الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السابقة سيلحق ضرراً كبيراً بالمصالح الأمريكية ليس في العالم العربي فحسب، بل في العالم الإسلامي أيضا عاجلاً أم آجلاً.
كل هذا يجعلنا نفترض أن حساب المصالح كما نفهمه ليس هو المؤثر الوحيد في هذا التحيز، بل لا بد من البحث في عوامل أخرى يمكن أن تبرر هذا التحيز من قبل أمريكيا وإنجلترا بالذات، لصالح إسرائيل والتي يمكن أن تجعلنا نتعرف على السر في أن بريطانيا وأمريكيا من دون دول العالم هما اللتان جعلتا تحقيق الحلم الصهيوني في أرض فلسطين حقيقة واقعة. فبفضل وعد بلفور والانتداب البريطاني على فلسطين، استطاع اليهود إقامة دولتهم، وبفضل الدعم الأمريكي المتواصل، واستطاعت إسرائيل بناء نفسها والتصدي لكافة الأخطار التي واجهتها. فما هو السر في ذلك؟! هل يعود ذلك إلى
نفوذ اللوبي الصهيوني
وأثر الصوت اليهودي في الانتخابات ـ كما يحلو لكثير من المحللين السياسيين أن يفسروه ـ أم إلى أمر آخر؟ هذا ما سنحاول الإجابة عليه.
نفوذ اللوبي الصهيوني
يحاول كثير من المحللين إظهار اليهود كنموذج فريد لمجموعة ناجحة في كل مجالات الحياة، تستطيع التأثير على صناع القرار في أمريكيا وإنجلترا من خلال سيطرتها على وسائل الإعلام والاقتصاد في هذه الدول، ومن خلال ما يلجئون إليه من وسائل لممارسة الضغوط على صناع القرار في هاتين الدولتين، هذا بالإضافة إلى ما يقال عما يتميز به اليهود والزعماء الصهاينة من عبقرية ودهاء واستغلال للفرص، أمثال هرتزل، ووايزمان، وسوكولوف وغيرهم. لذلك فإن هؤلاء المحللين يعزون صدور وعد بلفور إلى حاييم وايزمان وطاقاته الجبارة وتصميمه وإخلاصه ومواهبه السياسية والعلمية، كما يعزون نجاح الحركة الصهيونية في أمريكيا إلى اللوبي الصهيوني القوى، وما يتمتع به من تنظيم، وما يملك من وسائل للضغط على الرؤساء الأمريكيين.
ان تضخيم نفوذ اللوبي الصهيوني وجعله وكأنه يحكم أمريكيا شيء مبالغ فيه جداً، إلا إذا حاولنا فهم هذا النفوذ على أساس أن هذا اللوبي يعمل في بيئة سياسية
وثقافية ملائمة إلى أقصى الحدود للأفكار الصهيونية، التي تلقى الدعم المادي والمعنوي على المستويين الشعبي والحكومي. فالمال اليهودي في الانتخابات لا يصلح تفسيراً للإجماع السياسي الذي يحظى به دعم إسرائيل في الأوساط السياسية الأميركية، حتى تنافس فيه المتنافسون من كل ألوان الطيف السياسي. إضافة إلى أن في أميركا من أهل الثراء غير اليهود ما يكفي وزيادة لمعادلة المال اليهودي. والإعلام اليهودي لا يكفي تفسيرا لانحياز شعبي كامل يبلغ درجة الاعتقاد، بل هو اعتقاد ديني عميق ـ كما سنرى لاحقا ـ في بلد فيه من التعددية الإعلامية وحرية الكلمة ما يكفي لبلورة رأي مخالف لو كان له أنصا.
"كما إن الحديث عن عبقرية اليهود والقول بأنهم عباقرة بطبيعتهم يتطلب منا أن نعود إلى التقاليد الحضارية والظروف التاريخية التي شكلت فكر ووجدان كل من موسى بن ميمون، وفرويد، وإنيشتين وغيرهم. وإلا فلماذا لم يظهر علماء طبيعة متفوقون تفوق أينشتاين بين يهود الفلاشا الإثيوبيين؟ وحتى لو رصدنا العبقرية اليهودية بشكل مطلق بمعزل عن أي سياقات تاريخية أو اجتماعية كما يفعل الصهاينة، فإننا سوف نكتشف أن العبرانيين وأعضاء الجماعات اليهودية لم يؤدوا دورا كبيرا في تطوير الحضارة الإنسانية، بل إن فرويد وماركس وكافكا ومعظم عباقرة اليهود قد حققوا إبداعهم عن طريق الانسلاخ الفعلي أو المجازي عن مورثهم اليهودي، وعن طريق الانخراط في الحضارة العلمانية الغربية الحديثة"(1).
لهذا فأن تضخيم دور الزعماء الصهاينة أمثال هرتزل ووايزمان وغيرهم، وجعلهم وكأنهم بذلوا جهوداً خارقة وفوق العادة للحصول على مطالبهم، أمر عارٍ عن الصحة. فالأفكار الصهيونية كانت موجودة قبل ظهور الحركة الصهيونية بفترة كبيرة، وتبناها أشخاص أوربيون وأمريكان في وقت كان فيه اليهود يرفضون ويحاربون من يفكر بهذه الأمور. وسيتضح لنا هذا الأمر بصورة جلية عند حديثنا عن الحركة الصهيونية والظروف التي ظهرت بها.
(1) دفاع عن الإنسان ـ د. عبد الوهاب المسيري ـ عرض/ نشوة نشأت - الجزيرة نت