الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالإله الذي يكشف لنا عنه يسوع ـ كما يقول اللاهوتي الأسباني (غونزالير فوس) ـ ليس اله العهد القديم" (1)، بل اله آخر مختلف تماماً.
"لقد كانت عظمة الله تتجلى قبل المسيح في قوة الملك أو الامبراطور .. وها هي ذي تتجلى الآن في الفقر والافتقار إلى كل قوة مادية، علي المستوى الإنساني، في خيبة المسيح-الانسان الذي خانه حتى أتباعه في اللحظة الحاسمة وأنكروه أو هجروه ولزموا الصمت، كما تتجلى في محاولة قتله بذلك الاسلوب المعيب، وهو أسلوب الصلب المتبع في اعدام العبيد العصاة. وحينما يصرح يسوع قائلاً في انجيل يوحنا: "إن مملكتى ليست من هذا العالم"، فهذا لا يعني أنه يستسلم أمام ضلالات الوجود لكي ينجو بنفسه إلى عالم آخر، وإنما ليبشر بعالم آخر ممكن التحقق، يختلف عن هذا العالم ولا يخضع لضلالاته وقوانينه الظالمة"(2).
عيسى ليس المسيح المنتظر
جاء المسيح عليه السلام واليهودية تقبع تحت الحكم الروماني
…
ثورة الماكبيين قد انتهت وديست هذه الأمة بالصغار والشناءة. الولاة عليها أجانب (هيريدوس الايدمي) و (بيلاطس النبطي)
…
فهل يقود المسيح ثورة ضدهم ويحرر اليهود؟ لم يفعل المسيح ذلك كما يتوقع اليهود لقد قاد ثورة في قلب اليهودية وأراد إن يقلبها من داخلها لتعيش مع العالم بسلام ومحبه، كانت دعوته ضد العنف ومع الحب والحنان والأخوة والسلام، ولهذا لما بعث المسيح عليه السلام أنكر كهان الهيكل بعثته، وآمن به بعض اليهود وبعض أبناء الأمم المقيمين في فلسطين، والكهنة لا يرون في عيسى عليه السلام بأنه المسيح المنتظر (3). فاليهود كانوا ينتظرون مسيحاً محارباً خاصاً بهم، ذلك أن انتظار المسيح المحارب هو أحد أهم المعتقدات اليهودية، ويفترض عندهم ـ كما تنبأ أنبياء العهد القديم أن يأتي المسيح المحارب من سلالة داود فيعيد تأسيس مملكة داود بالقوة، وينقذ اليهود من النفي، ويعيدهم إلى الأرض المقدسة حيث يسحق أعدائهم ويعيد بناء معبد سليمان، وتعود
(1) نحو حرب دينية؟ جدل العصر - روجيه جارودى ص168
(2)
فلسطين ارض الرسالات السماوية - روجيه جارودي - ترجمة قصي اتاسي- ميشيل واكيم - ص112 - 113
(3)
أسطورة هرمجدون والصهيونية المسيحية ـ عرض وتوثيق هشام آل قطيط ـ ص50ـ51
القدس عاصمة لهم. ولكن لما لم تكن أي نبوءة من تلك النبوءات قد تحققت حتى عصر الهيكل الثاني، فإن النتيجة التي لا مهرب منهاـ كما يقول اليهودـ هي أن عيسى عليه السلام ادعى باطلاً انه مسيح الرب.
فالإنعام بلقب (مسيح الرب) على أي بطل أسطوري أو تاريخي .. ظل مرتبطاً بالاعتبار الأساسي في الديانة اليهودية، وبالغرض الذي نشأت من اجله أصلاً، وهو إقامة الملك ودوامه
…
فقورش بات ـ لوقت ـ المسيح المنتظر رغم عدم عبادته ليهوه، بل وعدم كونه من شعب يهوه المختار أصلاً. فاشعيا يؤكد أن يهوه قال له عن قورش:"انه راعى، فكل مسرتي يتمم. لأنه يقول أورشليم إنها ستبنى ويقول للهيكل سوف تؤسس"(اشعياء 44:28). وبذلك الوعد من قورش بإعادة بناء أورشليم والهيكل الثاني بات قورش المسيح المنتظر وقد جاء ليحقق النبوءة: "هكذا يقول يهوه لمسيحه قورش .. "(اشعياء 45: 1).
غير أن ذلك الرضا اليهودي كله كما صوره اشعيا كان في غمار فورة الفرح بانتصار الفرس على بابل، التي من عنف وحشية الكره اليهودي لها تغنى منشد المزامير قائلاً "انه مبارك كل من يمسك بأطفالها ويهشم رؤوسهم على الصخر". أما بعد أن فترت الفورة وخمدت النار، فإننا نفاجأ في التلمود بيهوة وهو يشكو لمسيحه قائلاً:"إني أشكو لك من قورش! فقد كنت أظن انه سيعيد بناء بيتي ويجمع شعبي من المنفى! ولكنه لم يفعل أكثر من انه قال: من منكم من كل شعبه يرغب في العودة ليكن ألهه معه ويصعد إلى أورشليم"(سفر عزرا 1: 3).
وعلى إيه حال، فإننا نجد أن المسيح الموعود لم يأت لليهود، وأنهم ظلوا يأتون في شخص هذا وذاك من أبطال حكايتهم المتفق عليهم، وظلوا يكتشفون أن من أتوا به ليس هو. وعندما ظهر يسوع، عيسى بن مريم، وقال انه لم يأت لينقض الناموس بل ليكمله، وظل يتحدث عن الأب الذي في السموات بدلاً من رب الجنود المحارب المنتقم، وألقى موعظة قال فيها:"طوبى لصانعي السلام"، لم يكن من الممكن ـ بطبيعة الحال ـ أن يعترف به أحد بوصفه المسيح المحارب المنتظر، بل وصف (معاذ الله) بالمجنون وبالمشعوذ وبالدجال وبالمضلل وبمفسد إسرائيل
وهادمها" (1). لأنه نفى أن يكون لمهمته أي علاقة بالحرب أو سحق الأعداء أو تأسيس مملكة جغرافية على الأرض. فقد أوضح لليهود بجلاء انه لم يأت لكي يقودهم في حرب ضد إمبراطورية روما (2) بل بشرهم بقوله: "طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون". فالمسيح الذي وعد يهوه اليهود به، مسيح محارب صنديد أشبه بالسفاح يشوع. وعيسى يقول هنا عكس ذلك، وانه جاء ليكون صانع سلام وليعظ البشر بأن يكونوا صانعي سلام، وينبههم بأنهم يصبحون أبناء الله فقط عندما يكونون صانعي سلام. وهذا النص يناقض بالكامل الموقف التوراتي من أساسه. فاليهودية جعلت الإله "رجل حرب، ورب الجنود" والمسيح يناقض ذلك باله رحيم وآله سلام.
يقول (ايثلبرنت ستوفر) من جامعة علوم الدين بزيورخ: "المسيح يعلن رسالة جديدة من الله وديناً جديداً لم يعد لها أي اتصال بالتوراة". ويقول عالم آخر من علماء الدين هو (جنزاليس فوس)، في كتابه (القرب من يسوع):"أن الرب الذي دعا له يسوع ليس هو الرب الذي دعا إليه العهد القديم"(3). فاليهودية علمت اليهود، أنهم لا يحصلون على رضا يهوه إلا إذا ظلوا شعباً محارباً دموياً. وفي العهد القديم نصوص كثيرة لا تحصى تبين أن ذلك الإله المحارب أوشك أن ينقلب على شعبه فيفترسه في كل مره قصر الشعب فيها لسبب أو لآخر، عن القيام بمذبحة جماعية أمر بها. وعندما استجلب الشعب على نفسه بتلك الشراسة الدموية عداء وكراهية كل من احتك به أو عايشه من شعوب، وتعرض للتدمير والسبي والمذلة والتشتيت، كان وعد معبودة له بالخلاص والفداء على يدي مسيح محارب دموي ينفذ "سخط الرب على كل الأمم وغضب الرب على جيوشهم ويحرمهم ويدفعهم إلى الذبح حتى تطرح قتلاهم ويصعد نتن جيفهم وتسيل الجبال بدمائهم" (اشعياء 34: 2ـ3)، إذ يقود جيش الشعب في يوم الهول هذا الذي يعد يهوه شعبه بأن "يضرب فيه كل خيل الشعوب المعادية لإسرائيل بالعمى وراكبيها بالجنون ويجعل أمراء يهودا كمشعل نار فيأكلون كل الشعوب عن اليمين وعن اليسار ويلتمس هلاك كل الأمم الآتين على أورشليم"
(1) المسيحية والتوراة ـ شفيق مقار ص55
(2)
المسيحية والإسلام والاستشراف ـ محمد فاروق الزين ص28
(3)
أمريكيا طليعة الانحطاط ـ روجيه جارودى ـ ص 161)