الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني إذا كبر المسبوق تكبيرة واحدة ولم يكبر للركوع
المدخل إلى المسألة:
• إذا أدرك المسبوق الإمام في الركوع، فكبر تكبيرة واحدة حال القيام، ونوى بها التحريمة، ولم يكبر للركوع، انعقدت صلاته بلا تردد.
• إذا كبر للركوع ناسيًا التحريمة لم تنعقد صلاته في الأصح.
• التكبير فيما عدا الإحرام سنة على الصحيح من قولي أهل العلم.
• حديث أبي هريرة في قصة المسيء صلاته لم يذكر سوى تكبيرة الافتتاح.
• إذا نوى بتكبيرة واحدة الافتتاح والركوع صحت صلاته؛ لأن نية الركوع لا تنافي نية الافتتاح، فلم يؤثر التشريك بينهما.
• إذا كانت تكبيرة الافتتاح تقوم مقام تكبيرة الركوع من دون نية فكذلك إذا نواهما معًا، فلا تنافي بين النيتين
[م-478] تكلمنا في المسألة السابقة في الخلاف في اشتراط القيام لتكبيرة الإحرام بين الجمهور والمالكية، وتعرضنا للخلاف بين أصحاب الإمام مالك، وأريد أن أستوفي صور هذه المسألة من خلال هذا المبحث إن شاء الله تعالى.
• الصورة الأولى: أن ينوي بها تكبيرة الإحرام.
إذا اقتصر المسبوق على تكبيرة واحدة حال القيام، ونوى بها تكبيرة الإحرام، فإن صلاته تنعقد، وبه قال الأئمة الأربعة
(1)
، قال ابن عبد البر: وعلى هذا مذهب
(1)
. قال في مراقي الفلاح (ص: 83): «مدرك الإمام في الركوع لا يحتاج إلى تكبير مرتين خلافًا لبعضهم» . وانظر البحر الرائق (1/ 308)، الاستذكار (1/ 63)، مسائل أحمد وإسحاق رواية الكوسج (2/ 517)، مسائل حرب الكرماني من أول كتاب الصلاة (ص: 37)، المنح
…
الشافيات بشرح مفردات الإمام أحمد (1/ 221)، المغني (1/ 363)، المحرر (1/ 96)، الفروع مع تصحيح الفروع (2/ 434)، المبدع (2/ 56)، الإنصاف (2/ 224).
الفقهاء بالحجاز، والعراق، والشام
(1)
.
وقال المرداوي: «نص عليه أحمد، وعليه أكثر أصحابه»
(2)
.
وقال ابن رجب: «تجزئه صلاته بغير توقف»
(3)
.
وقيل: يجب عليه تكبيرتان: للإحرام والركوع، وهذا القول رواية عن أحمد صححها ابن عقيل، وبه قال ابن سيرين وعمر بن عبد العزيز، وحماد بن أبي سليمان
(4)
.
وقيل: إن تركها عمدًا بطلت صلاته، وإن تركها سهوًا صحت، وسجد له في الأقيس، وهو قول في مذهب الحنابلة
(5)
.
وقيل: تجزئ تكبيرة واحدة، وإن لم يَنْوِ بها تكبيرة الافتتاح، حكاه ابن رشد في بداية المجتهد
(6)
.
• وسبب الخلاف:
أن العلماء متفقون على أن تكبيرة الإحرام فرض، ومختلفون في حكم تكبيرات الانتقال: فمن قال: إن التكبير للركوع سنة رأى صحة الصلاة ولو تركه عمدًا.
قال ابن عبد البر في الاستذكار: «قد أوضحنا أن التكبير فيما عدا الإحرام سنة، فدل ذلك على أن من قال من العلماء: يكبر الداخل تكبيرتين، إحداهما: للافتتاح. والأخرى: للركوع أراد الكمال، والإتيان بالفرض والسنة، ومن اقتصر على تكبيرة الافتتاح فقد اقتصر على ما أجزأه»
(7)
.
(1)
. الاستذكار (1/ 63).
(2)
. انظر: الإنصاف (2/ 224).
(3)
. فتح الباري لابن رجب (6/ 317).
(4)
. التمهيد لابن عبد البر (7/ 75)، البناية شرح الهداية (2/ 226)، الاستذكار (1/ 423)، بداية المجتهد (1/ 196)، المغني (1/ 363)، المبدع (2/ 56)، الإنصاف (2/ 224).
(5)
. الإنصاف (2/ 244).
(6)
. بداية المجتهد (1/ 196)، وانظر حاشية القول الثاني في المسألة السابقة.
(7)
. الاستذكار (1/ 423).
(ث-279) وقد روى ابن أبي شيبة، قال: أخبرنا عبد الأعلى، عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر وزيد بن ثابت، قالا: إذا أدرك الرجل القوم ركوعًا فإنه يجزئه تكبيرة واحدة
(1)
.
[وسنده صحيح]
(2)
.
ولا يعلم لهما مخالف من الصحابة.
ومن رأى أن تكبيرات الانتقال واجبة، فاختلفوا:
فمنهم من أوجب عليه تكبيرتين بناء على أنهما عبادتان واجبتان مقصودتان، لا تغني إحداهما عن الأخرى، ومحلهما مختلف، فالأولى محلها القيام، والثانية محلها في أثناء الانتقال، فلم يتداخلا.
وهذا القول يسلم لو صح القول بأن تكبيرات الانتقال واجبة، والجمهور يذهب على أنها سنة، معتمدين على أن حديث أبي هريرة في قصة المسيء صلاته لم يذكر سوى تكبيرة الافتتاح؛ ولم يذكر تكبيرات الانتقال، ولو كانت فرضًا لذكرها كما ذكر تكبيرة الافتتاح، وسوف يأتينا بحث حكم تكبيرات الانتقال، والخلاف فيها إن شاء الله تعالى.
ومنهم من اشترط للصحة أن يكون تركه سهوًا، لهذا قال بجبره بالسجود بناء
(1)
. المصنف (2505).
(2)
. ومن طريق ابن أبي شيبة رواه ابن المنذر في الأوسط (3/ 80).
وأخرجه عبد الرزاق في المصنف (3355) عن معمر، عن الزهري به. وسقط من إسناد المصنف سالم بن عبد الله بن عمر.
ورواه البيهقي في السنن الكبرى (2/ 130) من طريق سعيد بن منصور، حدثنا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم، عن ابن شهاب، قال: كان ابن عمر وزيد بن ثابت إذا أتيا الإمام، وهو راكع كبرا تكبيرة واحدة، ويركعان بها. وابن شهاب لم يسمع من ابن عمر ولا من زيد بن ثابت.
جاء في مسائل ابن هانئ (230): قلت: أدرك الإمام راكعًا، أتجزئه التكبيرة الأولى من افتتاح الصلاة؟ قال: نعم، ينوي بها الافتتاح، قول ابن عمر، وزيد بن ثابت.
وسألته عن الرجل يجيء والإمام راكع، أتجزئه التكبيرة التي يركع بها دون تكبيرة الافتتاح؟
قال: نعم، إذا نوى بها تكبيرة الافتتاح، أذهب إلى حديث ابن عمر، وزيد بن ثابت.
قرأت على أبي عبد اللَّه: عبد الأعلى، عن معمر، عن الزهري، عن سالم: أن عبد اللَّه بن عمر، وزيد بن ثابت قالا: إذا أدرك الرجل القوم ركوعًا فإنه يجزئه تكبيرة.
على قاعدة: أن ترك أي واجب في الصلاة سهوًا يجبره سجود السهو بخلاف ترك الركن فإنه لا بد من الإتيان به لصحة الصلاة.
ومنهم من رأى أن تكبيرة الافتتاح تكفي، وإن كانت تكبيرة الركوع واجبة على قاعدة تداخل العبادات، فهذا المسبوق كان عليه تكبيرتان متواليتان بلا فاصل، إحداهما للإحرام، والأخرى للركوع، وجنسهما واحد، فأجزأ الركن عن الواجب، وقاسوه على تداخل بعض العبادات، كما لو أخر طواف الزيارة أغنى ذلك عن طواف الوداع، مع وجوب طواف الوداع خلافًا للمالكية، وكما أن غسل الجنابة يغني عن غسل الجمعة على القول بوجوب غسل الجمعة، وأن السنة الراتبة تغني عن تحية المسجد على القول بوجوب تحية المسجد، كما هو قول داود الظاهري.
• الراجح:
القول بأنه تكفيه تكبيرة واحدة هو القول الأقرب، والله أعلم.
• الصورة الثانية: أن يأتي المسبوق بالتكبيرة قائمًا، وينوي بها الركوع.
فهذه المسألة قد اختلف فيها العلماء على ثلاثة أقوال:
قال الحنفية: إذا نوى بتلك التكبيرة الواحدة الركوع ولم ينو الافتتاح، انعقدت صلاته، ولغت نيته، وبه قال جماعة من السلف
(1)
.
• وجه قول الحنفية:
لما كانت التحريمة هي المفروضة عليه؛ لكونها شرطًا انصرفت إلى الفرض؛ لأن المحل له، وهو أقوى.
(1)
. فتح القدير (1/ 483)، البحر الرائق (1/ 308) و (2/ 82)، مراقي الفلاح (ص:176)، حاشية ابن عابدين (1/ 481)، حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح (ص: 456)، حاشية الشلبي على تبيين الحقائق (1/ 184)، النهر الفائق (1/ 313)، شرح البخاري لابن بطال (2/ 352)، المنتقى للباجي (1/ 144).
جاء في فتح الباري لابن رجب (6/ 314): يمكن حمل ما نقل عن السلف أو عن بعضهم في المأموم خاصة
…
ويدل عليه: ما خرجه حرب بإسناده، عن خليد، عن الحسن وقتادة، قالا: إن نسيت تكبيرة الاستفتاح، وكبرت للركوع، وأنت مع الإمام،
قال ابن عابدين: «ولأن الشرط يلزم حصوله، لا تحصيله»
(1)
.
وقد بينت لك أن التحريمة من الأركان، وليست من الشروط، والله أعلم.
وقال الشافعية والحنابلة: لا تنعقد صلاته، وهو قول في مذهب المالكية، وبه قال إسحاق
(2)
.
قال ابن رجب: «لا تجزئه عند الأكثرين»
(3)
.
• وجه هذا القول:
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تحريمها التكبير، وهذا لم يحرم بالصلاة، ولأن تكبيرة الافتتاح ركن، ولم يَأْتِ بها.
وقال المالكية: إذا كبر للركوع ولم يَنْوِ تكبيرة الإحرام، فإن كان متعمدًا ذاكرًا لم تنعقد صلاته وحكى ابن رشد الإجماع عليه في المقدمات
(4)
.
وإن كان ناسيًا لها، فمذهب المدونة وهو المشهور أنه يتمادى مع الإمام، ولا يقطع، ويعيد صلاته احتياطًا؛ لأنها تجزئه عند ابن المسيب وابن شهاب، ولا تجزئه عند ربيعة.
وهل تماديه وإعادته وجوبًا أم استحبابًا؟ قولان، وسبق التعرض لأدلة هذا القول عند الكلام على اشتراط القيام لتكبيرة الإحرام، فأغنى ذلك عن إعادة أدلته
(5)
.
(1)
. انظر حاشية ابن عابدين (1/ 475).
(2)
. قال النووي في المجموع (4/ 214): «لو اقتصر
…
على تكبيرة واحدة وأتى بها بكمالها، في حال القيام، فله أربعة أحوال .... الثاني: أن ينوي تكبيرة الركوع، فلا تنعقد صلاته». وانظر: روضة الطالبين (1/ 374)، حاشية الشرواني (2/ 365)، وحاشية ابن قاسم العبادي على تحفة المحتاج (2/ 366)، منهج الطلاب في فقه الإمام الشافعي (ص: 22)، الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع (1/ 170)، حاشية الجمل (1/ 586)، مطالب أولي النهى (1/ 621)، المبدع (2/ 57)، الروض المربع مع حاشية ابن قاسم (2/ 276).
وانظر قول إسحاق في مسائل حرب الكرماني من أول كتاب الصلاة (ص: 38).
(3)
. فتح الباري (6/ 317).
(4)
. المقدمات الممهدات (1/ 172).
(5)
. الدر الثمين والمورد المعين (ص: 391)، حاشية الدسوقي (1/ 348)، المنتقى للباجي (1/ 145)، النوادر والزيادات (1/ 344، 345)، أسهل المدارك (1/ 281)، المقدمات
…
الممهدات (1/ 173)، التوضيح شرح مختصر ابن الحاجب (1/ 485)، مواهب الجليل (2/ 132، 133)، منح الجليل (1/ 242)، الشامل في فقه الإمام مالك (1/ 126)، شرح الزرقاني على مختصر خليل (2/ 53).
قال ابن رجب: «فإن كان ساهيًا عن تكبيرة الإحرام فقال مالك في الموطأ تجزئه، وهو رواية حنبل، عن أحمد»
(1)
.
وقال الحسن وقتادة والأوزاعي وغيرهم: «من نسي تكبيرة الاستفتاح، وكبر للركوع، وهو مع الإمام، فقد مضت صلاته»
(2)
.
ففرقوا بين المنفرد والمأموم، وبين المتعمد والناسي، والتفريق له مأخذان:
أحدهما: أن المأموم إذا أدرك الإمام في الركوع، فكبر تكبيرة واحدة، فإنه تجزئه، وتنعقد صلاته، يعني: وقد نوى بتكبيرة الركوع الدخول في الصلاة.
المأخذ الثاني: أن الإمام يتحمل عن المأموم التكبير، كما يتحمل عنه القراءة، وقد صرح بهذا المأخذ الإمام أحمد في رواية حنبل.
قال حنبل: سألت أبا عبد الله عن قوله: إذا سها المأموم عن تكبيرة الافتتاح، وكبر للركوع، رأيت ذلك مجزئًا عنه؟ فقال أبو عبد الله: يجزئه إن كان ساهيًا؛ لأن صلاة الإمام له صلاة.
ذكر هذه الرواية أبو بكر عبد العزيز في كتاب الشافي، قال ابن رجب: وهذه رواية غريبة عن أحمد، لم يذكرها الأصحاب، والمذهب عندهم أنه لا يجزئه.
ونقل إسماعيل بن سعيد، عن أحمد، فيمن ترك تكبيرة الافتتاح في الصلاة قال: إن تركها عمدًا لم تجزئه صلاته.
ومفهومه: أنه إن تركها سهوًا أجزأته. قال ابن رجب: وينبغي حمل ذلك على المأموم خاصة كما نقل حنبل
وهذا المأخذ هو مأخذ من فرق بين الإمام والمنفرد وبين المأموم، ولو كان مأخذه: أن صلاته انعقدت بالتكبيرة في الركعة الثانية لم يكن بين الإمام والمأموم
(1)
. فتح الباري لابن رجب (6/ 317).
(2)
. انظر فتح الباري لابن رجب (6/ 314)، مسائل حرب الكرماني من أول كتاب الصلاة (ص: 36)،.
فرق، وهو أيضًا مأخذ مالك وأصحابه
(1)
.
ومذهب الشافعية والحنابلة أقوى؛ لأن المصلي لا يدخل في صلاته بلا تحريمة، وحين نوى الركوع فقد دخل بالصلاة بلا تكبيرة الافتتاح فلم تنعقد، والله أعلم.
• الصورة الثالثة: أن يكبر قائمًا، وينوي بها تكبيرة الافتتاح والركوع.
اختلف العلماء فيها:
فقيل: تصح صلاته، حكي عن أبي حنيفة، وهو مذهب المالكية، واختاره أبو ثور، وحكي رواية عن أحمد اختارها ابن شاقلا
(2)
.
• وجه القول بالصحة:
الوجه الأول:
أن نية الركوع لا تنافي نية الافتتاح، فلم يؤثر التشريك بينهما بالنية،
الوجه الثاني:
إذا كانت تكبيرة الافتتاح تغني عن الافتتاح وعن تكبيرة الركوع إذا لم يَنْوِهِ، فكذلك إذا نواهما معًا، قياسًا على الرجل إذا أخر طواف الزيارة ونوى به الزيارة والوداع.
وقيل: لا تنعقد صلاته، وهو مذهب الشافعية، والمشهور من مذهب الحنابلة، وبه قال إسحاق
(3)
.
(1)
. انظر فتح الباري لابن رجب بتصرف وتقديم وتأخير (6/ 314، 317).
(2)
. سبق لنا أن قول الحنفية في الرجل المسبوق إذا أدرك الإمام راكعًا فكبر قائمًا ونوى بهذه التكبيرة الركوع ولم ينو تكبيرة الافتتاح، لغت نيته وصحت صلاته، فمن باب أولى أن تكون صلاته صحيحة إذا نوى تكبيرة الافتتاح مع تكبيرة الركوع، انظر حاشية ابن عابدين (1/ 481)، النهر الفائق شرح كنز الدقائق (1/ 313)، حاشية الشلبي على تبيين الحقائق (1/ 184)، وفتح الباري لابن رجب (6/ 318).
وانظر في مذهب المالكية: مواهب الجليل (2/ 133)، شرح الخرشي (2/ 48)، الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (1/ 348).
(3)
. الأم (1/ 122)، البيان للعمراني (2/ 171)، المجموع (4/ 214)، تحفة المحتاج (2/ 365)، حاشيتا قليوبي وعميرة (1/ 292)، التعليقة للقاضي حسين (2/ 169).
وقال في الروض المربع (ص: 126): «فإن نواهما بتكبيرة، أو نوى به الركوع لم يجزئه» .
وانظر: شرح منتهى الإرادات (1/ 218)، الإنصاف (2/ 224)،
مطالب أولي النهى (1/ 621)، فتح الباري لابن رجب (6/ 318).
قال ابن رجب في القواعد (ص: 24): «لو أدرك الإمام راكعًا فكبر تكبيرة ينوي بها تكبيرة الإحرام والركوع فهل يجزئه؟
على وجهين حكاهما أبو الخطاب وغيره، واختار القاضي عدم الإجزاء؛ للتشريك بين الركن وغيره، وأخذه من نص أحمد رحمه الله فيمن رفع رأسه من الركوع وعطس فقال: الحمد لله، ربنا ولك الحمد، ينوي به الواجب وسنة الحمد للعاطس أن لا يجزئه.
واختار ابن شاقلا الإجزاء وشبهه بمن أخرج في الفطرة أكثر من صاع، ولا يصح هذا التشبيه ومن الأصحاب من قال: إن قلنا تكبيرة الركوع سنة أجزأته، وحصلت السنة بالنية تبعًا للواجب، وإن قلنا: واجبة لم يصح التشريك، وفيه ضعف. وهذه المسألة تدل على أن تكبيرة الركوع تجزئ في حال القيام خلاف ما يقوله المتأخرون».
قال في الإنصاف: «لو نوى بالتكبيرة الواحدة تكبيرة الإحرام والركوع لم تنعقد الصلاة على الصحيح من المذهب
…
»
(1)
.
وجه بطلان الفرض:
الوجه الأول:
أن التشريك بين فرض وسنة مقصودة لا يصح، أشبه التشريك بين نية الظهر وسنته، لا الظهر والتحية، فإن التحية غير مقصودة.
•ويناقش:
بأن هذا معارض بأنه لو نوى بالتكبيرة الافتتاح قامت مقام تكبيرة الافتتاح والركوع، فإذا كانت التكبيرة الواحدة تقوم مقام التكبيرتين دون نية الانتقال فكذلك إذا نوى تكبيرة الانتقال، فلا تنافي بين النيتين، ولا يلزم من نية إحداهما بطلان الأخرى.
الوجه الثاني:
أن محل تكبيرة الافتتاح غير محل تكبيرة الركوع، فإن محل تكبيرة الافتتاح حالة القيام، ومحل تكبيرة الركوع عند الهُوِيِّ منه، فلما اختلف محلاهما لا يمكنه الجمع بينهما في النية.
(1)
. الإنصاف (2/ 224).
•ويناقش:
التكبيرتان في حق المسبوق الذي أدرك إمامه راكعًا هما تكبيرتان متتاليتان بلا فاصل من جنس واحد، فإذا كانت تكبيرة الافتتاح تغني عن تكبيرة الانتقال لم تكن نية التشريك بينهما متنافية، غاية ما فيه أن تكبيرة الانتقال إن كانت سنة كان التشريك بينهما لنيل الثواب؛ لأنه لا ثواب إلا بنية، وإن كانت واجبة وسقطت لدخول إحداهما في الأخرى كانت نيتهما أوكد كالجمع بين طواف الزيارة والوداع، والجمع بين غسل الجنابة والجمعة على القول بوجوب غسل الجمعة.
• الصورة الرابعة: إذا أطلق النية، فلم يَنْوِ شيئًا.
اختلف العلماء فيها على قولين:
القول الأول:
تجزئه، وهو مذهب المالكية، وقول في مذهب الشافعية، ورواية عن أحمد
(1)
.
قال أحمد في رواية الكوسج وابنه صالح فيمن جاء، والإمام راكع، قال: كبر تكبيرة واحدة. قيل له: ينوي بها الافتتاح؟
قال: نوى أو لم يَنْوِ، ما نعلم أحدًا قال: ينوي، أليس جاء، وهو يريد الصلاة
(2)
؟
قال ابن رجب عن قول أحمد: «ما علمنا أحدًا قال: ينوي بها الافتتاح: يشير إلى الصحابة والتابعين»
(3)
.
(1)
. مواهب الجليل (2/ 132)، شرح الخرشي (2/ 48)، الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (1/ 348)، منح الجليل (1/ 389)، الشامل في فقه الإمام مالك (1/ 126).
وقال النووي في المجموع (4/ 214): « .... الحال الرابعة: أن لا ينوي واحدة منهما، بل يطلق التكبير، فالصحيح المنصوص في الأم، وقطع به الجمهور: لا تنعقد.
والثاني: تنعقد فرضًا؛ لقرينة الافتتاح، ومال إليه إمام الحرمين
…
». وانظر: مغني المحتاج (1/ 514)، نهاية المحتاج (2/ 244).
(2)
. مسائل أحمد رواية الكوسج (2/ 518)، الشرح الكبير على المقنع (2/ 9)، مختصر الإنصاف والشرح الكبير (ص: 122).
(3)
. فتح الباري لابن رجب (6/ 318).
• وجه هذا القول:
أن نية الصلاة موجودة معه بخروجه إلى الصلاة، فلا يكبر للصلاة إلا بتلك النية، فذهوله عن النية لا يلغي استصحاب حكمها، فالنية تقدمت عند القيام للصلاة، وانضمت تلك النية للتكبير الذي أوقعه عند الركوع، وشأن تكبيرة الركوع أن لا تقارن النية، وإنما هذا شأن تكبيرة الإحرام، ولا يكبر للركوع إلا من دخل في الصلاة، فأما من لم يكن دخل فيها فإنما يكبر لدخوله في الصلاة أولًا، ولا يضر عدم استحضاره لهذه النية عند التكبيرة؛ لأن تقديم النية على التكبير بالزمن اليسير جائز، والله أعلم.
القول الثاني:
لا تجزئه، وهو الأصح في مذهب الشافعية، ونقله ابن منصور وغير واحد عن أحمد، وجعله القاضي أبو يعلى في جامعه الكبير هو المذهب رواية واحدة، وتأول ما خالف ذلك عن أحمد
(1)
.
• وجه هذا القول:
تعارضت قرينة الافتتاح بقرينة الهُوِيِّ، فلا بد من قصد صارف إلى إحداهما، فلا تجزئ حتى ينوي بها الافتتاح، فقد اجتمع في هذا المحل تكبيرتان: إحداهما ركن، والأخرى ليست كذلك، فاحتاج الركن إلى تمييزه بالنية، بخلاف تكبير الإمام أو المنفرد، أو المأموم الذي أدرك الإمام قبل الركوع، فإنه لم يجتمع في حقه تكبيرتان في وقت واحد، فلو كبر ولم يَنْوِ شيئًا لم يجتمع في حقه تكبيرتان، فلا حاجة إلى تمييزها بالنية، والله أعلم.
* * *
(1)
. المجموع (4/ 214)، حاشية البجيرمي على الخطيب (2/ 160)، أسنى المطالب (1/ 230)، فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب (1/ 80)، مغني المحتاج (1/ 514)، نهاية المحتاج (2/ 244)، فتح الباري لابن رجب (6/ 318).