الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سيناريو هرمجيدون حسب (سفر الرؤيا)
(1)
يبدأ سيناريو هرمجيدون ـ حسب يوحنا اللاهوتي ـ بما يسميه (أناشيد الظفر في السماء)، محاولاً تبرير هذه المعركة الرهيبة، فيقول:"لأنه أدان العاهرة الكبرى ـ بابل ـ التي أفسدت الأرض بزناها وبفسوقها، وأنتقم لدم عبيده منها". وبعدها مباشره يصور يوحنا مشاهد هذه المعركة فيقول: "ثم رأيت السماء مفتوحة وإذا فرس ابيض والجالس عليه يدعى أميناً وصادقاً واسمه كلمة الله، وتبعته جيوش السماء على خيول بيضاء، وقد كتب على ثوبه وعلى فخذه: ملك الملوك ورب الأرباب. ورأيت الوحش وملوك الأرض وجيوشهم مجتمعين لشن الحرب على الجالسين، على الفرس وجيشه، فقبض على الوحش، وعلى النبي الزائف معه، وألقي الاثنان أحياء في بحيرة النار المتقدة بالكبريت، والباقون قتلوا بسيف الجالس على الفرس المنبعث من فمه، وجميع الطيور شبعت من لحومهم"(سفر الرؤيا ـ الفصل 19).
ففي معركة هرمجدون، كما في كل معركة طرفان يتصارعان، وفي النهاية يخسر واحد، وينتصر آخر. وبما أن معركة يوحنا، هي معركة كونية فاصلة بين عالمين، فقد استعار لها يوحنا الكثير من الصور الغائمة المبهمة، أخرجها بصيغ من الألغاز والرموز، وبلسان الرائي: "ثم رأيت السماء مفتوحة وإذا فرس ابيض والجالس عليه يدعى أميناً وصادقاً. بالعدل يحكم ويحارب. عيناه كلهيب نار، وعلى رأسه تيجان كثيرة، وله مكتوب لا يعرفه أحد إلا هو. مستربل بثوب مغموس بدم، ويدعى اسمه كلمة الله. من فمه يخرج سيف ماض، لكي يضرب به الأمم. وهو سيرعاهم
(1) يشبه سفر الرؤيا سفري دانيال وأخنوخ من حيث الشكل. ولقد كانت رؤى النبوءات الرمزية أحد الأساليب التي يلجأ إليها يهود ذلك العصر في كثير من الأحوال؛ ووجدت رؤى أخرى غير رؤى يوحنا، ولكن هذا السفر سما عليها جميعاً في بلاغته الجذابة. ويستند الكتاب إلى العقيدة الشائعة التي تقول إن حلول ملكوت الله يسبقه حكم الشيطان، وانتشار الشرور والآثام، فيصف حكم نيرون بأنه هو بعينه عهد الشيطان، ويقول إنه لما خرج الشيطان وأتباعه على الله غلبتهم الملائكة جيوش ميخائيل، وقذفت بهم إلى الأرض فقادت العالم الوثني هجومه على المسيحية. ونيرون هو الوحش وعدو المسيح في هذا الكتاب فهو مسيح من عند الشيطان، كما أن يسوع مسيح من قبل الله. ويصف روما بأنها "الزانية العظيمة الجالسة على المياه الكثيرة التي زنى معها ملوك الأرض"، "وسكر سكان الأرض من خمر زناها" وهي "زانية بابل" مصدر جميع الظلم والفساد، والفسق والوثنية، ومركزها وقمتها. هنالك ترى القياصرة المجدّفين المتعطشين للدماء، يطلبون إلى الناس أن يخصّوهم بالعبادة التي يحتفظ بها المسيحيون للمسيح.
(الأمم) بعصا من حديد، يدوس معصره خمر، سخط وغضب الله القادر على كل شيء. وله على ثوبه وعلى فخذه اسم مكتوب: ملك الملوك ورب الأرباب" (رؤيا 19:11ـ16). وهذه صورة المسيح اليهودي المنتظر ـ البطل السماوي المحارب على رأس جيش من "الأجناد السماوية يتبعونه على خيل بيض لابسين بزاً أبيض نقياً" (رؤيا 19: 14).
وفي الطرف المقابل يقف "الوحش وملوك الأرض وأجنادهم مجتمعين ليصنعوا حرباً مع الجالس على الفرس ومع جنده"(رؤيا 19:19). تساعدهم قوى الشر ممثلة بـ "أرواح نجسة شبه ضفادع. أرواح شياطين صانعة آيات تخرج على ملوك العالم، وكل المسكونة لتجمعهم لقتال ذلك اليوم العظيم يوم الله القادر على كل شيء .. إلى الموضع الذي يدعى بالعبرانية هرمجدون"(رؤيا 16: 13ـ 16). وقبل أن تضع الحرب الكونية أوزارها، يقول الرائي:"ورأيت ملاكاً واحداً واقفاً في الشمس، فصرخ بصوت عظيم قائلاً للطيور جميعها: هلم اجتمعي إلى عشاء الإله العظيم، لكي تأكلي لحوم ملوك، ولحوم قواد أقوياء، ولحوم خيل، والجالسين عليها، ولحوم الكل حراً وعبداً صغيراً وكبيراً"(رؤيا 19: 17).
وكان من الطبيعي، بمفهوم الرائي يوحنا، أن ينتصر في المعركة الكونية بطل السماء ـ المسيح المنتظر، "فقبض على الوحش، والنبي الكذاب معه، الصانع قدامه الآيات التي أضل بها الذين قبلوا سمة الوحش والذين سجدوا لصورته، وطرح الاثنان حيين في بحيرة النار المتقدة بالكبريت، والباقون قتلوا بسيف الجالس على الفرس الخارج من فمه. وجميع الطيور شبعت من لحومهم"(رؤيا 19:20 و 21).
هكذا تحددت مهمة المسيح المنتظر بوضوح، ومنذ البداية، وهى سحق الرؤوس، وملء الأرض بالجثث، وجعل الأمم جميعها موطئاً لأقدام بنى إسرائيل، وانتداب اليهود بقيادة المسيح المنتظر لحكم الأرض، نيابة عن يهوه (الرب)، أى إقامة ملكوت يهوه على الأرض. وهذه الصورة التي رسمها يوحنا اللاهوتي في رؤياه، تعتبر الأكثر تعبيراً عن صورة المسيح الذي ينظره اليهود. فالأوصاف التي طرحها يوحنا هي لمسيح يهودي، محارب. "عيناه كلهيب نار .. متسربل بثوب مغموس بدم" (رؤيا19:12) "رجلاه شبه النحاس النقي كأنها محميتان في آتون .. وسيف ماض ذو
حدين يخرج من فمه" (رؤيا 15:1). ثم يكرر يوحنا اللاهوتي هذه الصفة التي ينسبها إلى مسيحه، بصيغة من البلاغة التفصيلية، فيقول: "ومن فمه يخرج سيف ماض لكي يضرب الأمم، وسيرعاهم بعصا من حديد، وهو يدوس معصرة خمر سخط وغضب الله" (رؤيا 19: 15). "وله على ثوبه، وعلى فخذه اسم مكتوب ملك الملوك ورب الأرباب"(رؤيا 19: 16).
ومسيح يوحنا كائن مركب، "له سبعة أرواح الله والسبعة الكواكب" (رؤيا 3: 1). "وله سبعة قرون وسبع أعين"(رؤيا 5: 6). "والممسك السبعة الكواكب في يمينه"(رؤيا 2: 1)، وهذه أوصاف وصور مقتبسة أو مستعارة من دانيال وحزقيال، ارتبطت بيهوه (الرب)، أو قل أن يهوه نسبها إلى مسيحه الذي وعد جماعته (اليهود) به، ليقود جيشهم في مذبحة الأرض، التي سيرتفع أثرها ملك صهيون على أمم الأرض (1). ومسيح يوحنا ليس فيه من المسيح المسيحي (يسوع الناصري)،غير صفة الخروف، ولكن (خروف) يوحنا (المسيح) لا يبدو واقفاً على جبل الزيتون يعلم التلاميذ مثلاً. ولا "يطوف المدن كلها والقرى يعلم مجامعها" (متى 9: 35) وإنما يبدو "واقفاً على جبل صهيون"(رؤيا 14: 1) حيث شد داود إطناب خيمته. و (خروف) يوحنا (المسيح) لم يأت ليخلص البشرية (الفداء)، وإنما ليخلص بني إسرائيل "من بين كل قبيلة ولسان وشعب وأمة" (رؤيا 5: 9). والذين "اشتراهم بدمه"(رؤيا 5:9) أي خلصهم ـ فداهم ـ هم "مائة وأربعة وأربعون ألفا مختومين على جباههم من كل سبط من بني إسرائيل"(رؤيا 7: 4)(2).
ومسيح يوحنا يهودي، فهو "الأسد الذي من سبط يهوذا، أصل داود"(رؤيا 5: 5)، "الذي له مفتاح داود" (رؤيا 3: 7)، والذي رفع جماعته (بني إسرائيل) فوق البشر جميعهم، "وجعلتنا لألهتنا ملوكاً وكهنة" (رؤيا 5:10) "ومسحهم سادة على الأرض"(رؤيا 5:10). ومسيح يوحنا اليهودي، سيقود جيش القديسين ضد جيش الأشرار المؤتلف بقيادة (يأجوج ومأجوج) في "الموضع الذي يدعى بالعبرانية هرمجدون" (رؤيا 16:16).
(1) الأصولية المسيحية في نصف الكرة الغربي - جورجي كنعان ص118
(2)
الاصولية المسيحة في نصف الكره الغربي - ص117
وبعد المأدبة التي أقامها الإله احتفالاً بانتصاره على أعدائه، يقول الرائي:"ثم رأيت ملاكاً نازلاً من السماء معه مفتاح الهاوية، وسلسلة عظيمة على يده، فقبض على التنين الحية القديمة، الذي هو إبليس والشيطان، وقيده ألف سنة وطرحه في الهاوية، وأغلق وختم عليه لكي لا يضل الأمم في ما بعد حتى تتم الألف السنة. وبعد ذلك لابد أن يحل زماناً يسيراً"(رؤيا 20:1 1ـ3).
ففي هذه المعركة الكونية لم يكن هناك نهاية، وإنما كان فيها "قيامه أولى لهؤلاء الذين ليس للموت الثاني سلطان عليهم. بل سيكونون كهنة لله والمسيح، وسيملكون معه ألف سنة"(رؤيا 20: 6). "أما بقية الأموات فلم تعش حتى تتم الألف السنة"(رؤيا 20: 5). "ثم متى تمت الألف السنة يحل الشيطان من سجنه، ويخرج ليضل الأمم الذين في أربع زوايا الأرض: (يأجوج ومأجوج) ليجمعهم للحرب، الذين عددهم مثل رمل البحر"(رؤيا 20: 7). وهنا تكون المعركة الكونية، وينتهي التاريخ يقول الرائي:"فصعدوا على عرض الأرض وأحاطوا بمعسكر القديسين وبالمدينة المحبوبة (أورشليم)، فنزلت نار من عند الله من السماء وأكلتهم. وإبليس الذي كان يضلهم طرح في بحيرة النار والكبريت حيث الوحش والنبي الكذاب، وسيعذبون نهاراً وليلاً أبد الآبدين"(رؤيا 20: 9).
وفي نهاية هذه المعركة الفاصلة يبدأ الحساب، يقول الرائي:"ثم رأيت عرشاً عظيماً ابيض والجالس عليه، الذي من وجهة هربت الأرض والسماء، ولم يوجد لهما موضع، ورأيت الأموات صغاراً وكباراً واقفين أمام الله، وانفتحت أسفار، وانفتح سفر آخر هو سفر الحياة. ودين الأموات مما هو مكتوب في الأسفار بحسب أعمالهم. وسلم البحر الأموات الذين فيه، وسلم الموت والهاوية الأموات فيهما. ودينوا كل واحد بحسب أعماله، وطرح الموت والهاوية في بحيرة النار"(سفر الرؤيا 20: 11 - 15).
وهكذا ينتهي التاريخ معه الأرض والسماء، وتولد سماء جديدة وأرض جديدة وأورشليم جديدة. ولما كان يوحنا اليهودي، واقعاً تحت تأثير التراث اليهودي، وعنصرياً متعصباً كما هو حال أنبياء بني إسرائيل جميعاً، لم ير في الأرض الجديدة غير أورشليم وغير شعب الله الخاص. ولم يبقَ من تاريخ الأرض الأولى غير أسماء أسباط بني إسرائيل الإثني عشر، ممهورة على أبواب أورشليم الجديدة الإثني عشر.