الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بحريتهم القومية ووحدتهم واستقلالهم، مما جعلهم يغرقون إلى الأسفل، فالأسفل" (1).
هرتسل ومؤتمر بازل
مع انتشار كتابات وأفكار المفكرين اليهود، أمثال الكعى وكالشر وهس وبنسكر وغيرهم بين اليهود في دول أوروبا، أصبح الجو مهيئاً لتوحيد جهود المؤمنين بهذا النهج الجديد من خلال حركة يهودية عامة، تزعمها هيرسل مؤسس الحركة الصهيونية، الذي اخذ ينشر أفكاره بين اليهود وغيرهم من المسيحيين البروتستانت، حيث من الملاحظ أن الحركة الصهيونية في مبدأ أمرها لم تلقَ قبولاً واسعاً بين اليهود، في حين أثارت حماساً شارف الهوس بين المؤمنين المسيحيين المتحمسين لتوفير متطلبات المجيء الثاني. وبالمقابل، كانت أقوى معارضة للصهيونية من جانب المتدينين اليهود من الأرثوذكس (المتمسكين بحرفية العقيدة)، واليهود الشرقيين، وبعض الحاخامات، واليهود الإصلاحيين.
وقد ظل موقف اليهود المتدينين من الحركة الصهيونية متمسكاً بالشك وعدم الاطمئنان، في أفضل حالاته، وبالرفض الصريح والمناوأة في اشد تلك الحالات، كما في هذه الكلام للحبر المتدين صدوق من لوبلين الذي قال:"أن أورشليم ارفع الذرى التي تتطلع إليها قلوب اليهود .. لكنى أخشى أن يبدو رحيلي وصعودي إلى أورشليم كما لو كانا علامة على تحبيدى للنشاط الصهيوني. وأنى لاتضرع إلى الرب، وان روحي لتتلهف إلى كلمته، وأني لأتمنى من كل روحي أن يكون يوم الفداء آت. وأنى لانتظر بكل يقظة وقع أقدام مسيحه الذي وعدنا به. لكنى، حتى وان عذبت بثلاثمائة قضيب محمى بالنار، لن أتحرك من مكاني، ولن اصعد إلى أورشليم لصالح الصهيونيين. ولقد بلغ إيمان اليهود الأرثوذكس بشيطانية الحركة الصهيونية أن الحاخام يوسف حاييم أعلن بملء (الفم)، عندما زار تيودور هرتزل فلسطين، أن "الشر قد دخل الأرض المقدسة معه" وقال: "إننا لا نعرف حتى الآن ما الذي يمكننا أن
(1) فلسطين، القضية ـ الشعب ـ الحضارة ـ بيان نويهض الحوت ـ ص 323
نفعله دفاعاً عن أنفسنا في مواجهة هؤلاء الصهيونيين الذين يريدون تدمير كل إسرائيل، فليرحمنا الله" (1).
وأهم ما يعنينا في المذهب الأرثوذكسي "أنه كان يدافع عن بقاء الشتات اليهودي حيث هو، ويرفض أي استعجال (مسيحاني) وأي عودة بالتالي إلى أرض فلسطين قبل أن تظهر العلائم الإلهية لظهور المسيح. ومن هنا كان ضد أي محاولة بشريه للتعجيل بنهاية العالم، وضد الصهيونية بشكل حاد وقاطع"(2). وليس أدل على هذه المعارضة للحركة الصهيونية من جانب اليهود هو أنه عندما بدأ التحضير الجدي لعقد أول مؤتمر صهيوني مع مطلع سنة 1897م، كان مقرراً عقده في ميونخ، ولكن لما أرسلت الدعوات الرسمية، غضب اليهود الغربيون وأعلنوا سخطهم على المؤتمر واعتبرته الصحافة الألمانية اليهودية خيانة، كما أعلنت رابطة رجال الدين اليهود في ألمانيا أن هذا المؤتمر يناقض الدعوة الميسائية، ولذا رفضته بشده، "وقد أدت هذه الحملة إلى نقل مكان المؤتمر إلى بازل بسويسرا، حيث افتتح المؤتمر يوم الأحد 29 أغسطس 1897م في صالة الاحتفالات التابعة لكازينو بلدية بازل، وأصدر المؤتمر قرارات تعرف الآن باسم (برنامج بازل) الذي أصبح الوثيقة النظرية والعملية لأهداف الصهيونية"(3)، حيث أعلنت الحركة الصهيونية عن برنامجها السياسي الذي يهدف إلى إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في أرض فلسطين.
وإذا كان لنا أن نقيم إنجازات المؤتمر الصهيوني الأول، فإنه يمكن القول إن أهم إنجاز له على الإطلاق، تمثل في انعقاد المؤتمر ذاته، أي التقاء الزعماء اليهود واتفاقهم على نهج جديد في التعامل مع المسألة اليهودية. وقد تمثل هذا النهج في رفض تصور اليهود التقليدي حول المسيح المنتظر، والبدء في البحث عن طرق عملية من أجل تحقيق الحلم القديم للشعب اليهودي، بحيث تكون هذا الطرق متكيفة وملائمة مع عوامل الزمن الملائمة لحركتها، وهنا نود أن نؤكد على أن هذا
(1) المسيحية والتوراة - شفيق مقار ص159
(2)
عودة المسيح المنتظر لحرب العراق بين النبوءة والسياسة - أحمد حجازي السقا ص36
(3)
البروتوكولات واليهودية والصهيونية - د. عبد الوهاب المسيري ـص74 - دار الشروق- ط 1/ 2003
الأمر لا ينفي الطابع الديني عن هذه الحركة، والذي يحاول كثير من المثقفين العرب إقناعنا والبرهنة عليه من خلال التفرقة بين الصهيونية واليهودية بتأويلات وتفسيرات مختلفة.
فهذا هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية - والذي يقول عنه الكثيرون أنه لاديني وعلماني- كان ينظر لنفسه على أنه المسيح المنتظر حيث ادعى انه رأى المسيا في حلم وأنه أي المسيا كان يصلى من أجله، يقول هرتزل:"ظهر لي المسيا الملك على صورة شيخ مسن في عظمته وجلاله فطوقني بذراعيه، وحملني بعيدا على أجنحة الريح والتقينا على واحد من تلك الغيوم القزحيه بصورة موسى، كانت ملامحه هي تلك الملامح التي عرفتها في حداثتي لدى تمثال (ميكل انجلو) والتفت المسيا إلى موسى مخاطبا إياه بقوله: من أجل هذا الصبي كنت اصلي. لكنه خاطبني قائلا: اذهب وأعلن لليهود بأني سوف آتى عما قريب لاجترح المعجزات العظيمة وأسدي عظائم الأعمال لشعبي وللعالم كله"(1). اما بن غوريون فيقول: "إن ما ضمن بقاء الشعب اليهودي على مر الأجيال وأدى إلى خلق الدولة، هو تلك الرؤيا المسيانيه لدى أنبياء إسرائيل رؤيا خلاص الشعب اليهودي والإنسانية جمعاء. أن دولة إسرائيل هي أداة لتحقيق هذه الرؤيا المسيانيه"(2).
"فالصهيونية هي في الأساس حركة يهودية ذات منطلقات دينية أصيله، ولكنها تختلف عن اليهودية التقليدية التي كانت سائدة قبل ذلك، هو في تبنيها طريق جديد لتحقيق الحلم اليهودي من خلال رفضها للتصور التقليدي بضرورة انتظار عودة المسيح المنتظر، وضرورة العمل لتهيئة الظروف للتمهيد لهذه العودة وتحقيق الحلم الصهيوني"(3). فقد كانت الصهيونية سواء بالنسبة لليهود أو المسيحيين بمثابة تحقيق لنبوءة قديمة: "ويحمل معجزة للغرباء، ويجمع إسرائيل الشتات،
(1) التلمود والصهيونية ـ اسعد رزوق ص236 - المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1973
(2)
عودة المسيح المنتظر لحرب العراق بين النبوءة والسياسة -احمد حجازي السقا ص 24
(3)
هناك شبه كبير بين الفكره الصهيونية وفكرة ولاية الفقيه التى نادى بها الامام الخمينى، حيث ان كلاهما رفضتا التفسير التقليدى لانتظار المسيح المنتظر عند اليهود، والمهدي المنتظر عند الشيعه. واتخذتا خطوات إلى الامام كان الفكر التقليدى يعتقد بانهما من مهام المسيح المنتظر أو المهدي المنتظر.