الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني في صفة رفع اليدين
الفرع الأول في صفة رفع الأصابع
المدخل إلى المسألة:
• رفع اليدين في التكبير من هيئة الصلاة.
• رفع الكف ومدها يستلزم مد الأصابع؛ لأنها جزء منها.
• السنة في الأصابع إذا رفعت الأيدي أن تكون ممدودة.
• مد الأصابع لا يقتضي ضمها، ولا تفريجها، فالضم والتفريج صفة زائدة على مطلق المد.
• لا يتكلف ضمها كل الضم ولا تفريجها كل التفريج بل يتركها منشورةً على هيئتها.
• كل شيء لم ترد فيه السنة واضحة فالأصل بقاؤه على طبيعته، ومنه ترك الضم والتفريج في مد الأصابع.
[م-503] اليد تطلق ويراد بها مجموع الأصابع والراحة، لهذا تكلم فقهاؤنا في صفة رفع اليدين من خلال ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: السنة في الأصابع، أتكون مضمومة أم مفرقة؟
المسألة الثانية: السنة في الكفين، أيرفعهما قائمتين، أم يبسطهما؟
المسألة الثالثة: منتهى الرفع، أيكون إلى المنكبين، أم إلى فروع الأذنين، أم إلى الصدر؟ وسوف نأخذها مسألة مسألة إن شاء الله تعالى:
أما المسألة الأولى: فقد اتفقوا على أن الأصابع تكون ممدودة، لا مقبوضة،
وإنما اختلفوا في ضمها، أو تفريقها:
فقيل: يترك أصابعه على حالها، فلا يضم كل الضم، ولا يفرج كل التفريج، وهذا مذهب الحنفية، ورجحه الغزالي من الشافعية
(1)
.
قال الغزالي: «لا يتكلف الضم ولا التفريق بل يتركها منشورةً على هيئتها»
(2)
.
(ح-1237) واستدلوا: بما رواه ابن خزيمة، قال: أخبرنا يحيى بن حكيم، أخبرنا أبو عامر (العقدي)، حدثنا ابن أبي ذئب، عن سعيد بن سمعان قال:
دخل علينا أبو هريرة مسجد بني زريق قال: ثلاث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل بهن، تركهن الناس، كان إذا قام إلى الصلاة قال: هكذا، وأشار أبو عامر بيده، ولم يفرج بين أصابعه، ولم يضمها، وقال: هكذا أرانا ابن أبي ذئب، قال أبو بكر: وأشار لنا يحيى بن حكيم، ورفع يديه، ففرج بين أصابعه تفريجًا ليس بالواسع، ولم يضم بين أصابعه، ولا باعد بينها، رفع يديه فوق رأسه مدًّا، وكان يقف قبل القراءة هُنَيَّة يسأل الله تعالى من فضله، وكان يكبر في الصلاة كلما سجد ورفع
(3)
.
[شاذ بهذا اللفظ لم يذكر صفة تفريج الأصابع إلا أبو عامر العقدي، والمحفوظ من لفظه أنه كان يرفع يديه مدًّا]
(4)
.
(1)
. تبيين الحقائق (1/ 106)، المحيط البرهاني (1/ 291)، البحر الرائق (1/ 320)، مجمع الأنهر (1/ 97)، حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح (ص: 257)، النهر الفائق (1/ 201).
(2)
. المجموع (3/ 307).
(3)
. صحيح ابن خزيمة (459).
(4)
. الحديث مداره على ابن أبي ذئب، عن سعيد بن سمعان، عن أبي هريرة.
رواه الطيالسي في مسنده (2495)، ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى (2/ 42).
ويحيى بن سعيد القطان كما في مسند أحمد (2/ 434)، وسنن أبي داود (753)، والنسائي في المجتبى (883)، وفي الكبرى (959)، وصحيح ابن خزيمة (460)، ومستدرك الحاكم (781)، والسنن الكبرى للبيهقي (2/ 279).
ومحمد بن عبد الله بن الزبير كما في مسند أحمد (2/ 500).
ويزيد بن هارون كما في مسند أحمد (2/ 434)، والقراءة خلف الإمام للبخاري (279)، ومستخرج الطوسي على الترمذي (224)، والجزء الثاني من أمالي ابن بشران (1295).
وعبيد الله بن عبد المجيد الحنفي كما في سنن الدارمي (1273) و الترمذي (239). =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
=
وأسد بن موسى كما في شرح معاني الآثار للطحاوي (1/ 195).
وآدم بن أبي إياس، كما في معجم ابن الأعرابي (2244).
ومحمد بن إسماعيل بن أبي فديك كما في صحيح ابن خزيمة (460، 473)، والأوسط لابن المنذر (3/ 74).
وخلف بن الوليد كما في مستخرج الطوسي (224)،
وأبو عاصم الضحاك بن مخلد كما في مسند البزار (8414)،
…
كلهم (الطيالسي، والقطان، والزبيري، وآدم، وأسد، وعبيد الله بن عبد المجيد، ويزيد ابن هارون، وابن أبي فديك، وأبو عاصم، وخلف بن الوليد) رووه عن ابن أبي ذئب، عن سعيد بن سمعان، قال: أتانا أبو هريرة في مسجد بني زريق، قال: ثلاث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل بهن، قد تركهن الناس: كان يرفع يديه مدًّا إذا دخل في الصلاة، ويكبر كلما ركع ورفع، والسكوت قبل القراءة يسأل الله من فضله.
وخالفهم كل من:
أبي عامر العقدي، فرواه عن ابن أبي ذئب، واختلف عليه في لفظه:
فرواه إسحاق بن إبراهيم كما في صحيح ابن حبان (1777)، عن أبي عامر العقدي، عن ابن أبي ذئب به، كلفظ الجماعة، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه مدًّا، وكان يقف قبل القراءة هنيهة يسأل الله من فضله، وكان يكبر في الصلاة كلما ركع وسجد. ليس فيه أن ابن أبي ذئب أراهم التفريج بين الأصابع، أو أنه رفع يديه فوق رأسه، وهذا اللفظ هو المحفوظ.
ورواه ابن خزيمة (459) أخبرنا يحيى بن حكيم،
والحاكم في المستدرك (856) وعنه البيهقي في السنن الكبرى (2/ 42)، من طريق إبراهيم بن مرزوق، كلاهما عن أبي عامر العقدي، وذكر فيه عن ابن أبي ذئب أنه أراهم التفريج بين الأصابع، ورفع اليد فوق الرأس، وهذا لفظه:.
دخل علينا أبو هريرة مسجد بني زُرَيق، قال: ثلاث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل بهن، تركهن الناس: كان إذا قام إلى الصلاة قال هكذا، وأشار أبو عامر بيده، ولم يفرج بين أصابعه، ولم يضمَّها، وقال: هكذا أرانا ابن أبي ذئب.
قال أبو بكر (ابن خزيمة): وأشار لنا يحيى بن حكيم، ورفع يديه، ففرج بين أصابعه تفريجًا ليس بالواسع، ولم يضم بين أصابعه، ولا باعد بينها، رفع يديه فوق رأسه مدًّا، وكان يقف قبل القراءة هنية يسأل الله تعالى من فضله، وكان يكبر في الصلاة كلما سجد ورفع.
وقد استنكره ابن خزيمة، فقال في صحيحه: «هذه الشكَّة شكَّة سمجة بحال، ما أدري ممن هي؟ وهذه اللفظة إنما هي: رفع يديه مدًّا، ليس فيه شك ولا ارتياب أن يرفع المصلي يديه عند افتتاح الصلاة فوق رأسه.
الثاني ممن خالف الجماعة في لفظه: يحيى بن اليمان، عن ابن أبي ذئب: =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
=
رواه أبو سعيد الأشج كما في حديثه (2)، وسنن الترمذي (239)، وصحيح ابن خزيمة (458)، وصحيح ابن حبان (1769)، ومستخرج الطوسي على الترمذي (223)، ومستدرك الحاكم (857).
وقتيبة بن سعيد كما في سنن الترمذي (239)، كلاهما عن يحيى بن اليمان، عن ابن أبي ذئب به، بلفظ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر للصلاة نشر أصابعه.
ولفظ أبي سعيد الأشج: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينشر أصابعه في الصلاة نشرًا.
ويحيى بن اليمان كثير الغلط، فكيف إذا خولف، وقد قال يحيى بن معين والنسائي: ليس بالقوي، وضعفه يحيى في رواية، والله أعلم.
وقد خطأ الترمذي يحيى بن اليمان، قال في سننه:(1/ 319): «وقد روى غير واحد هذا الحديث، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد بن سمعان، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل في الصلاة رفع يديه مدًّا، وهو أصح من رواية يحيى بن اليمان، وأخطأ ابن اليمان في هذا الحديث» .
وأعلَّ روايته الإمام أبو حاتم الرازي، جاء في العلل لابن أبي حاتم (2/ 134) ح 265:«سمعت أبي، وذكر حديث يحيى بن يمان، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد بن سمعان، عن أبي هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة نشر أصابعه نشرًا، قال أبي: وهم يحيى إنما أراد قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه مدًّا، كذا رواه الثقات من أصحاب ابن أبي ذئب» .
وضعفه أحمد كما نقله ابن القيم في بدائع الفوائد (3/ 88).
وتابع يحيى بن اليمان شبابة بن سوار، وهو ثقة، فقد قال ابن أبي حاتم في العلل (458): «سألت أبي عن حديث، رواه شبابة، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد بن سمعان، عن أبي هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة، نشر أصابعه نشرًا.
قال أبي: إنما روى على هذا اللفظ يحيى بن يمان، ووهم، وهذا باطل».
واحتمل بعضهم رواية يحيى بن اليمان، وحملها على أنها من الرواية بالمعنى، فليست مخالفة لرواية الجماعة:(رفع يديه مدًّا)، فالمد والنشر معناهما واحد، ضد القبض والطي، وليس المراد بالنشر تفريج الأصابع.
جاء في بدائع الفوائد (3/ 88): «قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل، سئل تذهب إلى نشر الأصابع إذا كبرت؟ قال: لا. قال أبو حفص: لعل أبا عبد الله أراد بالنشر الذي لم يذهب إليه التفريق الذي كان يقول به أولًا، والنشر الذي ذهب إليه آخرًا هو مد اليدين، وقد قال صالح: سألت أبي عن رفع اليدين في التكبيرة الأولى فقال: يا بني كنت أذهب إلى حديث أبي هريرة كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كبر نشر أصابعه فظننت أنه التفريق، فكنت أفرق أصابعي فسألت أهل العربية
فقالوا: هو الضم، وهذا النشر ومد أبي أصابعه مدًّا مضمومة
…
».
وقيل: يفرق أصابعه، وهو مذهب الشافعية، ورواية عن أحمد
(1)
.
• واستدلوا على مشروعية تفريق الأصابع:
(ح-1238) بما رواه الترمذي من طريق يحيى بن اليمان، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد بن سمعان،
عن أبي هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر للصلاة نشر أصابعه.
[ضعيف، رواه الجماعة عن ابن أبي ذئب بلفظ: يرفع يديه مدًّا، وهو المحفوظ]
(2)
.
وقال الحنابلة: يرفع أصابعه مضمومًا بعضها إلى بعض
(3)
.
(ح-1239) واستدل الحنابلة بما رواه أحمد، من طريق ابن أبي ذئب المعنى، قال: حدثنا سعيد بن سمعان، قال:
أتانا أبو هريرة في مسجد بني زريق، قال: ثلاث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل بهن، قد تركهن الناس: كان يرفع يديه مدًّا إذا دخل في الصلاة، ويكبر كلما ركع ورفع، والسكوت قبل القراءة يسأل الله من فضله، قال يزيد: يدعو ويسأل الله من فضله.
[صحيح]
(4)
.
ومد الأيدي المقصود بالأيدي الكف، ومدها يستلزم مد الأصابع؛ لأنها جزء منها، وإذا مدت الأصابع انضم بعضها إلى بعض.
• ويناقش:
بأن مد الأصابع لا يقتضي ضمها، ولا تفريجها، فالضم والتفريج صفة زائدة على مطلق المد.
وقيل: تكون أطراف الأصابع منحنية قليلًا، ذكر هذه الصفة القاضي عياض
(1)
. المجموع (3/ 307)، تحفة المحتاج (2/ 18)، التنبيه في الفقه الشافعي (ص: 30)، المهذب (1/ 136)، نهاية المطلب (2/ 133)، الإنصاف (2/ 44)، المبدع (1/ 380).
(2)
. سبق تخريجه، انظر دليل القول الأول.
(3)
. الإنصاف (2/ 44)، كشاف القناع (1/ 391)، الكافي (1/ 243)، المبدع (1/ 379)،.
(4)
. سبق تخريجه، انظر دليل القول الأول.
عن بعض المالكية في إكمال المعلم، ولم يذكر دليله
(1)
.
• الراجح:
أجد أن قول الحنفية هو الأقرب، وأنه يمد أصابعه مدًّا على طبيعتها، فلا يضمها كل الضم، ولا يفرقها كل التفريق بل يتركها على حالها، وهو اختيار الغزالي من الشافعية، والله أعلم.
* * *
(1)
. إكمال المعلم بفوائد مسلم (2/ 263)، وانظر عمدة القارئ شرح البخاري (5/ 271).