الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القديم هي رموز لحالات روحية وأخلاقية. ذلك إن إسرائيل الجديدة مثلاً هي الكنيسة، وان خراب القدس قد تحقق بالفعل عام 70م على يد تيطوس.
كما تؤمن الكاثوليكية التقليدية أن إبراهيم عليه السلام عندما اخذ الوعد من الله بالأرض لم يفهمه على انه تصريح له من الله بسرقة الأرض من مالكها، حتى لو كانت الأرض هبة من الله فهي مشروطة بطاعة الواهب. كما ترى ـ أيضا ـ أن العهد مرتبط بتحقيق وصايا الله وطاعته لا رفض حكمه، وان ارض الميعاد الحقيقية عند المسيح هي الأرض كلها، وكل ارض يتحقق فيها وعد الله. "فمن المحقق للمسيحي الحق ان (الوعد) الذي أنجز بمجئ يسوع المسيح لا يمكن أن يكون وعداً بأرض. فقد رفض يسوع المسيح في ثلاثة مواقف من الإنجيل رفضاً قاطعاً أن يربط رسالته بموضوع امتلاك أرض أو سلطة. وهكذا فالعهد الجديد الذي يعد البشرية كلها بالخلاص الأبدي يجعل من العهد القديم (عهداً) عفى عليه الزمن لأنه يعد شعباً مخصوصاً بأرض مخصوصه"(1). وبالنسبة للقدس ـ المدينة التي لم تتجاوب مع دعوة السيد المسيح ورسالته والتي حوكم فيها ـ لا ترى الكنيسة الكاثوليكية فيها علامة من علامات المجيء الثاني للمسيح. "ولعل هذه التفسيرات، وهذا الإيمان، ما أبقى كتاب العهد الجديد منفصلاً عن كتاب العهد القديم، ولم يجمعا معاً في كتاب واحد أطلق عليه الكتاب المقدس، إلا مع ولادة حركة الإصلاح الديني (البروتستانتية) على يد الملك هنري الثامن عام 1538، عندما تمت ترجمته إلى الإنجليزية وإتاحته للناس للقراءة، وقد تم ذلك عندما رفض البابا طلاق هنري من زوجته آنبولين مما دفعه إلى تبنى حركة الإصلاح الديني"(2).
موقف الكنيسة الكاثوليكية من الحركة الصهيونية وإسرائيل
كان موقف الكنيسة الكاثوليكية السابق من اليهود اساساً لموقفها من الحركة الصهيونية عشية المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897م حيث جاء في هذا الموقف: " لقد مر ألف وثمانمائة وسبعة وعشرون سنة على تحقيق نبوءة المسيح، بأن القدس
(1) فلسطين ارض الرسالات السماوية - روجيه جارودي - ترجمة قصي اتاسي- ميشيل واكيم - ص151 - 152
(2)
الأصولية المسيحية .. أصولها ونشأتها ودورها في صنع القرار الأمريكي ـ يوسف الحسن - جريدة الخليج عدد 8674.
سوف تدمر. أما فيما يتعلق بإعادة بناء القدس بحيث تصبح مركزاً لدولة إسرائيلية يعاد تكوينها، فيتحتم علينا أن نضيف أن ذلك يتناقض مع نبوءات المسيح نفسه الذي أخبرنا مسبقا بأن القدس سوف تدوسها العامة (جنتيل) حتى نهاية زمن العامة (لوقا 21/ 24)، أي حتى نهاية الزمن (1) ".
وإزاء هذا الموقف الرافض للأفكار الصهيونية من قبل الفاتيكان، حاول هرتزل مقابلة البابا حيث تمكن في 25 تشرين ثاني 1904م من مقابلة البابا (بيوس العاشر) ودخل معه في مناقشات طويلة حول علاقة الكنيسة باليهود، وموقف الفاتيكان منهم، فقال له البابا:"أما أن يظل اليهود محتفظين بمعتقدهم ينتظرون مجيء المسيح .. والمسيح عندنا جاء وتمت بعثته للبشر، في هذه الحالة نعتبر اليهود منكرين للاهوت يسوع المسيح، ولا مجال هنا لمساعدتهم في فلسطين ولا في غيرها، هذا هو الوجه الأول، والآخر أن يذهبوا إلى فلسطين شعباً بلا دين بالمرة وفي هذه الحالة نجد أنفسنا في مجال أضيق وغير مستعدين لمؤازرتهم، ومعلوم أن الدين اليهودي هو أساس ديننا، ولكن الدين اليهودي قد جاءت عليه تعاليم المسيح وحلت محله، ولهذه العلة فليس من الممكن أن نقدم اليوم لليهود من المساعدة أكثر مما فعلنا من قبل، والذين أنكروا المسيح من اليهود ولم يعترفوا به مازالوا على هذا الإنكار حتى اليوم"(2).
ورغم هذا الموقف القوى الواضح من البابا، إلا أن هرتزل قال في رده على البابا:"إن النكبات والاضطهادات لم تكن في اعتقادي خير وسيلة لإقناع قومي بما يكرهون". وأمام هذا اللغط وقبح المواجهة ثارت ثائرة البابا واستفزه قبح أسلوب هرتزل والعبارة التي رد بها، فقال البابا: "أن سيدنا يسوع، آتى إلى هذا العالم ولا قوة له ولا سلاح فقد جاء فقيراً من حطام الدنيا وهو لم يضطهد أحداً. وإنما تعرض للاضطهاد وتخلى عنه الناس، وسلطانه على الأرض لم يظهر إلا بعد انقضاء رسالته ولم يقم للكنيسة كيان إلا بعد مضى ما لا يقل عن ثلاثمائة عام على تأسيسها وقد
(1) الصهيونية المسيحية - محمد السماك ص 151
(2)
الصهيونية تحرف الأناجيل / سهيل التغلبى - ص 104 - مكتبة مجد - ط 1999، الصهيونية في الستينات، الفاتيكان واليهود للأستاذ محمود نعناعه- الدار القومية للطباعة والنشر - القاهرة 1994.
كان بوسع اليهود خلال تلك الفترة أن يقبلوا رسالة المسيح فلم يقبلوها ورفضوها وما زالوا يرفضونها حتى هذه الساعة" (1). وأمام هذه الشجاعة في التعبير عما يعتقده البابا بيوس العاشر ويؤمن به ويمثله، فإن هرتزل دوّن في مذكراته وادعى: "أن البابا بيوس امتعض منى لأني لم أقبلّ يده عند اللقاء ولو كنت قبلّتها كما فعل كونت ليباى ـ الذي أعد لهذا اللقاء ـ لما كان قداسته ذهب هذا المذهب الذي صدر عنه" (2).
وبعد سبع سنوات على إعلان هذا الموقف، رفض البابا بيوس العاشر من حيث المبدأ، إقامة وطن يهودي في فلسطين (3)، حيث وجه البابا رسالة جوابية إلى هرتزل، قال فيها:"لا نستطيع أبداً أن نتعاطف مع هذه الحركة ـ الصهيونية ـ نحن لا نستطيع أن نمنع اليهود من التوجه إلى القدس، ولكننا لا يمكن أبدا أن نقره، إنني بصفتي قيماً على الكنيسة لا أستطيع أن أجيبك بشكل آخر. لم يعترف اليهود بسيدنا، ولذلك لا نستطيع أن نعترف بالشعب اليهودي، وبالتالي، فإذا جئتم إلى فلسطين وأقام شعبكم هناك، فإننا سنكون مستعدين ككنائس ورهباناً لتعميدكم جميعا"(4).
وبالرغم من هذا الرفض التام من قبل البابا للمطالب الصهيونية، إلا أن الصهاينة لم يكفوا عن المحاولة، وبعد صدور وعد بلفور في عام 1917م، أوفدت الحركة الصهيونية أحد أعضائها وهو الروسي (ناحوم سوكولوف) لمقابلة البابا (بنديكت الخامس عشر) لإقناعه بتأييد الوعد، ولكن البابا حدد موقفه وقال:"لا لسيادة اليهود على الأرض المقدسة (5) ". وقد دافعت الصحافة الكاثوليكية في أوروبا وفي الولايات المتحدة نفسها عن موقف البابا هذا، حتى إن المجلة الكاثوليكية
(1) الصهيونية تحرف الأناجيل / سهيل التغلبى ص 104
(2)
يوميات هرتزل، ترجمة هلدا شعبان صايغ - ص225 - سلسلسة كتب فلسطينية- مركز الأبحاث م. ت. ف- ط 1973
(3)
البعد الديني في السياسة الأمريكية تجاه الصراع العربي الصهيوني - يوسف الحسن ص56
(4)
الإسلام والمسيحية من التنافس والتصادم إلى الحوار والتفاهم ـ إليكس جورافسكى ـ ترجمة د. خلف الجراد ـ ص134 - دار الفكر المعاصر/ بيروت- دار الفكر/دمشق- ط2 2000م.
(5)
الصهيونية تحرف الأناجيل / سهيل التغلبى ص 107
الأمريكية نشرت في عددها الصادر في نيسان ـ إبريل 1918م مقالاً بعنوان: (موقف المسيح من التطلعات السياسية ـ الدينية لليهود) قالت فيه: "بما أن الانتقام هو صفة اليهود المميزة، فإن التدمير الكامل لأعدائهم هو من أعظم إنجازات تطلعاتهم القومية، حيث يرى كثير من اليهود في إشباع مشاعرهم الانتقامية هذا جزءا من عظمة مستقبلهم السعيد". ولهذا دعت المجلة إلى رفض المطالب الصهيونية ومقاومتها لما ستلحقه من دمار على أهالي فلسطين مسيحيين ومسلمين.
كما أن البابا (بنديكت) تلقف التضامن الإسلامي المسيحي العربي في فلسطين ضد وعد بلفور، ليجدد رفضه السيادة اليهودية على الأرض المقدسة. "ففي ديسمبر 1920م تألفت هيئة إسلامية ـ مسيحية لمطالبة السلطات البريطانية بإعادة النظر في وعد بلفور، وطالب المؤتمر العربي الثالث في حيفا، باستبدال الانتداب البريطاني بحكومة عربية، كما احتلت أحداث الانتفاضة الفلسطينية في ربيع 1921م الصفحات الأولى في الصحف الكاثوليكية. وفي 14 من حزيران ـ يونيو 1921م أعلن البابا أن الوضع في فلسطين لم يتحسن، بل إنه ازداد سوءا من خلال التعليمات المدنية الجديدة التي استهدفت عملياً على الأقل ولو من غير قصد أصحابها ـ إقصاء المسيحية عن موقعها السابق ووضع اليهود في مكانها، ولذلك فإننا نهيب بحرارة بجميع المسيحيين بمن فيهم الحكومات غير الكاثوليكية أن تحث عصبة الأمم على إعادة النظر في الانتداب البريطاني على فلسطين"(1).
وفي 15 من أيار ـ مايو 1922م، وجه الفاتيكان مذكرة رسمية إلى عصبة الأمم تنتقد بشدة إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وجاء في المذكرة التي وضعها الكاردينال كاسباري:"إن الحبر الأعظم لا يعارض في أن يتمتع اليهود في فلسطين بالحقوق المدنية أسوة بغيرهم من أبناء الجنسيات والمعتقدات الأخرى، ولكنه لا يمكن أن يوافق على منح اليهود امتيازات على غيرهم من السكان"(2). وتجاوباً مع هذا الموقف تحركت الدبلوماسية الفرنسية والإيطالية والبرازيلية (وكلها دول
(1) الصهيونية المسيحية ـ محمد السماك ص 152
(2)
الصهيونية المسيحية ـ محمد السماك ص 153
كاثوليكية) في اتجاه تأخير إقرار الانتداب البريطاني على فلسطين في عصبة الأمم إلى أن يعاد النظر في وعد بلفور.
وفي عملية استيعابية لهذه التحركات، قام (ونستون تشرشل) وكان وزيرا للمستعمرات البريطانية، بحركته الالتفافية فأصدر الورقة البيضاء، التي استهدفت إقناع خصوم الصهيونية بفرض قيود على المستقبل السياسي للمستوطنين اليهود في فلسطين دون إعادة النظر في نص وعد بلفور أو في مضمونه. وفي هذا الإطار أيضا ـ جاءت توضيحات القومندون (هوغارث) من المكتب العربي في القاهرة بأن أي مستوطنة يهودية في فلسطين لن تقام إلا في حدود مراعاة الحريات السياسية والاقتصادية للسكان العرب. وقد عززت حركة تشرشل هذه، الموقف الذي اتخذه الكونجرس الأمريكي بمجلسيه الشيوخ والنواب بتأييد وعد بلفور بمنح اليهود وطنا قومياً دون إلحاق الأذى بالحقوق الدينية للمسيحيين أو غيرهم من المجموعات غير اليهودية". هذان الموقفان البريطاني (الإنجليكاني)، والأمريكي (البروتستنتي) أديا معاً إلى هزيمة موقف الفاتيكان (الكاثوليكي).
وبرغم ذلك، وبرغم انشغال البابوية بالانعكاسات السلبية على الكنيسة الكاثوليكية في الدول الشيوعية، فإن الفاتيكان لم يتراجع عن معارضة تهويد فلسطين خلال الثلاثينات من القرن العشرين. "ففي تموز ـ يوليو من العام 1937م، وفي أعقاب الثورة الفلسطينية التي نشبت في عام 1936م ألفت بريطانيا لجنة للتحقيق، أوصت اللجنة بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية مع إبقاء الأماكن الدينية في القدس وبيت لحم تحت إشراف الانتداب البريطاني، حيث عارض العرب المسلمون والمسيحيون توصيات اللجنة، وعارضها الفاتيكان أيضاً. ففي مذكرة وجهها إلى الحكومة البريطانية في السادس من آب ـ أغسطس من ذلك العام، عارض الحبر الأعظم تقسيم فلسطين، وعارض بصورة أخص وضع المناطق المقدسة بما فيها بحيرة طبريا والناصرة ضمن الجزء المخصص للدولة اليهودية. وأعرب الحبر الأعظم عن قلقه الشديد من نتائج مثل هذا التقسيم لفلسطين على المجموعات المسيحية"(1).
(1) الصهيونية المسيحية ـ محمد السماك ص 155.
وكنتيجة للثورة الفلسطينية والمعارضة الفاتيكانية وما رافقها من توتر دولي، تراجعت الحكومة البريطانية عن مشروع التقسيم، ثم أصدرت في عام 1939م الورقة البيضاء التي حددت بموجبها عدد اليهود الذين يسمح لهم بالهجرة سنويا إلى فلسطين، ومساحة الأراضي التي يسمح لهم بتملكها، ولكن ذلك لم يرق للدوائر الصهيونية التي حاولت الالتفاف على هذا الأمر من خلال ممارسة بعض الضغوط على الفاتيكان، "حيث كان آخر فصول النزاع اليهودي المسيحي في تلك الفترة محاولة الصهيونية العالمية تجريم البابا بيوس الثاني عشر بتهمة الوقوف مع النازية في الحرب العالمية الثانية، ثم الضغوط الهائلة التي أفضت إلى تبرئة اليهود من دم السيد المسيح"(1). ولكن هذه المحاولة لم تنجح في جعل البابا يغيرّ رأيه في مشروع التقسيم.
وقد عكست الصحف الأمريكية الكاثوليكية (ساين وتابليت) الحملة الفاتيكانية ضد التقسيم، وركزت على أن فلسطين ليست ولن تكون وطناً قومياً لليهود، حيث ظل هذا الموقف من الثوابت الفاتيكانية حتى إلى ما بعد تصويت الأمم المتحدة على قبول عضوية إسرائيل في المنظمة الدولية. ففي 22 من حزيران - يونيو من العام 1943 م، ورداً على بيان المنظمات الصهيونية الذي صدر في نيويورك (بيان بلتيمور) في أيار ـ مايو 1942م، وجه المبعوث الفاتيكاني إلى الولايات المتحدة الأسقف (أملتو تشيكونياني) مذكرة إلى الحكومة الأمريكية جدد فيها نداءات البابا (بنديكت الخامس عشر) بمعارضة إنشاء دولة يهودية في فلسطين، وضمن المذكرة صورة عن مذكرة الكاردينال (غسباري) إلى عصبة الأمم في 4 من حزيران - يونيو 1922م والتي جاء فيها:"إذا كانت إقامة وطن يهودي أمراً مرغوباً فيه، فلن يكون من العسير إيجاد مكان مناسب أكثر من فلسطين. إن مشاكل دولية جديدة سوف تترتب على زيادة عدد السكان اليهود هناك، وسيتصدى كاثوليك العالم لهذا الأمر"(2).
غير أن الصهيونية المسيحية كانت أقدر على انتزاع موقف من الكونجرس، "يدعو فيه الإدارة الأمريكية إلى بذل جهودها لاتخاذ كل الإجراءات اللازمة لفتح
(1) تاريخ تطور علاقة المسيحية باليهودية / د. فكتور سحاب الخليج عدد 8674.
(2)
الصهيونية المسيحية ـ محمد السماك ص 156.
أبواب فلسطين أمام اليهود، وإفساح المجال أمامهم لاستعمارها بحيث يتمكن الشعب اليهودي من إعادة بناء فلسطين كدولة يهودية ديموقراطية حرة". ونتيجة لذلك أوفد الفاتيكان في عام 1944م إلى الولايات المتحدة المونسينيور (توماس ماكماهون) ليحذر من خطر خضوع الغرب إلى المطالب الصهيونية بالضغط على المجموعات المسيحية في الشرق. وأكد ماكماهون خلال ذلك أن المسيحيين في العالم يطالبون بصوت واحد، "أن تحافظ أرض المسيح على قداستها وحرمتها".
وقبل اعتراف الأمم المتحدة بإسرائيل بأسبوعين وجه البابا (بيوس الثاني عشر) رسالة رعوية في الأول من أيار ـ مايو 1948م، قال فيها:" في الوقت الحاضر هناك قضية أخرى تحزننا وتدمي قلوبنا. إننا نعني بذلك قضية الأماكن المقدسة في فلسطين التي تعرضت منذ وقت طويل لأحداث محزنة والتي تؤدي يومياً إلى عمليات قتل وتدمير، ومع ذلك فإذا كان هناك جزء من العالم عزيز على ضمير كل إنسان واع ومتحضر، فإن هذا الجزء هو فلسطين .. " ثم دعا المؤمنين إلى تخصيص الصلاة في شهر أيار ـ مايو " لتسوية قضية فلسطين على أساس المساواة حتى يسود السلام والتفاهم"(1).
وهكذا احتلت الكنيسة الكاثوليكية، موقعاً أمامياً في التصدي للحركة الصهيونية منذ البداية. فالفاتيكان الذي لم يعترف حتى اليوم بإسرائيل اعترافاً قانونياً، يعارض أهداف الحركة الصهيونية اليهودية، ويعارض هجرة اليهود إلى فلسطين. ولا ينتقص من دور الفاتيكان في التصدي للحركة الصهيونية، وثيقة التبرئة التي صدرت في عام 1963. "فالمعروف أن البابا (غريغوري الثالث عشر) أصدر حكم الإدانة ضد اليهود في العام 1581م، ولم يرفع هذا الحكم إلا مؤخرا في عام 1960م عندما كلف البابا (يوحنا الثالث والعشرون) الكاردينال (بيا) إعداد مسودة نص مجمعي عن اليهود، يزيل عنهم تهمة قتل المسيح، حيث نشر نص هذه الوثيقة في عام 1963" (2).
(1) الصهيونية تحرف الأناجيل - سهيل التغلبى - ص 107
(2)
الإسلام والمسيحية من التنافس والتصادم إلى الحوار والتفاهم - اليكس جورافسكى - ترجمة د. خلف الجراد ـ ص134
وقد أثارت هذه الوثيقة احتجاجات واسعة في البلدان العربية وبرزت أصداؤها من خلال مناقشات ومداخلات واعتراضات أساقفته هذه البلدان المشتركين في المجمع، "حيث أظهرت المناقشات مقاومة قوية من بطريرك إنطاكية للكاثوليكية (طبوني) وبطريرك الأقباط الكاثوليك (اسطفانس الأول)، يؤازرهما عدد لا بأس به من أساقفة الكاثوليك الشرقيين، الذين اجمعوا على أن التطرق إلى موضوع اليهود ونفي التهمة التاريخية عنهم قد يؤدي إلى الاعتراف بدولة إسرائيل من قبل الفاتيكان من جهة، وقد يخدم مصلحة اليهود سياسياً في نزاعهم مع العرب من جهة ثانية. أما بطريرك الروم ـ الكاثوليك مكسيموس الرابع فقد أشار إلى أن المسودة المقترحة (عن اليهود) يمكن أن تقر وتصدر فقط في حال إذا كانت الكنيسة ستتحدث عن ديانات أخرى، بما في ذلك الإسلام"(1). ولكن بالرغم من هذه الاحتجاجات فقد صدرت هذه الوثيقة مسدلة الستار على فصل مهم من فصول النزاع اليهودي المسيحي في تلك الفترة، بعد أن أفضت إلى تبرئة اليهود من دم المسيح.
وهنا لا بد أن نشير إلى أمر مهم وهو أن صدور هذه الوثيقة لا يشكل تغييراً جوهرياً في نظرة الكنيسة الكاثوليكية لليهود أو تغييراً في العقيدة الكاثوليكية. فالهدف الذي بسببه صدرت الوثيقة، كان لرد الهجوم العنيف الذي تعرضت له الكنيسة الكاثوليكية من الصهيونية وأعوانها، بدعوى أن الاضطهاد الذي تعرض له اليهود في أوروبا كان بسبب تلك الإدانة التي صدرت قبل أربعة قرون والتي تحمل اليهود مسئولية قتل المسيح. وهنا لا يمكن لأي إنسان عاقل أن يدعي أن تلك الإدانة كانت صحيحة أو أنها تعتبر جزء جوهري من العقيدة المسيحية. وبالتالي فإن التخلي عنها أو إلغائها لا يعتبر تحولاً كبيراً في نظرة الكاثوليك لليهود وعلاقتهم بإسرائيل. فالوثيقة لم تنكر أن اليهود تآمروا على قتل المسيح، ولكنها تنكر أن يتحمل اليهود كشعب ذنب هذا التآمر على مر التاريخ وتعاقب عليه الأجيال بعد الأجيال.
مما تقدم يتضح لنا الموقف المتشدد للكنيسة الكاثوليكية من الحركة الصهيونية ودولة إسرائيل، والذي لم يترك إي أمل في إعادة بعث اليهود، أو عودتهم وتملكهم لأرض فلسطين من جديد، حيث انعكس ذلك على موقف أتباعها في
(1) المصدر السابق ـ ص134.