الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالدبابات والمدفعية والطيران. كما أن إسرائيل استطاعت في ظل هذه الهدنة تنظيم جيشها والاستيلاء على مزيد من الأراضي العربية، بحيث أصبح ميزان القوى لصالحها بفارق كبير.
وهكذا لعب ترومان دوراً مهماً في حماية إسرائيل عند ولادتها، من خلال الهدنة التي فرضها على الدول العربية. ولهذا يرى البعض أن موافقة الدول العربية على الهدنة كانت خطوة متسرعة وغير محسوبة، وربما جاءت رضوخاً لضغوط خارجية، لأن الجيش الإسرائيلي كان في وضع صعب، وقد عبر مناحيم بيغن ـ في مذكراته ـ عن استغرابه وتعجبه لقبول الدول العربية للهدنة بالرغم من أن الموقف كان في صالحها، كما أن موشى ديان، الذي كان من كبار ضباط الجيش الإسرائيلي في ذلك الوقت، قال:"كانت الهدنة بالنسبة لنا كأنها قطرة ندى قادمة من السماء"(1).
وقبل انتهاء فترة الهدنة الأولى اقترح الوسيط الدولي برنادوت، أن تجدد الهدنة إلى أجل غير محدود، ووافقت الدول العربية على الهدنة الجديدة في 17 تموز 1948م، ولكن إسرائيل لم تلتزم بالهدنة الجديدة، حيث احتلت مزيداً من الأراضي الفلسطينية وشردت مزيداً من السكان. وبعدها أجبرت الدول العربية على الدخول في مفاوضات مع إسرائيل لعقد هدنة دائمة، حيث وقعت الدول العربية كلاً على انفراد معاهدات للهدنة مع إسرائيل في جزيرة رودس في عام 1949م. وتكمن أهمية اتفاقات الهدنة لدولة إسرائيل في أنها حصلت عن طريقها على مكاسب عديدة، فقد حصلت إسرائيل على مزيد من الأراضي العربية، وأتاحت لها فترة من الاستقرار كانت بأمس الحاجة إليه، لبناء مرافق الدولة الجديدة وجلب مزيد من المهاجرين، واستطاعت إسرائيل في هذه الفترة أن تحقق تفوقاً عسكرياً على الدول العربية.
صهيونية ترومان
من العرض السابق يمكننا تقدير حجم المساعدة التي قدمها الرئيس ترومان لدولة إسرائيل قبل وبعد إنشائها، ابتداءً من دعوته لفتح أبواب فلسطين أمام الهجرة
(1) الاستعمار وفلسطين ـ رفيق النتشة ـ ص 244
اليهودية وتبنيه لقرار التقسيم واعترافه بدولة إسرائيل، وانتهاءً باتفاقية الهدنة التي عقدت بين إسرائيل والدول العربية. فقد كان ترومان صهيونياً أكثر من الصهاينة، حيث انعكس ذلك على سياسته تجاه المسألة الفلسطينية، والتي كانت سياسة رئاسية ثم تنفيذها من جانب واحد رغم معارضة كثير من المستشارين الحكوميين لها، والذين كانوا يرسمون سياسة بلادهم الخارجية بناء على مصالحها القومية، وليس بناء على عواطف دينية أو غيرها. لهذا فقد حدث أكثر من مرة أن تضاربت قرارات ترومان مع قرارات وزارة الخارجية ومستشاريه. ففي إحدى المرات كان مندوب الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، يطالب بشدة بوضع فلسطين تحت الوصاية، من غير أن يعلم بأن الرئيس ترومان قد اعترف قبل ذلك بقليل بدولة إسرائيل. وقد اعترف ترومان نفسه بحقيقة سياسته هذه حيث قال في مذكراته:"لقد كنت أعلم بأن المستشارين جميعاً لا ينظرون إلى المسألة الفلسطينية نظرتي أنا إليها، وأكثر من ذلك، كان الإختصاصيون من موظفي وزارة الخارجية في شئون الشرق الأوسط جميعهم تقريباً ضد فكرة دولة يهودية"(1).
ولكن ما هي نظرة ترومان للمسألة الفلسطينية، التي جعلته يخالف جميع مستشاريه ويتحدى مشاعر جميع العرب والمسلمين؟! إنها نظرة شخص تربى على تعاليم الكنيسة المعمدانية، التي تتبع مذهب العصمة الحرفية في تفسيرها للكتاب المقدس، وهذا يعنى الإيمان بصورة حرفية بكل ما جاء في العهد القديم من أخبار ومعلومات تاريخية ونبوءات من غير تأويل. لهذا فإن أتباع هذه الكنيسة من أكثر المتحمسين للحركة الصهيونية، حيث يؤمنون بضرورة قيام دولة إسرائيل تحقيقاً للنبوءات التوراتية. ولهذا فقد كان واضحاً أثر هذه الأفكار على ترومان وحياته. "فقد كان يؤمن ـ باعتباره أحد تلاميذ التوراة ـ بالتبرير التاريخي لوطن قومي يهودي، وكانت لديه قناعة بأن وعد بلفور، حقق آمال وأحلام الشعب اليهودي القديمة. كما كان واضحاً أثر الثقافة اليهودية والعهد القديم عليه، وكيف لا وهو يعتبر التلمود اليهودي كتابه المفضل. ولهذا كانت هديته لليهود عام 1946م، في عيد الغفران ـ كيبورـ تأييده لمشروع تقسيم فلسطين.
(1) أني أتهم ـ روجيه ديلورم ـ ترجمة نخله كلاس ـ ص 91 - دار الجرمق، 1985.