الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الانتخابية، عن عزمهما نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والاعتراف بها كعاصمة أبدية لإسرائيل (1). إن دل هذا على شيء، فإنما يدل على الرغبة الأمريكية الأكيدة بالاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل، ولكن الظروف الدولية والعربية لم تسمح لأمريكا باتخاذ هذه الخطوة في السابق، ولهذا لجأت أمريكيا وإسرائيل إلى تحقيق هذا الهدف على مراحل، كما حدث في مؤتمر مدريد للسلام، عندما تم استبعاد سكان القدس من المشاركة في مفاوضات السلام، وتم أيضاً استبعاد طرح قضية القدس في إطار المفاوضات، بحجة أنه سيتم بحث هذه القضية بعد المرحلة الانتقالية، وفي إطار الحل النهائي.
هذا التطابق بين التوصيات والقرارات التي اتخذها التيار المسيحي الأصولي في أمريكيا لدعم إسرائيل، وبين ما تم ويتم إنجازه على أرض الواقع، إن دل على شيء فإنما يدل على قوة هذا التيار من ناحية، وعلى تبنى صانعي القرار في أمريكيا لمطالب هذا التيار ـ باعتبارهم جزء منه ـ من ناحية أخرى. فجورج بوش الأب ينحدر من أسره عرف عنها انتماؤها وعلاقتها الحميمة بالتيار الديني الأصولي المتطرف، وبرموز هذا التيار الذي يؤمن بحرفية النبوءات التوراتية، حيث يفتخر الرئيس بوش بأنه من المسيحيين الأصوليين المولودين ثانية، وذلك من خلال اعترافه العلني للمسيح. وقد أشار إلى تجربته الشخصية (كمولود ثانية) ـ والتي تعنى النجاة من معاناة اليوم الآخر الذي يسبق معركة هرمجيدون.
الولادة الثانية والنشوة المطلقة
بالرغم مما تبدو عليه عبارة (مولود ثانية) من بساطه، إلا أنها تخفي ورائها نظرة أصولية عدمية متطرفة. فحسب سفر الرؤيا، آخر كتب العهد الجديد، فإن عدد الأفراد البالغ 144000 فقط، المفترض نجاتهم من كارثة هرمجدون الرهيبة، كان مصدر قلق جدي بل بمثابة كابوس مخيف للكثير من المؤمنين، ناهيك عن كون الموضوع برمته مصدر حرج كبير للكنيسة. ولمجابهة هذه المشكلة وجد الوعاظ
(1) رؤية لتغيير أمريكا (بالاهتمام بالناس اولا) - بل كلينتون - آل جور - ص135 - مركز الاهرام للترجمة والنشر - الطبعة الأولى 1992
الأصوليون المسيحيون في الغرب حلاً مناسباً لطمأنة جماهيرهم المؤمنة، وهذا الحل يضمن إنقاذ المؤمنين المولودين ثانيه بحيث يرتفعون لملاقاة المسيح العائد في الجو قبل حدوث كارثة هرمجدون الرهيبة على الأرض، وهو ما أطلقوا عليه تعبير (الرفع للجو أو الخطف) وقد استندوا في ذلك على عبارة وردت في رسالة بولس الأولى إلى أهالي تيسالونيكي قال فيها:"لأن الرب نفسه - عيسى ـ سوف يهبط من السماء وقتما يهتف بذلك كبير الملائكة وينفخ في بوق الله. فالأموات في المسيح يقومون أولاًـ من قبورهم ثم نحن الأحياء الباقون سنرتفع معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء، وهكذا نكون مع الرب إلى الأبد"(1)
ومن ثم فليس من مبرر لقلق المسيحيين المولودين ثانية فيما يتعلق بالنهاية الرهيبة التي سوف تحل بباقي البشرية "لذلك طمئنوا بعضكم بعضا بهذا الكلام"(2). فنحن على ثقة أن المسيح لن يتركنا نعاني ولو لحظة واحدة من الهولوكوست محرقة يأجوج ومأجوج، سوف نجتمع مع المسيح في السماء قبل المحنة الكبرى "مع الذين ماتوا وهم مؤمنون بالمسيح"(حسب رسالة تيسالونيكي الأولى). سيأتي ليأخذ قديسيه، وبعد أن نقابله في الهواء سيعود هو ليقاتل في هرمجيدون ونحن في السماء، وسوف يكتوي بنار هرمجيدون كل مسيحي أو غير مسيحي لا يؤمن بأن المسيح هو المخلص والمنجى الوحيد في نهاية العالم. يقول أحدهم:" شكراً لله، سوف أشاهد معركة هرمجيدون من مقاعد الشرف في الجنة، وكل أولئك المولدين ولادة ثانية سوف يشاهدونها، إنما من السماء، وتلك هي السعادة المطلقة والنشوة الكبرى"(3).
بهذه الخزعبلات يتفاخر الرؤساء الأمريكيون وكثير من البروتستانت بما يسمى بالولادة الثانية، والتي يبدو أنها أصبحت كصكزك الغفران في العصور الوسطى، وجواز المرور للحصول علي دعم اليمين المسيحي المتطرف الذي سعى بوش للتقرب له حتى عندما كان نائباً للرئيس ريغان، حيث كان النجم السياسي في اجتماعات
(1) رسالة بولس الأولى إلى أهل تيسالونيكي4/ 16ـ17
(2)
رسالة بولس الأولى إلى أهل تيسالونيكي 4/ 18
(3)
يد الله ـ جريس هالسيل ـ ترجمة محمد السماك ـ ص 43
القس الإنجيلي مايك ايفانز (1)، وكان مديناً بانتخابه لهذا اليمين المسيحي المتطرف، الذي يتمتع بقوة مؤسساتية هائلة في الحزب الجمهوري، ويسيطر إتباعه على أكثر من ثلث أعضاء الحزب الجمهوري، حيث قدموا الدعم للرئيس بوش لإيمانهم بأنه خير من يعبر عن أفكارهم المتطرفة، التي تصب في خدمة إسرائيل.
فجورج بوش يعتبر ابن اللوبي الصهيوني في أميركا، والمنفذ لكل مخططاته ومشاريعه في فلسطين وخير دليل على ذلك أنه في الخامس والعشرين من شهر يونيو سنة 1986م أقام جيري فولويل ـ وهو من الصهيونيين المسيحيين الأميركيين وأول سياسي أميركي مرموق على حد قول الدكتور وليام عودمان ـ حفل غداء في مدينة واشنطن على شرف نائب الرئيس الأميركي جورج بوش، وقد اخبر فولويل ضيوفه الخمسين الذين حضروا مجاناً حفل الغداء السخي "بوش سيكون أفضل رئيس عام 1988م"(2). وبالفعل كان جورج بوش سنة 1988م أفضل رئيس بالنسبة للصهيونيين المسيحيين في أميركا، وللصهيونيين اليهود في كل دول العالم. والأحداث التي عاشها المراقبون وتتبعوا من خلالها سياسة بوش أثبتت انه فعلاً مخلص ووفي لمن جاءوا به إلى سدة الرئاسة الأميركيه. ويكفى الرئيس بوش أنه قدم اكبر وأعظم خدمة لإسرائيل من خلال تدمير القوة العراقية، وعقد مؤتمر مدريد، وما تمخض عنه من اتفاقيات سلام وتطبيع مع إسرائيل، واعتبار السلام خيار إستراتيجي. يضاف إلى ذلك أن بوش نفسه كان على رأس الوفد الرسمي الأميركي إلى السودان في شباط / فبراير 1985م، الذي وقع الاتفاق الأميركي - السوداني ـ القاضي بترحيل يهود أثيوبيا (الفلاشا) إلى دولة الاحتلال الصهيوني، كما كان هو ذاته على رأس الدولة العظمى في العالم التي شنت (الحرب الأميركيه والعالمية) ضد العراق ولا تزال" (3).
وإذا كان هذا هو حال رؤساء أمريكا منذ زمن بعيد ـ صهيونيون أكثر من الصهاينةـ ومشبعين بالخلفيات الدينية الحاقدة والمتعصبة، فإن السؤال الذي يطرح
(1) المسيحية والتوراة ـ شفيق مقار ص368
(2)
النبوءة والسياسة - ص 25
(3)
خلفيات الحصار الأمريكي البريطاني للعراق د. صالح زهير الدين ص81 ـ82
نفسه هو لماذا يحرص معظم صانعي القرار في أمريكيا ومنهم الرئيس بوش، على عدم إظهار خلفياتهم الدينية التي تدفعهم لدعم إسرائيل بصورة علنية، ومحاولة تبرير ذلك بشتى أنواع الأكاذيب المعروفة؟!. والجواب هو إن مرد ذلك يعود إلى رغبتهم في عدم إثارة المشاعر العربية والإسلامية، ولهذا يلجئون إلى اختلاق تبريرات أخرى لتمرير سياستهم المنحازة لإسرائيل، مرة بالحديث عن اللوبي الصهيوني والصوت الانتخابي اليهودي، ومرة بالحديث عن ظروف الحرب الباردة والمصالح الأمريكية وغيرها من الأمور التي أثبتت الأيام عدم صدقها، وكل ذلك من أجل إبقاء آمال الدول العربية معلقة بإمكانية حدوث تغير في الموقف الأمريكي تبعاً للتغيرات على الساحة الدولية، وربما يكون ما فعله الرئيس بوش خلال حرب الخليج، وما قدمه من وعود بحل القضية الفلسطينية، بعد تدمير القوة العراقية خير دليل على ذلك.