الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحرب الاقتصادية والإعلامية
بدأت الحرب الاقتصادية على العراق بعد انتهاء حربه مع إيران مباشرة، حيث اتخذت الكويت في 9/ 8/1989م قراراً بزيادة إنتاجها النفطي، مخالفة بذلك اتفاق أوبك، وكان حقل الرميله العراقي أحد الحقول الذي بدأت فيه الكويت تنفيذ ذلك، مما أدى إلى خسارة العراق سبعة مليارات دولار، بسبب خفض الأسعار، وقد حاول العراق حل هذه المشكلة مع حكام الكويت ولكنها باءت بالفشل. ويعلق (كولن باول) على ذلك بقوله:"لقد طعنا خنجراً مسمماً في ظهر العراق بوقف حصص النفط المحددة من قبل أوبك، وبالتالي تخفيض الأسعار وإنقاص مدخولات العراق"(1).
أما على صعيد الحملة الإعلامية المنظمة ضد العراق، فقد بدأت عندما أطلق العراق في نهاية عام 1989م منظومة صاروخية ناقلة للأقمار الصناعية، وأعلن العراق عن وصوله لصناعة صاروخ أرض ـ أرض بمدى ألفي كيلومتراً، مما أثار الخوف في إسرائيل لأنها أصبحت ولأول مرة في مدى الصواريخ العراقية. هنا تحركت الآلة الإعلامية الأمريكية الصهيونية، واخذت تشن هجومها على العراق والرئيس صدام، وقامت وزارة الخارجية الأمريكية بنشر تقرير عن انتهاك حقوق الإنسان خصت 12 صفحة منه للعراق، ووصفت الحكومة العراقية بأنها الأكثر سوءاً في مجال خرق حقوق الإنسان. وفي28 شباط 1990م اتخذ الكونغرس الأمريكي قراراً بإيقاف التسهيلات المصرفية الممنوحة للعراق في بنك التصدير والاستيراد، وذلك بحجة مساندة العراق للإرهاب الفلسطيني وإيواءه (أبو العباس). وفي 15 آذار نشرت الصحف العراقية اعترافات الصحفي (بازوفت) البريطاني الجنسية والإيراني الأصل، والذي تم إعدامه في اليوم نفسه بتهمة التجسس لصالح بريطانيا وإسرائيل بناء على اعترافاته بمهمته في جمع المعلومات العسكرية والسياسية عن العراق لصالح الصهاينة والشرطة السرية البريطانية. وقد تعرض العراق لحملة إعلامية مضادة وواسعة من قبل وسائل الإعلام البريطانية والأمريكية والإسرائيلية، بعد إعدامه لبازوفت.
(1) يوميات كولن باول ـ بقلم جوزيف بريسكو ـ ص579 - الناشر الاهلية للنشر والتوزيع /عمان - توزيع جروس برس
من جانب آخر تحركت الدبلوماسية العراقية لحشد الدعم العربي، واتخاذ موقف عربي موحد من الحملة البريطانية الصهيونية ضد العراق، ونشرت الجامعة العربية استنكاراً لهذه الحملة، ولكنها استمرت دون توقف، حيث أنه وفي نهاية شهر آذار أعلنت وسائل الإعلام البريطانية عن عثور السلطات البريطانية على شحنات صواعق تفجير نووية مهربة إلى العراق، ورد العراق بأنها شحنة خاصة ببحوث بتروكيماوية. تم أعلنت السلطات البريطانية عن عثورها على قطعة من مواسير (المدفع العملاق) الذي كان الإعلام الغربي والأمريكي والإسرائيلي يشيع أن العراق يعمل على صنعه، ولذلك فإنه يشكل خطراً لابد من التصدي له (1).
وتصاعدت الحملة الإعلامية الغربية والأمريكية ضد العراق، مره أخرى وبشكل واضح في شهر نيسان عندما أعلن الرئيس صدام حسين في الثاني منه رداً على التهديدات الإسرائيلية للعراق:"لنجعلن النار تأكل نصف إسرائيل إذا اعتدت على العراق"، وكشف للعالم امتلاك العراق للسلاح الكيماوي المزدوج وهاجم الولايات المتحدة، ووصفها بأنها دولة عظمى بالمقاييس المادية، ولكنها ليست عظمى بالمقاييس المعنوية والأخلاقية.
وخلال المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيس صدام والرئيس مبارك، قال الرئيس صدام في رده على تصريحات الرئيس الأمريكي (جورج بوش) بشأن امتلاك العراق للأسلحة المتطورة:"أن من حق العرب امتلاك الأسلحة التي يمتلكها عدوهم" ويقصد بها إسرائيل، وأعلن أن العراق راغب في إقامة سلام دائم وعادل، وطالب الرئيس بوش ببحث الأمر في الأمم المتحدة. وأضاف الرئيس صدام: "إن سياسة الممنوع على العرب يجب أن تولى إلى الأبد
…
وسنرد على من يحاول العدوان علينا، وعلى حقوقنا، بكل ما نملك من الأسلحة" ولكنه أوضح أن شعار السلام واضح في سياسة العراق ومنهجه، ولكنه لن يتنازل عن أي حق للعرب أو للعراق (2).
من جهة أخري قادت الخارجية الأمريكية والبريطانية حملة قوية في البرلمان الأوروبي ضد العراق، ونجحت في استصدار قرار منه في شهر نيسان، يدعو إلى
(1) حرب الخليج ـ أوهام القوة والنصر ـ محمد حسنين هيكل ـ ص239ـ241
(2)
الطريق إلى حرب الخليج (من موهافى إلى الكويت) لمؤلفه محمد مظفر الادهمى- ص 91
الحظر الفوري على أي معدات لازمة لصنع أسلحة الدمار الشامل للعراق. تم قامت السلطات الأمريكية بطرد بعض الدبلوماسيين العراقيين بحجج متعددة، وصعدت إسرائيل من حملتها الإعلامية ضد العراق، بحجة اكتشافها وحدات عسكرية عراقية في الأردن لتهديدها، وأكد الإعلام الأمريكي اكتشاف طائرات الاستطلاع الأمريكية لقواعد الصواريخ في الأردن. وفي الثالث من نيسان اصدر البيت الأبيض بياناً وصف فيه حديث الرئيس صدام حسين عن إسرائيل، بأنه لا مسئول وباعث على الأسى، واقترح الرئيس بوش سحب هذا التصريح. كما قامت الإدارة الأمريكية بتبني وتنفيذ قرار تمنع تصدير السلع التي يمكن استخدامها عسكرياً في العراق. وقد دفعت هذه الحملة الرئيس صدام إلى الطلب من الملك فهد استدعاء سفير السعودية في واشنطون (بندر بن سلطان) إلى بغداد ليستمع إلى حقيقة الموقف العراقي ولينقله إلى الرئيس بوش.
وفي 12 نيسان 1990م التقى الرئيس صدام بوفد من الكونغرس الأمريكي، الذي طلب بكل صراحة أن يوقف العراق برنامجه العلمي، وأن يساهم في عملية التسوية، وان يتعهد بعدم التعرض لإسرائيل وبعد يومين فقط قال شامير:"إن إسرائيل تحتفظ لنفسها بحرية العمل، لتدمير قواعد الصواريخ العراقية. وفي شهر مايو 1990م وصل وفد من الخبراء العسكريين والسياسيين الإسرائيليين إلى واشنطن ليخبرها: " أن ما يوحي به النظام العراقي من اعتداله، وطابعه الإصلاحي، هو من قبيل ذر الرمال في العيون، فبين شباط والوقت الحاضر لم يتوقف صدام حسين عن اتخاذ المواقف المتصلبة: طلب رحيل السفن الأمريكية من الخليج، دعا العرب إلى استخدام سلاح النفط، لم يكتف بتهديد إسرائيل ـ حليفة الولايات المتحدة، بل أشار إلى إمكانية استخدام الأسلحة الكيماوية؟ وبالنتيجة، لا يمكن إلا اعتبار تقوية الجيش العراقي وزيادة عدده وعتاده مؤشراً على إرادة صدام حسين العدوانية" (1).
(1) حرب الخليج (الملف السري) بيار سالنجر، اريك لوران ـ ص43 - دار اذار للتوزيع والنشر/بيروت- ط1 1991
وهكذا أصبح العراق والرئيس صدام حسين الموضوع المفضل في الإعلام الغربي والأمريكي، لتصويره على أنه الخطر الذي يهدد أمن المنطقة والعالم. ووسط هذه الحملة الإعلامية ضد العراق بدأت في شهر مارس 1990م التحضيرات لعقد قمة عربية طارئة في بغداد من أجل التضامن مع العراق، حيث وصف (بوش) هذه القمة بأنها أكبر تحد للولايات المتحدة (1)، التي أرسلت مذكرة للجامعة العربية، حاولت من خلالها أن تملى وتفرض على القمة المبادئ التي يجب أن يعتمدها الرؤساء العرب في مناقشاتهم وقراراتهم، وخصصت المذكرة مساحة واسعة منها للهجوم على العراق بشكل خاص.
وفي يوم 28 مارس 1990م افتتح الرئيس صدام مؤتمر القمة العربي الطارئ بخطاب كان يمثل بمجمله تحد واضح للولايات المتحدة الأمريكية، وإنذار صريح، ولكنه غير مباشر، للكويت والسعودية بشكل خاص. فقد اتهم الولايات المتحدة بتقديم الغطاء السياسي والقوة للكيان الصهيوني في عدوانه وتوسعه على حساب العرب. وأكد مطالباً:"يجدر بنا أن نعلن إننا سنضرب إسرائيل إذا اعتدت علينا". أما عن دول الخليج النفطية فقد أخبرهم بأن العراق يخسر مليار دولار في السنة، عن كل دولار ينقص من سعر البرميل الواحد بسبب عدم التزام دول الخليج النفطية بسقف الإنتاج المقرر في الاوبك، مما أوقع هذه الدول في حرج كبير، حيث التزمت بعضها بحصصها، اما الكويت فقد ظلت على سياستها السابقة. وبالرغم من المحاولات التي جرت بين العراق والكويت لحل خلافاتهم حول أسعار النفط والحدود والمسائل المالية، وحقل الرميله من خلال الحوار، إلا أنه وكما يبدو أن الحكومتان البريطانية والأمريكية عملتا على عرقلة التوصل إلى اتفاق وتأزيم الأمور، مما دفع العراق إلى استخدام أسلوب التحذير، بعد فشل كافة المحاولات للتوصل إلى حل مناسب للطرفين، حيث اعتبر العراق ذلك مؤامرة تحاك ضده وعدواناً مباشراً عليه من الكويت، وان العراق سوف يرد على هذا العدوان.
لهذا قدم طارق عزيز وزير الخارجية العراقي رسالة إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية في 15 تموز 1990م خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب اتهم فيه
(1) جريمة أمريكيا في الخليج ـ الأسرار الكاملة ـ محمود بكرى ـ ص 147
الكويت بسلوك سياسة تتعمد إضعاف العراق، من خلال سيطرتها على أراضٍ عراقية، بالإضافة تعمدها إغراق سوق النفط بمزيد من الإنتاج، أدى إلى هبوط أسعار النفط إلى أسعار قياسية مما الحق أضراراً كبيرة بالعراق، كما اتهم الكويت بسرقة نفط من حقل الرميله. حيث اعتبر العراق ما يحدث عملية مدبره هي جزء من مخطط إمبريالي صهيوني ضد العراق والأمة العربية، وقد اعتبرت الرسالة هذه السياسة عدواناً مباشراً على العراق والأمة العربية. وقد أثارت هذه الرسالة نقاشات مختلفة بين وزراء الخارجية العرب، ولم يتوصلوا لأي نتيجة وانهار الاجتماع. وبعد يومين، أرسلت الكويت مذكرة جوابية، على رسالة وزير الخارجية العراقي إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية، ولكنها لم تكتف بإرسالها إلى الجامعة العربية، بل أرسلتها إلى رئيس مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة، وكان هذا يعني نية الكويت تدويل النزاع بينها وبين العراق (1).
وسط هذه الأجواء المتوترة ومع تقارير وكالات الأنباء التي بدأت تتحدث عن حشود عراقية تتجه نحو الجنوب، وعلى حدود الكويت، وصل إلى بغداد وزير الخارجية السعودي للحيلولة دون الصدام، حيث تم الاتفاق مع القيادة العراقية على عقد لقاء عال بين العراق والكويت يوم31 تموز 1990م في جده بين عزة إبراهيم وسعد العبد الله، للتوصل إلى حل، ولكن هذا الاجتماع فشل فشلاً ذريعاً، بسبب التعنت الكويتي المدعوم أمريكياً، وتآمر بعض الزعماء العرب الذين لم يكن هدفهم الوساطة، بل توريط العراق وإيقاعه في الفخ حسب السيناريو الأمريكي المعد مسبقاً
…
فكان الغزو العراقي للكويت .. وكانت القمة العربية التي شرعت التدخل الأجنبي (الأمريكي) لحل النزاع. وهذا ما كانت تسعى إليه أمريكا منذ البداية للسيطرة على المنطقة، وضرب القوة العراقية التي باتت تهدد مشروعها الصليبي في المنطقة (إسرائيل).
مما تقدم يتضح انه لم يكن في نية العراق احتلال الكويت، وإنما كانت منازعات ومخاصمة كلامية حول موضوع بترول العراق الجنوبي المستنزف، بالإضافة إلى النزاع على الحدود. وقد بدلت الحكومة العراقية بعد انتهاء الحرب مع إيران جهوداً
(1) الطريق إلى حرب الخليج (من موهافى إلى الكويت) لمؤلفه محمد مظفر الادهمى- ص 109 وما بعدها
مضنية وجدية لحل هذه المشكلة، إلا أن حكومة الكويت وبإيعاز بريطاني أمريكي تمسكت بردود فعل تتسم باتخاذ مواقف متشددة بلغت ذروتها في اجتماع جدة (1)، وما تبعه من احتلال للكويت، حيث أن واشنطن قررت أن الأوان قد آن لتحطيم القدرة العسكرية العراقية ويجب توظيف مجلس الأمن لهذا الغرض، حيث تمكنت من الحصول علي قرار دولي يجيز استخدام القوة ضد العراق، بعد رفضها كافة الحلول السلمية للأزمة. وتذكر (فيليس بينس) أن الإدارة الأميركية لم تسمح لمجلس الأمن بمناقشة مشروع انسحاب عراقي من الكويت، جاء به في اللحظة الأخيرة من بغداد (ييغينوف بريماكوف) وزير الخارجية الروسي آنذاك. بل وأثناء التصويت على القرار رقم 678 الذي خول الولايات المتحدة باستخدام القوة، قامت واشنطن برشوة أعضاء المجلس ـ الدائمين وغير الدائمين ـ المترددين في التصويت وأهمهم الصين، وكولومبيا، وأثيوبيا. والدولة الوحيدة التي عارضت استخدام القوة هي اليمن، دفعت ثمنا غاليا لقاء ذلك. إذ فور أن رفع (عبد الله صالح الأشطل) مندوب اليمن في مجلس الأمن يده معارضاً القرار مال عليه أحد المسئولين الأمريكان وهمس في أذنه "إن تصويتك هذا سوف يكون أكثر كلفة من أي تصويت قمت به من قبل على الإطلاق"(2).
واستناداً إلى روايات وكتابات عدة، فإن الأزمة في العراق بدءاً من احتلال الكويت إلى احتلال العراق افتعلت لخوض حرب، وكان يمكن حلها دبلوماسياً، وكان هذا رأي (كولن باول) عام 1990م عندما كان رئيساً لأركان الجيش الأميركي، (وجيمس بيكر) وزير الخارجية الأميركي الأسبق، ولكن (سكوكروفت) مستشار الأمن القومي عام 1990م كان يرى أن هذه الأزمة تقدم فرصة لا تعوض للحرب، وإبقاء نصف مليون جندي في المنطقة إلى أجل غير محدد، وأن انسحاب صدام من الكويت سيفوت فرصة الهيمنة على المنطقة (3). ولهذا فقد كان احتلال العراق للكويت لحظة، تاريخية للولايات المتحدة تنتظرها بلهفة، بل إنها استدرجت النظام السياسي
(1) دول محور الشر الإرهابية - أمريكا .. بريطانيا .. إسرائيل ـ محمد عبد الحميد الكفري ص27
(2)
العراق تحت الحصار: الأثر المميت للعقوبات والحرب تأليف أنتوني آرنوف (محرر) - ص 41 - خدمة كمبردج بوك ريفيو
(3)
حرب آل بوش - تأليف/ أريك لوران، ترجمة: سلمان حرفوش ـ عرض/إبراهيم غرايبة