الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلا أننا حينما فعلنا ذلك لم يعترينا أي قلق بشأن من يعيشون هناك. خلقنا وضعاً يشعر الناس فيه أنهم قد ظلموا" (1).
فالمشكلة بين العراق وإيران والكويت ليست جديدة، ولم تظرأ في عهد صدام حسين فقط، بل قديمه قدم المؤامرة الاستعمارية البريطانية التي لم تتوقف طوال هذا التاريخ، بل استمرت بطريقه فجه بعد دخول الامبريالية الأمريكية اللعبة، وتحولها إلى اكبر قوة امبريالية عالمية، من خلال سعيها إلى السيطرة على مقدرات شعوب المنطقة ونهبها، وبالذات الثروة النفطية، هذا بالإضافة إلى الهدف الأساسي وهو حماية مشروعها الصليبي في المنطقة (إسرائيل). لهذا عملت أمريكا وحليفتها بريطانيا على تدمير وضرب أية مشاريع عربية طموحه تهدف إلى الأخذ بناصية التقدم والتطور للحاق بالركب العالمي، وموازنة القوة الإسرائيلية، ولهذا كان العراق في مقدمة الدول المستهدفة أمريكياً بهدف تدمير الانجازات الكبيرة التي تحققت في ظل حكم الرئيس العراقي صدام حسين، والتي أوصلت العراق إلى مرحلة متقدمة جداً في كافة المجالات.
مقدمات الحرب على العراق
يعود التخطيط الأمريكي لعمل عسكري في منطقة الخليج العربي إلى السبعينات من القرن العشرين عندما بدأت واشنطن تحسب حساب المشاعر القومية والميل إلي الاستقلال في الدول المنتجة للنفط، وبشكل خاص بعد أن أمم العراق نفطه عام 1972م، حيث تم وضعه في قائمة الدول التي تساند الإرهاب، وفي سنة 1973 م بدأ البنتاغون تدريبات عسكرية سنوية في صحراء موهافى، واجهت خلالها القوات الأمريكية المتدربة جنوداً يرتدون الزي العسكري العراقي. وفي عام 1974م صرح كيسنجر، انه لا يستبعد قيام أمريكيا بعمل عسكري للهيمنة على النفط والتحكم بأسعاره، وهو الأمر الذي عاد وأكده الرئيس كارتر في عام 1980م، حيث أعلن أن محاولة أي قوة خارجية تحقيق السيطرة على منطقة الخليج سوف تعتبر
(1) بوش في بابل (إعادة استعمار العراق) - طارق على ترجمة د. فاطمة نصر ص264
هجوماً على المصالح الحيوية للولايات المتحدة. وسوف يتم صد مثل هذا الهجوم بأية وسيلة ضرورية بما فيها القوة العسكرية (1).
وهنا من حقنا التساؤل عن المصالح الأمريكية في المنطقة، وهل هي فعلاً النفط فقط، أم هناك شيء آخر. بالطبع سيكون من التجني التقليل من أهمية النفط الاستراتيجية لأمريكا باعتبارها دولة عظمى تسعى للسيطرة على الاقتصاد العالمي، ولكن ذلك لا يعني أن نفسر هذا الهاجس النفطي الأمريكي تجاه نفط الخليج بأنه يعني كل شيء لأمريكا. فالهاجس النفطي لأميركا لا يفسر بأغراض استهلاكية محلية (رغم اعتمادها المتزايد على النفط الخارجي) وإنما بالتحكم في مصادر الطاقة في العالم، ذلك أن أميركا تعتقد أن التحكم في هذه المصادر الضرورية لأوروبا واليابان يمكنها من ممارسة الضغوط عليهما. وعليه فإن إستراتيجيتها في الشرق الأوسط وسياستها حيال العراق وإيران لا تهدف إلى التحكم في الطاقة الموجهة لأميركا، وإنما الموجهة للعالم، خاصة أوروبا واليابان، التي تعتمد أساساً على نفط الشرق الأوسط، بعكس أميركا التي تأتي نصف وارداتها النفطية من فنزويلا، المكسيك وكندا. وإذا أضفنا هذه النسبة إلى النفط الأميركي المنتج محلياً، فإن 70% من الاستهلاك الأميركي يأتي من الأمريكتين. بينما تعتمد أوروبا واليابان على الشرق الأوسط أساساً، مما يعنى أن السيطرة على هذا النفط سيضمن لأمريكا السيطرة على أوروبا واليابان، لأنه مهما كانت القوة العسكرية الجوية والبحرية الأميركية فليس بوسعها الحفاظ إلى ما لا نهاية ـ وبعيداً عن التراب الأميركي ـ على تفوق عسكري بدون دعم دول المنطقة، حيث أن القواعد السعودية والتركية هي أهم بكثير تقنياً من حاملات الطائرات الأمريكية (2).
لهذا فقد شكل تأميم العراق لنفطه تهديداً خطيراً لخطط الهيمنة الأمريكية في المنطقة والعالم. فمن ناحية يهدد مصالحها النفطية، ويحد من قدرتها بالتحكم بمصادر الطاقة، ومن الناحية الأخرى يعني أن العراق أصبح لديه الموارد المالية
(1) الطريق إلى حرب الخليج (من موهافى إلى الكويت) ـ محمد مظفر الأدهمى ـ ص70 - الاهلية للنشر والتوزيع- ط1 1997
(2)
بعد الإمبراطورية: محاولة حول تفكك النظام الأميركي ـ المؤلف: إمانيول طود ـ كامبردج بوك ريفيوز
الكافية لتطوير قدراته، وتهديد مشروعها الصليبي في المنطقة إسرائيل. ولذلك عملت الدوائر السياسية الأمريكية على زعزعة نظام الحكم في العراق من الداخل، من خلال تقديم الدعم للأكراد في الشمال، وتحريضهم على الانفصال، وسعى أمريكا وإسرائيل إلى تزويد إيران بالأسلحة لإدامة زمن الحرب العراقية الإيرانية، وإنهاك البلدين اقتصادياً وعسكرياً. فكما يقول هيكل:"كان هناك تفاهم بين الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية والكويت للحيلولة دون تحقيق انتصار عراقي في حربه مع إيران، وكان هؤلاء الأطراف مستعدون لكل الاحتمالات حتى وإن أدى ذلك إلى تقسيم العراق"(1). يضاف إلى ذلك الضغوط التي مارستها أمريكا على منظمة أوبك لزيادة الإنتاج لتخفيض أسعار النفط، والتي وصلت إلى سبعة دولارات للبرميل، مما تسبب بمشاكل كبيرة للاقتصاد العراقي.
وبالرغم من أن دول الخليج الموالية لأمريكا، حاولت مساعدة العراق لمواجه هذه الصعوبات ليكمل مشوار حربه مع إيران، إلا أن ذلك لم يكن كرامة عيون صدام حسين، بل نتيجة لخطة مسبقة لتدمير العراق وإيران معاً من خلال هذه الحرب، لهذا دعمت أمريكا كلا الطرفين وزودتهما بالسلاح، ودفعت الدول العربية التابعة لها لتكثيف دعمها للعراق تحت شعار (الدفاع عن البوابة الشرقية للأمة العربية)، حيث كان الهدف الخفي من وراء ذلك تدمير البلدين. ومعلوم أن الولايات المتحدة قدمت دعماً هائلاً عسكرياً وسياسياً ومالياً للعراق طوال الثمانينيات، وكان أكثر المسئولين الأمريكيين حماساً لنظام الحكم في العراق عام 1982م هو (دونالد رمسفيلد) الذي كان وزيرا للدفاع قبل أن يتولى الوزارة مرة أخرى في عهد بوش الابن. فقد سافر في مارس/ آذار 1983م إلى بغداد لترتيب تزويد العراق بالأسلحة الكيماوية والتجهيزات العسكرية المتطورة، حيث تطورت العلاقات الأميركية العراقية إيجابياً منذ عام 1982م حتى إن رمسفيلد قال في مقابلة صحفية مع شيكاغو تريبيون عام 1984م:"إن أكثر عمل يعتز به هو إعادة وتطوير العلاقات الأميركية العراقية". http://www.aljazeera.net/books/2003/4/ - TOP
وكشف الصحفي الأميركي (بوب وودورد) عام 1986م أن CIA قدمت عام 1984م للعراقيين معلومات إستخبارية وصورا من الأقمار الصناعية ساعدت في
(1) حرب الخليج أوهام القوة والنصر ـمحمد حسنين هيكل - ص235 - مركز الاهرام، 1992