الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والفرنسية، وطموحات محمد على في بلاد الشام. وقد كانت بريطانيا تعتقد أن توطين اليهود في فلسطين هو الذي يمكن أن يحقق هذا الهدف.
اللورد بالمستون
عندما تولى اللورد بالمستون وزارة الخارجية في عام 1830م كان أهم نصير سياسي لمشروع اللورد شافتسبرى الخاص بإعادة اليهود إلى فلسطين، هذا بالرغم من أنه لم يكن بروتستانتياً مؤمناً ولم يكن من الرجال الذين تؤثر فيهم الأفكار الدينية. إلا أنه كان سياسياً محنكاً، حيث أدرك ما فعلته الأفكار البروتستانتية المتعلقة بعودة اليهود إلى أرض فلسطين، من آثار في الرأي العام البروتستانتي. ولذلك كانت خطوته الأولى افتتاح قنصلية بريطانية في القدس في عام 1838 م بناءً على إلحاح اللورد شافتسبرى، وقد كانت تعليمات بالمستون للقنصل الجديد تنص على أن من بين مهامه حماية كل اليهود المقيمين في فلسطين. وقد قام اللورد شافتسبرى بوداع القنصل الجديد حيث عبر في مذكراته الخاصة بالمناسبة، عن أمله بأن يأتي اليوم الذي ستحفر فيه فلسطين وتنقب، ويوم ذاك "تبرهن الأرض المقدسة على مصداقية التوراة وصحتها"(1).
لقد كان بالمستون يرى أن استيطان اليهود في فلسطين سيحقق للمصالح البريطانية مكسبين:
الأول: إرضاء الرأي العام البروتستانتي المتدين الذي يتشوق إلى إعادة اليهود إلى فلسطين، مما سيساهم في إيجاد مجموعة موالية لبريطانيا في منطقة ليس لها فيها من يواليها.
الثاني: أن استيطان اليهود في فلسطين، وتدفق أموالهم إليها، سيدعم تركيا المنهارة والتي سعى بالمستون إلى تجديد شبابها لكي تستطيع الوقوف في وجه
(1) فلسطين، القضية * الشعب * الحضارة ـ بيان نويهض الحوت ـ ص 302.
الأطماع الروسية والفرنسية من جهة، ومحاولات محمد على الاستيلاء على بلاد الشام من جهة أخرى (1).
لهذا فقد حاول بالمستون استغلال النفوذ البريطاني لدى الباب العالي على أثر التدخل الإنجليزي الناجح ضد حملة إبراهيم باشا في بلاد الشام ـ هذا التدخل الذي أدى إلى فشل هذه الحملة ـ أراد بالمستون استغلال هذا النفوذ؛ لكي يحث السلطان على القيام بعمل ملموس لتوطين اليهود في فلسطين. ففي عام 1840م وجه بالمستون رسالة إلى السفير الإنجليزي في القسطنطينية قال فيها: "لا تتوانى عن متابعة نصحي للباب العالي بدعوة اليهود للعودة إلى فلسطين. إنك لا تدرى مدى ما سيثيره مثل هذا الإجراء من اهتمام المتدينين في هذا البلد بقضية السلطان. إن نفوذهم كبير واتصالاتهم واسعة، فضلاً عن ذلك، فإن هذا الإجراء في حد ذاته سيكون ذا فائدة كبيرة للسلطان، إذ سيجلب إلى ملكه عدداً كبيراً من الأثرياء الرأسماليين الذين سيوظفون الناس ويثرون الإمبراطورية"(2).
وهكذا نرى أن بالمستون كان مدفوعاً لتوطين اليهود في فلسطين بدافع سياسي وبدافع ديني ـ لإرضاء الرأي العام المتدين، صاحب النفوذ. فبالمستون لم يكن بوسعه أن يهمل ضغوط الرأي العام البروتستانتي الذي يؤيد إقامة دولة يهودية في فلسطين. "ففي عام 1839م تلقى بالمستون مذكرة من هنرى اسن، سكرتير البحرية البريطانية، رفعها نيابة عن الكثيرين ممن ينتظرون تحرير إسرائيل. وكانت المذكرة موجهة إلى كل دول شمال أوروبا وأمريكيا البروتستانتية، وتطالب الحكام الأوربيين بأن يقتدوا بقورش وينفذوا إرادة الله عن طريق السماح لليهود بالعودة إلى فلسطين. وقد قام بالمستون برفع المذكرة إلى الملكة فكتوريا التي كانت معروفة بورعها"(3). ولم يكن بالمستون، الوحيد في وزارة الخارجية، المؤمن بأهمية توطين
(1) التآمر البريطاني على التوجهات النهضوية والوحدوية العربية، قديمة جداً، ولكن العرب للأسف لا يتعلمون
…
والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين .. ولكننا لدغنا من الأفعى البريطانية عشرات المرات ولا زلنا .. فهل نؤمن .. !!؟
(2)
الصهيونية غير اليهودية ـ د. ريجينا الشريف ـ ص 124
(3)
المصدر السابق ـ ص 121.