الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العالم، الذين نجد تعاطفهم مع القضية الفلسطينية واضحاً في البلدان الكاثوليكية في أمريكا اللاتينية وإيطاليا وفرنسا وأسبانيا .. الخ.
موقف البروتستانت من اليهود
عندما ظهر المذهب البروتستانتي على يد (مارتن لوثر) في القرن السادس عشر، قلب الموقف الكاثوليكي رأساً على عقب، من خلال التغيرات اللاهوتية التي جاء بها والتي روجت لفكرة أن اليهود أمة مفضلة وأكدت على ضرورة عودتهم إلى أرض فلسطين، كمقدمة لعودة المسيح المنتظر وبزوغ فجر العصر الألفي السعيد. وقد كان من أهم الأسباب التي أدت إلى حدوث هذه التغيرات اللاهوتية، هو ما دعا إليه لوثر من وجوب إقامة الحقيقة الدينية على أساس الفهم الشخصي دون الخضوع لفهم رجال الدين لها. فأصبح كل بروتستانتي حر في دراسة الكتاب المقدس وتفسيره، واستنتاج معنى النصوص بشكل فردى مع عدم الاعتراف بأن فهم الكتاب المقدس وفقاً على رجال الكنيسة وحدهم. وهذا الوضع أدى إلى فتح الباب على مصراعيه أمام أصحاب البدع والأضاليل، مما أدى إلى تعدد الفرق البروتستانتية نفسها حتى وصل عددها الآن إلى أكثر من 200 فرقة في مذهب لم يتعدَ وجوده أكثر من أربعة قرون! (1).
كما أنه في ظل هذا المذهب ازداد الاهتمام بالعهد القديم (التوراة) تحت شعار العودة إلى الكتاب المقدس باعتباره مصدر العقيدة النقية، مع عدم الاعتراف بالإلهامات والتعاليم غير المكتوبة التي يتناقلها الباباوات الواحد عن الآخر، والتي تعتبر مصدراً مهماً من مصادر العقيدة المسيحية. وهكذا أصبح العهد القديم يشكل جزءاً مهماً من مصادر العقيدة البروتستانتية، فأصبح هو المرجع الأعلى للسلوك والاعتقاد، ومصدراً للتعاليم الخلقية والمعلومات التاريخية أيضاً، حيث أن العهد القديم يتكون من 39 سفراً يذهب أغلب الباحثين إلى أنه لا يمكن نسبة إلا خمسة أسفارـ تجاوزاً ـ إلى سيدنا موسى، أما الباقية فهي عبارة عن سجل لتاريخ بنى
(1) قصة الديانات ـ سليمان مظهر - ص 231 - الوطن العربى، 1984
إسرائيل في فلسطين، بالإضافة إلى بعض الأسفار والنبوءات التي كتبها حاخامات اليهود على فترات متفاوتة من الزمن.
وفي ظل هذا الوضع أصبح العهد القديم مصدراً مهماً للمعلومات التاريخية عند العامة، حيث اقتصر تاريخ فلسطين على القصص المتعلقة بالوجود اليهودي فيها دون غيرها، وبالتالي أصبح البروتستانت مهيئين للاعتقاد بأنه لم يكن في فلسطين إلا الأساطير والقصص التاريخية الواردة في العهد القديم، حيث كان يبدو وكأنه لا وجود للشعوب الأخرى التي عاشت في فلسطين. وهكذا رسخت في أذهان البروتستانت فكرة الرابطة الأبدية بين اليهود وفلسطين باعتبارها وطنهم القومي الذي أٌخرجوا منه، والذي يجب أن يعودوا إليه طبقاً للنبوءات الواردة في العهد القديم.
كما أن حركة الإصلاح الديني أعطت وزناً كبيراً للغة العبرية باعتبارها اللغة الأصلية للكتاب المقدس. فلكي يفهم المؤمنون كلمة الله بشكل صحيح لا بد لهم من معرفة اللغة الأصلية التي كتب بها، وبالتالي أصبح العلماء والمصلحون وحتى العامة منكبين على دراسة اللغة العبرية وتعلمها. وهكذا يمكننا تقدير الخدمة التي قدمها لوثر لليهود، حيث أعاد بعثهم من جديد وأكد على وجوب عودتهم إلى أرض فلسطين، كمقدمة لعودة المسيح المنتظر. لهذا فإن الكنيسة الكاثوليكية كانت تصفه "بأنه يهودي أو نصف يهودي ـ متهود" وكان الكاثوليك يقولون:"أن لوثر من أصحاب البدع والأضاليل وإنه وأمثاله زاغوا عن طريق الإيمان"(1).
كما أن كثيراً من الباحثين يذهبون إلى القول بأن المذهب البروتستانتي أصلاً من صنع اليهود والماسون حيث يقول عبد الله التل في كتابه (جذور البلاء): "وجدت الماسونية في البروتستانتية خير سند لها في حربها ضد الكتلكة، وتبادل الفريقان الخدمات، الماسون يساندون البروتستانت لإذكاء الحرب بين الفرق النصرانية، والبروتستانت ينخرطون في محافل الماسون للإستفاده من نشاطهم السري ومؤامراتهم ودسائسهم"(2). ويقول عبد الله الزغبي في كتابه (الماسونية في العراء): "لقد ضرب التخطيط اليهودي بالحركة اللوثرية حجراً فأصاب به عصافير:
(1) المسيحية ـ د. أحمد شلبي، ص 262
(2)
جذور البلاء ـ عبد الله التل، ص 18
1ـ أصاب الكرسي البابوي في أكرم أبنائه.
2ـ استغل الدين للمصلحة اليهودية استغلالاً فجاً بعد أن ربط العهد الجديد بالعهد القديم. فقد كان العهد القديم قبل لوثر مهجوراً، مصفداً في أقبية الأديرة، ثم أخذ بالظهور منذ الحركة اللوثرية، وفاز بالترجمة والانتشار لاستغلال ما يرونه مواعيد" (1). ويضيف:"أكاد أجزم أن دماً يهودياً يسرى بعروق لوثر، فقد خدم اليهودية خدمة لا تقدر، حسبه إخراج العهد القديم من الخزائن الرطبة والأقبية المظلمة وترجمته وربطه بالعهد الجديد ليصبح جميع مطالعيه ساعين لتنفيذ العهود التي سطرت بعد إبراهيم بقرون وألصقت به"(2).
ويمكن القول أن جمع الكتابين (العهد القديم والعهد الجديد) في مجلد واحد هو من التحولات البارزة في عالم الأفكار والأديان، حيث إنه مع عصر النهضة وحركة الإصلاح الديني، أخذت التفسيرات الحرفية والشخصية للعهد القديم تنتشر وتسود، وذهب أتباع هذه الحركة إلى الاقتناع بأن ما ورد في العهد القديم هو نبوءة حرفية عن المستقبل. وخرجت من بطن هذه الحركة وتفسيراتها عقائد عبرت عن المدى الذي وصلت إليه عملية تهويد المسيحية، من بينها العقيدة الألفية، "وهى عقيدة تعود في جذورها إلى اليهودية، لكن البروتستانتية أحيتها وجعلتها فكرة مركزية في عقيدتها، وتدور حول عودة المسيح المخلص الذي سيحكم العالم لمدة ألف عام، حيث يسود خلالها السلام والعدل في مجتمع الإنسان والحيوان. وعلى الرغم من أن العهد القديم لم يذكر نصاً حول هذه العقيدة التي تتحدث عن نهاية الأزمنة، فإن عناصر يهودية روجت لهذه العقيدة في عدد من المؤلفات والكتب، تعبيراً عن تطلع يهودي لفكرة الملك المقدس في المستقبل، والذي يأتي علي هيئة ماشيح عبراني، في حين رأت المسيحية التقليدية
(1) الماسونية في العراء ـ محمد على الزعبي، ص 106ـ 107 - دار الجيل للطبع والنشر والتوزيع 1980
(2)
المصدر السابق- ص 320.
في هذه العقيدة نوعاً من الهرطقة والكفر، واعتبرت الكنيسة الكاثوليكية هي مملكة المسيح" (1).
وهكذا فإن أهمية الأفكار التي جاءت بها حركة الإصلاح الديني على يد لوثر، تعود إلى أنها مهدت الطريق أمام نفس الأفكار التي نادت بها الحركة الصهيونية في القرن التاسع عشر من خلال تأكيدها على وجود الأمة اليهودية وضرورة بعث هذه الأمة من جديد وكون فلسطين وطناً لليهود. فهذه الأفكار التي أكدتها البروتستانتية لا تختلف كثيراً عن الصهيونية كفكرة "والتي تنطوي في جوهرها على دعوة اليهود للعودة إلى صهيون، أي مناشدة اليهود في العالم للعودة إلى أرض إسرائيل بحدودها التي ورد ذكرها في الكتب المقدسة لدى اليهود"(2).
وهكذا آمن البروتستانت بأن اليهود لابد عائدون إلى الأرض المقدسة كما جاء في النبوءات التوراتية، مما أيقظ قضية انبعاث اليهود وعودتهم الجماعية إلى فلسطين، حيث يظهر المسيح للمرة الثانية، ويحكم لألف عام. وقد آمن بعض البروتستانت بضرورة اعتناق اليهود للمسيحية تمهيدا لقدوم المسيح، وآمن بعضهم بإمكان تحولهم هذا بعد قدومه (3). وقد أدى انتشار الأفكار المتعلقة ببعث الأمة اليهودية بين معتنقي المذهب البروتستانتي إلى سعى الكثيرين منهم لتحقيقها طبقاً للنبوءات الواردة في العهد القديم، فمع العودة إلى أهمية الكتاب المقدس، قام الإصلاحيون بترجمته إلى لغات عديدة. كما أصبحت العودة إلى التوراة، وهى القسم الأول والأكبر من الكتاب المقدس، أساساً في المفهوم الديني الجديد، ومحورا للتعليم في المدارس.
ومع انبعاث التاريخ القديم، بكل تفاصيله وحكاياته التوراتية، تحولت فلسطين في الضمير البروتستانتي من الأرض المقدسة للمسيحيين، إلى أرض الشعب
(1) الأصولية المسيحية أصولها ونشأتها ودورها في صنع القرار الأمريكي ـ يوسف الحسن- جريدة الخليج عدد 8674
(2)
القضية الفلسطينية والخطر الصهيوني ـ ص 51 ـ مؤسسة الدراسات الفلسطينية، عام 1973.
(3)
فلسطين: القضية ـ الشعب ـ الحضارة (التاريخ السياسي من عهد الكنعانيين حتى القرن) ـ بيان نويهض الحوت ـ ص 286 - دار الاستقلال- ط1 1991
المختار، حيث "يصر المسيحيون البروتستانت على أن إسرائيل الجديدة، ليست الكنيسة المسيحية كما اعتبرهاـ مجازاً ـ القديس (أوغسطين)، بل هي بنو إسرائيل، المفترض عودتهم إلى فلسطين لإقامة مملكة الله على الأرض جغرافياً وليس مجازاً، وهو ما اعتبروه مقدمة ضرورياً للمجيء الثاني ولتحقيق المملكة الألفية السعيدة (رؤيا الفصل 2). أما الكنيسة بالنسبة إلى البروتستانت فهي مملكة الله السماوية في حين أن إسرائيل هي مملكة الله الجغرافية على أرض فلسطين وبالتالي أصبح البروتستانت من اشد أنصار إسرائيل حماساً ودعماً لها"(1).
(1) المسيحية والإسلام والاستشراف - محمد فاروق الزين ص272