المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث العاشر تحية المسجد لمن صلى ركعتي الفجر في البيت - الجامع في أحكام صفة الصلاة - الدبيان - جـ ١

[دبيان الدبيان]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الكتاب

- ‌الباب الأول في صفة الصلاة

- ‌الفصل الأول في الأحكام المرتبطة بالخروج إلى الصلاة

- ‌المبحث الأول في استحباب الخروج متطهرًا بنية الصلاة

- ‌المبحث الثاني لا يستحب دعاء خاص للخروج إلى الصلاة

- ‌المبحث الثالث في الوقت الذي يجب الذهاب فيه للصلاة

- ‌المبحث الرابع في الخروج إلى الصلاة بسكينة ووقار

- ‌المبحث الخامس في كراهة التشبيك بين الأصابع إذا خرج إلى الصلاة

- ‌المبحث السادس في استحباب كثرة الخطا في الذهاب للصلاة

- ‌الفرع الأول في اختيار المسجد الأبعد طلبَا لكثرة الخطا

- ‌الفرع الثاني في استحباب مقاربة الخطا

- ‌الباب الثاني في الأحكام المرتبطة بدخول المسجد

- ‌الفصل الأول في استحباب تقديم اليمنى في الدخول واليسرى في الخروج

- ‌الفصل الثاني في استحباب الذكر الوارد لدخول المسجد

- ‌المبحث الأول في استحباب الاستعاذه

- ‌المبحث الثاني في استحباب التسمية والدعاء بالمغفرة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لدخول المسجد

- ‌المبحث الثالث في صلاة ركعتين قبل الجلوس

- ‌المبحث الرابع لا تشرع التحية لمن أدخل يده أو رأسه فقط

- ‌المبحث الخامس في تكرار تحية المسجد بتكرار الدخول

- ‌المبحث السادس في مشروعية تحية المسجد للمرور بلا مكث

- ‌المبحث السابع في فوات تحية المسجد بالجلوس

- ‌المبحث الثامن في حكم تحية المسجد

- ‌المبحث التاسع في منزلة تحية المسجد من السنن

- ‌المبحث العاشر تحية المسجد لمن صلى ركعتي الفجر في البيت

- ‌المبحث الحادي عشر اختصاص التحية بالمسجد

- ‌المبحث الثاني عشر صلاة تحية المسجد في وقت النهي

- ‌المبحث الثالث عشر في اشتراط النية لتحية المسجد

- ‌المبحث الرابع عشر في حصول تحية المسجد في أقل من ركعتين

- ‌المبحث الخامس عشر في صلاة تحية المسجد يوم الجمعة والإمام يخطب

- ‌المبحث السادس عشر في تحية المسجد إذا أقيمت الصلاة

- ‌الفرع الأول في ابتداء النافلة بعد إقامة الصلاة

- ‌الفرع الثاني إذا أقيمت الصلاة وهو يصلي النافلة

- ‌الباب الثالث في الأحكام التي تسبق تكبيرة الإحرام

- ‌الفصل الأول في قيام المأموم والإمام ليس في المسجد

- ‌الفصل الثاني في وقت قيام المأموم للصلاة والإمام في المسجد

- ‌الفصل الثالث في وقت تكبير الإمام بالصلاة

- ‌الفصل الرابع في تسوية الصفوف

- ‌الباب الرابع في أحكام تكبيرة الإحرام

- ‌توطئه

- ‌الفصل الأول في حكم تكبيرة الإحرام

- ‌الفصل الثاني في شروط تكبيرة الإحرام

- ‌الشرط الأول أن تقع تكبيرة الإحرام مقارنة للنية حقيقة أو حكمًا

- ‌الشرط الثاني أن يأتي بتكبيرة الإحرام قائمَا فيما يشترط فيه القيام

- ‌المبحث الأول في انقلاب الصلاة نفلَا إذا بطلت فرضًا

- ‌المبحث الثاني إذا كبر المسبوق تكبيرة واحدة ولم يكبر للركوع

- ‌الشرط الثالث أن تكون التحية بلفظ الله أكبر لا يجزئ غيرها

- ‌مبحث في تنكيس التكبير

- ‌الشرط الرابع أن يكون التكبير متواليًا

- ‌الشرط الخامس في اشتراط إسماع المصلي نفسه تكبيرة الإحرام والذكر الواجب

- ‌الشرط السادس أن تكون التحريمة بالعربية من القادر عليها

- ‌الشرط السابع سلامة التكبير من اللحن المغير للمعنى

- ‌الشرط الثامن في اشتراط القدرة على التكبير

- ‌الباب الخامس أحكام القيام في الصلاة

- ‌الفصل الأول حكم القيام

- ‌الفصل الثاني في منزلة القيام بالصلاة

- ‌الفصل الثالث في قدر القيام

- ‌الفصل الرابع في صفة القيام

- ‌الفصل الخامس في استناد المصلي في القيام

- ‌الفصل السادس في سقوط القيام عن المصلي

- ‌المبحث الأول لا يجب القيام في صلاة النافلة

- ‌المبحث الثاني افتتح النافلة قائمَا فأراد الجلوس من غير عذر

- ‌المبحث الثالث يسقط القيام بالعجز

- ‌المبحث الرابع ضابط العجز المسقط للقيام

- ‌المبحث الخامس سقوط القيام بالخوف

- ‌المبحث السادس في سقوط القيام من أجل المحافظة على الطهارة

- ‌المبحث السابع في المراوحة بين القدمين في الصلاة

- ‌المبحث الثامن في الصاق إحدى القدمين بالأخرى حال القيام

- ‌الفصل السابع في موضع النظر أثناء الصلاة

- ‌المبحث الأول في النظر إلى السماء أثناء الصلاة

- ‌المبحث الثاني في موضوع نظر المصلي في اثناء الصلاة

- ‌المبحث الثالث في موضوع نظر المصلي حال الركوع والسجود والجلوس

- ‌الفصل الثامن في رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام

- ‌المبحث الأول في مشروعية رفع اليدين

- ‌المبحث الثاني في صفة رفع اليدين

- ‌الفرع الأول في صفة رفع الأصابع

- ‌الفرع الثاني في صفة رفع الكفين

- ‌الفرع الثالث في منتهى الرفع

- ‌الفرع الرابع في رفع المرأة يديها في الصلاة

- ‌الفرع الخامس في ابتداء وقت الرفع وانتهائه

- ‌الفرع السادس في وضع اليدين بعد الفراغ من تكبيرة الإحرام

- ‌مسألة في حكم وضع اليد اليمنى على اليسرى

- ‌الفرع السابع في مكان وضع اليدين

- ‌الفرع الثامن في وقت القبض

- ‌الفرع التاسع في صفة وضع اليدين

الفصل: ‌المبحث العاشر تحية المسجد لمن صلى ركعتي الفجر في البيت

‌المبحث العاشر تحية المسجد لمن صلى ركعتي الفجر في البيت

المدخل إلى المسألة:

• لا يصح حديث في النهي عن النفل المطلق بطلوع الفجر، وأحاديث لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر لا يثبت منها شيء.

• قال: صلى الله عليه وسلم لا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، مفهومه: أن ما قبل صلاة الفجر لا ينهى عن الصلاة فيه.

• المنطوق إذا عارض المفهوم مقدم بشرط أن تكون الأحاديث صحيحة، فإذا كان منطوق هذه الأحاديث أباطيلَ ومناكيرَ، وغرائبَ وأفرادًا فلا يعارض بها مفهوم الأحاديث المقطوع بصحتها في الصحيحين وغيرهما، والتي بلغت حد التواتر.

• كان بعض الصحابة يقضي حزبه إذا فاته من الليل بعد طلوع الفجر، وقبل الصلاة.

• على القول بأن وقت النهي يبدأ من طلوع الفجر إلا في ركعتي الفجر، فإن تحية المسجد من ذوات الأسباب، فلا تدخل في النهي.

[م-456] اختلف العلماء في الرجل يصلي راتبة الفجر في بيته، فيدخل المسجد، أيصلي تحية المسجد أم لا؟

فقيل: لا يركع، وهو ظاهر مذهب الحنفية، وأحد القولين عن الإمام مالك، وأحد الوجهين في مذهب الشافعي

(1)

.

(1)

. انظر في مذهب الحنفية: الأصل (1/ 157)، المبسوط (1/ 150)، الهداية في شرح البداية (1/ 42)، الاختيار لتعليل المختار (1/ 41)، العناية شرح الهداية (1/ 239)، عمدة القارئ شرح صحيح البخاري للعيني (5/ 141)، مجمع الأنهر (1/ 74).

وقال بعض الحنفية: لو صلى ركعتين، وهو يظن أن الفجر لم يطلع فإنه يجزئه عن ركعتي

الفجر، ولا ينبغي أن يعيد. انظر الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (1/ 70)،

وانظر قول الإمام مالك في شرح ابن ناجي على الرسالة (1/ 170).

وقد ذكر العراقي في طرح التثريب (2/ 188) ثلاثة أوجه في مذهب الشافعية، أحدها: كالجمهور، يدخل وقت النهي في طلوع الفجر. والثاني: لا تدخل الكراهة حتى يصلي الصبح، وهو أشهرها، قال النووي: وهو الصحيح، والثالث: لا تدخل الكراهة حتى يصلي سنة الفجر.، فقبل أن يصلي سنة الفجر له أن يتطوع بما شاء.

ص: 156

قال ابن نجيم: «لو نوى تطوعًا كان عن سنة الفجر»

(1)

.

وقيل: يركع، وهو أحد القولين عن مالك، ورجحه ابن عبد البر، وهو وجه في مذهب الشافعي، وعليه عامة أصحابه

(2)

.

وقيل: يركع تحية المسجد، ولو لم يركع سنة الفجر، فيصلي أولًا تحية، المسجد، ثم يصلي راتبة الفجر، اختاره ابن عبد السلام من المالكية، وهذا القول أضعفها، والله أعلم

(3)

.

• سبب الخلاف:

يرجع الاختلاف في هذه المسألة إلى الاختلاف في مسألة أخرى:

فقد اختلفوا في وقت النهي، أهو متعلق بطلوع الفجر، أم أن النهي لا يبدأ حتى يصلي الصبح؟ لمفهوم حديث أبي سعيد: لا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس. متفق عليه، وهذا لفظ مسلم

(4)

.

فإن مفهومه: أن قبل صلاة الفجر لا ينهى عن الصلاة

فمن قال: إن وقت النهي يبدأ من طلوع الفجر إلا في ركعتي الفجر، وكان لا يرى صلاة ذوات الأسباب، قال: تحرم النوافل بطلوع الفجر إلا ركعتي الفجر، وهو

(1)

. البحر الرائق (1/ 266).

(2)

. شرح ابن ناجي على الرسالة (1/ 170)، التمهيد (20/ 102)، مواهب الجليل (1/ 416)، طرح التثريب (2/ 188)، فتح الباري لابن رجب (5/ 30)،

(3)

. مواهب الجليل (1/ 416)، الفواكه الدواني (1/ 203)، حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني (1/ 297).

(4)

. صحيح البخاري (586)، وصحيح مسلم (288 - 827).

ص: 157

مذهب الحنفية، والمالكية، ورواية عن الإمام أحمد، وهي المشهور من مذهبه

(1)

.

قال ابن رجب: «وهذا قول جمهور العلماء

وهو مذهب الثوري، ومالك، وأبي حنيفة، وأحمد في ظاهر مذهبه»

(2)

.

قال الترمذي في سننه: «وهو ما اجتمع عليه أهل العلم: كرهوا أن يصلي الرجل بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر»

(3)

.

إلا أن مالكًا أذن في صلاة الوتر في حق من فاته وتره من الليل، بأن يصليه بعد طلوع الفجر، وقبل الفريضة

(4)

.

قال مالك في الموطأ: «وإنما يوتر بعد الفجر من نام عن الوتر، ولا ينبغي لأحد أن يتعمد ذلك حتى يضع وتره بعد الفجر»

(5)

.

قال الباجي في المنتقى: «من أدرك الوتر قبل صلاة الصبح وبعد الفجر فقد أدرك وقته، إلا أنه وقت ضرورة، لا وقت اختيار»

(6)

.

وقد سبق بحث هذه المسألة في قضاء النوافل، ولله الحمد.

ومن رأى من العلماء أن طلوع الفجر ليس من أوقات النهي، أو كان يراه من أوقات النهي، ولكن يرى جواز ذوات الأسباب في أوقات النهي لم يمنع من صلاة تحية المسجد إذا صلى ركعتي الفجر بالبيت، وهذا هو الأقوى، وهو المشهور عند عامة أصحاب الشافعي، ورواية عن أحمد اختارها ابن تيمية، والله أعلم

(7)

.

(1)

. المبسوط للسرخسي (1/ 153)، تبيين الحقائق (1/ 87)، شرح البخاري لابن بطال (3/ 153)، التهذيب في اختصار المدونة (1/ 294)، الكافي لابن عبد البر (1/ 195)، الخرشي (1/ 223)، والتاج والإكليل (2/ 60)، الفواكه الدواني (1/ 203)، التوضيح لشرح الجامع الصحيح لابن الملقن (9/ 152)،

(2)

. فتح الباري لابن رجب (5/ 29).

(3)

. سنن الترمذي (2/ 278).

(4)

. التهذيب في اختصار المدونة (1/ 293)، شرح الخرشي (1/ 224)، الشرح الصغير للدردير (1/ 243)، فتح الباري لابن رجب (5/ 32، 33).

(5)

. موطأ مالك (1/ 127).

(6)

. المنتقى للباجي (1/ 225).

(7)

. شرح البخاري لابن بطال (3/ 154)، التمهيد لابن عبد البر (20/ 102).

ص: 158

وقيل: لا يدخل وقت الكراهة حتى يصلي سنة الصبح، وهو أحد الأوجه في مذهب الشافعية

(1)

.

• دليل من قال: النهي يبدأ بعد صلاة الصبح:

الدليل الأول:

(ح-1100) ما رواه مسلم من طريق يونس، أن ابن شهاب، أخبره، قال: أخبرني عطاء بن يزيد الليثي،

أنه سمع أبا سعيد الخدري، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس

(2)

.

ورواه البخاري من طريق صالح بن كيسان، عن ابن شهاب به، بلفظ:(لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس)

(3)

.

فقوله: (لا صلاة بعد الفجر) له منطوق ومفهوم:

فمنطوقه: النهي عن الصلاة بعد صلاة الفجر، لأن النفي في معنى النهي، والتقدير: لا تصلوا.

ومفهومه: أن الصلاة قبل صلاة الفجر مأذون فيها، وهذا ما فهمه بعض الصحابة حيث كان يقضي حزبه إذا فاته من الليل بعد طلوع الفجر، وقبل الصلاة.

الدليل الثاني:

(ح-1101) وروى البخاري من طريق عبدة، عن عبيد الله بن عمر، عن خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم،

عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاتين: بعد الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس

(4)

.

(1)

. شرح النووي على صحيح مسلم (6/ 3).

(2)

. صحيح مسلم (288 - 827).

(3)

. صحيح البخاري (586).

(4)

. البخاري (588).

ص: 159

ورواه مسلم بهذا اللفظ من طريق الأعرج عن أبي هريرة

(1)

.

الدليل الثالث:

(ح-1102) روى البخاري ومسلم من طريق هشام، عن قتادة، عن أبي العالية،

عن ابن عباس، قال: شهد عندي رجال مرضيون، وأرضاهم عندي عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس، وبعد العصر حتى تغرب. هذا لفظ البخاري.

ورواه البخاري من طريق شعبة، عن قتادة، قال: سمعت أبا العالية، عن ابن عباس، قال: حدثني ناس بهذا

(2)

.

وجه الاستدلال:

قوله: (لا صلاة بعد الصبح) أي بعد صلاة الصبح؛ لأنه لا بد من أداء صلاة الصبح وصلاة العصر، فتعين أن يكون المراد: لا صلاة بعد صلاة الصبح، وبعد صلاة العصر، ولأن الإجماع منعقد أن النهي في العصر لا يبدأ من دخول وقت العصر، حتى يصلي العصر، ولو أراد بقوله:(بعد الصبح) أي بعد طلوع الصبح لاستثنى ركعتي الفجر والفرض، فلما لم يذكر ذلك في الأحاديث علم أنه أراد فعل الصلاة كما جاء مفسرًا في الأحاديث الصحيحة،

فالأوقات المنهي عن الصلاة فيها على قسمين:

منها: ما يتعلق النهي فيه بالفعل، بمعنى أنه إن تأخر الفعل لم يُنْهَ عن الصلاة قبله، وإن تقدم في أول الوقت نُهِيَ عن الصلاة، وذلك في صلاة الصبح وصلاة العصر.

وبناء عليه قد يختلف وقت الكراهة في الطول والقصر، ولحديث أبي هريرة: من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة

(1)

. مسلم (825).

(2)

. البخاري (581).

ورواه مسلم (826) من طريق يحيى بن سعيد، عن شعبة به.

وأراد البخاري من هذا الطريق تصريح قتادة بالسماع، ورواية شعبة له، فإنه لا يحمل عن قتادة إلا ما صرح به بالسماع.

ص: 160

من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر.

ومنها: ما يتعلق النهي فيها بالوقت، لا بالفعل، كوقت طلوع الشمس إلى الارتفاع، ووقت شروعها في الغروب إلى أن تغرب، ووقت استوائها حتى تميل.

• دليل من قال: لا يصلي تحية المسجد في وقت النهي:

الدليل الأول:

(ح-1103) ما رواه مسلم من طريق محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن زيد ابن محمد، قال: سمعت نافعًا، يحدث عن ابن عمر،

عن حفصة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طلع الفجر، لا يصلي إلا ركعتين خفيفتين

(1)

.

وجه الاستدلال:

بأن الترك من النبي صلى الله عليه وسلم سنة كالفعل، فما تركه النبي صلى الله عليه وسلم كانت السنة تركه.

• وأجيب:

قال النووي في شرح مسلم: «ليس في هذا الحديث دليل ظاهر على الكراهة، إنما فيه الإخبار بأنه كان صلى الله عليه وسلم لا يصلي غير ركعتي السنة ولم يَنْهَ عن غيرها»

(2)

.

والنفل المطلق مأذون في فعله في كل وقت إلا ما جاءت السنة الصحيحة الصريحة في النهي عن الصلاة فيه، وليس منها طلوع الفجر، لمفهوم: لا صلاة بعد صلاة الفجر، فإن مفهومه الإذن بالصلاة قبل صلاة الفجر، وعلى التسليم بأن هذا وقت نهي فإنه لا يدخل فيه ما كان له سبب، ومنه تحية المسجد، وقد خصصت بحثًا خاصًّا في صلاة ذوات الأسباب في وقت النهي، وذكرت اختلاف العلماء، وأن الصحيح مذهب الشافعية في صحة صلاة ذوات الأسباب، والله أعلم.

الدليل الثاني:

(ح-1104) ما رواه أحمد، قال: حدثنا عفان، حدثنا وهيب، حدثنا قدامة بن موسى، حدثنا أيوب بن حصين التميمي، عن أبي علقمة، مولى عبد الله بن عباس،

(1)

. صحيح مسلم (88 - 723).

(2)

. شرح النووي على صحيح مسلم (6/ 3).

ص: 161

عن يسار، مولى عبد الله بن عمر قال: رآني ابن عمر، وأنا أصلي بعدما طلع الفجر، فقال: يا يسار كم صليت؟ قلت: لا أدري، قال: لا دريت، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج علينا ونحن نصلي هذه الصلاة فقال: ألا ليبلغ شاهدكم غائبكم، أن لا صلاة بعد الصبح إلا سجدتان

(1)

.

[ضعيف جِدًّا، وروي عن ابن عمر موقوفًا، ولا يصح]

(2)

.

(1)

. المسند (2/ 104).

(2)

. اختلف فيه على قدامة بن موسى:

فقيل: عن وهيب، عن قدامة، عن أيوب بن حصين، عن أبي علقمة، عن يسار مولى ابن عمر، عن ابن عمر مرفوعًا.

أخرجه أحمد (2/ 104)، والبخاري في التاريخ الكبير (1/ 61) عن عفان.

والبخاري في التاريخ الكبير (1/ 61) من طريق أحمد بن إسحاق.

وأبو يعلى (5608) حدثنا إبراهيم بن الحجاج السامي.

وأبو داود في السنن (1278)، والبخاري في التاريخ الكبير (1/ 61)، و (8/ 421) والدارقطني في السنن (1550) عن مسلم بن إبراهيم.

والبيهقي (2/ 653) من طريق العلاء بن عبد الجبار، كلهم (عفان، وأحمد بن إسحاق، وإبراهيم بن الحجاج، ومسلم بن إبراهيم والعلاء) خمستهم، عن وهيب به.

وتابع وهيبًا حميد بن الأسود كما في التاريخ الكبير للبخاري (1/ 61).

كما تابع وهيبًا أيضًا سليمان بن بلال، إلا أن سليمان قد اختلف عليه:

فرواه البيهقي في السنن الكبرى (2/ 653) من طريق عبد الله بن وهب، أخبرني سليمان بن بلال، عن قدامة بن موسى، عن أيوب بن الحصين بمثل رواية وهيب بن خالد.

وخالف عبد الله بن وهب أبو بكر بن أبي أويس كما في التاريخ الكبير (1/ 61): فرواه عن سليمان، عن عبد الملك بن قدامة، عن قدامة بن موسى، عن عبد الله بن دينار، عن أبي علقمة مولى ابن عباس، وكان قاضيًا بإفريقية، قال: حدثني مولى عبد الله بن الصلت بعد الفجر، فقال ابن عمر: يا يسار كما صليت؟

والصواب رواية ابن وهب، لمتابعته رواية خالد بن وهيب وحميد بن الأسود.

قال البيهقي في السنن (2/ 653): «أقام إسناده عبد الله بن وهب، عن سليمان بن بلال، ورواه أبو بكر بن أبي أويس، عن سليمان بن بلال، فخلط في إسناده، والصحيح رواية ابن وهب، فقد رواه وهيب بن خالد، عن قدامة، عن أيوب بن حصين التميمي، عن علقمة مولى ابن عباس، عن يسار مولى ابن عمر نحوه» .

وهذا الإسناد ضعيف، في إسناده أيوب بن حصين، لم يَرْوِ عنه إلا قدامة بن موسى، فهو =

ص: 162

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= مجهول، قال الدارقطني كما في الميزان (1/ 139): مجهول، وكذا قال الحافظ ابن حجر، وقال الذهبي: لا يعرف، أما أبو علقمة مولى بن عباس فهو ثقة كان على قضاء أفريقية، وكذا يسار مولى ابن عمر ثقة.

وقيل: عن قدامة بن موسى، عن محمد بن الحصين، عن أبي علقمة، عن يسار مولى ابن عمر، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: لا صلاة بعد الفجر إلا سجدتين.

أخرجه الترمذي (419) وابن ماجه (235)، والدارقطني (1549)، والمروزي في قيام الليل كما في مختصره (ص: 191)، حدثنا أحمد بن عبدة الضبي.

وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (2/ 653)، والمزي في تهذيب الكمال (25/ 83) من طريق قتيبة بن سعيد،

وابن عبد البر في التمهيد (20/ 101) من طريق إسماعيل بن إبراهيم الترجماني، ثلاثتهم عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن قدامة بن موسى به.

فهنا الدراوردي وافق وهيبًا وحميدًا وسليمان في إسناده إلا أنه خالفهم في اسم شيخ قدامة، فقالوا: أيوب بن حصين التيمي، وقال الدراوردي: محمد بن الحصين التيمي. والدراوردي خفيف الضبط، صدوق سَيِّئ الحفظ إذا حدث من حفظه، وأما كتابه فصحيح.

وقيل: عن قدامة بن موسى، عن محمد بن الحصين، عن أبي علقمة مولى ابن عباس، قال: رأى ابن عمر يسارًا مولى ابن عمر

فصار من رواية أبي علقمة، عن ابن عمر.

ذكره البخاري معلقًا في التاريخ الكبير (8/ 421)، فوافق الدراوردي في ذكر محمد بن الحصين، وخالف في إسناده جميع من سبق، فإنهم يروونه عن أبي علقمة، عن يسار، عن ابن عمر رضي الله عنهما، ورواه عن أبي علقمة أن ابن عمر رأى يسارًا.

وقال أبو حاتم في الجرح والتعديل (7/ 235): «محمد بن حصين التميمي، وقال بعضهم: أيوب بن حصين، ومحمد بن حصين: أصح» .

وقال الدارقطني في العلل (13/ 229): «يرويه قدامة بن موسى، واختلف عنه؛

فرواه الدراوردي، عن قدامة بن موسى، عن محمد بن الحصين، عن أبي علقمة، مولى ابن عباس، عن يسار، مولى ابن عمر، عن ابن عمر.

وتابعه عمر بن علي المقدمي.

وخالفهم سليمان بن بلال، ووهيب، فروياه عن قدامة بن موسى، عن أيوب بن الحصين، عن أبي علقمة، عن يسار، عن ابن عمر .... .ويشبه أن يكون القول قول سليمان بن بلال ووهيب، لأنهما ثبتان».

قال ابن عبد الهادي في التنقيح (2/ 380): فقد اختلف قول ابن أبي حاتم وقول الدارقطني، والله أعلم بالصواب». وانظر البدر المنير (3/ 292).

قلت: هذا الاختلاف غير مؤثر، لأن شيخ ابن قدامة مجهول، أكان أيوب بن الحصين، أم كان =

ص: 163

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= محمد بن الحصين، والاختلاف في اسمه، لا في عينه، لاتفاقهم على اسم أبيه. والله أعلم.

وقد رواه يحيى بن أيوب، عن عبيد الله بن زحر، عن محمد بن أبي أيوب، عن أبي علقمة، عن عبد الله بن عمر أنه رأى مولى له -يقال له يسار- يصلي بعد الفجر فنهاه

وذكر نحوه.

أخرجه أبو يعلى (5745) من طريق عبد الله بن وهب.

والطبراني في الكبير (12/ 341) ح 13291، وفي الأوسط (181)، من طريق سعيد بن أبي مريم، كلاهما عن يحيى بن أيوب، عن عبيد الله بن زحر، عن محمد بن أبي أيوب به.

قال الطبراني: لم يَرْوِ هذا الحديث عن محمد بن أبي أيوب إلا عبيد الله بن زحر، تفرد به يحيى بن أيوب

وهذا إسناد منقطع، ليس فيه يسار مولى ابن عمر، ويحيى بن أيوب ليس بالقوي، وعبيد الله بن زحر ضعيف، ومحمد بن أبي أيوب لا يعرف وقد حمله ابن حجر على محمد بن الحصين، قال ابن حجر في التهذيب (9/ 122):«وروى يحيى بن أيوب المصري عن عبيد الله بن زحر عن محمد بن أبي أيوب المخزومي عن أبي علقمة، فإن كان هو فيستفاد رواية عبيد الله بن زحر عنه، ويرجح أن اسمه محمد، وأما أبوه فهو حصين، وكنيته أبو أيوب، فلعل من سماه أيوب وقع له غير مسمى فسماه بكنية أبيه» .

وقيل: عن قدامة بن موسى، أخبرني رجل من بني حنظلة، عن أبي علقمة، عن يسار بن نمير، مولى عبد الله بن عمر، قال: رآني ابن عمر

وذكر نحوه.

رواه عبد الله بن عمر الطرسوسي في مسنده (30)، والبيهقي في السنن (2/ 653) من طريق عثمان بن عمر بن فارس، عن قدامة بن موسى.

وذكره البخاري معلقًا في صحيحه (1/ 61).

فأبهم عثمان بن عمر شيخ قدامة بن موسى، ووافق الجماعة في جعله من رواية يسار، عن ابن عمر.

وقيل: عن قدامة بن موسى، عن شيخ، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتين.

أخرجه أحمد (2/ 23) عن وكيع، عن قدامة به.

وعلقه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 62)، قال: وقال وكيع، عن قدامة، عن شيخ به.

وقيل: عن قدامة، عن أبي علقمة، عن يسار مولى ابن عمر، عن ابن عمر.

ذكره البخاري معلقًا في التاريخ الكبير (1/ 62).

فتبين من هذا الإسناد أن فيه اختلافًا كثيرًا، فإن أمكن الترجيح، والقول بتقديم رواية وهيب بن خالد، وحميد، وسليمان بن بلال، والدراوردي، فإن الإسناد في هذه الطرق ضعيف لجهالة شيخ قدامة بن موسى، سواء أقيل في اسمه: أيوب أم محمد بن حصين، وإلا فهو مضطرب، والله أعلم.

قال الترمذي: «حديث ابن عمر: حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث قدامة بن موسى، وروى عنه غير واحد» . =

ص: 164

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وقال ابن عبد البر في التمهيد (20/ 102): «في هذا الإسناد مجهولون لا تقوم بهم حجة» .

وضعفه الأشبيلي في الأحكام الكبرى (2/ 394).

وله طرق أخرى عن ابن عمر، بعضها موقوف، وبعضها مرفوع، ولا يصح منها شيء، من ذلك:

الطريق الأول: موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعًا.

أخرجه عبد الرزاق في المصنف (4760) عن أبي بكر بن محمد، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر.

قال ابن عبد البر في التمهيد (20/ 102): «وقد ذكر عبد الرزاق عن أبي بكر بن محمد عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر

وذكر الحديث، قال: وأظن أبا بكر هذا هو ابن أبي سبرة وهو أيضًا ضعيف لا يحتج به».

قلت: أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة، رجل متروك، واتهم بالوضع.

الطريق الثاني: رواه محمد بن النيل الفهري، واختلف عليه:

فرواه الليث بن سعد، قال: حدثنا محمد بن النيل الفهري، عن عبد الله بن عمر، قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والناس يصلون بعد طلوع الفجر، فقال: لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتين.

رواه الطبراني في المعجم الكبير (13/ 329) ح 14132، والبخاري في التاريخ الكبير (1/ 251) من طريق عبد الله بن صالح (كاتب الليث)،

ورواه الطبراني في الأوسط (4818) من طريق يحيى بن بكير، عن الليث بن سعد به.

ومحمد بن النيل الفهري، ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (8/ 108) وسكت عليه، وقال: روى عن ابن عمر، وأدخل يحيى بن أيوب بينه وبين ابن عمر أبا بكر بن يزيد بن سرجس. اهـ ولم يوثقه إلا ابن حبان ذكره في الثقات (5/ 379)، فهو مجهول، وليس له إلا هذا الحديث.

وخالفه سعيد بن أبي مريم، فقال: حدثنا يحيى بن أيوب: حدثنا محمد بن النيل؛ أن أبا بكر بن يزيد بن سرجس حدثه؛ أن عبد الله بن عمر رأى مولًى له -يقال له: يسار- يصلي بعد طلوع الفجر، فقال: ما هذه الصلاة؟ قال: شيء بقي عليَّ من حزبي، فقال ابن عمر: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صلاة الفجر، فقال: إذا طلع الفجر فلا صلاة إلا ركعتين، فليبلغ الشاهد الغائب.

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 251)، والطبراني في الكبير (13/ 330) ح 14133، وأبوبكر بن يزيد بن سرجس مجهول.

الطريق الثالث: ما رواه الطبراني في الأوسط (7189) من طريق عبد الله بن خراش، عن العوام بن حوشب، عن المسيب بن رافع، عن عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا صلاة بعد الفجر إلا الركعتين قبل صلاة الفجر.

وإسناده ضعيف جِدًّا، عبد الله بن خراش متروك.

الطريق الرابع: رواه حجاج بن أرطاة، واختلف عليه فيه:

فرواه هشيم بن بشير كما في مصنف ابن أبي شيبة (7370)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 399)، قال: أخبرنا حجاج، عن نافع، عن ابن عمر، أنه كان يقول: لا صلاة بعد ركعتي الفجر حتى يصلي الفجر.

وحجاج متفق على ضعفه، ومدلس، وأين أصحاب نافع عن هذا الأثر؟

ورواه أبو خالد الأحمر كما في مصنف ابن أبي شيبة (7369)، عن حجاج، عن أبي محمد اليماني، عن طاوس، عن ابن عمر وابن عباس، قالا: لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر.

وهذا التخليط من حجاج، والله أعلم.

الطريق الخامس: عن شعبة، عن إبراهيم بن محمد بن حاطب، سمع أبا سعيد، قال: شهدت عروة بن الزبير وابن عمر يتحدثان عند المقام، فجاء أعرابي فصلى يركع ويسجد، فناداه ابن عمر: لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتين، فصلِّ بعد ذلك ما بدا لك.

أخرجه البخاري في باب الكنى من التاريخ الكبير (9/ 35)، وأبو سعيد مجهول.

فهذه الكثرة من طرق الحديث لا تغر الباحث، خاصة أنها قد تفرد بها المجاهيل والمتروكون، وأما الموقوف فقد تفرد به حجاج على اختلاف عليه في إسناده، وهو لو لم يُخْتلف عليه لم يشد به الإسناد الضعيف جدًّا، فكيف وقد اختلف على حجاج، والله أعلم.

ص: 165

الدليل الثاني:

(ح-1105) ما رواه عبد الرزاق، عن الثوري، عن عبد الرحمن بن زياد، عن عبد الله بن يزيد، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر

(1)

.

[ضعيف تفرد به ابن زياد الأفريقي على اختلاف عليه في إسناده]

(2)

.

(1)

. المصنف (4757).

(2)

. رواه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي، واختلف عليه فيه:

فرواه الثوري كما في مصنف عبد الرزاق (4757)، والمعجم الكبيرللطبراني (14/ 55) ح 14648، والدارقطني في السنن (965)، والسنن الكبرى للبيهقي (2/ 654).

وعبد الله بن وهب كما في مُوَطَّئِهِ (345)، وجامعه (347)، والسنن الكبرى للبيهقي (2/ 654)،

وعيسى بن يونس في قيام الليل كما في مختصره (ص: 191)،

وعبد الله بن يزيد المقرئ في مسند البزار كما في كشف الأستار (703)، ومسند ابن أبي عمر العدني كما في المطالب العالية (294).

وأبو معاوية محمد بن خازم كما في مصنف ابن أبي شيبة (7368)، وفي مسنده، كما في إتحاف الخيرة (861)، والمطالب العالية (294)،

ويعلى بن عبيد كما في المنتخب من مسنده (333).

والأعمش كما في تاريخ أصبهان (1/ 386)، كلهم (الثوري، وابن وهب، وعيسى، والمقرئ، وابن خازم، ويعلى، والأعمش) سبعتهم رووه عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي،

عن عبد الله بن يزيد، عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا.

خالفهم جعفر بن عون كما في الأوسط لابن المنذر (2/ 399)، والسنن الكبرى للبيهقي (2/ 654) فرواه عن عبد الرحمن بن زياد، عن عبد الله بن يزيد، عن عبد الله بن عمرو، قال: لا صلاة بعد أن يصلى الفجر إلا ركعتين. هذا لفظ البيهقي.

ولفظ الأوسط: لا صلاة بعد أن مضى الفجر إلا ركعتي الفجر.

وجعفر بن عون صدوق، وقد خالف من هم أوثق منه، وأكثر عددًا، إلا أن ضعف الحديث ليس منه، بل من الأفريقي، والأكثر على ضعفه، قال البيهقي في السنن الكبرى (2/ 654):«وهو بخلاف رواية الثوري، وابن وهب في المتن والوقوف، والثوري أحفظ من غيره إلا أن عبد الرحمن الأفريقي غير محتج به» .

وقد جاء الحديث من طريق أخرى، رواه عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا صلاة بعد الفجر إلا ركعتين.

رواه الطبراني في الأوسط (1521)، وفي مسند الشاميين (2778) من طريق رواد بن الجراح، عن سعيد بن بشير، عن مطر الوراق، عن عمرو بن شعيب به.

قال الطبراني: لم يَرْوِ هذا الحديث عن مطر إلا سعيد، تفرد به رواد. اهـ

قلت: الثلاثة ضعاف، فسعيد بن بشير، وشيخه مطر الوراق ضعيفان، ورواد اختلط بآخرة فترك حديثه، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابعه عليه الناس.

ص: 166

الدليل الثالث:

(ح-1106) ما رواه عبد الرزاق في المصنف، عن الثوري، عن عبد الرحمن بن حرملة،

عن ابن المسيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا صلاة بعد النداء إلا ركعتي الفجر

(1)

.

[روي مرسلًا، وموصولًا، ومقطوعًا من قول سعيد، وهو الأرجح]

(2)

.

(1)

. المصنف (4756).

(2)

. في إسناده عبد الرحمن بن حرملة، قال عن نفسه: كنت سيئ الحفظ، فسألت سعيد بن المسيب، فرخص لي في الكتاب. تاريخ ابن أبي خيثمة (3098)، الجرح والتعديل (5/ 223).

وقال على يعني ابن المديني: قال يحيى يعني القطان: محمد بن عمرو أعلى من سهيل بن أبى صالح، وهو عندي فوق عبد الرحمن بن حرملة.

قال على: فقلت ليحبى: ما رأيت من عبد الرحمن بن حرملة؟

قال: لو شئت أن ألقنه لفعلت، قال: كان يُلقَّن؟ قال: نعم. العلل الصغير للترمذي (ص: 744)، الضعفاء الكبير للعقيلي (2/ 328).

روى له مسلم حديثًا واحدًا متابعة، وفي التقريب: صدوق ربما أخطأ. =

ص: 167

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

=

قد اختلف على ابن أبي حرملة:

فقد رواه سفيان الثوري كما في المصنف (4756)، والسنن الكبرى للبيهقي (2/ 654).

والأوزاعي كما في مجموع مصنفات أبي العباس الأصم (90)، كلاهما عن عبد الرحمن بن حرملة، عن سعيد بن المسيب مرسلًا.

ورواه عبد الرزاق في مصنف (4755)،

والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 654) من طريق أبي نعيم (الفضل بن دكين) كلاهما عن الثوري، عن أبي رياح، عن ابن المسيب، أنه رأى رجلًا يكرر الركوع بعد طلوع الفجر فنهاه، فقال: يا أبا محمد أيعذبني الله على الصلاة؟ قال: لا، ولكن يعذبك على خلاف السنة.

وأبو رياح، ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (9/ 372)، وأنه روى عن سعيد بن المسيب، وروى عنه الثوري حديثين، ولم يذكر فيه جرحًا، ولا تعديلًا، فهو مجهول.

ورواه أبو معاوية محمد بن خازم، عن الشيباني، عن عمرو بن مرة، قال: رآني سعيد بن المسيب، وأنا أصلي بعض ما فاتني من الليل بعدما طلع الفجر، فقال: أما علمت أن الصلاة تكره هذه الساعة إلا ركعتين قبل صلاة الفجر؟

رواه ابن أبي شيبة في المصنف (7371) حدثنا أبو معاوية به.

وأبو معاوية ثقة في الأعمش، وقد يهم في حديث غيره، وهذا الأثر مقطوع على سعيد بن المسيب، وإسناده أقوى من إسناد ابن حرملة.

وخالفهم إسماعيل بن عمرو البجلي، فرواه عن الثوري، عن عبد الرحمن بن حرملة، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا صلاة بعد الفجر إلا سجدتين.

أخرجه الطبراني في حديثه لأهل البصرة بانتقاء ابن مردويه (140)، قال: حدثنا الفضل بن أحمد الأصبهاني: حدثنا إسماعيل بن عمرو البجلي به.

والفضل بن أحمد الأصبهاني، قال أبو الشيخ: حدث عن إسماعيل بن عمرو بأحاديث كثيرة كان يسرقها، ويضعها على إسماعيل بن عمرو، فاتفق أبو إسحاق وأبو أحمد ومشايخنا على ترك حديثه، وأنه كذاب. طبقات المحدثين بأصبهان (3/ 570).

وإسماعيل بن عمرو البجلي، صاحب غرائب ومناكير عن الثوري وغيره. انظر لسان الميزان (2/ 155).

وجاء الحديث من مسند أبي هريرة من غير طريق حرملة:

فقد رواه الطبراني في الأوسط (816) من طريق أحمد بن عبد الصمد الأنصاري،

وابن عدي في الكامل (1/ 490) من طريق علي بن عمرو الأنصاري، كلاهما عن إسماعيل بن قيس، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا طلع الفجر، فلا صلاة إلا ركعتي الفجر.

قال الطبراني: لم ير هذا الحديث عن يحيى بن سعيد، إلا إسماعيل بن قيس، تفرد به أحمد ابن عبد الصمد. اهـ.

وقال ابن عدي عن إسماعيل بن قيس: عامة ما يرويه مناكير.

وقال البخاري والدارقطني: منكر الحديث. التاريخ الكبير (1/ 370)، لسان الميزان (2/ 160).

وقال أبو حاتم: مدني ضعيف الحديث، منكر الحديث، يحدث بالمناكير، لا أعلم له حديثًا. قائمًا. الجرح والتعديل (2/ 193).

ص: 168

• وأجاب أصحاب هذا القول عن أدلة أصحاب القول الأول:

أن الاستدلال بأحاديث: لا صلاة بعد صلاة الصبح استدلال بالمفهوم.

وحديث: لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر استدلال بالمنطوق، والمنطوق مقدم على المفهوم.

• ويجاب عن ذلك من وجوه:

الوجه الأول:

أن المنطوق مقدم إذا عارض المفهوم بشرط أن تكون الأحاديث صحيحة، فإذا كان منطوق هذه الأحاديث أباطيل ومناكير، وغرائب وأفرادًا فلا يعارض بها مفهوم الأحاديث المقطوع بصحتها في الصحيحين وغيرهما، والتي بلغت حد التواتر.

الوجه الثاني:

لا نسلم أن التعارض بين منطوق ومفهوم، بل جاء الإذن بالصلاة إلى صلاة الصبح منطوقًا من حديث عمرو بن عبسة، ومن حديث عبد الله بن مغفل.

(ح-1107) فقد روى أبو داود في سننه، قال: حدثنا الربيع بن نافع: حدثنا محمد بن المهاجر، عن العباس بن سالم، عن أبي سلام، عن أبي أمامة،

عن عمرو بن عبَسَة السُّلمي؛ أنه قال: قلت: يا رسول الله، أيُّ الليلِ أسمعُ؟ قال: جوف الليل الآخر، فصلِّ ما شئتَ، فإن الصلاةَ مشهودةٌ مكتوبةٌ، حتى تُصَلِّيَ الصبح

وذكر الحديث، هذا لفظ أبي داود

(1)

.

[صحيح]

(2)

.

(1)

. سنن أبي داود (1277).

(2)

. حديث عمرو بن عبسة له طرق كثيرة، من هذه الطرق:

الطريق الأول: عن أبي سلام، عن أبي أمامة، عن عمرو بن عبسة السلمي.

أخرجه أبو داود (1277)، ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى (2/ 638)، والطبراني =

ص: 169

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= في الأوسط (422)، ومسند الشاميين (1410)، وابن خزيمة (260)، والحاكم (584)، والبيهقي في دلائل النبوة (2/ 168)، وفي السنن الصغير له (1/ 324) من طريق العباس بن سالم، عن أبي سلام به. وهذا إسناد صحيح، ورجاله كلهم ثقات.

وتابع يحيى بن أبي عمرو السيباني، العباس بن سالم.

أخرجه أحمد (4/ 111) حدثنا أبو اليمان.

وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1330) حدثنا الحوطي،

والطبراني في الدعاء (129)، وفي مسند الشاميين (863) والآجري في الشريعة (977) وأبو نعيم في الدلائل (198) من طريق إبراهيم بن العلاء الحمصي،

والخطابي في غريب الحديث (1/ 134) من طريق عبد الوهاب بن الضحاك،

وابن عبد البر في التمهيد (4/ 51) من طريق إبراهيم بن مروان الدمشقي، كلهم عن إسماعيل ابن عياش، عن يحيى بن أبي عمرو السيباني، عن أبي سلام الدمشقي، وعمرو بن عبد الله السيباني، أنهما سمعا أبا أمامة الباهلي يحدث عن عمرو بن عبسة السلمي به.

وهذا إسناد صحيح، وابن عياش روايته عن أهل الشام مستقيمة، وهذا منها،

ورواية أحمد والآجري وأبو نعيم والخطابي لم يذكروا الحديث بتمامه، فليس فيه موضع الشاهد، وقد رواه تَامًّا كل من الطبراني وابن عبد البر، وقد وهم فيه ابن عياش في ذكر ابتداء وقت النهي في الصبح والعصر، فقد جاء فيه:(والصلاة مشهودة متقبلة حتى تطلع الشمس، فإذا رأيتها خرجت كالجحفة فاقصرعندها) وقال في العصر: (فإذا فاء الفيء فصلِّ فإن الصلاة مشهودة حتى تغرب الشمس).

ويستفاد من رواية إسماعيل بن عياش التصريح بسماع أبي سلام الدمشقي من أبي أمامة.

وقول ابن أبي حاتم في المراسيل (813): «ممطور أبو سلام الأعرج الحبشي، الدمشقي، روى عن ثوبان، والنعمان بن بشير، وأبي أمامة، وعمرو بن عبسة مرسل» .

فقوله: (مرسل) ترجع إلى عمرو بن عبسة، لا إلى جميعهم، بدليل ما نقله ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل عن أبيه (8/ 431):«روى عن ثوبان، والنعمان بن بشير، وأبي أمامة، وسُلمى مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: وروى عن عمرو بن عبسة مرسل» .

وخالف عبد الله بن العلاء العباس بن سالم ويحيى بن عمرو السيباني، فرواه عن أبي سلام الأسود، سمعت عمرو بن عبسة مرفوعًا بإسقاط أبي أمامة.

رواه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1326، 1329)، والطبراني في مسند الشاميين (803، 806)، وفي الدعاء (134) من طرق عن الوليد بن مسلم، حدثنا عبد الله بن العلاء، حدثنا أبو سلام الأسود، قال: سمعت عمرو بن عبسة.

وأبو سلام لم يسمع من عمرو بن عبسة، أفاده أبو حاتم كما في العلل لابنه (3/ 330)، وذكروه مختصرًا ولم يذكروا فيه أوقات النهي، والمحفوظ رواية العباس بن سالم ويحيى بن =

ص: 170

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= أبي عمرو السيباني بذكر أبي أمامة واسطة بين أبي سلام وعمرو بن عبسة.

الطريق الثاني: عن أبي يحيى سليم بن عامر، وضمرة بن حبيب، وأبي طلحة نعيم بن زياد، قالوا: سمعنا أبا أمامة الباهلي، يقول: سمعت عمرو بن عبسة به.

أخرجه الترمذي (3579)، والنسائي في المجتبى (147، 572)، وفي الكبرى (1556)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 37)، والطبراني في الدعاء (128)، وابن خزيمة في صحيحه (1147)، والحاكم في المستدرك (1162، 4419)، والبيهقي في السنن الكبرى (3/ 6) من طريق معاوية بن صالح، قال: أخبرني أبو يحيى سليم بن عامر، وضمرة بن حبيب، وأبو طلحة نعيم بن زياد، قالوا: سمعنا أبا أمامة الباهلي يقول: سمعت عمرو بن عبسة، يقول: قلت: يا رسول الله، هل من ساعة أقرب من الأخرى أو هل ساعة يتقى ذكرها؟، قال: نعم إن أقرب ما يكون العبد من الرب جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن؛ فإن الصلاة مشهودة محضورة إلى طلوع الشمس، فإنها تطلع بين قرني شيطان، وهي ساعة صلاة الكفار، فدع الصلاة حتى ترتفع قيد رمح، ويذهب شعاعها، ثم الصلاة محضورة مشهودة حتى تعتدل الشمس اعتدال الرمح بنصف النهار؛ فإنها ساعة تفتح أبواب جهنم، وتسجر فدع الصلاة حتى يفيء الفيء، ثم الصلاة محضورة مشهودة حتى تغيب الشمس فإنها تغيب بين قرني الشيطان، وهي ساعة صلاة الكفار. هذا لفظ النسائي، واختصره الباقون.

ومعاوية بن صالح احتج به مسلم دون البخاري، وله أوهام، وكان يحيى بن سعيد القطان لا يرضاه، وكان ابن مهدي يحدث عنه، ولينه ابن معين، وقال أبو حاتم: لا يحتج به. ومن أوهامه في هذا الحديث قوله: (أقرب ما يكون العبد من الرب جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن؛ فإن الصلاة مشهودة محضورة إلى طلوع الشمس) وقوله: (دع الصلاة حتى يفيء الفيء، ثم الصلاة محضورة مشهودة حتى تغيب الشمس) فإن المحفوظ في هذا الحديث: (فإن الصلاة مشهودة حتى تصلي الصبح).

قال ابن عبد البر في التمهيد (4/ 23): «وهو حديث صحيح، وطرقه كثيرة حسان شامية، إلا أن قوله في هذا الحديث: ثم الصلاة محضورة مشهودة حتى تغيب الشمس، قد خالفه فيه غيره في هذا الحديث، فقال: ثم الصلاة مشهودة متقبلة حتى يصلي العصر، وهذا أشبه بالسنن المأثورة في ذلك» .

واختلف على سليم بن عامر،

فرواه عنه معاوية بن صالح كما سبق، عن سليم بن عامر وغيره، عن أبي أمامة، عن عمرو بن عبسة، وهو المحفوظ.

ورواه حريز بن عثمان، حدثنا سليم بن عامر، عن عمرو بن عبسة به، بإسقاط أبي أمامة.

رواه أحمد (4/ 385)، وعبد بن حميد كما في المنتخب (297)، وابن الأعرابي في معجمه (122)، وابن بطة في الإبانة (172) وفيه: (إن الله عز وجل يتدلى في جوف الليل الآخر فيغفر إلا ما كان =

ص: 171

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= من الشرك والبغي، فالصلاة مشهودة محضورة، فصلِّ حتى تطلع الشمس .... فإذا فاء الفيء، فصلِّ، فإن الصلاة محضورة مشهودة حتى تدلي الشمس للغروب .... ).

هذا لفظ أحمد، وسليم بن عامر لم يدرك عمرو بن عبسة، قاله ابن أبي حاتم في المراسيل (310)، فهو إسناد منقطع، وقوله:(صَلِّ حتى تطلع الشمس) و (حتى تدلي الشمس للغروب) وهم، لا أدري ممن هذا الوهم، مخالف لرواية أبي سلام، عن أبي أمامة، عن عمرو بن عبسة، فإنه قال:(صل ما شئت فإن الصلاة مشهودة مكتوبة حتى تصلي الصبح) وقال في العصر: (فإذا زاغت الشمس فصل ما شئت فإن الصلاة مشهودة حتى تصلي العصر)، هذا هو الموافق للأحاديث المتواترة في النهي عن الصلاة بعد صلاة الصبح وبعد صلاة العصر.

الطريق الثالث: عن شداد بن عبد الله أبي عمار - وكان قد أدرك نفرًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو أمامة: يا عمرو بن عبسة

وذكر حديثًا طويلًا عن عمرو بن عبسة، وفيه مما هو موضع الشاهد:

قلت: يا نبي الله أخبرني عما علمك الله وأجهله، أخبرني عن الصلاة، قال: صلِّ صلاة الصبح، ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس، حتى ترتفع، فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان، وحينئذٍ يسجد لها الكفار، ثم صَلِّ فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يستقل الظلُّ بالرمح، ثم أقصر عن الصلاة، فإن حينئذٍ تسجر جهنم، فإذا أقبل الفيء فصلِّ، فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلي العصر، ثم أقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس، فإنها تغرب بين قرني شيطان، وحينئذٍ يسجد لها الكفار

وذكر بقية الحديث.

رواه مسلم (294 - 832)، والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 637) من طريق النضر بن محمد، حدثنا عكرمة بن عمار، حدثنا شداد بن عبد الله أبو عمار ويحيى بن أبي كثير، عن أبي أمامة به.

ورواه أحمد (4/ 111) قال: حدثنا غندر،

وأخرجه أيضًا (4/ 112) حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ،

وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1327)، وأبو عوانة في مستخرجه (7، 668)، وأبو نعيم في مستخرجه على صحيح مسلم (1877)، وابن خزيمة (165)، والسراج في مسنده (1518)، وفي حديثه (2279)، والدارقطني (378)، والحاكم في مستدركه (4420)، من طريق أبي الوليد الطيالسي.

وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4977) من طريق يزيد بن عبد الله بن يزيد بن ميمون بن مهران، كلهم (غندر، وعبد الله بن يزيد، وأبو الوليد الطيالسي، ويزيد بن عبد الله) رووه عن عكرمة بن عمار، عن شداد وحده، عن أبي أمامة، عن عمرو بن عبسة.

ورواية مسلم هذه ومن وافقه تبين أن المحفوظ في إسناده ذكر أبي أمامة، عن عمرو بن عبسة، كما هي رواية أبي سلام، عن أبي أمامة، كما تبين وهم من أغفل ذكر وقت النهي بعد صلاة الصبح وبعد صلاة العصر، وجعل الأمر بالصلاة ممتدًّا إلى طلوع الشمس، وإلى غروبها، وأن المحفوظ في النهي عن الصلاة مقتصر على ما بعد صلاة الصبح، وصلاة العصر. =

ص: 172

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= الطريق الرابع: عن يعلى بن عطاء، عن يزيد بن طلق، عن عبد الرحمن بن البيلماني، عن عمرو بن عبسة.

أخرجه أحمد (4/ 111) من طريق حماد بن سلمة، يزيد بن طلق، عن عبد الرحمن بن البيلماني، عن عمرو بن عبسة، قال: أتيت رسول الله فقلت: يا رسول الله من أسلم معك؟ فقال: حر وعبد يعني أبا بكر وبلالًا، فقلت: يا رسول الله علمني مما تعلم وأجهل، هل من الساعات ساعة أفضل من الأخرى؟ قال: جوف الليل الآخر أفضل، فإنها مشهودة متقبلة حتى تصلي الفجر، ثم انهه حتى تطلع الشمس ما دامت كالحجفة حتى تنتشر، فإنها تطلع بين قرني شيطان، ويسجد لها الكفار، ثم تصلي، فإنها مشهودة متقبلة حتى يستوي العمود على ظله، ثم انهه، فإنها ساعة تسجر فيها الجحيم، فإذا زالت فَصَلِّ، فإنها مشهودة متقبلة حتى تصلي العصر، ثم انهه حتى تغرب الشمس، فإنها تغرب بين قرني شيطان، ويسجد لها الكفار، وكان عمرو بن عبسة، يقول: أنا ربع الإسلام.

والحديث رواه حماد بن سلمة كما في مسند أحمد (4/ 111، 114)، والدعاء للطبراني (131)،

وأخرجه شعبة كما في مصنف ابن أبي شيبة (43)، وفي مسنده (755)، ومسند أحمد (4/ 113)، وسنن ابن ماجه (283، 1251،) والمجتبى من سنن النسائي (584)، وفي السنن الكبرى له (1573)، وابن ماجه (283، 1251، 1364)، والطبراني في الدعاء (132)، كلاهما (حماد بن سلمة، وشعبة) عن يعلى بن عطاء به.

وهذا إسناد ضعيف، يزيد بن طلق لم يَرْوِ عنه غير يعلى بن عطاء، ولم يوثقه غير ابن حبان، فهو مجهول، وقد جهله الحافظ في التقريب، وقال الذهبي في الميزان: لا يعرف.

وابن البيلماني ضعيف، قال صالح جزرة: حديثه منكر، ولا يعرف أنه سمع من أحد من الصحابة إلا سُرَّق. اهـ انظر تهذيب التهذيب (2/ 493).

وقال أبو حاتم الرازي كما في الجرح والتعديل (5/ 216): هو لين. وقال الدارقطني: ضعيف، لا تقوم به حجة. تهذيب التهذيب (2/ 493).

الطريق الخامس: عن شهر بن حوشب، عن عمرو بن عبسة، وذكر حديثًا طويلًا، وفيه:

ثم الصلاة مكتوبة مشهودة حتى يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر فلا صلاة إلا الركعتين حتى تصلي الفجر، فإذا صليت صلاة الصبح فأمسك عن الصلاة حتى تطلع الشمس .... فإذا مالت فالصلاة مكتوبة مشهودة حتى تغرب الشمس .... ).

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (757)، وأحمد (4/ 385)، وابن ماجه (2794)، وعبد بن حميد كما في المنتخب (300)، وأمالي بن بشران الجزء الأول (566)، عن حجاج بن دينار، عن محمد بن ذكوان الطاحي (ضعيف)، عن شهر بن حوشب، عن عمرو بن عبسة به. =

ص: 173

(ح-1108) ورواه مسلم من طريق عكرمة بن عمار، حدثنا شداد بن عبد الله أبو عمار ويحيى بن أبي كثير، عن أبي أمامة به: وفيه:

صَلِّ صلاة الصبح، ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس حتى ترتفع، فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان

الحديث

(1)

.

فحديث عمرو بن عبسة منطوقه: الأمر بالصلاة من جوف الليل حتى يصلي الصبح، وهذا الحديث أصح من حديث ابن عمر وابن عمرو: لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر، والتعارض بينهما في المنطوق.

ومن صحح حديث ابن عمر وابن عمرو إنما صححهما بالمجموع، وإلا فكل

= ورواه ابن نصر في الصلاة (644) من طريق محمد بن ذكوان، عن عبيد بن عمير، عن عمرو بن عبسة.

ولحديث شهر علل كثيرة، منها: أنه لم يسمع من عمرو بن عبسة، إنما يحدث به عن أبي ظبية، عن عمرو بن عبسة، انظر المراسيل لابن أبي حاتم (324)، ومنها ضعف ابن ذكوان، ومنها وهمه في ذكر وقت النهي بطلوع الفجر، فإن هذا لا يعرف من حديث عمرو بن عبسة، بل المحفوظ خلافه، وقد رواه شهر بن حوشب من غير هذا الطريق مقتصرًا فيه على فضل الطهور إلا أني أعرضت عن تخريجه لأن موضع الشاهد، وهو بيان وقت النهي لم يذكره على كثرة اضطراب شهر في إسناده ومتنه.

الطريق السادس: عن أبي إدريس الخولاني، عن عمرو بن عبسة.

روى الطبراني في الأوسط (6964)، وفي الدعاء (130) حدثنا محمد بن علي المروزي، حدثنا خلف بن عبد العزيز بن عثمان بن جبلة بن أبي رواد، حدثني أبي، عن جدي، ثنا علي ابن المبارك، عن يحيى بن أبي كثير، حدثني أبو قلابة، أن أبا إدريس الخولاني أخبره، أن عمرو ابن عبسة أخبره أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي الليل خير الدعاء؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جوف الليل الآخر، ثم قال: «صَلِّ ما شئت حتى تصلي صلاة الصبح، ثم اقتصر حتى تطلع الشمس، فإنها تطلع في قرن الشيطان، وحينئذٍ يسجد الكفار لها ثم صَلِّ إذا شئت، حتى إذا انتصف النهار فاقتصر، فإن جهنم تسجر حينئذٍ، فإذا فاء الفيء فَصَلِّ ما شئت حتى تصلي العصر، ثم اقتصر، فإن الشمس تغرب في قرن الشيطان، وحينئذٍ يسجد الكفار لها.

وهذا إسناد ضعيف؛ لجهالة خلف بن عبد العزيز بن عثمان بن جبلة بن أبي رواد، ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (3/ 371)، وسكت عليه.

وتفرده بهذا الإسناد لا يقبل منه، فهو غريب من حديث أبي قلابة، ومن حديث يحيى بن أبي كثير، وهذان لهما طلاب يعتنون بمروياتهما، والله أعلم.

هذا ما تيسر من طرق الحديث، والله أعلم. راجع فضل الرحيم الودود (14/ 216).

(1)

. صحيح مسلم (294 - 832).

ص: 174

أسانيدها تدور على مجاهيل ومناكير وغرائب وأفراد، وتفرد مثل هؤلاء بالحديث لا يزيده إلا ضعفًا، فكيف إذا انضم إلى ذلك موافقة منطوق حديث عمرو بن عبسة لمفهوم الأحاديث المتواترة والتي تقول: لا صلاة بعد صلاة الصبح، فإن مفهومها أن الصلاة قبل صلاة الصبح مأذون فيها، والله أعلم، كما أن منطوق حديث عمرو بن عبسة موافق لمنطوق حديث عبد الله بن مغفل: بين كل أذانين صلاة، وهو في الصحيحين

(1)

.

الوجه الثالث:

أن وقت النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر معلق على فعل الصلاة لا على الوقت؛ ولهذا كان الوقت وقتًا للفريضة ولو ضاق الوقت عن فعلها، لحديث من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ولأن الحكمة من النهي عن الصلاة بعد صلاة الصبح وبعد صلاة العصر أن الكفار يسجدون للشمس عند طلوعها وعند غروبها، وهذا لا يكون من طلوع الفجر، ولم يعلل النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر؛ لأن النهي عنه سدٌّ لذريعة الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها، فلو فتح الباب للتطوع بعد صلاة الصبح لم يؤمن التمادي فيها إلى حين طلوع الشمس وغروبها، فالمقصود بالنهي أصالةً هو وقت الطلوع والغروب لما في السجود حينئذٍ من مشابهة سجود الكفار في الصورة، وهذا لا يصدق على الوقت ما قبل صلاة الصبح والعصر، ولقوله عليه الصلاة والسلام: لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس، ولا غروبها

(2)

.

(ح-1109) وروى عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن نافع،

كان ابن عمر يقول: أما أنا فإني أصلي كما رأيت أصحابي يصلون، وأما أنا فلا أنهى أحدًا أن يصلي ليلًا أو نهارًا لا يتحرَّى طلوع الشمس ولا غروبها،

(1)

. رواه البخاري (627) ومسلم (304 - 838) من طريق كهمس بن الحسن،.

ورواه البخاري (624) ومسلم (838) من طريق الجريري، كلاهما (كهمس، والجريري) عن عبد الله بن بريدة به.

(2)

. انظر: الاستذكار (1/ 113)، التمهيد (13/ 31)، التوضيح لخليل (1/ 283)، جامع العلوم والحكم (1/ 209)، فتح الباري لابن رجب (5/ 52)، طرح التثريب (2/ 186).

ص: 175

فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، وقال: إنه يطلع قرن الشيطان مع طلوع الشمس، فلا يتحرَّ أحد طلوع الشمس ولا غروبها

(1)

.

• الراجح:

أن وقت طلوع الفجر ليس وقتًا للنهي، وأن النفل فيه مباح، ولا تستحب الصلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يصلي فيه غير راتبة الفجر، فإذا صلى الصبح حرمت النفل المطلق حتى ترتفع الشمس، وأن من صلى راتبة الفجر في بيته، فدخل المسجد فإنه لا يجلس حتى يصلي ركعتين، حتى ولو قيل: إن الوقت من أوقات النهي؛ لأن هذه الصلاة من ذوات الأسباب، وسيأتينا إن شاء الله بحث مستقل عن حكم صلاة ذوات الأسباب في أوقات النهي، والله أعلم.

وأما قول ابن عبد السلام من المالكية وأنه يصلي تحية المسجد، ثم يصلي راتبة الفجر، فهذا قول ضعيف، فإن تحية المسجد ليست مقصودة بذاتها، ولا يشرع لمن دخل المسجد، وهو لم يُصَلِّ راتبة الفجر أن يصلي تحية المسجد، ثم يصلي راتبة الفجر؛ لأن هذا العمل لا أصل له، والمقصود ألا يجلس حتى يصلي، والله أعلم.

* * *

(1)

. مصنف عبد الرزاق (3968).

ص: 176