الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوعد لن يتحقق لا بممارسة طقوس حرفية ولا بنصر مؤزر يعد به الله. وهاهنا تظهر - اول مره- في النصوص العبرية لدى اشعيا تلك العلاقة بين فكرة المخلص وبين فكرة (المتألم الصالح) التي ستظهر في سفر أيوب في القرن السادس كما عبرت عنها سابقاً الأدبيات الدينية البابلية في الألف الثاني ق. م. يقول سفر اشعيا: "أنه رجل الآلام .. لقد حمل عنا آلامنا .. وقتل بسبب جرائمنا".
وهذا العهد كما قلنا يمتاز بانفتاحه على العالمي. صحيح ان العبريين قد نقلوا (رسالة) وأنهم من هنا امتازوا بعض الامتياز بالقياس إلى الشعوب الأخرى، ولكن مع مجئ كبار الانبياء كان تجاوز لهذه (الاستثنائية) والعنجهية القبلية. جاء في سفر أشعيا:"سأجعل منك نوراً للأمم حتى يعم سلامي وخلاصي أقاصي الأرض"(1). إن الانبياء لم يقتصروا على القول بالانتقال من الخصوصية إلى العالمية فحسب وإنما تشكلت على أيديهم عملية تحول حقيقية في مفهوم القيم، فمقولات الإيمان التقليدية مازالت قائمة ولكنها عرفت تحولاً روحياً نوعياً.
وهكذا لم يعد الوعد خاصاً بامتلاك أرض أو بتحقيق نصر عسكري. جاء في المزامير: "مجدوا اسم يهوه .. لقد انتصر على الملوك الأقوياء .. وأهلك الملوك الأشداء وجعل من أرضهم إرثاً لنا". لقد صار الوعد تبشيراً بملكوت الله الذي يشمل العالم ليغمره بالسلام والمحبة بين الشعوب. يقول أشعيا على لسان يهوه: "سوف اخلق لكم سماوات وأرضاً جديدة .. حينئذ ستقبل عليها كل الأمم .. سنجعل من حرابنا مناجل للحصاد ومن سيوفنا محاريث للفلاحة ولن يتعلم أولادنا فنون الحرب". ان تحقيق الوعد لا يكون بتمركز البدو الرحل الآخذين بالتحضر في أرض خصبة هي (أرض الميعاد) ولا بقيام دولة كمملكة داوود، وانما بمجئ ملكوت الله (2).
السبي البابلي
بعد وفاة سيدنا سليمان انقسمت مملكته إلى قسمين شكّلا دولتين منفصلتين متعاديتين في كثير من الأحيان، وعانتا من الفساد الداخلي والضعف العسكري
(1) فلسطين ارض الرسالات السماوية - روجيه جارودي - ترجمة قصي اتاسي- ميشيل واكيم - ص92
(2)
فلسطين ارض الرسالات السماوية - روجيه جارودي - ترجمة قصي اتاسي- ميشيل واكيم - ص93
والسياسي والنفوذ الخارجي، لكن ذلك لم يستمر طويلاً (1). ففي عام 639 ق. م قتل منسي، ملك يهودا، وحينما أصبح ابنه (جوزياس) راشداً استغل ضعف مصر وسقوط المملكة الآشورية فحاول ان يسترجع استقلاله ليعيد إقامة مملكة داوود بالسيادة على مملكة الشمال. وفي عام 621 ق. م وفي اثناء ترميم المعبد في اورشليم (اكتشف) بل نبش (كتاب الشريعه) الذي قدمه الكاهن الاكبر للمعبد إلى الملك. وقد قام جوزياس مستغلاً فرصة عجز الآشوريين عن فرض عباداتهم الخاصة فألح على الالتزام الصارم الدقيق بهذا التشريع فجمع شيوخ يهودا في المعبد وأعلن عليهم حسب التقاليد القديمة في سيناء حلفاً مشتركاً بين يهوة وشعبه. وكان ذلك خطوة هامة على طريق إعادة الوحدة فيما بين المملكتين على اساس قانون مشترك يقوم على الحق الإلهي.
ولكن الوضع الدولي لم يهيئ سبل النجاح أمام مشروع جوزياس، حيث قام جوزياس بمهاجمة فرعون مصر وهو يمر بجيشه بفلسطين عام 609 ق. م. وكان اللقاء بالقرب من (مجدو) حيث غُلب جوزياس وقتل في المعركة
…
وهكذا انهار مشروعه السياسي وأصبحت فلسطين مقاطعة تابعة لمصر. ولكن هذه التبعية لم تدم طويلاً حيث قام ملك بابل نبوخذ نصر منذ عام 605 ق. م بسحق الفرعون واسترجاع فلسطين منه
…
وعندما حكم يهوياكين 598 - 597 ق. م حاول ان يتخلص من سيطرة بابل، بالتحالف مع مصر فحاصر بنوخذ " القدس وأخذ الملك مع عائلته ورؤساء اليهود وحوالي عشرة آلاف من سكانها (فيما يعرف بالسبي الأول) وبعض خزائن الهيكل إلى بابل، ثم إن بختنصر عيّن صدقيا بن يوشيا 597 - 586 ق. م حيث أقسم له يمين الولاء، غير أن صدقيا في آخر حكمه ثار على البابليين الذين ما لبثوا أن زحفوا للقدس وحاصروها 18 شهراً حتى أسقطوها، وأخذ صدقيا أسيراً وربط بالسلاسل من نحاس وسيق إلى بابل، حيث يذكر أنه قتل أبناؤه أمامه وسملت عيونه، وخرب نبوخذ نصر القدس ودمر الهيكل ونهب الخزائن والثروات، وجمع حوالي 40 ألفاً من اليهود وسباهم إلى بابل "السبي البابلي الثاني". وهاجر من بقي من
(1) الحق التاريخي في فلسطين - مركز المعلومات الوطني الفلسطيني - http://www.pnic.gov.ps/arabic/history/palestine.html#file4