الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مونتفيورى)، أحد أقطاب اليهود الأثرياء، يناشده فيها أن يأخذ اليهود قضيتهم على عاتقهم، وهذا أمر لابد منه، إذ تبقى لليهود خطوة البداية. وليتقدم الحركة الأشخاص اليهود البارزون في مجتمعهم. فليجتمعوا، وليتفقوا وليقدموا العرائض. وقد فاقت حماسة تشرشل الإنكليزي عشرات المرات حماسة اليهود الذين كان يخاطبهم. فقد كانت أقصى ردة، لمونتفيورى على حماسة تشرشل، انه اكتفى ذات مرة بإعطائه مبلغاً من المال كي يوزعه على فقراء اليهود لدى عودته إلى الشرق. أما ردة فعل مجلس ممثلي اليهود في لندن، على رسالة مماثلة، فقد كانت في منتهى البرودة والحذر، وتذرع المجلس بضرورة استشارة اليهود في كل أوروبا" (1).
أما الكولونيل (جورج غولير)، الحاكم البروتستانتي السابق في جنوب استراليا، فقد كان يعتبر أيضاً من أبرز هؤلاء المنادين بعودة اليهود إلى فلسطين، بمساعدة بريطانيا. فمنذ عودته من استراليا إلى بلده، كرس نشاطه للمسألة اليهودية، وقد تفوق على رفاقه لكونه خبيراً بالإدارة، وخبيراً بالاستعمار ووسائله، حيث قال في تقديمه لمشروعه الصهيوني: "إنني بفضل العناية الإلهية
…
تمكنت من تأسيس أروع مستعمرة ظهرت حتى الآن في العالم كله. ولذلك فإنني أطمح جاداً إلى أن أصبح مستشاراً في شأن تأسيس أهم مستعمرة يمكن للعالم أن يشهدها ـ أول مستعمرة يهودية في فلسطين" (2).
اليهود في الأدب الإنجليزي
أنعكس التعاطف مع اليهود وآمالهم في العودة إلى فلسطين على الأدب الإنجليزي ـ كما أشرنا سابقاًـ حيث أصبح أنبياء اليهود يحتلون بالتدريج مكانة الأبطال اليونانيين الكلاسيكيين في عالم الأدب الغربي، وحتى اليهود باتوا يصورون كشخصيات متميزة. وجاءت مرحلة حل الأدب فيها مكان النهج الديني، ولمعت أسماء عديدة من الشعراء والأدباء الذين انصرفت أقلامهم إلى وصف الشخصيات والصفات
(1) فلسطين، القضية ـ الشعب ـ الحضارة ـ بيان نويهض الحوت ـ ص 296
(2)
المصدر السابق ـ ص 298
اليهودية. وقد فاقت حماسة البعض منهم في تأييده عودة اليهود إلى فلسطين، كل تصور.
فحتى بداية القرن التاسع عشر كان اليهودي يصور في القصص الإنجليزي، إما على صورة (شايلوك)(1) أو (اليهودي التائه)، "غير أن روايتي (هارنغتون) التي صدرت عام 1817 لماريا ادجورت، و (ايفنهو) 1811م، للسير (والتر سكوت) قدمتا مفهوماً جديداً لليهودي بإبرازه على أنه شخصية طيبة، حيث وجدت ثمة بادرة عابرة حملت بذرة هذا التغيير في رواية طوباياس كوليت (مغامرات فرديناند كونت فادم ـ 1753) التي قدمت ميتاسا على أنه إسرائيلي سخي يمارس فعل الخير مع كلٍّ من اليهود والأمميين بطريقة سوية"(2).
وقد ساهم في هذا التغيير عدد من الشعراء الكبار أمثال (جون ملتون، وكوليريدج، واللورد بايرون، ووليان بليك، ووليام وردزوورث، وروبرت براونينغ). "وكان من الروائيين (والتر سكوت) الذي ابتدع شخصية ربيكا في روايته الشهيرة (آيفنهو)، و (اسكندر دوماس) الابن الذي نادى بلسان إحدى بطلاته المسرحيات بوطن دائم للشعب اليهودي. أما (دزرائيلى)، الذي أصبح رئيسا للوزراء في بريطانيا، فقد ألف العديد من الروايات، تضمنت اثنتان منها، محتوى سياسياً صهيونياً واضحاً. وقد كان دزرائيلى من كبار المتحمسين للصهيونية"(3).
وعندما جاء النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي تبنى كلاً من (روبرت براونتج) و (جورج اليوت)، قضية عودة اليهود إلى فلسطين. "فقد جاء في قصيدة براوتنج (يوم الصليب المقدس) عام 1855 قوله:
سيرحم الله يعقوب
وسيرى إسرائيل في حماه
(1) راجع مسرحية تاجر البندقية - وليم شكسبير- ترجمة غازي جمال- دار القلم بيروت - ط1 1978
(2)
الشخصية اليهودية في الأدب الإنجليزي ـ د. هاني الراهب ـ ص 5 - المؤسسة العربية للدراسات والنشر سنة 1979.
(3)
الصهيونية غير اليهودية ـ د. ريجينا الشريف ـ ص 97
عندما ترى يهودا القدس
سينضم الغرباء
وسيتشبت المسيحيون ببيت يعقوب
هكذا قال النبي وهكذا يعتقد الأنبياء" (1).
أما جورج اليوت، فقد كتبت في عام 1874م رواية (دانيال ديروندا)، حيث تعتبر هذه الرواية أول رواية صهيونية ـ ولو جزئياً ـ في تاريخ الأدب الإنجليزي. "وقد اعتبرت انسيكلوبيديا الصهيونية وإسرائيل أن رواية دانيال ديروندا كانت مقدمة أدبية لوعد بلفور"(2). "فإمكانية وجود أنبياء وقادة بين اليهود على غرار العهد القديم، تبدو واضحة فيها، وكذلك تظهر الشخصية اليهودية والتراث اليهودي في أعلى مجدها وشاعريتها. كما أن هدف إنشاء جمهورية يهودية بحته مرسوم ليس فقط كإمكانية وإنما كواجب"(3). فالكاتبة جعلت من دانيال بطلاً صهيونياً يكتشف بنفسه قوميته وإرثه اليهودي، حيث يقول ديروندا بعد لقائه بموردخاى: "إن الفكرة التي تتمكن منى هي استعادة وجود سياسي لشعبي، جعلهم أمة أخرى، إعطائهم مركزاً قومياً، مثلما للإنجليز. إنها مهمة تتقدم إلىّ كواجب
…
وأنا مصمم على تكريس حياتي لها، على الأقل قد أتمكن من إيقاظ حركة في العقول الأخرى مثلما أوقظت في عقلي" (4).
أما اللورد (بايون) فقد اختصر قضية عودة اليهود إلى فلسطين والأفكار التي سيطرت على عقول الأدباء والمفكرين البروتستانت، في بيتين من الشعر، حيث قال في مؤلفه (الألحان العبرية):
حتى الحمامة وجدت لها عش .. عرين لكل رجل ..
(1) فلسطين، القضية * الشعب * الحضارة ـ بيان نويهض الحوت ـ ص 290.
(2)
الشخصية اليهودية في الأدب الإنجليزي ـ د. هاني الراهب ـ ص 53
(3)
المصدر السابق ـ ص 71.
(4)
فلسطين، القضية ـ الشعب ـ الحضارة ـ بيان نويهض الحوت ـ ص 290.