الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث في قدر القيام
المدخل إلى المسألة:
• من وجبت عليه القراءة وجب عليه القيام بقدرها مع تكبيرة الإحرام.
• كل من سقطت عنه القراءة كالمسبوق سقط عنه القيام إلا بقدر تكبيرة الإحرام.
• العاجز عن القراءة يلزمه القيام؛ لأنه وإن كان مقصوده الأعظم القراءة، لكنه أيضًا مقصود في نفسه، وهو عبادة منفردة.
• كون الشيء مقصودًا لغيره من وجه لا يمنع أن يكون مقصودًا بنفسه كالقيام في الصلاة، والوضوء.
• الميسور لا يسقط بالمعسور.
[م-488] قدر الفقهاء قدر القيام بقدر تكبيرة الإحرام من المسبوق؛ لسقوط القراءة عنه.
وأما غير المسبوق فبقدر تكبيرة الإحرام، والقراءة المفروضة على خلاف بينهم في قدرها.
فقيل: الواجب من القيام قدر قيام قراءة الفاتحة، وبهذا قال الجمهور
(1)
.
جاء في التاج والإكليل عن ابن يونس: «القيام للإمام والفذ قدر قراءة أم القرآن
(1)
. قال المازري في التلقين (1/ 537): «الواجب من القيام قدر الإحرام، وقراءة أم القرآن» . وانظر: الشرح الكبير للدردير (1/ 255)، مواهب الجليل (1/ 407)، التاج والإكليل (2/ 212)، شرح الخرشي (1/ 269)، الفواكه الدواني (2/ 268)، المجموع (3/ 272، 379)، البيان للعمراني (2/ 198)، الإقناع (1/ 133)، كشاف القناع (1/ 386)، مطالب أولي النهى (1/ 434، 494)، الممتع للتنوخي (1/ 354).
من الفروض المتفق عليها»
(1)
.
قال النووي: «الواجب من القيام قدر قيام قراءة الفاتحة، ولا يجب ما زاد»
(2)
.
(ح-1194) لما رواه البخاري ومسلم من طريق سفيان، عن الزهري، عن محمود بن الربيع،
عن عبادة بن الصامت، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب
(3)
.
وعلى قول من لا يوجب أم القرآن في كل ركعة يكفيه تكبيرة الإحرام والقيام لها، وقد اختار الحسن البصري، والمغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث من المالكية أنه يكفي قراءة الفاتحة مرة واحدة
(4)
.
لأن النفي في قوله: (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب) إن كان بمعنى الأمر بقراءة فاتحة الكتاب، فالأمر بالفعل يتحقق بالامتثال بقراءتها مرة واحدة؛ لأن صيغة الأمر المطلق لا تقتضي التكرار، فكذلك ما كان بمعنى الأمر من باب أولى.
ورد بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث أبي هريرة: (ثم افعل ذلك في صلاتك كلها)، والأصل في الأمر الوجوب، فصار الأمر يحمل معنى التكرار.
وسوف يأتينا بحث المسألة في مبحث مستقل إن شاء الله تعالى.
وقال أبو حنيفة: فرض القراءة آية واحدة، ولو كانت قصيرة، وهو رواية عن الإمام أحمد، فيكون الواجب من القيام بقدر قراءتها
(5)
.
(1)
. التاج والإكليل (2/ 212).
(2)
. المجموع (3/ 272)، يقصد النووي مع تكبيرة الإحرام، ولذلك قال ابن الرفعة في كفاية النبيه (3/ 258):«الواجب من القيام قدر قراءة الفاتحة، على النحو الذي يجزئه مع تكبيرة الإحرام» .
(3)
. صحيح البخاري (756)، وصحيح مسلم (34 - 394).
(4)
. مواهب الجليل (1/ 407)، شرح التلقين (1/ 513)، شرح زروق على متن الرسالة (1/ 303)، الذخيرة للقرافي (2/ 183)، التوضيح لخليل (1/ 338)، المبسوط للسرخسي (1/ 18).
(5)
. عند الحنفية تكفي آية واحدة يؤدي بها فرض القراءة ولو كانت قصيرة إذا كانت مكونة من كلمتين فأكثر مثل قوله تعالى: ثم نظر، وأما الآية إذا كانت من كملة واحدة كمدهامتان، أو حرف مثل (ص)، فالأصح أنه لا تجوز بها الصلاة خلافًا للقدوري، انظر:
…
مجمع الأنهر (1/ 104)، البحر الرائق (1/ 358)، الدر المختار مع حاشية ابن عابدين (1/ 537) المحيط البرهاني (1/ 298)، حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح (ص: 225، 226)، حاشية الشلبي على تبيين الحقائق (1/ 129).
وقال ابن مفلح في الفروع (2/ 172): «وعنه: تكفي آية من غيرها (وهـ) -يعني وفاقًا لأبي حنفية- وظاهره ولو قصرت، وظاهره ولو كانت كلمة» . وانظر: المبدع (1/ 385)، الإنصاف (2/ 112).
لقوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20].
فأمر بقراءة ما تيسر، ولم يحدد مقدارًا معينًا، والمطلق جارٍ على إطلاقه، والتحديد يحتاج إلى توقيف.
وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن: «يجزئ عن قراءة الفاتحة آية طويلة كآية الكرسي والدين أو ثلاث آيات قصار، فإن نقص عن ثلاث قصار، أو آية طويلة فقد ارتكب كراهة التحريم؛ لتركه الواجب، وهو رواية عن الإمام أبي حنفية»
(1)
.
لأن أدنى ما يسمى المرء به قارئًا في العرف أن يقرأ آية طويلة، أو ثلاث آيات قصار.
وقيل: يجزئ ما يصدق عليه اسم قرآن، ولو كان بعض آية إذا كان بقصد قراءة القرآن، وهو رواية عن أبي حنيفة، وعن أحمد في رواية: يقرأ ما تيسر
(2)
.
لأن الفرض إذا لم يقدر شرعًا، كان تقديره على أقلِّ ما يتناوله الاسم، حتى ولو قرأ بعض آية، إذا قرأ ذلك بقصد القراءة.
وقيل: لا يكفي إلا سبع آيات من غيرها، وهو رواية عن أحمد، وهل يجب أن يكون في عدد حروفها؟ على وجهين في مذهب الحنابلة
(3)
.
قياسًا على عدد آيات الفاتحة، وسوف يأتينا بحث المسألة عند الكلام على حكم قراءة الفاتحة، ونبسط فيها الخلاف إن شاء الله تعالى.
(1)
. المبسوط (1/ 221)، البحر الرائق (1/ 331) بدائع الصنائع (1/ 112)، الهداية في شرح البداية (1/ 55)، الاختيار لتعليل المختار (1/ 56)، تبيين الحقائق (1/ 128)، العناية شرح الهداية (1/ 332)، حاشية ابن عابدين (1/ 458).
(2)
. انظر مراجع الحنفية في القول الأول والثاني، وانظر رواية أحمد في: الإنصاف (2/ 112)، الفروع (2/ 172)، المبدع (1/ 385).
(3)
. الإنصاف (2/ 112)، الفروع (2/ 172)، الكافي لابن قدامة (1/ 247، 248).
• الراجح:
أما المسبوق فيكفيه من القيام قدر تكبيرة الإحرام، ويسقط القيام عنه للنص، وفي سقوط القيام عنه؛ أكان ذلك لسقوط القراءة، وذلك يعني أن القيام ليس مقصودًا بنفسه، أم أن سقوط القيام كان لتحمل الإمام ذلك عن المأموم، ولأن من أدرك أكثر الركعة فقد أدرك الركعة؟ في ذلك خلاف سيتوجه بحثه إن شاء الله تعالى في مبحثٍ مستقلٍّ.
وأما المنفرد والإمام، فالقراءة في حقه ركن، ومحلها القيام، فإذا وقف للتحريم وقراءة أم القرآن، فقد قام بالواجب عليه، سواء أقلنا: إن القيام وجب لوجوب القراءة، أم قلنا: إن القيام ركن مقصود بنفسه، وسقوط القراءة عن العاجز لا يسقط القيام، فيجب عليه أن يقوم في الصلاة بقدر التحريمة، وقراءة الفاتحة.
* * *