الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنذ عام 1970م دأب (بيلي جراهام) على إنذار جمهوره، بقوله:"إن العالم يسير حاليا بسرعة نحو معركة (تل مجدو) وأن الجيل الحالي من الشباب قد يكون آخر أجيال التاريخ". وقال للرئيس الأسبق ريجان، بأن "عيسى المسيح على الأبواب وقد يعود في أية لحظة". أما (هال ليندسي) فقد باع عشرين مليون نسخه من كتابه (كوكب الأرض العظيم الفائت)، الذي زعم فيه أن العد التنازلي لنهاية التاريخ قد بدأ منذ نشوء دولة إسرائيل. وفي روح مشابهة لما كتبه يوحنا في رأياه، زعم (هال ليندسي) أن المسيح العائد سوف يحرق الأرض بسكانها باستثناء (144000) يهودي سوف يتم إنقاذهم (1)(. أما تبريرات هؤلاء لضرورة قيام هذه المعركة، فهي تبريرات دينية مستمدة من نبوءات الكتاب المقدس، حيث يعتمد خطابهم الديني على رؤية سهلة للحياة، مفادها أن العالم أصبح تملؤه الشرور والخطايا، وهو ما سيعجّل بظهور (المسيخ الدجّال) وجيوش الشر، ولن يصبح هناك حل لإنقاذ البشرية والخلاص من الشرور إلا بعودة المسيح المخلّص، لانتزاع المسيحيين المؤمنين من هذا العالم المليء بالخطيئة والشر، وهذا الخلاص ـ عندهم ـ رهين بعودة المسيح فقط، أما المطلوب عمله من هؤلاء المؤمنين فهو السعي لتحقق هذه النبوءة، أو الإسراع بإجبار يد الله "النبوءة! وتحقق النبوءة عندهم رهن بقيام دولة إسرائيل الكبرى، وتجميع كل يهود العالم بها، ومن ثَم فلا بد من تقديم وحشد كل التأييد المادي والمعنوي، المطلق وغير المحدود أو المشروط لدولة إسرائيل، لأن ذلك هو شرط نزول المسيح المخلّص
التعجيل بقدوم المسيح
رأت الأصولية المسيحية في النصف الثاني من القرن العشرين، أن من المناسب أن تُعَجّل من القدوم الثاني للمسيح بواسطة الدولة اليهودية إسرائيل، وهم مستعدون أن يقاتلوا المسلمين حتى آخر يهودي. وعندما سأل أحدهم (ليني ديفس) أحد أقطاب الأيباك (اللوبي الصهيوني الأمريكي) السابقين إن كان يعلم بأن التلاقي في الأهداف بين الصهاينة اليهود، والصهاينة المسيحيين سينتهي حين قدوم
(1) النبوءة والسياسة 39
المسيح، حيث أن للصهاينة المسيحيين معتقداتهم وأجندتهم الخاصة حينئذ، أجاب: إن هؤلاء يثيرون قرفي وخوفي، ولكن حتى أن أري المسيح يسير فوق جبال القدس، فإني أدعم كل من يريد أن يكون صديقا لإسرائيل (1). والطريف أن هذا التأييد لا يعني الإيمان باليهود أو حتى مبادلتهم مشاعر الحب أو التعاطف معهم، لأن بعض هؤلاء التوراتيين يعتقدون أن المسيح المخلّص سيقضي على كل اليهود أتباع المسيخ الدجّال، الذين سيرفضون الإيمان به، أي أنهم يدعمون إسرائيل باعتبارها وسيلة تحقق النبوءة فقط. ولكن بالرغم من ذلك، فقد تلقف هذه العقيدة كبار القادة اليهود في أمريكا وإسرائيل، وخاصة من اليمين الديني المتطرف الذي يسيطر على مجريات ومقاليد اللعبة السياسية في إسرائيل، واستغلوها جيدًا للحصول على كافة أشكال الدعم والتأييد، وهم لا يعنيهم محبة اليمين المسيحي المتطرف في أمريكا، أو إيمانه بهم بقدر ما يعنيهم ما يُدرّه عليهم الإيمان بهذه النبوءة، من أموال ودعم سياسي واقتصادي غير محدود، ولهذا يحرص زعماء إسرائيل على استضافة قادة اليمين المسيحي المتطرف في إسرائيل باستمرار، كما أنهم لا يفوتون مناسبة للاجتماع بهم للحصول على دعمهم المطلق.
فبفضل هذه النبوءة تتدفق الرحلات السياحية الأمريكية على إسرائيل، وتنظم مظاهرات التأييد وحملات جمع التبرعات، وتسخر الإدارة والسياسة الأمريكية لخدمة المصالح الإسرائيلية، خاصة مع تزايد إيمان الشعب الأمريكي بهذه النبوءة والاعتقاد بها، حتى أن استطلاعاً أجرته مجلة التايم الأمريكية سنة 1998م أكد أن 51% من الشعب الأمريكي يؤمن بهذه النبوءة، ومن هؤلاء عدد كبير من أعضاء النخبة الحاكمة في الولايات المتحدة، بعضهم وزراء وأعضاء في الكونجرس وحكّام ولايات، بل وتؤكد (جريس هالسيل) أن) جورج بوش)،) وجيمي كارتر)،) ورونالد ريجان (كانوا من المؤمنين بهذه النبوءة، بل إن الأخير كان يتخذ معظم قراراته السياسية أثناء توليه الرئاسة الأمريكية على أساس النبوءات التوراتية كما سنوضح لاحقاً. (2)
وفي فكر المنصرين التوراتيين تغيب كل معاني المحبة والتسامح المقترنة بالمسيحية، ويبدو المسيح في أحاديثهم في صورة جنرال بخمسة نجوم يمتطي
(1) إمبراطورية الشر الجديدة ـ عبد الحي زلوم ـ القدس العربي 27/ 1ـ 3/ 2/2003م
(2)
يد الله - ص18
جوادًا، ويقود جيوش العالم كلها، مسلحًا برؤوس نووية ليقتل مليارات البشر في معركة الهرمجدّون. وقد باع كتاب عن هر مجيدون 25 مليون نسخة، ولا يتقدم عليه في مبيعات السبعينات إلا الكتاب المقدس، وتم إنتاج فيلم سينمائي عن كتاب هرمجيدون هذا، وقد انتشرت شهرة أمثال هذا الكتب من الجمهور المسيحي إلى الجمهور العلماني، وهذا يعنى إنها تفشت في الثقافة الأمريكية الآن، واهم أفكارها، أن الله يطلب من الأمريكيين تدمير الكرة الأرضية. ويقدر عدد الأصوليين في الولايات المتحدة بخمسين مليون، ومنهم المتشددين أمثال (جيم جونز)، الذي قال حين قاد أتباعه إلى الموت:"إن النهاية ستصل بسرعة، لذلك دعونا نرافقها، دعونا نسبق الحشود"(1). وقد تجاوزت عقيدة هرمجيدون المعتوهين إلى ارفع مستويات السلطة الحكومية مثل وزير الدفاع (كاسبار واينبيرج) 1982م، فهي عقيدة قاتلة ومعدية.
ففي نهاية الستينات من القرن العشرين سلم الألوف كل ممتلكاتهم إلى الكنسية لأن النهاية اقتربت، وهناك أكثر من 1200 حركة تعتقد بهذا المصير الوشيك، نظمت الكثير منها عمليات انتحار جماعي، وقتل جماعي، ويدعون بعضهم إلى عدم زرع الأشجار أو التخطيط للمستقبل، لأن العالم لن تبقى له حياة بما يكفى، ويلجأ بعضها إلى العنف، وتقتل السلطات منهم الكثير في تبادلات إطلاق النار بين الشرطة وميلشيات الحركات، التي قام أحد أعضائها بتفجير مدينة أوكلاهما 1995م. وتتجه حركة منتدى الحملة الصليبية من أجل المسيح نحو جمع مليار دولار، لنشر المسيحية في العالم، ويقوم فيها 16 ألف أكاديمي مسيحي ـ يتزايدون بنسبة أكاديمي واحد كل يوم ـ بعمل ثقافي خاص بتكلفة مليارى دولار سنوياً، وتستقطب الحركة ما لا يقل عن 20 مليوناً، كما أن مساهمات المدخرات تزيد على نصف مليار دولار.