المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌عيسى المسيح عليه السلام - الحملة الصليبية على العالم الإسلامي والعالم - جـ ١

[يوسف الطويل]

فهرس الكتاب

- ‌إهداء

- ‌إهداء خاص

- ‌تقديم

- ‌الباب الأولالبعد الديني للتحيز البريطاني الأمريكي لإسرائيل

- ‌تمهيد

- ‌أسباب التحيز البريطاني الأمريكي لإسرائيل

- ‌حساب المصالح:

- ‌ نفوذ اللوبي الصهيوني

- ‌الصوت الانتخابي اليهودي

- ‌تضخيم في غير محله

- ‌الفصل الأولاليهود في التراث الديني المسيحي

- ‌موقف الكنيسة الكاثوليكية من اليهود:

- ‌ العهد القديم

- ‌موقف الكنيسة الكاثوليكية من الحركة الصهيونية وإسرائيل

- ‌موقف البروتستانت من اليهود

- ‌الفصل الثانيبريطانيا والمشروع الصهيوني

- ‌المطالبة بإعادة اليهود إلى فلسطين

- ‌الأفكار الصهيونية تغزو عقول الطبقات المثقفة

- ‌تغير في الأفكار

- ‌اللورد شافتسبرى

- ‌اليهود في الأدب الإنجليزي

- ‌السياسيون والبعث اليهودي

- ‌اللورد بالمستون

- ‌القس وليام هشلر

- ‌الفصل الثالثظهور الحركة الصهيونية

- ‌1ـ يهودا الكعى (1798ـ1878م)

- ‌2ـ تسفى هيرش كاليشر (1795ـ1874م)

- ‌هرتسل ومؤتمر بازل

- ‌اللجنة الملكية لهجرة الغرباء

- ‌وعد بلفور

- ‌هربرت صموئيل ومستقبل فلسطين

- ‌الدافع الديني ووعد بلفور

- ‌صهيونية لويد جورج

- ‌الانتداب البريطاني وتسليم فلسطين

- ‌هربرت صموئيل

- ‌الضباط البريطانيون…وبناء الجيش الإسرائيلي

- ‌وينغيت والتفسير العسكري للتوراة

- ‌الدافع الديني للتحيز

- ‌الفصل الرابعأمريكيا والمشروع الصهيوني

- ‌هجرة البروتستانت إلى أمريكيا

- ‌الفكر الأمريكي والبعث اليهودي

- ‌السامري على الدولار

- ‌وخاتم داود

- ‌أمريكا مهد الصهيونية

- ‌رؤساء أمريكا والبعث اليهودي

- ‌جورج واشنطن

- ‌توماس جيفرسون

- ‌جيمس ماديسون

- ‌الرئيس المنصر جون كوينسي آدمز

- ‌أندرو جاكسون .. وخرافة المعاد

- ‌أول تدخل لنصرة اليهود خارج أمريكا

- ‌العمل من أجل تحقيق النبوءات التوراتية

- ‌يهودي يوبخ الرئيس

- ‌فرانكلين بيرس

- ‌أمريكيا تعاقب سويسرا من أجل اليهود

- ‌الجماعات المسيحية الصهيونية خلال القرن التاسع عشر

- ‌جماعة أخوة المسيح

- ‌جمعية بنى بريث (أبناء العهد)

- ‌جمعية شهود يهوه

- ‌اندرو جونسون

- ‌يوليسيس جرانت

- ‌هايز وإجازة السبت

- ‌أول يهودي يمثل أمريكا في مصر

- ‌المشيخية في البيت الأبيض

- ‌وليم بلاكستون والبعثة العبرية نيابة عن إسرائيل

- ‌الرئيس هايسون ومظلمة بلا كستون

- ‌الحكومات الأمريكية والمطالب الصهيونية

- ‌الرئيس ويلسون

- ‌خلفاء ويلسون

- ‌مركز ثقل الصهيونية ينتقل إلى أمريكيا

- ‌العمل من أجل إلغاء الكتاب الأبيض

- ‌روزفلت والأفكار الصهيونية

- ‌ترومان ـ قورش ـ العصر الحديث

- ‌حرب عام 1948 م

- ‌اتفاقية الهدنة

- ‌صهيونية ترومان

- ‌المساعدات الأمريكية لإسرائيل

- ‌ايزنهاور

- ‌جون كنيدى الرئيس الكاثوليكي الوحيد

- ‌العداء للكاثوليك

- ‌سميث الكاثوليكي يخسر انتخابات 1928 امام هوفر البروتستانتي

- ‌كيندي يبحث عن مخرج

- ‌كيندي ومحاولة الإصلاح

- ‌نهاية كنيدي

- ‌ليندون جونسون

- ‌مستقبل إسرائيل والعالم

- ‌ريتشارد نيكسون والانتحار السياسي

- ‌جيمي كارتر ينفذ أمراً إلهياً

- ‌ريجان ومعركة هرمجيدون

- ‌ريجان والتزامه الديني

- ‌الفصل الخامستنامي التيار الديني المسيحي الأصولي في أمريكيا

- ‌أسباب البركة في أمريكيا

- ‌إسرائيل مفتاح أمريكيا للبقاء

- ‌أمريكيا قوية لأنها تقف مع إسرائيل

- ‌القول مقرون بالعمل

- ‌ السفارة المسيحية الدولية

- ‌جورج بوش الأب…قرارات تتخذ لتنفذ

- ‌الولادة الثانية والنشوة المطلقة

- ‌الباب الثانيالبعد الديني للضربة الأمريكية للعراق

- ‌الفصل الأولالطريق إلى حرب الخليج

- ‌بريطانيا وجذور الحرب على العراق

- ‌مقدمات الحرب على العراق

- ‌الحرب الجديدة

- ‌الحرب الاقتصادية والإعلامية

- ‌الهدف حماية إسرائيل وليس تحرير الكويت

- ‌إنجازات صدام

- ‌إعدام صدام حسين

- ‌الفصل الثانيالخلفية الدينية للهجمة الأمريكية البريطانية على العراق

- ‌أحقاد قديمة بثوب معاصر

- ‌التوراة وآشور العراق

- ‌وحي بشأن نينوى، كما ورد في كتاب رؤيا ناحوم الالقوشى

- ‌صرخة الخراب

- ‌خطايا نينوى

- ‌الدمار المحتم

- ‌الحقد على بابل

- ‌نبوءة عن دمار بابل 13

- ‌يوم الرب المقبل 9

- ‌‌‌سقوط بابلبيد الماديين

- ‌سقوط بابل

- ‌إدانة ملك بابل

- ‌يوحنا وحقده على بابل

- ‌جام الغضب على الفرات وعلى تل مجدو

- ‌سقوط بابل (رؤيا، 18)

- ‌كورش وإعادة اليهود المسبيين

- ‌ثأر اليهود من العراق

- ‌الفصل الثالثالأصولية المسيحية وفكرة عودة المسيح

- ‌العبرانيون بنو اسرائيل

- ‌حركة الأنبياء (ثقافة الانفتاح)

- ‌السبي البابلي

- ‌حياة السبي وأثرها في تشكيل الشخصية اليهودية

- ‌تاريخ بالتمني

- ‌فكرة الشعب المختار

- ‌رؤيا الخلاص والمسيح اليهودي

- ‌من التشرد إلى الرغبة بحكم العالم

- ‌فكرة المسيح المخلص ونهب أساطير الشعوب الأخرى

- ‌السبي البابلي وظهور النزعة القبلية المغلقة

- ‌عيسى المسيح عليه السلام

- ‌عيسى ليس المسيح المنتظر

- ‌ديانة المسيح أم ديانة بولس ويوحنا

- ‌فكرة العودة الثانية للمسيح

- ‌سفر الرؤيا والمسيح اليهودي

- ‌تفسير المتناقضات

- ‌الانقلاب البروتستانتي

- ‌العقيدة التدبيرية من دابي إلى سكوفيلد

- ‌عندما تختلط الأساطير بالنبوءات

- ‌الفصل الرابععقيدة الهرمجدون أو معركة (مجدو)

- ‌(مجدو)

- ‌سفر الرؤيا ومعركة هرمجيدون

- ‌الأصوليون المسيحيون وهرمجيدون

- ‌سيناريو هرمجيدون حسب (سفر الرؤيا)

- ‌علامات ومقدمات معركة هرمجدون العظمى

- ‌هجرة اليهود إلى فلسطين

- ‌المسيح يدعوك لتبني مستوطنة

- ‌تدمير الأقصى

- ‌بناء الهيكل

- ‌المقاومة الفلسطينية

- ‌عودة الفوضى وحدوث كوارث وانهيار اقتصادي

- ‌السلام يحل بعودة المسيح فقط

- ‌هرمجيدون في العقل البروتستانتي

- ‌التعجيل بقدوم المسيح

- ‌رونالد ريجان، والحكايات الخرافية عن هرمجدون

- ‌محور الخير .. ومحور الشر (أبناء النور وأبناء الظلام)

- ‌حرب يأجوج ومأجوج

- ‌المبشرون البروتستانت والنية القاتلة

- ‌نفوذ الجماعات المسيحية

- ‌الفصل الخامسالتراث الذي تركه الكتاب المقدس للشرق الأوسط

- ‌من هو عدو المسيح (وحش الرؤيا)

- ‌التفسير السياسي للتوراة

- ‌مصير العرب

- ‌مصير مصر

- ‌نبوءة بشأن مصر

- ‌دينونة مصر بيد ملك بابل

- ‌ريجان وليبيا

- ‌تقسيم لبنان

- ‌نبوءة ضد صور

- ‌غزو لبنان مستمد من التوراة

- ‌تقسيم سوريا والعراق وتحطيم قوتهما

- ‌حقد يهوه على الفلسطينيين

- ‌نبوءة بشأن أدوم (الأردن)

- ‌نبوءة بشأن الجزيرة العربية

- ‌التوراة وكيفية التعامل مع الآخرين

- ‌إسرائيل وشارون ونادي القتلة

الفصل: ‌عيسى المسيح عليه السلام

المتعاقبين على ارضهم .. نعم لقد أصبحت أرض الكنعانيين، أرض تلاقي الحضارتين الزاهرتين، حضارة ما بين النهرين ومصر، الارض التي سبق لها ان شهدت ولادة ثقافة وعقيدة جديدتين تشهد بغناهما توراة أوغاريت الكنعانية، هذه الارض التى تقبلت العقيدة الابراهيمية بخضوعها المطلق لله، والتى رنت في جنباتها أصداء الرسالات العظيمة للأنبياء .. إن هذه الارض تبدو في هذه المرحلة وكأنها تخرج من التاريخ فلم يظهر فيها الا أسماء ملوك تابعين لفارس وللسلوقيين اليونان ثم الررومان، ولم تعرف الا اسماء قادة اجانب سفاحين من قطاع الطرق الفاسدين يدعمون من الامراء التافهين من يفوق غيره بالعطاء (1).

‌عيسى المسيح عليه السلام

كان اليهود الذين رجعوا من الأسر البابلي قد تجمعوا في القدس، حيث تمتعوا خلال حكم الفرس ببعض الامتيازات. وما إن حل الحكم الإغريقي حتى أصبح وضعهم يتأرجح بين المد والجزر، ولاقوا أسوء الحالات في عهد الملك السلوقي أبيفان، الذي دمر الهيكل ونهب خزائنه واجبر اليهود على نبذ اليهودية واعتناق الوثنية. وبعد استيلاء الرومان على فلسطين، لم يكن حال اليهود فيها بأحسن من حالهم في عهد الإغريق، هذا بالرغم من إعادة بناء الهيكل، حيث شهدت فلسطين في عهد هيرودوس إضراب الأحوال بسبب سوء تصرف الموظفين الرومانيين. واهم ما تخلل هذه الفترة من أحداث هو ميلاد السيد المسيح عليه السلام، وبدأ دعوته، تم محاكمته وصلبه.

"فمن المتواثر أن السيد المسيح ولد في أعقاب ثورة جائحة، اشتعلت في أقاليم فلسطين على الخصوص، أهدرت فيها دماء الألوف من الغلاة اليهود وأتباعهم لأنهم هبوا في وجه الدولة الرمانية بسبب تفشى الظلم والفساد"(2)، حيث أخذت الأحوال تسوء بين السلطة الرومانية واليهود، حتى وصلت إلى ذروتها في سنة 70م، عندما قام (فسبسيان) ابن الإمبراطور الروماني، بقمع تمرد اليهود ودخل القدس ودمر

(1) فلسطين ارض الرسالات السماوية - روجيه جارودي - ترجمة قصي اتاسي- ميشيل واكيم - ص102 - 103

(2)

حياة السيد المسيح - خير الله طلفاح ـ ص 45 - دار الحرية للطباعة/ بغذاد

ص: 244

الهيكل نهائياً (1). والذي يهمنا هنا هو ظهور المسيح عليه السلام، الذي أرسله الله ليصلح حال اليهود الذين عادوا إلى سابق عهدهم، في تخليهم عن أوامر الله ونواهيه وانحرفوا عن الطريق القويم بالرغم من أن الله أرسل لهم العديد من الرسل لهدايتهم، ولكنهم رفضوا دعوتهم وتآمروا عليهم فحلت بهم المصائب وعاشوا في ضيق شديد، واخذوا ينتظرون ظهور مسيح ليخلصهم مما هم فيه من تشتت واضطهاد، جلبوه على أنفسهم بسبب ضلالهم وانحراف كهنتهم الذين حرفوا أوامر الله ونواهيه، فعاش عامة الناس في ضيق وضياع شديد، بسبب ظلم الحاكم الروماني من ناحية، وانحراف كهنة الهيكل من ناحية أخرى.

وقد سبق لنا أن رأينا كيف تحجر وانكمش ذلك الايمان الأول العظيم وبخاصة بعد النفي، فالشكلانية والانكماش والتعصب العرقي تتجلى كلها لدى الجماعة اليهودية في زمن المسيح بكل فئاتها. في القمة طبقة رجال الكهنوت من الصدوقيين .. حيث ترفض هذه الطبقة كل ما لم يرد حرفياً في الشريعة، وترفض كذلك كل اجتهاد وتجديد. أما امتيازاتهم الكنسية فكانت وراثية. ومنذ ان فقدت فلسطين استقلالها راحوا يتعاونون مع المحتل الفارسي، ثم المصري ثم اليوناني فالروماني. وقد ظهر الفريسيون آبان حكم المكابيين حينما رفض هؤلاء متابعة النضال السياسي بعد حصولهم على حرية العيش حسب تعاليم التوراة بصرامة وتشدد، فعليهم إذن أن يلتزموا بالشريعة التزاماً حرفياً دون أي تنازل كي يطبقوها على كل مسلك حياتي يومي، منطلقين من تفسيرات تبريرية ملزمة ليجعلوا الحياة اليومية مجموعة من الطقوس الشكلية الضيقة. والى جانب هذه اليهودية الرسمية هناك جماعة الاسينيين التي انفصلت عن العالم لتعيش في الاديرة حياة الرهبنه، بما تقضية من التزامات أخلاقية صارمه مبنية على تفسير تنائي يقتضي الانقطاع عن العالم لتكوين (شعب الله) الحقيقي والعيش على أمل رؤيوي في انتظار (رب العدالة). أما يسوع فقد ظهر بمعزل عن كل هذه الطوائف، والشخص الوحيد الذي يرتبط به هو يوحنا المعمدان. "لقد تنبأ يوحنا المعمدان بمجئ ملكوت الله كما سيتنبأ به يسوع، وقد دعا الناس جميعاً لا اليهود وحدهم إلى أن يعدوا أنفسهم لذلك.

(1) العرب واليهود في التاريخ - د. احمد سوسه - ص 676

ص: 245

جاء في إنجيل متى: "لا تظنوا أن ابراهيم أب لكم وحدكم لأني أقول لكم إن الله قادر أن يصنع من هذه الحجارة أولاد لابراهيم". وهذا ليس قطيعة أو انفصالاً عن (الشعب المختار) و (العهد) و (الوعد) ولكنه رفض لقصر صفة (شعب الله) على شعب مخصوص يورث كل ما وعده به الله لنسله.

ان هذا الانتقال من الإطار القومي إلى العالمية هو ما بشرت به رسالة يسوع" (1).

ومن أمثلة انحراف الكهنة وتضييقهم على الناس هو ما قام به الكاهن عزرا، الذي حرم الزواج من اجنبيات واجبر اليهود على ترك زوجاتهم الاجنبيات. وتطور هذا الأمر مع ورثة عزرا من كهنة وقسيسين بحيث انه في الوقت الذي ظهر به يسوع مبشرا بدعوته كان هناك ما لا يقل عن ستمائة قانون تقيد اليهود في جميع تصرفاتهم اليومية، ومن هنا إذا عدنا إلى العهد الجديد لوجدنا إن يسوع كان يتحدى هذه القوانين، والأمثلة على ذلك كثيرة أبرزها قوله:"هل صنع الإنسان للسبت أو السبت للإنسان؟ ". وهكذا فانه يمكننا النظر إلى دعوة السيد المسيح عليه السلام كمحاولة لكسر هذا الطوق العنصري ولإطلاق نظر هذه الجماعة التي انغلقت على نفسها، لكي تعيش حياة عادية على أساس أبوة الله لجميع أبناءه وإخوة البشر ومحبتهم لبعضهم بعضاً، وهذا هو جوهر الدعوة التي أطلقها يسوع وهو جوهر الحضارة السورية كلها، جوهر محبة وانفتاح منذ فجر التاريخ، من هنا كان لا بد من قتل يسوع لكي لا يكسر طوق العنصرية هذا" (2).

في مثل هذا الظرف ولد السيد المسيح عليه السلام، وبرزت على صفحات ذلك العصر المريج صورة مشرقة .. زالت معها شرائع الهيكل وشرائع روما. فقد جاء سيدنا عيسى برسالة جديدة تدعوا إلى المحبة والتسامح والغفران، فأقبلت عليه الجموع حتى أحست السلطة الدينية والدنيوية بالخطر المقبل من ذلك الداعية المحبوب الذي التفت حوله الجموع .. فجاءوه في ميدانه بعد أن ترك لهم ميدانهم، ووقع الاشتباك الذي لابد منه بين سلطة شعارها المبالغة في الاتهام والبحث عن المخالفات والعقوبات، وبين دعوة شعارها تيسير التوبة للخاطئين وتمهيد سبيل الرجاء في

(1) فلسطين ارض الرسالات السماوية - روجيه جارودي - ترجمة قصي اتاسي- ميشيل واكيم - ص109 - 110

(2)

أسطورة هرمجدون والصهيونية المسيحيةـ عرض وتوثيق هشام آل قطيط ـ ص246ـ247

ص: 246

الغفران. فقد كان التبشير بالغفران والتوبة اكبر ذنوب الداعي الجديد، لان الخطايا والعقوبات بضاعة السلطان القائم (1)، سواء كهنة الهيكل أو السلطة الرومانية.

لقد جاء عيسى المسيح عليه السلام بشريعة جديدة

شريعة تهدم كل عرف قائم وتعصف بكل شكل ظاهر، هذا بالرغم من انه أعلن:"لا تظنوا أنني جئت لانقض الناموس أو الأنبياء. ما جئت لانقض بل لأكمل"(متى 5:17) .. ولكنه، قبل أن يعلن انه ما جاء لينقض بل ليكمل، كان قد ناقض الجوهريات الأساسية لشريعة الهيكل بقولة، فيما عرف باسم موعظة الجبل:"طوبى للمساكين بالروح لان لهم ملكوت السموات. طوبى للحزانى. لأنهم يتعزون. طوبى للودعاء. لأنهم يرثون الأرض. طوبى للجياع والعطاش إلى البر .. طوبى للرحماء .. طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون"(متى 5:3ـ10).

لقد جاء المسيح ليقيم مملكته الروحية على أنقاض ما أفسده اليهود من الشريعة، إذ لا يعقل إن يأتي المسيح ليتم (فساد الشريعة) التي انتحلها اليهود لأنفسهم من دون أنبياء الله وما أوصوا به. ففي سفر ارميا النبي يقول لليهود:"محروقاتكم غير مقبولة ذبائحكم لا تلذ لي"(أرميا 6:2). وفي سفر أشعيا: "لا تعودوا تأتون بتقدمة باطلة، البخور هو مكروهة لي، رؤوس شهوركم وأعيادكم أبغضتها نفسي، صارت علي ثقلا، مللت حملها، فحين تبسطون أيديكم، أغمض عيني عنكم وان أكثرتم الصلاة لا اسمع أيديكم ملآنة دما"(أشعيا 1:11ـ15)، وعلى لسان عاموس النبي يطلق صرخته في وجه هذا الشعب "ابعد عني ضجة أغانيك ونغمة ربابتك لا اسمع" (عاموس:23)، أما المسيح فوجدهم "كالقبور المبيضة من الخارج ومن الداخل عظام نتنه" (متى 23:27). وفي موضع آخر يصرخ عيسى الناصري "يا مراءون حسناً تنبأ عنكم أشعيا قائلاً: "يقترب إلي هذا الشعب بفمه ويكرمني بشفتيه، أما قلبه فيبتعد عني بعيداً (متى 15:7ـ8) (2).

فيسوع - خلافاً للأحبار الربانيين- لا يبشر في الكنيس وإنما هو مبشر جواب يتوجه إلى كل الناس لا إلى فئة معينة. وهو لا يستخدم أبداً الأمر والزجر في

(1) حياة السيد المسيح - خير الله طلفاح ـ ص 184

(2)

على أعتاب الألفية الثالثةـ الجذور المذهبية لحضانة الغرب وأمريكا لإسرائيل ـ حمدان حمدان ص186

ص: 247

استشهاده بالنصوص المقدسة أو بالتعاليم

وحينما يشير إلى الشريعة يتحدث عنها حديث انسان يقطع صلته بالتقاليد المتحجرة، وإن كان يصرح بأنه لم يأت لينقض العهد. ولكنه يعارض الشريعة حيناً ويهجم على السبت بجرأة ويصرح بأن السبت خلق للانسان ولم يخلق الانسان للسبت، وهو لا يراعي المحرمات الخاصة بطقوس الطهارة. وفي (موعظة الجبل) يشكك في شريعة موسى لا ليهجم على حرفيتها ويدعو إلى الأخذ بروحها فحسب، بل ليربطها بالوجدان الذاتي الداخلي. إنه يتناول شريعة موسى بقوله:"قيل لكم قديماً: العين بالعين والسن بالسن. وأنا أقول لكم. من ضربك على خذك الأيمن فأعطه الأيسر". ومن الصعب عليك أن ترى في شريعة المحبة إكمالاً للعهد، إنها تنقضه وتنفيه.

"قديماً قيل لأجدادكم .. أما انا فأقول لكم"، إن هذه اللازمة التي رددها يسوع في موعظته على الجبل تظهر لنا ما في رسالته من نقض لشريعة موسى. إن يسوع يحرر مفهوم الإرادة الإلهية من تحجره في ألواح شريعة موسى، يحرره من كل شكلانية وحرفية وطقسية ضيقة. وحينما يسأله أحد أحبار اليهود المسيح قائلاً:"ما أهم وصية في الشريعة؟ " يجيبه يسوع بقوله: "أن تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك. تلك هي الوصية الأولى والكبرى. أما الثانية فمثلها وهي: أن تحب قريبك مثلما تحب نفسك". بهاتين الوصيتين يتلخص الناموس وشريعة الأنبياء. إن هذا الحب ينقض نقضاً جذرياً مفهوم الحب لدى اليونان وكذلك مفهومه لدى اليهود .. ان مفهوم الحب لدى اليونان هو ليس حب الآخرين بل هو الحب للحب. .. أما المحبة - حسب رسالة يسوع- فلا تقيم فرقاً بين الغريب وبين المواطن في مدينة أو الفرد في قبيلة، ولا بين الصديق والعدو

ان هذا الحب هو بداية لإنسانية جديدة تهئ نفسها لاستقبال ملكوت الله الآتي.

ومن الواضح هنا التناقض الجوهري بين تعاليم السيد المسيح وبين ما جاء في العهد القديم، فحياة يسوع كلها، أقواله وأفعاله، هي في الواقع، إدانة للإيمان

ص: 248

والثقافة اليهودية (1)، والتناقض واضح بين ما قاله المسيح وما قيل للقدماء في العهد القديم:

"قيل للقدماء لا تقتل ومن يقتل عليه العقاب. أما أنا فأقول لكم إن من يغضب على أخيه باطلاً يأثم ويجزى".

"قيل للقدماء لا تحنث. أما أنا أقول لكم لا تحلفوا .. وليكن كلامكم كله نعم

نعم .. لا

لا .. وما زاد على ذلك فهو من الشيطان".

"سمعتم انه قيل عين بعين، وسن بسن، وأما أنا فأقول لكم لا تقابلوا الشر بالشر، ومن لطمك على خدك الأيمن فحول له خدك الأيسر، ومن سخرك ميلاً واحداً فاذهب معه ميلين".

"سمعتم انه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك. وأما أنا فأقول لكم أحبوا أعدائكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، واغفروا لمن يسئ إليكم ويطردكم، لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السموات، فانه يطلع شمسه على الأشرار والصالحين ويرسل غيثه للأبرار والظالمين. وأي اجر لكم إن أحببتم من يحبونكم .. أليس العشارون يفعلون ذلك؟ وأي فضل تصنعون إن خصصتم إخوتكم بالسلام؟ أليس العشارون يفعلون ذلك؟ فتعلقوا انتم بالكمال، فان الله كامل يحب الكمال".

بهذه الشريعة ـ شريعة الحب ـ نقض المسيح كل حرف في شريعة الأشكال والظواهر، وقضى على شريعة الكبرياء والرياء وعلم الناس أن الوصايا الإلهية لم تجعل للزهو والدعوى والتيه بالنفس ووصم الآخرين بالتهم والذنوب، ولكنها جعلت لحساب نفسك قبل حساب غيرك، وللعطف على الناس بالرحمة والمعذرة، لا اقتناص الزلات واستطلاع العيوب (2)، شريعة فتحت ملكوت السماء أمام الجميع، بعد أن أغلقها كهنة اليهود، في وجه الشعوب الأخرى "الأمميين"، حيث تحولت الدعوة من

(1) نحو حرب دينية؟ جدل العصر - روجيه جارودي - ص164 - دار عطية للطباعة والنشر والتوزيع- ط.2 1997

(2)

حياة السيد المسيح - خير الله طلفاح ـ ص 188

ص: 249

خاصة إلى عامة، ومن أمة واحدة إلى سائر الأمم، واندثرت مع يسوع الأسطورة القاتلة، أسطورة (الشعب المختار) والتي هي تبرير أيديولوجي لكل سيطرة سياسية أو دينية.

"لقد كان ظهور المسيح ـ في الواقع ـ هو اللحظة التي انفتحت فيها طاقة رائعة في تاريخ البشر والآلهة: انه المسيح الذي عده البشر أفضل ممر للكمال الإلهي، انه أكثرهم ضعفاً وتجرداً من المال، وما من شيء في الماضي اليهودي أو اليوناني كان ينبئ بمثل هذا التحول الجذري لفكرة الإنسان عن الإله: فالمسيح ليس ابنا لزيوس ولا ليهوه ولا لأي اله قدير، فمع المسيح لم يعد التعبير عن التعالي الإلهي يتم بكلمات خارجية أو سلطوية، القطيعة هنا كانت جذريه، قطيعة مع اله الأسلحة زيوس الذي يلوح بسيفه في مهارة صاعقة، منذ مجيء المسيح لم يعد التعالي والتجاوز اللإنساني يتصور وفق سلطة الحكام المقتدرين، الذين يحكمون من أعلى السموات أو من على قمة جبل الأوليمب على أفعال البشر، يهبونهم النصر أو يلحقون بهم الهزيمة ليصلحوا أمرهم أو يهذبوهم. إنما هو المسيح الذي عاش ابسط حياة البشر بلا جاه ولا مال ـ فقد مات ابسط ميتة، ميتة العبيد المتمردين فهؤلاء وحدهم كانوا يسمرون على الصليب"(1).

نعم .. لقد كانت حياة يسوع خرق مستمر لشرائع التوراة اليهودية. فبينما يحكم الله، في العهد القديم، على الذين لا يقبلون شريعته بالإبادة أو بعذاب الهاوية (تثنية 2ـ22، اشعيا 13ـ9، أيوب 24ـ19)، يقول يسوع على العكس:"إني لم آت لأدعو الصديقين بل الخطاة"(مرقص 2ـ17)(2). شريعة هذا حالها كان لابد لها من الصدام مع شريعة الهيكل وشريعة الحاكم الروماني، وكان السجال بينهما هو السجال بين شريعة الحب والضمير، وشريعة الظواهر والأشكال. فكان لابد من التخلص من صاحبها، وتنحيته جانباً (3) .. وكل ذلك يظهر أن موت يسوع ناجم عن حياته وأقواله وأفعاله: "أن خرقه المستمر للتوراة يستحق، في نظر الكهنة اليهود، الموت مراراً.

(1) كيف نصنع المستقبل / روجيه جارودي ـ د. منى طلبهـ ص240

(2)

نحو حرب دينية؟ جدل العصر ـ روجيه جارودى ص163

(3)

حياة السيد المسيح - خير الله طلفاح ـ ص 193

ص: 250