعاة المفاتيح (2/ 412).
(3)
. كشاف القناع (2/ 46).
فالمنطوق: النهي عن الجلوس حتى يصلي ركعتين.
ومفهومه: أن من لا يريد الجلوس فلا يؤمر بالصلاة، فكانت تحية المسجد حق الجلوس فيه، لا مجرد الدخول.
ومن قال: إن تحية المسجد سببها الدخول في المسجد
(1)
، وأن قيد الجلوس خرج مخرج الغالب؛ باعتبار أن من يدخل المسجد مجتازًا حال نادرة، والمساجد لم تُبْنَ لهذا، فالغالب على من يدخل المسجد: إما أن يصلي مباشرة، وهذا تسقط عنه تحية المسجد، وإما أن يجلس، فجاء ذكر الجلوس وصفًا طرديًّا في حديث أبي قتادة، لا مفهوم له؛ لأن المفهوم إذا خرج مخرج الغالب فليس بحجة إجماعًا، فكانت الركعتان حق الدخول للمسجد تعظيمًا له، سواء أجلس في المسجد أم اجتاز، فإذا دخل كان مأمورًا بصلاة ركعتين.
وقد تفرع على اختلافهم هذا الاختلاف في فوات تحية المسجد بالجلوس، وسوف أفرد لها بحثًا مستقلًّا إن شاء الله تعالى.
* * *
(1)
. جاء في مغني المحتاج (1/ 456): «ظاهر كلامه كغيره أنه لا فرق في سنها بين مريد الجلوس وغيره، ولا بين المتطهر وغيره إذا تطهر في المسجد، لكن قيده الشيخ نصر بمريد الجلوس، ويؤيده الخبر المذكور. قال الزركشي: لكن الظاهر أن التقييد بذلك خرج مخرج الغالب، وهذا هو الظاهر، فإن الأمر بذلك معلق على مطلق الدخول تعظيمًا للبقعة، وإقامةً للشعار كما يسن لداخل مكة الإحرام سواء أراد الإقامة بها أم لا» . و انظر فتح العزيز (3/ 110).