الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث
الأصولية المسيحية وفكرة عودة المسيح
تعتبر عقيدة المسيح المخلص، أو المسيح المنتظر، إحدى أركان العقيدة اليهودية الأساسية، التي ابتدعها اليهود أثناء السبي البابلي، وتتلخص هذه العقيدة في إيمان اليهود بمخلص من نسل داود، سوف يأتي في نهاية التاريخ، فيفدى شعب إسرائيل، وذلك بإنقاذه من النفي، والعودة به إلى الأراضي المقدسة، حيث يحطم أعداء إسرائيل، ويعيد بناء الهيكل، ويتخذ من أورشليم عاصمة له. وقد انتقلت هذه العقيدة وغيرها من الأفكار اليهودية إلى المسيحية، ولكن مع الفارق في الفهم والتفسير، ولكن جاءت البروتستانتية لتصبغ على هذه العقيدة نفس المعاني التي أرادها اليهود، فأصبح مسيحهم المنتظر، هو المسيح اليهودي بلحمه ودمه، وليس المسيح عيسى عليه السلام الذي رفضه اليهود كما رفضته البروتستانتية، وأتباعها، مما يسمون المسيحيين الأصوليون، وأصبح مسيحهم هو المسيح اليهودي المحارب، وليس المسيح عيسى (رسول السلام).
ولتوضيح كيفية ظهور هذه العقيدة في الفكر اليهودي بعد السبي البابلي سنلقي نظرة على تاريخ اليهود العبرانيين في فلسطين حتى تلك الفترة وكيف تحول هذا الفكر من تقافة الانفتاح إلى ثقافة الانغلاق والعنصرية والتعالى، فصنع لنفسه تاريخاً مزوراً قائم على الاحلام والتمنيات والاحقاد والاحساس بالاضطهاد، فكان لابد من الاستعانه بالثقافات الاخرى وتبنى اساطيرها وتأويلها وفقاً لمتطلباته.
العبرانيون بنو اسرائيل
سكن الإنسان أرض فلسطين منذ العصور الموغلة في القدم، وهناك آثار تعود إلى العصر الحجري القديم (500 ألف - 14 ألف ق. م)، وخلال الألف الثالث قبل الميلاد هاجر إلى فلسطين العموريون (الأموريون) والكنعانيون، وكذلك اليبوسيون والفينقيون (وهما يعتبران من البطون الكنعانية)، وعلى ما يظهر فقد كانت هجرتهم إلى فلسطين حوالي 2500 ق. م. ويرى ثقات المؤرخين أن العموريين والكنعانيين
واليبوسيين والفينيقيين قد خرجوا من جزيرة العرب. وقد كانت هجرة الكنعانيين واسعة في تلك الفترة بحيث أصبحوا السكان الأساسيين للبلاد، وقبل قدوم العبرانيين اليهود بمئات السنين.
اما العبريون فهم قبائل سامية تحدرت من شبه الجزيرة العربية وراحت ترتحل، شأنها شأن سائل القبائل، لتجوب منطقة الهلال الخصيب من بلاد ما بين النهرين إلى مصر لتستقر آخر الامر في فلسطين وتتحضر بعد استقرارها واتصالها بالثقافة الكنعانية. فهم موجة من موجات الهجرات الآرامية الكبرى، حيث ان بعض الآراميين لم يجدوا أرضاً لهم طوال مدة مديدة في تلكم الساحة التى انداحت فيها موجتهم أى فيما بين النهرين وسورية ومصر وفلسطين، فتحولوا إلى طبقه هامشيه لا ارض لهم و يؤجرون أنفسهم لأى عمل
…
وهم يشكلون أحياناً كتائب مسلحة مرتزقة لخدمة الأمراء أو يؤلفون عصابات تقطع الطرق وتنشر الرعب في قلوب الضعفاء، ولهذا اطلق عليهم الـ (عبيرو) التى ترد في المدونات للمصرية (1). والخابيرو أو العابيرو، كلمة كلدانية تعني عابري الحدود أو المرتزقة. يقول فيليب حتي:"الخابيرو ليس اسماً عرقياً وإنما تسمية أطلقت على جماعات من الرحل والأجانب والأشقياء المستعدين للانضمام إلى صفوف أي جيش لقاء أجر أو بدافع الحصول على الغنائم"(2).
ولقد كان (سيناريو) هذه الهجرات هو نفسه دائماً، فالغزاة الرحل سواء منهم العموريون والآراميون والعبريون والأنباط ينتقلون في الهلال الخصيب من حياة الترحل إلى حياة الحضر متمثلين الحضارة الكنعانية الاصلية ليرفدوا هذه الحضارة عبر كل موجة بما لدى البداوة من فضائل (3). فبنو اسرائيل بعد توغلهم في
(1) في الخطاب والمصطلح الصهيوني (دراسة نظرية وتطبيقية) - د. عبد الوهاب المسيري - ص 158 - دار الشروق- الطبعة الأولى 2003
(2)
تاريخ سورية ولبنان وفلسطين- فيليب حتي - ج1 ص173، وراجع أيضاً كتاب العرب الساميون والعبرانيون وبنو إسرائيل ـ د. احمد داوود - طباعة دار المستقبل /دمشق- ط1 1991.
(3)
فلسطين ارض الرسالات السماوية - روجيه جارودي - ترجمة قصي اتاسي- ميشيل واكيم - دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر - طبعة 1991 - ص26
فلسطين بقوا زمناً غير قليل محتفظين بصفات ومميزات سكان الصحاري في اخلاقهم وعاداتهم وتقاليدهم ونفورهم من كل انواع التغيير والتجديد (1). ولكنهم بعد ذلك - شأنهم شأن من سبقهم من مهاجرين رحل متحدرين من جذر واحد- قد استفادوا من الحضارة الكنعانية حينما استقروا في فلسطين وأغنوها على مدى ثلاثة قرون بما لديهم دون ان يلغوا اصالتها واستمراريتها (2).
وعندما جاء العصر البرونزي الوسيط (2000 - 1550 ق. م) شهد النصف الأول من الألف الثاني قبل الميلاد حكم الهكسوس الذين سيطروا على فلسطين خلال القرون (18 - 16ق. م) وعلى ما يظهر ففي هذا العصر (حوالي 1900ق. م) قدم إبراهيم عليه السلام ومعه ابن أخيه لوط عليه السلام إلى فلسطين من (أور الكلدانيين) وقد غادر بلاده مع بعض أفراد عائلته ليعبد الله عملاً بما أنزل عليه من الوحي. فعشيرته كانت تعبد الاصنام، وهو كان مؤمناً موحداً. وكانت حاران (حران) تقع إلى الشمال الشرقي لما بين الفرات وخابور، أول محطة له، وفيها مات أبوه (تارح) فأكمل السير بعد وفاته حتى وصل إلى شكيم (نابلس)(3).
وقد كان إبراهيم عليه السلام أول الأنبياء الذين نعلم أنهم عاشوا في فلسطين وماتوا فيها، وهو أبو الأنبياء فمن نسله جاء الكثير من الأنبياء كإسحاق ويعقوب ويوسف وإسماعيل ومحمد عليهم أفضل الصلاة والسلام. وعلى كل حال فإن أبا الأنبياء إبراهيم الخليل كان رسولاً من أولي العزم من الرسل، وكان له دوره الدعوي في نشر رسالة التوحيد في فلسطين حيث كان يؤسس المساجد ويقيم المحاريب لعبادة الله في كل مكان ذهب إليه. ويظهر أنه لم يجد عناء أو عنتاً من أهل فلسطين ولم يضطر لتركها بسبب دينه ودعوته فظل مستقراً يتنقل بحرية فيها حتى توفاه الله.
(1) تاريخ اليهود في بلاد العرب في الجاهلية وصدر الإسلام - د. اسرائيل ولفنستون -ص 17
(2)
فلسطين ارض الرسالات السماوية - روجيه جارودي - ترجمة قصي اتاسي- ميشيل واكيم - دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر - طبعة 1991 - ص47
(3)
فلسطين من الاسكندر إلى الفتح العربي الإسلامي- د. نقولا زيادة-الموسوعة الفلسطينية، المجلد الثاني بيروت،1990.
ولقد رزق ابراهيم من هاجر بابنه الأول اسماعيل، ثم رزق بابنه الثاني اسحق من زوجته سارة، ويعتبر اسماعيل جد العرب، كما يعتبر أخوه اسحاق جداً لليهود، وقد ولد لاسحاق عيسى ويعقوب، وقد ولد ليعقوب اثنا عشر ولدا يعتبر كل منهم أبا لسبط من أسباط اليهود، ومن أولاده كان يوسف الذي نقم عليه اخوته وحسدوه فباعوه إلى تجار مصر وادعوا أنه قتل، وفي مصر دخل يوسف في خدمة فرعون وأصبحت له سلطة واسعة فأرسل وراء أبيه واخوته، وهكذا انتقلت أسرة يعقوب إلى مصر (1).
وعلى كل حال، يظهر أن يوسف وإخوته أبناء يعقوب (إسرائيل) نعموا بحرية العمل والعبادة في مصر وكان لهم دورهم في الدعوة إلى التوحيد، غير أن الأمر لم يستمر على حاله في أجيالهم المتعاقبة، فوقع بنو إسرائيل تحت الاضطهاد الفرعوني حتى أرسل الله موسى عليه السلام إلى فرعون لإخراج بني إسرائيل منها إلى الأرض المقدسة، لان بنو إسرائيل كانوا في تلك الفترة هم أهل الحق وحملة راية التوحيد، وكان فرعن مصر في ذلك الزمان متكبراً متعجرفاً يدعي الألوهية، فقاد من آمن من قومه شرقاً فأتبعهم فرعون وجنوده، وحدثت قصة انشقاق البحر وإنقاذ الله سبحانه لبني إسرائيل وهلاك فرعون وجنوده.
وبعد إنقاذ الله سبحانه لبني إسرائيل تبرز فصول معاناة موسى وهارون مع بني اسرائيل، ويظهر من صفات هؤلاء ضعف الإيمان والجهل والجبن، فمن كادوا يخرجون من البحر حتى أتوا على قوم يعبدون أصناماً، "قولوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة"!!!، ثم عندما يذهب موسى لميقات ربه يعبد قومه العجل رغم وجود هارون بينهم، وكادوا يقتلون هارون عندما نهاهم عن كفرهم. ثم يقود موسى بني إسرائيل باتجاه الأرض المقدسة ويقول لهم:"يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين"، ولكنهم يختارون الارتداد على أدبارهم، "قالوا يا موسى إن فيها قوماً جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون"، ولا ينفع فيهم النصح فيكررون، "قالوا يا موسى إنا
(1) راجع، فلسطين من أقدم العصور إلى القرن الرابع قبل الميلاد.- د. معاوية ابراهيم. -الموسوعة الفلسطينية، المجلد الثاني، بيروت،1990.
لن ندخلها أبداً ما داموا فيها فأذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون"، ويتألم موسى عليه السلام ويلجأ إلى ربه "رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي، فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين"، ويستجيب الله لنبيه "قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض"، وهكذا يحكم عليهم بالتيه بعد أن كانوا على أبواب الأرض المقدسة، ويظهر أن الله سبحانه قد حرمها على هذا الجيل من بني إسرائيل حتى ينشأ جيل غيره يصلب عوده في جو من خشونة الصحراء، فهذا الجيل أفسده الذل والاستعباد والطغيان في مصر فلم يعد يصلح لهذا الأمر الجليل. وتوفي موسى عليه السلام قبل أن يستطيع دخول الأرض المقدسة.
وبعد أن نشأ جيل صلب جديد وبعد سنوات التيه قاد بني إسرائيل نبي لهم هو يوشع بن نون عليه السلام ويسميه اليهود (يشوع) وهو الذي عبر بهم نهر الأردن وانتصر على أعدائه واحتل مدينة أريحا، وكان عبوره نهر الأردن حوالي 1190 ق، ثم استولوا على معظم جنوب فلسطين، وبقي الكنعانيون في قسم منها، كما بقي الفلسطينيون في القسم الغربي، ومنذ عهد القضاة وهو العهد الذي ابتدأ بعد وفاة يوشع، عاش الأقوام الثلاثة مئات السنين، تخللتها سلسلة من الحروب الكنعانية-الاسرائيلية (1).
وعلى الرغم من محاولة القضاة إصلاح قومهم فقد ساد عصرهم الفوضى والنكبات والخلافات والانحلال الخلقي والديني، وقد استوطنوا في تلك الفترة في الأراضي المرتفعة المحيطة بالقدس وفي السهول الشمالية في فلسطين، حيث تغير نمط حياة العبريين تغيراً جذرياً لدى انغماسهم في قلب الحضارة الكنعانية، نعم لقد هجر هؤلاء البداة الجفاة خيامهم ليقيموا لهم بيوتاً على نمط بيوت الكنعانيين، ولقد خلعوا عنهم لباس جلود الخراف ليرتدوا الأنسجة الصوفية الملونة .. وحتى المعبد نفسه بنى على طراز اجنبى في مخططه وزخارفه (2). ويصف المؤرخ (جيمس برستد) المدن الكنعانية المزهرة يوم دخلها العبرانيون بقوله: "إنها مدن فيها البيوت المترفة، وفيها الصناعة والتجارة والكتابة والمعابد، وفيها الحضارة التي سرعان ما
(1) الموجز في تاريخ فلسطين - الياس شوفاني - مؤسسة الدراسات الفلسطينية-1998.
(2)
فلسطين ارض الرسالات السماوية - روجيه جارودي - ترجمة قصي اتاسي- ميشيل واكيم -ص77 - 79
اقتبسها العبرانيون الرعاة البدائيون، فتركوا خيامهم وقلدوهم في بناء البيوت كما خلعوا الجلود التي ارتدوها في الصحراء وارتدوا الثياب الصوفية الزاهية الألوان، وبعد فترة لم يعد في الإمكان أن يفرق المرء بين الكنعانيين والعبرانيين بالمظهر الخارجي، فقد اقتبسوا الحضارة الكنعانية كما يقتبس المهاجرون الجدد إلى أمريكا في يومنا هذا طرق المعيشة الأمريكية" (1).
فالشعب العبري وهو يتنقل من حياة الترحل إلى الحياة المستقرة السائدة لدى المزارعين وساكني المدن في كنعان كان قد تمثل حضارتهم ولغتهم وكتابتهم بل أنماط عبادتهم واختلط بالسكان الأصليين عن طريق الزواج. واذا استثنينا معارك بعض قادتهم كيشوع وداوود وبعض غزواتهم العابرة يمكن القول إنهم قد تعايشوا مع أهل البلاد أحسن تعايش (2).
وقد امتد عهد القضاة قرناً ونصف قرن من الزمن، حكم خلاله اثنا عشر قاضياً كان آخرهم صموئيل، واتفق الاسرائيليون بمشورة صموئيل نفسه على تعيين (شاول بن قيس) ملكا عليهم لتوحيد قبائلهم، غير أنه قتل في إحدى حروبه مع الفلسطينيين، وجاء بعده الملك داوود سنة (1010ق. م-971 ق. م) ومن بعده سليمان (971 ق. م-931 ق. م) وكان عهده عهد سلام لا حرب على العكس من أبيه، كما عرف بالحكمة، ونشاطه التجاري. وبعد وفاة سليمان انقسمت مملكته إلى قسمين شكّلا دولتين منفصلتين متعاديتين في كثير من الأحيان، وعانتا من الفساد الداخلي والضعف العسكري والسياسي والنفوذ الخارجي، لكن ذلك لم يستمر طويلاً وانتهى حكم القضاة على يد الأشوريين سنة 724 ق. م، وفي عهد (نبوخذ نصر الكلداني) في القرن الخامس قبل الميلاد حدث سبي بابل وحكم الكلدانيون فلسطين (3).
(1) تاريخ الحضارة- جيمس هنري برستد - مركز المعلومات الوطني الفلسطيني- http://www.pnic.gov.ps/arabic/history/palestine.html
(2)
فلسطين ارض الرسالات السماوية - روجيه جارودي - ترجمة قصي اتاسي- ميشيل واكيم - ص97
(3)
الحق التاريخي في فلسطين - مركز المعلومات الوطني الفلسطيني - http://www.pnic.gov.ps/arabic/history/palestine.html#file4