الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السادس في سقوط القيام عن المصلي
المبحث الأول لا يجب القيام في صلاة النافلة
المدخل إلى المسألة:
• النفل أوسع من الفرض، ولهذا جاز النفل قاعدًا وراكبًا، إلى القبلة وغيرها، وجاز في صيام النفل بنية من النهار.
• التخفيف في النفل تيسيرًا من أجل تحصيله وتكثيره وتطويله.
• أجر القائم على الضعف من أجر القاعد إلا من عذر
[م-491] يجوز للقادر على القيام أن يتنفل قاعدًا؛ لأن النفل أوسع من الفرض، وقد سومح في النفل لتطلع الشارع إلى تكثيره وتطويله
(1)
.
(ح-1197) ولما رواه البخاري ومسلم من طريق هشام بن عروة، قال: أخبرني أبي،
عن عائشة، قالت: ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في شيء من صلاة الليل جالسًا، حتى إذا كبر قرأ جالسًا، فإذا بقي عليه من السورة ثلاثون، أو أربعون آية قام فقرأهن، ثم ركع
(2)
.
قال ابن عبد البر: «وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتنفل جالسًا .... وهذا كله لا خلاف
(1)
. تبيين الحقائق (1/ 175)، إكمال المعلم (3/ 72)، التمهيد (21/ 165)، المسالك شرح موطأ مالك (2/ 240)، المنتقى للباجي (1/ 243)، الكافي في فقه الإمام أحمد (1/ 270)، كشاف القناع (1/ 441)، المغني (2/ 106).
(2)
. البخاري (1148)، ومسلم (111 - 731).
فيه والحمد لله»
(1)
.
• فإن تنفل قاعدًا من غير عذر كان أجره على النصف من أجر القائم.
(ح-1198) لما روى البخاري من طريق روح بن عبادة، ومن طريق عبد الوارث، كلاهما عن حسين، عن عبد الله بن بريدة، قال:
حدثني عمران بن حصين -وكان مبسورًا- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الرجل قاعدًا، فقال: إن صلى قائمًا فهو أفضل، ومن صلى قاعدًا فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائمًا، فله نصف أجر القاعد
(2)
.
فقوله: (فإن صلى قائمًا فهو أفضل) دليل على أن الحديث في ترك القيام مع القدرة عليه.
فإن كان جلوسه لعذر كتب له أجره كاملًا، لقوله تعالى:{لَاّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً} [النساء: 95].
فاستثنى الله من القاعدين أهل الأعذار فإن لهم مثل أجر المجاهد.
(ح-1199) لما رواه البخاري من طريق عبد الله بن المبارك، أخبرنا حميد الطويل،
عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع من غزوة تبوك فدنا من المدينة، فقال: إن بالمدينة أقوامًا، ما سرتم مسيرًا، ولا قطعتم واديًا إلا كانوا معكم، قالوا: يا رسول الله، وهم بالمدينة؟ قال: وهم بالمدينة، حبسهم العذر
(3)
.
(ح-1200) وروى البخاري من طريق العوام، حدثنا إبراهيم أبو إسماعيل السكسكي، قال: سمعت أبا بردة، واصطحب هو ويزيد بن أبي كبشة في سفر، فكان يزيد يصوم في السفر، فقال له أبو بردة:
سمعت أبا موسى مرارًا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا مرض العبد، أو سافر، كتب له مثل ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا
(4)
.
(ح-1201) وأما ما رواه أحمد من طريق عبد الوهاب بن عطاء، عن سعيد بن
(1)
. الاستذكار (2/ 180).
(2)
. صحيح البخاري (1115).
(3)
. صحيح البخاري (4423).
(4)
. صحيح البخاري (2996).
أبي عروبة، عن حسين المعلم، قال: وقد سمعته من حسين، عن عبد الله بن بريدة،
عن عمران بن حصين، قال: كنت رجلًا ذا أسقام كثيرة، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاتي قاعدًا؟ قال: صلاتك على النصف من صلاتك قائمًا، وصلاة الرجل مضطجعًا على النصف من صلاته قاعدًا
(1)
.
فإن ظاهر رواية عبد الوهاب بن عطاء أن المريض كالصحيح له نصف الأجر إذا صلى قاعدًا، إلا أن الحديث مداره على حسين المعلم، وقد رواه جماعة عن حسين المعلم، وعلى رأسهم يحيى بن سعيد القطان ويزيد بن زريع، وروح بن عبادة وعبد الوارث بن سعيد وجماعة فلم يذكروا ما ذكره عبد الوهاب بن عطاء، عن حسين المعلم، وكان قد سمعه من سعيد بن أبي عروبة عن حسين
(2)
.
(1)
. مسند الإمام أحمد (4/ 433).
(2)
. الحديث رواه عبد الوهاب بن عطاء عن سعيد بن عروبة وقد سمعه عبد الوهاب من حسين المعلم، عن ابن بريدة، عن عمران بن حصين بزيادة (كنت رجلًا ذا أسقام كثيرة
…
)
وخالف عبد الوهاب كل من:
روح بن عبادة كما في صحيح البخاري (1115).
وعبد الوارث بن سعيد كما في صحيح البخاري (1115، 116)، ومسند أحمد (4/ 443)، والطبراني في الكبير (18/ 236) ح 591، والسنن الكبرى للبيهقي (2/ 691)، والطب النبوي لأبي نعيم الأصبهاني (461).
ويحيى بن سعيد القطان كما في مسند أحمد (4/ 435)، وسنن أبي داود (951)، والطبراني في الكبير (18/ 236) ح 592، وصحيح ابن خزيمة (1249)، والحلية لأبي نعيم (8/ 390).
وإسحاق بن يوسف الأزرق كما في مسند أحمد (4/ 442)، ومنتقى ابن الجارود (230)، والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 691).
وعيسى بن يونس كما في سنن الترمذي (371)، وأحكام القرآن للطحاوي (448)، ومشكل الآثار (1694)، ومختصر قيام الليل للمروزي (ص: 198)، والسراج في حديثه انتقاء الشحامي (2551).
ويزيد بن زريع كما في سنن ابن ماجه (1231)، وصحيح ابن خزيمة (1249).
وسفيان بن حبيب كما في السنن الكبرى للنسائي (1366)، وفي المجتبى (1660).
وأبو خالد الأحمر كما في صحيح ابن خزيمة (1236، 1249)،
وأبو أسامة حماد بن أسامة كما في مصنف ابن أبي شيبة (4632)، والمعجم الكبير للطبراني (18/ 236) ح 590، وصحيح ابن حبان (2513)، وسنن الدارقطني (1561)،
وبشر بن المفضل كما في مسند البزار (3513).
ويزيد بن هارون كما في السنن الكبرى للبيهقي (2/ 437، 691) كلهم أحد عشر راويًا
…
رووه عن حسين المعلم، فلم يذكروا زيادة عبد الوهاب، فالحديث في صلاة النفل قاعدًا من غير المعذور.
يستثنى النبي صلى الله عليه وسلم، فإن صلاته قاعدًا بلا عذر كتطوعه قائمًا في الأجر، وعَدَّ الشافعية ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم.
(ح-1202) لما رواه مسلم من طريق جرير، عن منصور، عن هلال بن يساف، عن أبي يحيى،
عن عبد الله بن عمرو، قال: حدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: صلاة الرجل قاعدًا نصف الصلاة، قال: فأتيته، فوجدته يصلي جالسًا، فوضعت يدي على رأسه، فقال: ما لك يا عبد الله بن عمرو؟ قلت: حدثت يا رسول الله أنك قلت: صلاة الرجل قاعدًا على نصف الصلاة، وأنت تصلي قاعدًا، قال: أجل، ولكني لست كأحد منكم
(1)
.
قال النووي -رحمه اللَّه تعالى-: هو عند أصحابنا من خصائصه صلى الله عليه وسلم، فجُعلت نافلته قاعدًا مع القدرة على القيام كنافلته قائمًا، تشريفًا له
…
وقال القاضي عياض رحمه الله: معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم لَحِقَه مشقَّة من القيام لحطم الناس، وللسِّنِّ، فكان أجره تامًّا، بخلاف غيره، ممن لا عذر له.
وردَّ عليه النوويُّ، فقال:«هذا ضعيف، أو باطل؛ لأن غيره صلى الله عليه وسلم إن كان معذورًا، فثوابه أيضًا كامل، وإن كان قادرًا على القيام، فليس هو كالمعذور، فلا يبقى فيه تخصيص، فلا يحسن على هذا التقدير (لست كأحد منكم)»
(2)
.
قال الحافظ: وهذا ينبني على أن المتكلم داخل في عموم خطابه، وهو الصحيح
(3)
.
* * *
(1)
. صحيح مسلم (120 - 735).
(2)
. شرح النووي على صحيح مسلم (6/ 15).
(3)
. فتح الباري (2/ 586).