الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد تكرر هذا في مدينة بيليلينغس (ولاية مونتانا) أيضاً. وعشية الانتخابات اقيمت صلوات خاصة ضد سميث في جمع كنائس الجنوب والغرب الأمريكي حيث تتمتع كلان باعظم النفوذ. ولهذا جاء فوز هوفر في الانتخابات ساحقاً، فقد حصل على 21 مليون صوت، بينما حصل سميث على 15 مليون صوت فقط. ويقارن المؤرخون الأمريكيون هذا الفوز بالانهيار الجبلي الهائل.
فبعد هزيمة سميث راحت كلان تتبجح بأنها هي التي حشرت سميث في الزاوية، وارغمته على الاستسلام امامها. وكان لهذه التصريحات ما يبررها فقد فعلت كلان الكثير من أجل وصول هوفر إلى البيت الأبيض، فالدعاية الكلانية هي التي امنت له الفوز حتى في الولايات الخمس التي اعتبرت ولايات الديمقراطيين التقليدية في الجنوب (فرجينيا، تكساس، فلوريدا، تينيس، كارولينا الشمالية) وكذلك فاز هوفر في الولايات الحدودية التي كانت في السابق موطن الرق، وهي ـ دولافيرا، فيرجينيا الغربية، مييلاند، كنتوكي وميسوري. وفي تحليله لأسباب فوز هوفر الحاسم هذا كتب د. بريت أن "ايل سميث كان ضحية حملة العداء للكاثوليكية واليهود والزنوج"(1).
كيندي يبحث عن مخرج
إزاء هذا الوضع المتأزم بين الكاثوليك والبروتستانت، كان من الطبيعي أن يجد جون كيندي نفسه في وضع حرج وصعب، عندما أراد ترشيح نفسه لمنصب الرئيس، حيث كانت مشكلة مذهبه الكاثوليكي من أهم المشاكل التي واجهها. فقد لعب الدين إلى جانب عوامل أخرى دورا مؤثرا في سلوكيات الناخبين عبر التاريخ الأمريكي. فعلى سبيل المثال يتجه اليهود والكاثوليك لانتخاب المرشحين الديمقراطيين أكثر من البروتستانت. وقد أثر الدين أيضا على طريقة عرض المرشحين والمسئولين المنتخبين لقضاياهم على عامة الناخبين (2). "فالانتماء الديني ـ كان بصفة عامه ـ أحد العوامل الحاسمة التي تقرر المكان الذي يصطف الأمريكيون فيه من الناحية
(1) راجع بتوسع كتاب: تاريخ الإرهاب الأمريكي (الكوكلاكس كلان) - ر. ف. إيفانوف، أي. ف. ليسينفسكي- ترجمةغسان رسلان- اللاذقية: دار الحوار، 1983
(2)
الدين والسياسة في الولايات المتحدة - ج1ـ مايكل كوربت ـ جوليا ميشتل كوربت ص11
السياسية، ولا سيما عندما يقترن ذلك بالأصل العرقي، كما أنه أفضل وسائل التنبؤ بالسلوك الإقتراعى" (1). لهذا اجتمع جوزيف وجون وروبرت كينيدى ومساعدوهم الرئيسيون، لمناقشة الصعوبات التي قد تواجه جون في حال إعلان جون كنيدى عن رغبته في ترشيح نفسه إلى منصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية. وخلص الجميع إلى النتائج التالية:
أولاً: لم يسبق وأن أصبح كاثوليكي رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية.
ثانياً: لم يسبق وأن أصبح شاب بعمر (جون) رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية (وصل عمر جون كيندى عام 1960م إلى 43 سنة فقط" (2).
وللتغلب على مشكلة الدين قرر (جون كيندى) العمل على جبهتين، أحداهما الاعتماد على دعم الكاثوليك والاقليات الأخرى في أمريكا حيث كان الكاثوليك تقليدياً، عظيمي التأييد للحزب الديمقراطي، وقد بلغ هذا التأييد ذروته عام 1960م، عندما انتخب (جون. ف. كيندي) كأول رئيس كاثوليكي للولايات المتحدة (3)، حيث جاء انتخابه ليمثل ذروة الانخراط الليبرالي في السياسة من جانب الكاثوليك الأمريكيين، وقد عني انتخابه لكثير من الكاثوليك حصولهم أخيرا على التوازن الثقافي مع الأغلبية البروتستانتية (4). أما الجبهة الثانية فقد عمل جون كيندى منذ بداية حملته الانتخابية في إشعال نار الفتنة بين إتباع الكنيسة الكاثوليكية، وأتباع الكنيسة البروتستانتية في ولاية فرجينيا الغربية معقل المتطرفين البروتستانت، ذلك أن القائمين على حملة جون كيندى الانتخابية رأوا في طرح المسألة الدينية نصراً لمرشحهم في هذه المنطقة. ولهذا أكد جون كيندى في جميع محاضراته التي ألقاها عبر شاشات التلفزيون الأمريكي بأنه ليس من المعقول أن يرفضه الناخبون كرئيس للولايات المتحدة، لأنه كاثوليكي المذهب، وأعلن في
(1) الدين والثقافة الأمريكية ـ جورج مارسدن - ترجمة صادق عودة ص98
(2)
الإخوة كيندى - أزغروميكوـ ترجمة ماجد علاء الدين - شحادة عبد المجيد- ص38 - الناشر د. ماجد علاء الدين - ط1 1986
(3)
الدين والسياسة في الولايات المتحدة ج2 - مايكل كوربت - جوليا كوربت - ترجمة د. زين نجاى، مهندس نشأت جعفر ص74 - مكتبة الشروق الدولية - ط2 2002
(4)
الدين والسياسة في الولايات المتحدة -ج1ـ مايكل كوربت ـ جوليا ميشتل كوربت ص143
أول خطاب له في ولاية فرجينيا بأن: "أحداً لم يسأله إذا كان كاثوليكياً أم لا؟ عندما انخرط في صفوف القوات البحرية الأمريكية". وطرح (جون كيندى) هذه المسألة أكثر من مرة، بهدف استعطاف الناخبين المعاديين للكاثوليكية.
ولم يتوقف جون عند هذه الحدود، بل أكد فيما بعد بأنه سيشكل حكومته دون اخذ العوامل الدينية بعين الاعتبار، وانه سيفصل بين عقيدته الدينية وعمله السياسي، حيث أسهمت توكيدا ته تلك وقيامه بذلك فعلاً أثناء رئاسته، إسهاما كبيراً في تخفيف أية مخاوف من بسط نفوذ الفاتيكان، القوة الأجنبية على أمريكا، فكان هذا التصريح بمثابة هجوم نفسي ضد أهالي فرجينا الغربية والذين يدينون بالبروتستانتية" (1).
وبالرغم من كل الجهود التي بذلها كيندى للفوز بالانتخابات إلا أن فوزه كان بمثابة معجزه وأمر غير عادى وخروجاً عن المألوف. فعندما تمت انتخابات الرئاسة الأمريكية في 8 تشرين الثاني عام 1960م، حصل (جون كيندى) على 49.7% من مجموع الأصوات، وحصل ريتشارد نيكسون على 49.6% من مجموع أصوات الناخبين الأمريكيين. وكان الفارق بين النتيجتين ضئيلاً جداً. وصوت في هذه الانتخابات 64.5% من اصل 107 ملايين أمريكي. ويعتبر هذا العدد قليلاً جداً حسب المقاييس الأوربية، وكبيراً جداً حسب المقاييس الأمريكية. وهذه النتيجة التي فاز بها (كيندى) تؤكد حقيقة سيطرة الأنجلو سكسون البروتستانت على الحياة الأمريكية وأنهم لن يسمحوا لاحد غيرهم بحكم أمريكا مهما بلغ الأمر، وبالذات إذا كان كاثوليكياً حيث تنتشر بين البروتستانت الأوهام الدينية على اوسع نطاق. وتشتد مشاعر العداء التاريخية التقليدية للديانة الكاثوليكية، حيث لعب هذا دوراً ملحوظاً في انتخابات الرئاسة في عام 1960 حيث فاز كنيدي على منافسه نيكسون بفارق ضئيل جداً في عدد الأصوات. ومن المفارقات أن 4.5 مليون من البروتستانت الديمقراطيين قد صوتوا ضد مرشح حزبهم ـ أي ضد الكاثوليكي كنيدي" (2). فالصراع يشتد في أمريكيا بين الروح الانجلوسكسونية وروح المهاجرين الجدد، إلا أن المزاج البريطاني
(1) الدين والثقافة الأمريكية - جورج مارسدن - ترجمة صادق عودة ص241
(2)
تاريخ الإرهاب الأمريكي (الكوكلاكس كلان) - ر. ف. إيفانوف ـ أي. ف. ليسينفسكي- ترجمةغسان رسلان.- اللاذقية: دار الحوار، 1983