الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اعتبراها "مثالاً سيئاً على التعصب والخرافات الشائعة في العالم القديم، وهي أمراض سعت الولايات المتحدة إلى أن تظل بمنجاة منها". وبناء عليه فقد صدرت التعليمات إلى قنصلي أمريكا في الإسكندرية والقسطنطينية بـ "بذل المساعي الحميدة لصالح أفراد ذلك الجنس اليهودي المضطهد المقهور"(1)، كما سارع المبعوث الأمريكي إلى بريطانيا بالإعراب للحكومة البريطانية عن "بالغ القلق إزاء ضروب القسوة التي تمارس تجاه اليهود في الشرق"(2).
العمل من أجل تحقيق النبوءات التوراتية
منذ البداية كان التطلع إلى العصر الالفي السعيد واعادة اليهود إلى ارضهم، يشغل تفكير الرواد الاوائل، ولعل كريستوفر كولومبوس كان أول من حمل هذه العقيدة إلى الولايات المتحدة، فقد كتب في مذكراته إن العالم سوف ينتهي في عام 1650م، وان اكتشافه للعالم الجديد هو جزء من خطة الهية لاقامة جنة الالفية. وقال في مذكراته ايضا:"إن الله جعلني رسولاً إلى الجنة الجديدة والى الأرض الجديدة التي تحدث عنها القديس يوحنا في نبوءاته، وهو الذي أرشدني إلى المكان الذي أجدها فيه"(3).
وفي عام 1814، نشرت في نيويورك الموعظة المشهورة للقس، جون مكدونالد، أكد فيها الدور المركزي الذي تنبأ به النبي يشعياهو، للدولة الجديدة في أمريكا، في إعادة اليهود إلى أرضهم، حيث قال القس: "يا سفراء أمريكا، انهضوا واستعدوا لإسماع بشرى السعادة والخلاص لأبناء شعب منقذكم، الذين يعانون من الظلم
…
أرسلوا أبناءهم واستخدموا أموالهم في سبيل تحقيق هذه الرسالة الإلهية" (4).
و في نهاية النصف الأول من القرن التاسع عشر، بدأ التعاطف الأمريكي مع اليهود يتحول إلى عمل ملموس لتحقيق النبوءات التوراتية، سواء عن طريق أفراد أو
(1) الصهيونية المسيحية (1891ـ1948) - بول مركلي - ترجمة فاضل جتكر ص 111
(2)
المسيحية والتوراة - شفيق مقار - 186.
(3)
الدين في القرار الأمريكي - محمد السماك - ص104
(4)
مكان تحت الشمس - بنيامين نتنياهو- ترجمة محمد الدويرى - ص77
جمعيات أو كنائس. ففي عام 1840 م بعث مؤسس الكنيسة المورمينية، جوزيف سميث، تلميذه اورسون هايد من أجل تسهيل نبوءة (بعث إسرائيل)، ومن بين كتب التوصية التي حملها هايد معه، كتاب من وزير خارجية الولايات المتحدة، وآخر من حاكم ولاية إيلينوى. يقول هايد:"إن فكرة نهضة اليهود في فلسطين تقوى يوماً بعد يوم .. لقد بدأت العجلة الكبرى بالدوران، ولا شك في ذلك، وأن الرب أمر بأن تدور هذه العجلة على محورها"(1).
وفي عام 1850 م قام (واردكريون) القنصل الأمريكي في القدس، بتأسيس مستوطنة زراعية في منطقة القدس، وخطط لتأسيس مستوطنات أخرى، وحاول الحصول على دعم زعماء اليهود، ولكنهم لم يستجيبوا له رغم أنه تحول عن ديانته المسيحية إلى اليهودية. وكان القنصل الأمريكي يرى أن تلك المستوطنات الزراعية ستكون البداية الأولى لفلسطين الجديدة، حيث ستقيم الأمة اليهودية وتزدهر (2). وقد حذا حذو القنصل الأمريكي، بعض المواطنين الأمريكيين، إذ أسسوا مستوطنة زراعية بالقرب من يافا لنفس الغرض.
وهكذا، وفي ظل هذا الوضع كان من الطبيعي أن تظهر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي في أمريكيا عدة مذاهب بروتستانتية نادت بعودة اليهود إلى فلسطين، انطلاقا من إيمانها بالمعتقدات المسيائية. ولم يكتف أصحاب هذه المذاهب بالدعوة، بل عملوا من أجلها (3). فقد تبنت كثير من الفرق البروتستانتية الدعوة إلى هذه الأفكار، مثل المشيخيين والمعمدانيين والمرمون والسبتيين وغيرها من الفرق. وقد علق على ذلك هنرى فورد في كتابه ـ اليهودي العالمي ـ بقوله: "لقد سيطر اليهود على الكنيسة في عقائدها وفي حركة التحرر الفكري المسماة بالليبرالية، وإذا كان ثمة مكان تدرس فيه القضية اليهودية دراسة صريحة وصادقة،
(1) المصدر السابق- ص78.
(2)
الوجه الآخر .. العلاقات السرية بين النازية والصهيونية ـ محمود عباس ـ ص 286 - ط1984 - دار ابن رشد عمان.
(3)
فلسطين ـ القضية * الشعب * الحضارة ـ بيان نويهض الحوت ـ ص 288