الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني
الخلفية الدينية للهجمة الأمريكية البريطانية على العراق
يحتل العراق مكاناً رئيسياً في فكر الحركة الأصولية المسيحية المعاصرة، بسبب ارتباطه كأرض وشعب وحضارة، بأهم حادثه تعرض لها اليهود في تاريخهم وهى السبي البابلي، مما جعله يرتبط مباشرة بكثير من العقائد المسيحية المستمدة من التوارة وسفر الرؤيا بالذات، والتي سطرها أنبياء اليهود خلال السبي البابلي وبعده، كفكرة المسيح المنتظر، وقيام معركة (هرمجيدون) بين قوى الخير والشر، وغيرها من الأفكار، التي انتقلت إلى المسيحية مع ما يسمى بحركة الإصلاح الديني البروتستانتي. فكما كان للبعد الديني أثر رئيس في صياغة السياسة الأمريكية البريطانية المتحيزة لإسرائيل، فإن هذا البعد كان له نفس الدور في صياغة هذه السياسة تجاه العراق والمنطقة، حيث لعب التيار الديني المسيحي البروتستانتي دوراً رئيساً في صياغة هذه السياسة، انطلاقاً من إيمان إتباع هذا التيار، بحرفية النصوص التوراتية وبنبوءاتها المزيفة التي يعملون على تطبيقها حرفياً على ارض الواقع اعتقاداً منهم بأنهم ينفذون أمرا ألهيا، للتعجيل بالعودة الثانية للمسيح.
فمن خلال عرضنا السابق اتضح لنا، أن الحرب الأمريكية على العراق لم تكن لتحرير الكويت، بل أنها كانت حرب مبرمجه ومخطط لها مسبقاً من اجل حماية مشروعها الصليبي في المنطقة (إسرائيل)، ولهذا فإن الهجمة الشرسة التي يتعرض لها العراق الشقيق منذ عام 1990 وحتى الآن، والتي لم تنتهي باحتلاله من قبل أمريكا، لا يمكن تفسيرها على أساس أنها تطبيق لقرارات الشرعية الدولية، بل يمكن فهمها فقط على أساس أنها تطبيق حرفي للنصوص التوراتية ونبوءات وردت في العهد القديم توعدت مضطهدي إسرائيل بالدمار والخراب. فبابل العراق هي التى سبت اليهود ودمرت الهيكل، وآشور من قبله قامت بنفس الشئي. ولذلك يرى
إتباع التيار الديني الأصولي في أمريكيا أنه لا بد من الانتقام من كل مضطهدي إسرائيل تنفيذاً لما ورد في التوراة!.
فالحرب الأمريكية على العراق لم تكن كرامة سواد عيون الكويتيين أبداً، ولا لحمايتهم من العدوان العراقي أو لتخليصهم من الاحتلال العراقي للكويت
…
بل كما يقول د. صالح زهير الدين: "بأن العدوان الأمريكي والبريطاني على العراق ومن بعده الحصار والعقوبات، لها جذورها التي تتغلغل عميقاً في التاريخ بدءاً من الحقد اليهودي المتجذر في (عقدة الأسر البابلي) مرورا بتنامي عقيدة (الصهيونية المسيحية) في كل من بريطانيا والولايات المتحدة وتطلعها لاستعجال عودة المسيح المنتظر، وصولا إلى تحكم رؤوس هذه الصهيونية في قرارات ومؤسسات هاتين الدولتين، ليأتي أسلوب الحصار والعقوبات ضد العراق كإحدى إفرازات هذه العقلية ونتائجها المباشرة".
ويضيف: "ومن هذا المنطلق نرى أن التركة الثقيلة التي ورثها العراق من الإمبراطورية الآشورية والبابلية مثلت جوهر العداء التاريخي اليهودي للعراق، لان (عقدة الأسر البابلي) كانت لا تزال إحدى اكبر العقد التاريخية اليهودية وأهمها في التاريخ اليهودي. ولهذا سيبقى العراق كما كان منذ تاريخه ـ عقدة يهودية تلاحقه إلى الأبد، طالما هناك يهودي واحد مأسور في عقدة (الأسر البابلي) هذه ومرهون لها .. إذ ليس هناك مثل العراق أرضاً، احتلت في الأيدولوجيه الصهيونية ومصادرها الأولى مكانة مشحونة بتراكم من العناصر التاريخية والدينية بعد أن أقام العبرانيون في ارض العراق أكثر من ألفي سنه، وارتبطت بهذه الأرض أهم واعنف واقعة في تاريخهم وهي (الأسر البابلي) "(1).
ولذلك لا يخلو الفكر المعاصر للصهيونية، من شحنة دينية في النظرة إلى هذا البلد، حيث يتخذ الاهتمام الصهيوني بالعراق من وعد ألهي مصدراً له، منسوباً إلى وصية في التوراة لإبراهيم أن "لنسلك أعط هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر
(1) خلفيات الحصار الامريكى البريطاني للعراق - د. صالح زهير الدين ـ ص 8
الكبير "الفرات"(1)، حيث تحولت هذه الوصية إلى دعوة معاصره كما وردت على لسان موشي دايان، بعد ساعات من دخول مدينة القدس، في السادس من حزيران/ يونيو سنة 1967م، حيث قال:"لقد استولينا على أورشليم ونحن في طريقنا إلى يثرب وبابل".
هذا ولم يغب هذا الهاجس القديم عن كثير من المواقف المتعلقة بالعراق حيث أطلق زعماء الحركة الصهيونية على حملة تهجير اليهود ونقلهم من العراق إلى فلسطين أواخر الأربعينات ومطلع الخمسينات من هذا القرن اسم عملية (عزرا ونحميا) إشارة إلى الكاهنين اليهوديين الذين خرجا من بابل ووضعا العهد القديم، لتشبيه خروج اليهود منتصف هذا القرن من العراق بخروجهم من الأسر البابلي في العراق قبل أربعة آلاف سنه (2)، وذلك في إطار إصباغ الصبغة الدينية على هذه الحملة وكأنها جاءت تحقيقاً لنبوءات التوراة.
على هذا الأساس، ليس من الغرابة أن كانت أهداف اليهودية المتعلقة بالعراق هي ذاتها أهداف الصهيونية المسيحية، في كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، التي تتخذ التوراة قاعدة ومنطلقاً، ومن الأسر البابلي محوراٌ للاقتصاص من العراق في كل عصر وزمان، وليس في عصر الرئيس صدام حسين فقط (3). وهذا هو ما يحدث الآن في ظل غياب الوعي العربي لكل ما يحدث، والذي جعلنا للأسف نقبل، ليس فقط بتدمير العراق، بل بقتل أطفاله وتجويع شعبه بحجة تطبيق قرارات الشرعية الدولية، التي لا تطبق إلا على العرب فقط؟! والذي جعلنا نقبل أيضا بفرض حصار جائر على ليبيا لمجرد أن سيادة الرئيس ريجان وأتباع التيار الديني
(1) تبين لنا قراءة النصوص المقدسة في منطقة الشرق الأوسط أن جميع شعوب المنطقة من بلاد النهرين إلى مصر بما في ذلك الحيثيون، قد تلقوا وعوداً مماثلة، حيث كان الإله يعد كل شعب بالأرض. ففي مصر، نجد المسلة الضخمة في الكرنك، والتي شيدت في عصر تحتمس الثالث بين عامي 1480م و1475م قبل الميلاد، تمجيداً لانتصاراته في غزوة مجيدو وقادش وقردميش (الواقعة على نهر الفرات)، وقد دونت عليها عبارة الإله: أمنحك هذه الأرض بامتدادها في جميع الجهات لتكون لك شرعاً. لقد جئت لأزودك بكل السبل لكي تجتاح الأراضي الغربية. وعلى الجانب الآخر في منطقة الهلال الخصيب في بلاد ما بين النهريين، نجد في أنشودة الخلق البابلية، أن الإله مردوخ "يحدد لكل نصيبه" ويأمر ببناء بابل وتشييد معابدها. ومن مصر إلى بلاد ما بين النهريين، كان الحيثيون ينشدون لربة الشمس قائلين: أنت تحرسين امن السموات والأرض، وتعيين حدود الأرض. الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية - روجيه جارودى ـ ص45
(2)
خلفيات الحصار الامريكى البريطاني للعراق - د. صالح زهير الدين ـ ص 9
(3)
المصدر السابق - ص 14