الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(زكريا 12:4ـ6)، وإذ ذاك ـ على كل تلك الأشلاء وبحار الدم والجيف المنتنة - تقوم مملكة يهوه على الأرض بسيف المسيح المحارب.
لكن مسيح المسيحية، الذي اعتبره اليهود كاذباً ومفسداً ومضللاً ودعياً (1)، يناقض ذلك كله، ويقول:"انه المسيح (ابن الإنسان)، ويعلم بأن مملكة الله (ملكوت السموات) ليست للمحاربين شاربي الدماء، بل للمساكين بالروح، وللمطرودين من اجل البر". ويتمادى فيقول أن اليهود، ما لم يكونوا رحماء وأنقياء قلب وصانعي سلام لن يكونوا أبناء لله ولن يكون لهم ملكوت السموات. وهذا بحكم كل كلمة في التوراة والعهد القديم، كفر وهرطقة، ومخالفة لكلام الله إلى موسى والى النبييم، وادعاء قائله بأنه المسيح ادعاء باطل ومكذوب استحق أن يشنق بسببه كاللصوص والقتلة فيموت مصلوباً، ويمحى اسمه وذكره، كما يعلم التلمود (2).
ديانة المسيح أم ديانة بولس ويوحنا
؟
لم يكتفي اليهود بالتآمر على سيدنا عيسى عليه السلام، والوشاية به للحاكم الروماني وصلبه، بل عملوا على محو تعاليمه من الوجود وتحريفها وتشويهها، لأنها تتناقض مع كل ما جاء في كتبهم المليئة بالحقد على البشرية جمعاء، والتي تفوح منها رائحة الدم والقتل. وهذا الأمر ليس غريباً على الذين ألفوا التلمود (كتاب الحقد البشري) وصانعوا الماسونية (نظام التآمر الذي دس رؤوس اليهود والصهيونية في جميع مناصب القرار في العالم)، والذين أشعلوا الحروب والثورات وأججوا الفتن عبر التاريخ كله .. فهم المفسدون منذ الأزل في الأرض (3).
فبعد السيد المسيح عليه السلام، قام تلاميذه بالدعوة للديانة الجديدة، وانتشروا في البلاد لنشر مبادئه، ووضعوا أناجيلهم المعروفة، ولكن الديانة الجديدة
(1) استغفر الله على هذا الكلام الذي لا يتورع اليهود عن وصف أنبياء الله به في كل كتبهم، وهذه مشكله كبيره يواجها أي كاتب يريد أن يبحث في الديانة اليهودية، حيث انه يضطر إلى نقل كلامهم كما هو ليبين إلى أية درجه وصل كفرهم وتطاولهم على أنبياء الله ورسله، وهذا الأمر ليس بجديد عليهم، فالتوراة لا تتورع عن نسبه صفات وتصرفات بديئه للأنبياء الذين يفترض بهم العصمة. وأيه قراءه للتوراة توضح إلى أيه درجه وصلت افتراءاتهم على الأنبياء.
(2)
المسيحية والتوراة - شفيق مقار ص74ـ75
(3)
إسرائيل .. البداية والنهاية - د. مصطفى محمود ص69
دخلت مرحلة خطيرة على يد بولس الرسول (شاءول الطرطوسي)، الذي لعب دوراً خطيراً في تزييف المسيحية (1)، حيث انه كان يهودياً من اشد أعداء المسيحية، ولكنه ادعى أن السيد المسيح ظهر له وهو في طريقه إلى دمشق وطلب منه الدعوة للمسيحية، وفعلاً بدأ بولس الرسول بالدعوة للمسيحية ولكن على طريقته، حيث أنه كان أول من قال بأن المسيح ابن الله، فأخرج المسيحية عن عقيدة التوحيد التي كانت عليها، وحاول أن ينشر عقيدته الجديدة في بلاد الشرق ولكنه جوبه بمعارضة شديدة بسبب ما انفطر عليه أهل الشرق من ميل للتوحيد، مما دفع بولس إلى الدعوة إلى عقيدته الجديدة في أوروبا، حيث وجدت هذه العقيدة آذاناً صاغية وأرضاً خصبة هناك. "فالتثليث ونزول الإله من السماء وتضحيته بنفسه وتكفيره عن خطيئة البشر وصعوده مرة أخرى، كانت لها جذور قديمة في الأساطير الأوروبية، حيث لم يكن التوحيد عميق الجذور هناك"(2).
لهذا فإن كثير من الباحثين يعتبرون أن بولس هو المؤسس الحقيقي للمسيحية. يقول (ويلز) في كتابه معالم التاريخ الانسانية ج 4 ص 1312: "إن المسيحية (قامت على نظريات بولس، لا على قضايا المسيح) أى ان مسيحية اليوم يجب ان تسمى (بوليسية) "(3)، حيث وضع بولس العديد من الرسائل بين فيها فهمه للديانة الجديدة، هذا بالرغم من انه لم يكن يعرف شيئاً عن حياة المسيح ولا عن بعثته ورسالته، ولم يكترث أن يعرف، لأن رسالة المسيح على الأرض بالنسبة له لم تكن تحمل أي معنى، ولذا صرف كل طاقته في البحث عن ماهية المسيح وعن مغزى صلبه وقيامته (4)، ثم عودته الثانية في صورة المسيح اليهودي المحارب، والتي اعتقد أنها قريبة الوقوع لينقض على الشر ويقيم مملكة الله في الأرض، والأخطر من ذلك كله هو ربطه العهد الجديد بالعهد القديم بالرغم من الاختلافات الجوهرية بين الاثنين.
(1) مسيحية بلا مسيح - د. كامل سعفان- ص 17 - دار الفضيلة.
(2)
سلسلة مقارنة الأديان ـ المسيحية- د. احمد شلبي ـ ج 2 ـ ص 111 - القاهرة، مصر: مكتبة النهضة المصرية، 1979
(3)
مسيحية بلا مسيح - د. كامل سعفان - دار الفضيلة - ص39 أو كتاب معالم التاريخ الانسانية ج 4 ص 1312
(4)
المسيحية والإسلام والاستشراف - محمد فاروق الزين ص140
لقد كان بولس حريصاً على أن يجعل من يسوع، خلافاً للسنة التقليدية اليهودية، الفصل النهائي في العهد القديم، وإتماماً للمواعيد التي وعدت بها إسرائيل، حيث ألزم نفسه منذ البداية بمهمة أساسية وهى أن يجعل من يسوع (مسيا إسرائيل)، هذا بالرغم من أن يسوع (المسيح) رفض دائماً هذا اللقب المرتبط بنظام اليهود السياسي (1). لهذا فقد اخذ بولس يبشر بقرب نهاية العالم وعودة المسيح ثانية ليكمل ما لم يكمله في نزوله الأول، مستلهماً كل ذلك من أسفار العهد القديم.
فقد رأى بولس أن حياة ومعاناة المسيح (وموته وقيامته) وصعوده إلى السماء، كلها لم تكن سوى مؤشرات لنهاية العالم، وكان يعتقد أن قدره القيام بدور فريد في أحداث عصره، ومن هذا الدور إنذار المؤمنين بالنهاية الوشيكة، حيث كانت تلك القوة الدافعة وراء مهمة بولس، وكان الوقت قصيراً يوشك على النفاذ، والعالم على وشك أن يتبدد:"أقول لكم يا إخواني أن الزمن ـ الباقي ـ قصير وان العالم بشكله الحالي قارب نهايته"(رسالة بولس الأولى إلى أهل كورينثوس 7/ 29،31). وبعد أن انتهت حسب رأيه مهمته التبشيرية في المشرق، بدأ يخطط للذهاب إلى أقصى العالم ـ إسبانيا ـ لينذر الناس هنالك أن عليهم التوبة قبل النهاية الوشيكة، وكتب إلى أتباعه في روما يقول:"وحيث لم يعد مكان لي في هذه المناطق - في المشرق فسأمضي ماراً بكم إلى إسبانيا"(رسالته إلى أهل روميه 15/ 23،28). كان يخشى أن يدركه الوقت فينتهي العالم قبل أن ينذر الناس في إسبانيا وفي طريقه إليها، كان يريد المرور بروما للقاء أتباعه فيها.
لقد كان لدى بولس هاجس قوي، بل عقيدة أن (الرب) -يقصد نهاية العالم حسب تعبيره- كان وشيكاً، ليس بالنسبة له بمفرده، وإنما للعالم أجمع، وقد تكون هذه أكثر معتقداته أهمية وأقواها من حيث كونها القوة الدافعة وراء نشاطه التبشيري، وقد توقع بولس حدوث هذه النهاية حرفياً وليس مجازاً، وعاجلاً وليس
(1) نحو حرب دينية؟ جدل العصر ـ روجيه جارودى ص173
آجلاً، أي خلال أيامه شخصياً وأيام معاصريه (1). ولهذا فإن بولس لم يكن ينوي تأسيس ديانة جديدة للأجيال القادمة حتى أن كلمة (المسيحية) لم تظهر في كتاباته ولا مرة واحده، لقد كان همه الأول إنذار البشرية بالنهاية القادمة، وبالعودة الثانية للمسيح.
والمسيح الذي كان ينتظره بولس ويبشر بنزوله، مختلف كلياً عن عيسى المسيح عليه السلام، بل هو مسيح يهودي، محارب من نسل داوود. كتب بولس مبشراً بمجيء المسيح الثاني، وكأنه مجيء داود جديد منتصر:"انه لا بد أن يملك إلى أن يضع جميع أعدائه تحت قدميه"(رسالة إلى أهل كورنته 15ـ25). وهو هنا يرجع إلى مزمور داود (110) الذي يعظم القوة الحربية التي لا هوادة فيها: "الرب يحطم في يوم رجزه ملوكاً .. ملأ جثثاً أرضاً واسعة، سحق رؤوسها"(المزامير110ـ5ـ6)(2).
وهنا يجب أن نلاحظ كما يقول جارودى: "إننا لا نجد، لدى الإنجيليين، أي رجوع إلى مذابح السكان الوثنيين أو المشركين، وهى مذابح أوجبها إله قاس (تثنية 20ـ16)، إلا عند بولس الذي يستذكر استئصال الكنعانيين كسابقة تبشر بانتصارات أخري"(13ـ16ـ19). فمثله مثل جده الملحمي، سوف يضع المسيح كل أمراء الأرض عند أقدامه (الرسالة الأولى لكورنثوس 15: 25)، لان مسيح بولس يعود إلى القانون الذي يقضي طبقا لقانون (تاليون)، قانون (العين بالعين)، إنه مسيح الله الذي يثأر ويجد العدل في رد الإيذاء بالإيذاء (الرسالة الأولى إلى تيموثاوس)، ويقدم بولس دليلاً تاريخياً على قدرة الله، يتمثل في انه بعدما قضى على سبع دول من بلاد كنعان، وزع أراضيهم كميراث (أعمال الرسل 13:19) أنها الفقرة الوحيدة في الأناجيل التي ترد فيها هذه المذابح بوصفها علامات على عناية الله، ومنذ ذلك الحين أسس لاهوت بولس تحت اسم المسيحية، لاهوتا للسيطرة (3).
(1) المسيحية والإسلام والاستشراف - محمد فاروق الزين ص148 - ط 3/ 2002 - دار الفكر المعاصر / بيروت
(2)
نحو حرب دينية؟ جدل العصر / روجيه جارودى ص185
(3)
كيف نصنع المستقبل / روجيه جارودي ـ د. منى طلبه ـ ص241
يقول يسوع: "وأنا لا أدين أحداً"(يوحنا 8ـ15). "وأني لا افعل شيئاً من نفسي"(يوحنا 8ـ28). أما بولس فيقول، على العكس، وبروح العهد القديم:"سيأتي يسوع المسيح ليدين الأحياء والموتى"، (الرسالة الثانية إلى تيموتاوس 4ـ1)(1). فمسيح القديس بولس ليس هو يسوع، مسيح بولس هو الترجمة اليونانية للمسيا اليهودي الذي عليه أن يعيد مملكة داود، وعليه إذاً أن يكون من نسل داود، وان يتمم ما بدأه هذا القائد الحربي لحفنة من المرتزقة، حدثتنا كتب (صموئيل والملوك) عن مغامراتها الدموية الفظيعة، لم يكن يسوع داود الجديد كما لم يكن ابناً لإله الحروب ورب الجيوش، ولم تكن المحبة التي بشر بها استكمالاً لما ورد في العهد القديم من عنصرية ودموية، والتي قصرت أن يحب بعضكم بعضاً على حدود القبيلة الضيقة. فالنصوص التلمودية تقتضي هذا التفسير، بينما قال يسوع:"هذه وصية جديدة لن تجدوها في شريعة موسى، كما قيلت لليهود: "حيث اذهب أنا لا تقدرون انتم أن تأتوا، أقول لكم انتم الآن (للحواريين) وصية جديدة تحبوا بعضكم بعضاً" (يوحنا 13:33ـ34) (2).
يسوع يقول: "ولابد، من قبل، أن يكرز بالإنجيل في جميع الأمم"(مرقس 13ـ10)، بينما يقول بولس في رسالته إلى أهل رومية (1ـ17)"اليهودي أولاً ثم اليوناني". فبعد أن حطم عيسى المسيح الأسطورة القاتلة، أسطورة (الشعب المختار)، عاد بولس ليحييها ثانية بـ (اليهودي أولاً). فاقتداءً بيسوع المسيح صرح بطرس الرسول بقوله:"انتم تعلمون انه محظور على اليهودي أن يخالط أجنبياً أو أن يدنو إليه. أما أنا فقد أراني الله أن لا أقول عن أحد انه نجس أو دنس"(أعمال الرسل 10ـ28). ويضيف: "في الحقيقة قد علمت أن الله لا يحابى الوجوه، بل أن من اتقاه في كل أمره، وعمل البر، يكون مقبولاً عنده"(أعمال الرسل 10ـ34ـ35). وهكذا قضى عيسى المسيح على امتيازات الشعب المختار، الذي يعطيه الله النصر على كل شعب لا يتبعه، ويأمره بإبادته. وهنا لابد من التحديد والاختيار بين العهد القديم والعهد الجديد، ولأي اله يسوع هو الابن؟ من المؤكد انه ليس ابناً (ليهوه) رب
(1) نحو حرب دينية؟ جدل العصر / روجيه جارودى ص163
(2)
أمريكيا طليعة الانحطاط ـ روجيه جارودى ـ ص 156