الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اقتصادية أو سياسية أو عسكرية ـ في هذه المنطقة، هذا بالإضافة إلى ما يقال عن أثر اللوبي الصهيوني في تشكيل هذه السياسة المتحيزة لإسرائيل والمعادية للعرب. فقد اعتاد الناس في عالمنا العربي الإسلامي أن يفسروا التحيز الأميركي لإسرائيل بأسباب سياسية وإستراتيجية، مثل المال اليهودي المؤثر في الحملات الانتخابية، والإعلام اليهودي المتلاعب بالرأي العام الأميركي، والصوت اليهودي الموحد في الانتخابات، ثم موقع إسرائيل رأس حربة في المنطقة العربية، ذات الأهمية الإستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة.
وأعتقد أن هذه الإجابات والتفسيرات ـ عند التأمل ـ تبدو سطحية وبعيدة عن الدقة، أو هي ـ على أحسن تقديرـ ليست سوى مظاهر تعبر عن ظواهر أعمق وأرسخ، وليست كافية لتبرير هذا التحيز والعداء التام من قبل هذه الدول ـ وبخاصة إنجلترا وأمريكيا ـ لأمتنا العربية والإسلامية. والسبب في عدم كفاية هذا التبرير ـ حسب رأيي ـ هو أن هذا الموقف المتحيز ليس من قبيل التحيز المرحلي الذي يتغير حسب سير المصالح وتغيرها، فيكون متحيزاً لأحد الأطراف عندما يجد أن مصالحه وأطماعه تتطلب ذلك. ولكن هذا التحيز ـ كما أعتقد وسأبين ـ مبنى على أساس عامل مهم جداً يجعل منه موقفاً مبدئياً لا يتغير بسهولة.
حساب المصالح:
بالرغم من أن تحيز بعض الدول الغربية وأمريكا إلى جانب إسرائيل يحقق لها أهدافاً ومصالح كثيرة ويبقى على أطماعها التوسعية حية في المنطقة العربية، إلا أنه وفي نفس الوقت يضع مصالح هذه الدول في خطر كبير؛ لأنه يزيد من حجم العداء لهذه الدول في المنطقة العربية والإسلامية، بالإضافة إلى أنه يدفع الدول العربية إلى اللجوء إلى دول أو أحلاف معادية لأمريكا وحلفائها، كما كان الحال قبل انهيار المعسكر الشرقي، كما أن موقع إسرائيل في المنطقة العربية لا يكفي لتفسير التحيز الأميركي. فقد كانت إسرائيل دائما مصدر حرج للنفوذ الأميركي في المنطقة العربية، أكثر من كونها مصدر دعم، إضافة إلى أن بعض حكام الدول العربية أغنوا أميركا عن إسرائيل في هذا المضمار.
ومهما حاولنا أن نتكلم عن الأهداف التي تسعى أمريكا وحلفائها إلى تحقيقها من خلال تحيزها إلى جانب إسرائيل، فإن هذا التحيز بحساب المصالح يعد خاسراً وفيه مغامرة كبيرة لا تحمد عقباها على هذه الدول. فأمريكا وحلفائها يمكنهم أن يبقوا على هذه المصالح، بل ويزيدونها من خلال وقوفهم موقفاً عادلاً وليس متحيزاً حيال الصراع العربي الإسرائيلي. فما دامت هذه المصالح مصانة إلى حد كبير بالرغم من وجود التحيز الأمريكي و الأوروبي لإسرائيل، فأنها ستكون مصانة أكثر لو أن هذا الموقف تغير لصالح القضية العربية. فالتاريخ لم يشهد محاولة دولة معينة الحفاظ على مصالحها في منطقة معينة عن طريق معاداتها لدول هذه المنطقة، أو التحيز لمن يعاديها. فأي دولة تريد الحفاظ على مصالحها في منطقة معينة، تسعى بكل الوسائل إلى تعزيز روابطها بدول هذه المنطقة، وتحاول بقدر المستطاع الابتعاد عن كل ما من شأنه أن يعكر صفو هذه الروابط، حتى لا ينعكس ذلك سلباً على مصالحها. ولهذا فإن حساب المصالح هذا دفع كثير من الدول الأوربية إلى تغيير سياستها حيال الصراع العربي الإسرائيلي، بحيث أصبح هذا الموقف أكثر اعتدالاً ومعقولية من ذي قبل (فرنسا، ألمانيا، بلجيكا وإيطاليا على سبيل المثال)، كما أن هذه الدول تحاول قدر المستطاع الابتعاد عن كل ما يمكن أن يؤثر سلباً على علاقاتها مع الدول العربية. ولكن الموقف البريطاني والأمريكي بالذات بقى كما هو عليه، بل أزداد في تحيزه ودعمه لإسرائيل، وأصبح موقفاً استفزازيا وعدائياً أكثر من أي وقت مضى. ففي أعقاب كل عدوان إسرائيلي على الأمة العربية والشعب الفلسطيني، تجد إسرائيل مكافأة أمريكية تنتظرها، ابتداءً من صفقات الأسلحة المتطورة والمعونات الاقتصادية الضخمة، وانتهاء باستخدام حق الفيتو ضد أي قرار يكون في غير صالح إسرائيل.
فأي مصلحة اقتصادية أو عسكرية أو سياسية ستعود على أمريكيا من خلال نقل سفارتها إلي القدس الشريف، بالرغم من إدراك صانعي القرار في أمريكيا بالمكانة الخاصة للقدس في قلوب ملايين العرب والمسلمين والمسيحيين .. ؟ بالطبع لا توجد أي مصلحة من هذا النوع، حيث أن هذا القرار كغيره من القرارات الأمريكية