الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعاناة التي تجرى تحتهم على الأرض" (1). وهذا المفهوم هو الذي شجع كثير من الجماعات المتطرفة على الانتحار الجماعي، لتنجوا من المحرقة الكبرى، كما سنوضح ذلك لاحقاً.
عندما تختلط الأساطير بالنبوءات
تلك كانت عقيدة التدبيرين، ولكنها لم تكن بالضرورة الصوت السائد للكنيسة الإنجيلية الرئيسة في تلك المرحلة، ولم تصبح تلك العقيدة سائدة ومسيطرة إلا عندما اندمجت الأسطورتان: الأسطورة التدبيرية، والأسطورة الأمريكية ـ كما يقول (جون هيوبرز) منسق الإرساليات للشرق الأوسط وجنوب آسيا في الكنيسة المصلحة في أمريكا، والذي يحاول تفسير انتشار عقيدة التدبيريين المتعلقة بقصة تأسيس إسرائيل، من خلال ربطها بالأسطورة الأمريكية (قصة تأسيس أمريكا) حيث يسرد (جون هيوبرز) القصة كالتالي على الأقل بصيغتها الموجزة:"إنها قصة أناس مضطهدين يتوقون لأرض يستطيعون فيها أن يمارسوا إيمانهم بحرية تحت إرشاد الله وقوته، ويتغلبون على صعاب جمة، ومعارضة كثيفة لإنشاء دولة خاصة بهم. وتأتي هذه المعارضة من (متوحشين) يفعلون كل ما بوسعهم لمنع هؤلاء المستوطنين الشجعان من تأسيس دولتهم. وان الطريقة الضعيفة التي يريد بواسطتها هؤلاء المتوحشون الأرض تبرر طردهم منها".
ويضيف (هيوبرز) بقوله: "وهنا على ما اعتقد يكمن تفسير واحد ـ على الأقل ـ لهذه السيطرة القوية الراسخة، التي للأسطورة (القدرية) على الوعي والإدراك الأمريكي (حتى خارج الدوائر الإنجيلية) حيث أنها تعطي صدى لأفكار أسطورة الرياديين الأمريكيين. إننا نسمع قصتنا الخاصة بنا من خلال قصة (إسرائيل) ونقارن أنفسنا بالصهيونيين، لأن خبرتهم تظهر بأنها تماثل خبرتنا، حيث إننا نناقش هنا التاريخ الحقيقي بدلاً من التاريخ التفسيري". ويختم جون هيوبرز بالقول: "لا أريد أن أبالغ بهذا الأمر حيث أن الذين يقبلون عقيدة التدبيرية إنما يفعلون هذا بشكل رئيس، لأنهم مقتنعون أن هذه أفضل طريقة لقراءة الكتاب المقدس، لكن هذه
(1) عودة المسيح المنتظر لحرب العراق بين النبوءة والسياسة ـ احمد حجازي السقا ص 71
السيطرة التي تفرضها هذه العقيدة على خيال وتفكير الإنجيليين الأمريكيين، حتى على الذين لا يقارنون أنفسهم بالإنجيليين لا يمكن تفسيرها على ما اعتقد إلا بالروابط الواضحة بين القصة الصهيونية والقصة الأمريكية" (1).
وهكذا فان هذا التراث الذي افرزه التهويد المنظم للمسيحية، والذي أدى إلى ظهور ظاهرة ما يسمى بالأصولية المسيحية (2)، يعني في جانب بارز منه، أن هذه الظاهرة إذا ما استمرت وتعمقت، فإنها ستترك آثارا كبيرة داخل المجتمع الأمريكي نفسه، وبخاصة تجاه طرح منظومة قيم مختلفة، مستندة إلى مبادئ توراتية، كما سيكون لهذه الظاهرة أبعادها على مستوى العلاقات الأمريكية مع العالم الخارجي، وبخاصة في إطار الهيمنة الثقافية والقيمية الأخلاقية ولعل هذا النوع من الهيمنة قد يدفع باتجاه إدخال (الاصطفاء الإلهي) في السياسة الدولية (3).
(1) عندما تختلط الأساطير بالنبوءات ـ جون هيوبرز- جريدة الخليج 15/ 2/2003 م عدد8672
(2)
استخدمت كلمة أصولي عاغم 1920م في البداية لتعني هذا التحالف من البروتستانت المحافظين المتشددين الذي كانوا يسعون للحفاظ على المؤسسة البروتستانتية الإحيائية التي قامت في القرن التاسع عشر، وقد ابتكر هذه الكلمة محرر صحفي معمداني محافظ اسمه كيرتس لي لوز كوصف مميز لجماعة في معركة في المؤتمر أو التجمع المعمداني الشمالي (أكبر التجمعات المذهبية المعمدانية في شمال الولايات المتحدة) وانطوى الدفاع عن الأصوليين على الرغبة في الكفاح من أجل تعاليم أصولية معينة أنكرها التحرريون وتفاوتت قوائم هذه التعاليم وتنوعت لكنها اشتملت في العادة على معتقدات بعصمة الكتاب المقدس وولادة عيسى من امرأة عذراء وصحة معجزاته والتكفير عن الخطيئة من خلال موت المسيح وقيامه عيسى وعودته مرة أخرى. وتميز الأصوليون عن بقية المحافظين البروتستانت برغبتهم في المحاربة من أجل هذه المعتقدات والتعاليم ودرجوا على النظر إلى العالم من خلال صور تنطوي على الحرب أما الحرب فكانت على جبهتين: إذ كانوا يحاربون ضد عقيدة تحديثية في مذاهبهم وكذلك ضد بعض الاتجاهات الواضحة السائرة نحو العلمانية في ثقافتهم (الدين والثقافة الأمريكية جورج مارسدن ـ ترجمة صادق إبراهيم عودة ـ ص196"
(3)
الصهيونية المسيحية .. أصولها ونشأتها د .. يوسف الحسن / الخليج 15/ 2/2 .. 3 عدد8672