الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صكوك الغفران. فقد دعا (لوثر) المسيحيين إلى إجلال اليهود وتعظيمهم فقال لهم: "شاءت الروح القدس أن تنزل كل أسفار الكتاب المقدس للعالم عن طريق اليهود وحدهم، إنهم الأطفال ونحن الضيوف الغرباء، وعلينا أن نرضى بأن نكون كالكلاب التي تأكل مما يتساقط من فتات أسيادهم اليهود"(1).
وقد ساعد على نجاح دعوة لوثر وقادة ما سمى بالإصلاح الديني، ذلك التعاون المستمر والمتعاظم بين قادة اليهود في العالم، وقادة الإصلاح الديني، حيث "أثمر هذا التيار الذي بدأه بولس، وأوصله إلى مرحلة تهويد المسيحية، مارتن لوثر، وكالفن، وسائر قادة الانقلاب البروتستانتي، الثمرة المسمومة التي باتت تعرف باسم (اليهو ـ مسيحية) والتي من خلالها يكثر ذكر شيء غريب اسمه الحضارة (اليهو - مسيحية) "(2).
وعلى ذلك الضرب من الانجراف الفكري والروحي، حققت البروتستانتية مشروع بولس الرسول بتهويد المسيحية وإفراغها من محتواها، الذي انبنت عليه تعاليم الناصري، إذ ردت المسيحية إلى حضن اليهودية، ولم يكن من قبيل المصادفة أو العبث أن بولس ذاك، أفرخت تحريفيته الانقلاب البروتستانتي في القرن السادس عشر الميلادي، "فكان بولس بإعادته تهويد المسيحية، هو الجد الأكبر لكل عقائد السيطرة التي بدأت في القسطنطينية بربط الكنيسة بالسلطة منذ القرن الرابع الميلادي، ثم الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش، ثم الاستعمار الذي انقلب إلى تبشير ديني"(3).وهكذا فقد انبثقت المسيحية من اليهودية. ثم عادت و ذابت في اليهودية.
العقيدة التدبيرية من دابي إلى سكوفيلد
وضحنا سابقاً كيفية نشوء البروتستانتية وانتشارها في بريطانيا، وما أفرزته من جماعات متطرفة وصل بها الأمر إلى المطالبة باعتماد التوراة دستوراً للدولة، حيث لم تكن هذه الجماعات إلا بداية لمزيد من التهويد المنظم للبروتستانتية،
(1) المنظمات الصهيونية المسيحية - احمد تهامي سلطان ص9 - - ط1 - مكتبة التراث الإسلامي
(2)
المسيحية والتوراة - شفيق مقار ص83
(3)
أمريكيا طليعة الانحطاط روجيه جارودي ـ ص 157
وبداية لمزيد من التطرف والتهود الذي وصل إلى ذروته في طائفة (أخوة بليموت). فقد استطاع لاهوت الأيام الأخيرة الذي روج له بولس ويوحنا اللاهوتي، السيطرة على خيال وتفكير أتباع المذهب البروتستانتي، حيث اعتنقته في البداية طائفة بروتستانتية بريطانية غير معروفه في القرن التاسع عشر الميلادي هي طائفة (أخوة بليموث) التي كان باعث إلهامها رجل يدعى (جون نلسون داربي)، حيث اتبع نهجاً لتفسير الكتاب المقدس يدعى (التدبيريه)، بمعنى أن كل شيء مدبر ومبرمج، وأن على الإنسان العمل على تحقيق البرنامج الإلهي وفق التفسير الحرفي للنبوءات التوراتيه، حيث أدى ذلك إلى إرساء قواعد الأصولية الدينية الإنجيلية (1)، وكان أحد الجوانب الرئيسة في هذه العقيدة، هو الفصل بين إسرائيل والكنيسة في خطة الله للخلاص.
كان اعتقاد (داربي) وإيمانه، بأن نبوءات العهد القديم التي ترتبط بعودة اليهود المشتتين إلى أرض إسرائيل قبل تغربهم، يجب أن تتحقق حرفياً، وكانت هذه العقيدة تتعارض مع التعليم الواسع الانتشار للكنيسة الغربية في ذلك الوقت، والذي كان ينظر إلى النبوءات العبرانية القديمة من خلال عدسة (لاهوت الأيام الأخيرة) لأوغسطين والمعروف بـ (الاستبدال) حيث حدد أوغسطين الكنيسة كوريث للوعود ـ أي أنها إسرائيل الجديدة، التي تتطلع بشوق إلى أورشليم الجديدة (الأبدية) وهكذا أزال الوعد المرتبط بالأرض من هذه المعادلة.
وقد راج تعليم (داربي) بشكل كبير في كلٍُّ من بريطانيا وأمريكا، ويقول البعض أنه أصبح أكثر قبولا في بداية القرن الماضي من خلال وعظ وكرازة القس (دي ال. مودي). ولكن التحول الكبير حدث عندما نجح الأمريكي (سيروس سكوفيلد) في التقدم خطوات طويلة في عملية التهويد المنظم للمسيحية، من خلال ربط تفسيره للإنجيل بماضي وحاضر ومستقبل إسرائيل. "ففي اعتقاد سكوفيلد فأن عودة المسيح لن تحدث إلا باكتمال العوامل الأربعة التي، تفرض العودة: العامل الأول: عودة اليهود إلى فلسطين، العامل الثاني: السيطرة الكاملة على القدس غير
(1) الدين في القرار الأمريكي ـ محمد السماك - ص31
المقسمة، والعامل الثالث: إعادة بناء الهيكل، أما العامل الرابع والأخير، فهو خوض حرب هرمجيدون" (1).
ومن خلال نشر الكتاب المقدس لسكوفيلد، الذي يعد من أكثر تفسيرات الإنجيل انتشاراً في أمريكا، والذي يستخدم رسومات وخرائط ملونه عليها رموز متعددة، ليبين النبوءات على مجموعات معينه من المؤمنين، تعززت عقيدة القدرية وأصبح لها إتباع عديدون، حيث حملت فيما بعد كلية (دالاس) للاهوت مشعل هذه العقيدة، والتي كان من ابرز خريجيها القس (هال ليندسي) صاحب الكتاب المرتبط بهذه العقيدة والذي يدعى (كوكب الأرض العظيم)، الذي كان قرأ على نطاق كبير (2)، وبيع منه أكثر من 20 مليون نسخة. وبنظر أصحاب عقيدة (التدبيرية) فإن الحدث الرئيس الأكثر أهمية في القرن العشرين، كان تأسيس دولة إسرائيل في عام 1948م، والذي كان البرهان الإيجابي على أن (داربي) كان على صواب. واكتسب هذا الحدث مصداقية اضافيه بسبب الانتصار السريع والحاسم للدولة الصهيونية في حرب الأيام السته عام 1967م، حيث هتف التدبيريون أن يد الله حققت هذا بكل وضوح، وأن النبوءات القديمة التي أعطاها الله لإسرائيل بدأت تتحقق أمام أعينهم ـ أي أن ما حدث كان تحقيقاً حرفياً لنبوءات العهد القديم.
وهكذا لعبت أفكار المفكر الديني المتطرف (سيروس سكوفيلد) دوراً رئيساً لانتشار هذه المفاهيم حيث وضع النبوءة في المركز الرئيس لمفهومه عن المسيحية، وجعل منها قلب نظامه الديني، من خلال زرع آراءه الشخصية في الإنجيل، بحيث لم يعد العامة قادرين على التفريق بين كلمات (سكوفيلد) وكلمات الإنجيل. كما كان يرى سكوفيلد ـ متأثرا ببولس ـ بأنه لا أمل في هذا العالم، وإننا لا نستطيع العيش بسلام فيه .. وكان يردد بأن عالمنا سوف يصل إلى نهايته بكارثة وبدمار، وبمأساة عالمية نهائية. ولكنه كان يقول أيضا: "إن المسيحيين المخلصين (المولودون ثانية) يجب أن يرحبوا بهذه الحادثة، لأنه بمجرد ما تبدأ المعركة النهائية فإن المسيح سوف يرفعهم إلى السحاب، وأنهم ينقذون، وأنهم لن يواجهوا شيئاً من
(1) أساطير في ثوب ديني وتحالف استراتيجي / رضا محمد حرب - جريدة الخليج العدد 8674
(2)
عندما تختلط الأساطير بالنبوءاتـ جون هيوبرز- جريدة الخليج 15/ 2/2 .. 3م عدد8672