المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌تقديم بالرغم من أنه مضى أكثر من 18 عاماً على صدور - الحملة الصليبية على العالم الإسلامي والعالم - جـ ١

[يوسف الطويل]

فهرس الكتاب

- ‌إهداء

- ‌إهداء خاص

- ‌تقديم

- ‌الباب الأولالبعد الديني للتحيز البريطاني الأمريكي لإسرائيل

- ‌تمهيد

- ‌أسباب التحيز البريطاني الأمريكي لإسرائيل

- ‌حساب المصالح:

- ‌ نفوذ اللوبي الصهيوني

- ‌الصوت الانتخابي اليهودي

- ‌تضخيم في غير محله

- ‌الفصل الأولاليهود في التراث الديني المسيحي

- ‌موقف الكنيسة الكاثوليكية من اليهود:

- ‌ العهد القديم

- ‌موقف الكنيسة الكاثوليكية من الحركة الصهيونية وإسرائيل

- ‌موقف البروتستانت من اليهود

- ‌الفصل الثانيبريطانيا والمشروع الصهيوني

- ‌المطالبة بإعادة اليهود إلى فلسطين

- ‌الأفكار الصهيونية تغزو عقول الطبقات المثقفة

- ‌تغير في الأفكار

- ‌اللورد شافتسبرى

- ‌اليهود في الأدب الإنجليزي

- ‌السياسيون والبعث اليهودي

- ‌اللورد بالمستون

- ‌القس وليام هشلر

- ‌الفصل الثالثظهور الحركة الصهيونية

- ‌1ـ يهودا الكعى (1798ـ1878م)

- ‌2ـ تسفى هيرش كاليشر (1795ـ1874م)

- ‌هرتسل ومؤتمر بازل

- ‌اللجنة الملكية لهجرة الغرباء

- ‌وعد بلفور

- ‌هربرت صموئيل ومستقبل فلسطين

- ‌الدافع الديني ووعد بلفور

- ‌صهيونية لويد جورج

- ‌الانتداب البريطاني وتسليم فلسطين

- ‌هربرت صموئيل

- ‌الضباط البريطانيون…وبناء الجيش الإسرائيلي

- ‌وينغيت والتفسير العسكري للتوراة

- ‌الدافع الديني للتحيز

- ‌الفصل الرابعأمريكيا والمشروع الصهيوني

- ‌هجرة البروتستانت إلى أمريكيا

- ‌الفكر الأمريكي والبعث اليهودي

- ‌السامري على الدولار

- ‌وخاتم داود

- ‌أمريكا مهد الصهيونية

- ‌رؤساء أمريكا والبعث اليهودي

- ‌جورج واشنطن

- ‌توماس جيفرسون

- ‌جيمس ماديسون

- ‌الرئيس المنصر جون كوينسي آدمز

- ‌أندرو جاكسون .. وخرافة المعاد

- ‌أول تدخل لنصرة اليهود خارج أمريكا

- ‌العمل من أجل تحقيق النبوءات التوراتية

- ‌يهودي يوبخ الرئيس

- ‌فرانكلين بيرس

- ‌أمريكيا تعاقب سويسرا من أجل اليهود

- ‌الجماعات المسيحية الصهيونية خلال القرن التاسع عشر

- ‌جماعة أخوة المسيح

- ‌جمعية بنى بريث (أبناء العهد)

- ‌جمعية شهود يهوه

- ‌اندرو جونسون

- ‌يوليسيس جرانت

- ‌هايز وإجازة السبت

- ‌أول يهودي يمثل أمريكا في مصر

- ‌المشيخية في البيت الأبيض

- ‌وليم بلاكستون والبعثة العبرية نيابة عن إسرائيل

- ‌الرئيس هايسون ومظلمة بلا كستون

- ‌الحكومات الأمريكية والمطالب الصهيونية

- ‌الرئيس ويلسون

- ‌خلفاء ويلسون

- ‌مركز ثقل الصهيونية ينتقل إلى أمريكيا

- ‌العمل من أجل إلغاء الكتاب الأبيض

- ‌روزفلت والأفكار الصهيونية

- ‌ترومان ـ قورش ـ العصر الحديث

- ‌حرب عام 1948 م

- ‌اتفاقية الهدنة

- ‌صهيونية ترومان

- ‌المساعدات الأمريكية لإسرائيل

- ‌ايزنهاور

- ‌جون كنيدى الرئيس الكاثوليكي الوحيد

- ‌العداء للكاثوليك

- ‌سميث الكاثوليكي يخسر انتخابات 1928 امام هوفر البروتستانتي

- ‌كيندي يبحث عن مخرج

- ‌كيندي ومحاولة الإصلاح

- ‌نهاية كنيدي

- ‌ليندون جونسون

- ‌مستقبل إسرائيل والعالم

- ‌ريتشارد نيكسون والانتحار السياسي

- ‌جيمي كارتر ينفذ أمراً إلهياً

- ‌ريجان ومعركة هرمجيدون

- ‌ريجان والتزامه الديني

- ‌الفصل الخامستنامي التيار الديني المسيحي الأصولي في أمريكيا

- ‌أسباب البركة في أمريكيا

- ‌إسرائيل مفتاح أمريكيا للبقاء

- ‌أمريكيا قوية لأنها تقف مع إسرائيل

- ‌القول مقرون بالعمل

- ‌ السفارة المسيحية الدولية

- ‌جورج بوش الأب…قرارات تتخذ لتنفذ

- ‌الولادة الثانية والنشوة المطلقة

- ‌الباب الثانيالبعد الديني للضربة الأمريكية للعراق

- ‌الفصل الأولالطريق إلى حرب الخليج

- ‌بريطانيا وجذور الحرب على العراق

- ‌مقدمات الحرب على العراق

- ‌الحرب الجديدة

- ‌الحرب الاقتصادية والإعلامية

- ‌الهدف حماية إسرائيل وليس تحرير الكويت

- ‌إنجازات صدام

- ‌إعدام صدام حسين

- ‌الفصل الثانيالخلفية الدينية للهجمة الأمريكية البريطانية على العراق

- ‌أحقاد قديمة بثوب معاصر

- ‌التوراة وآشور العراق

- ‌وحي بشأن نينوى، كما ورد في كتاب رؤيا ناحوم الالقوشى

- ‌صرخة الخراب

- ‌خطايا نينوى

- ‌الدمار المحتم

- ‌الحقد على بابل

- ‌نبوءة عن دمار بابل 13

- ‌يوم الرب المقبل 9

- ‌‌‌سقوط بابلبيد الماديين

- ‌سقوط بابل

- ‌إدانة ملك بابل

- ‌يوحنا وحقده على بابل

- ‌جام الغضب على الفرات وعلى تل مجدو

- ‌سقوط بابل (رؤيا، 18)

- ‌كورش وإعادة اليهود المسبيين

- ‌ثأر اليهود من العراق

- ‌الفصل الثالثالأصولية المسيحية وفكرة عودة المسيح

- ‌العبرانيون بنو اسرائيل

- ‌حركة الأنبياء (ثقافة الانفتاح)

- ‌السبي البابلي

- ‌حياة السبي وأثرها في تشكيل الشخصية اليهودية

- ‌تاريخ بالتمني

- ‌فكرة الشعب المختار

- ‌رؤيا الخلاص والمسيح اليهودي

- ‌من التشرد إلى الرغبة بحكم العالم

- ‌فكرة المسيح المخلص ونهب أساطير الشعوب الأخرى

- ‌السبي البابلي وظهور النزعة القبلية المغلقة

- ‌عيسى المسيح عليه السلام

- ‌عيسى ليس المسيح المنتظر

- ‌ديانة المسيح أم ديانة بولس ويوحنا

- ‌فكرة العودة الثانية للمسيح

- ‌سفر الرؤيا والمسيح اليهودي

- ‌تفسير المتناقضات

- ‌الانقلاب البروتستانتي

- ‌العقيدة التدبيرية من دابي إلى سكوفيلد

- ‌عندما تختلط الأساطير بالنبوءات

- ‌الفصل الرابععقيدة الهرمجدون أو معركة (مجدو)

- ‌(مجدو)

- ‌سفر الرؤيا ومعركة هرمجيدون

- ‌الأصوليون المسيحيون وهرمجيدون

- ‌سيناريو هرمجيدون حسب (سفر الرؤيا)

- ‌علامات ومقدمات معركة هرمجدون العظمى

- ‌هجرة اليهود إلى فلسطين

- ‌المسيح يدعوك لتبني مستوطنة

- ‌تدمير الأقصى

- ‌بناء الهيكل

- ‌المقاومة الفلسطينية

- ‌عودة الفوضى وحدوث كوارث وانهيار اقتصادي

- ‌السلام يحل بعودة المسيح فقط

- ‌هرمجيدون في العقل البروتستانتي

- ‌التعجيل بقدوم المسيح

- ‌رونالد ريجان، والحكايات الخرافية عن هرمجدون

- ‌محور الخير .. ومحور الشر (أبناء النور وأبناء الظلام)

- ‌حرب يأجوج ومأجوج

- ‌المبشرون البروتستانت والنية القاتلة

- ‌نفوذ الجماعات المسيحية

- ‌الفصل الخامسالتراث الذي تركه الكتاب المقدس للشرق الأوسط

- ‌من هو عدو المسيح (وحش الرؤيا)

- ‌التفسير السياسي للتوراة

- ‌مصير العرب

- ‌مصير مصر

- ‌نبوءة بشأن مصر

- ‌دينونة مصر بيد ملك بابل

- ‌ريجان وليبيا

- ‌تقسيم لبنان

- ‌نبوءة ضد صور

- ‌غزو لبنان مستمد من التوراة

- ‌تقسيم سوريا والعراق وتحطيم قوتهما

- ‌حقد يهوه على الفلسطينيين

- ‌نبوءة بشأن أدوم (الأردن)

- ‌نبوءة بشأن الجزيرة العربية

- ‌التوراة وكيفية التعامل مع الآخرين

- ‌إسرائيل وشارون ونادي القتلة

الفصل: ‌ ‌تقديم بالرغم من أنه مضى أكثر من 18 عاماً على صدور

‌تقديم

بالرغم من أنه مضى أكثر من 18 عاماً على صدور كتابي (الصليبيون الجدد .. الحملة الثامنة) -حيث كان ينشر على حلقات في جريدة الخليج الإماراتية (1) - إلا أنني اشعر في كل مره تمر بها امتنا العربية والإسلامية بلحظات عصيبة، بالحاجة إلى إعادة نشره والتذكير به، وبالذات عندما يكون الأمر متعلقاً بأمريكا وبريطانيا ومشروعهما الصليبي في المنطقة (إسرائيل).

فهذه المدة الطويلة التي مرت على أول مره نشرت بها الدراسة لم تفقدها أهميتها وموضوعيتها في تفسير ما يجرى على الأرض العربية، بل أكدت الحاجة إلى إعادة نشرها وتنقيحها، وبالذات وأنها تعالج موضوع حساس ومصيري للأمة العربية والإسلامية وهو أسباب تحيز أمريكيا وبريطانيا السافر لإسرائيل وعداءهما لكل ما هو عربي وإسلامي، حيث لم تكتفي هاتان الدولتان بزرع إسرائيل في قلب الأمة العربية ومدها بكل أسباب الوجود، بل لجأت خلال القرن الحالي إلى محاربة وتدمير أية قوة عربية أو إسلامية يمكن أن تهدد إسرائيل، وسعتا بكل ما أوتيتا من قوة إلى تفكيك العالم الإسلامي وأضعافه بكل الوسائل، مستخدمة مبررات وألاعيب مختلفة، والتي كانت للأسف تنطلي على العرب والمسلمين مره باسم التحرر من السيطرة العثمانية ومحاربة النازية والفاشية، وأخرى باسم محاربة المد الشيوعي والقومي، وثالثة بدعوى نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان، وأخيراً بدعوى محاربة الإرهاب.

ولسنا هنا بحاجة كبيرة إلى إمعان النظر لنتبين الدور الخبيث الذي لعبته هاتان الدولتان مجتمعتين أو منفردتين في تقسيم الدول العربية جغرافياً وسياسياً، ونهب ثرواتها، ومحاربة توجهاتها الوحدوية والنهوضوية، ابتداءً من وعد بلفور ومعاهدة سايكس بيكو ومروراً بحرب 48، 56، 67، 73، وحرب لبنان 82، حتى حرب الخليج، التي دمرت خلالها القوة العسكرية والاقتصادية للأمة العربية، وفرض عليها الجلوس على طاولة المفاوضات مع إسرائيل خاوية اليدين.

(1) نشرت هذه الدراسة ما بين 6/ 2/1989 - مارس 1989 في جريدة الخليخ الاماراتية على حلقات تحت عنوان اليهود في التراث الديني المسيحي.

ص: 10

أما حربها الحالية ضد ما تسميه بالإرهاب التي وضعت على قائمتها 60 دوله غالبيتها العظمى، إسلامية وعربية، بدأتها بأفغانستان وفلسطين والعراق، وتقف في الانتظار، دول مثل إيران وسوريا ولبنان والصومال وليبيا والسودان، وحتى دولاً تعتبر حليفه لأمريكا مثل السعودية ومصر .. الخ، فالحديث عنها يطول، ويبدو أن أمريكيا وبريطانيا تريدان أن تتوجا حملتهما الصليبية على العالم الإسلامي والعربي والتي بدأت قبل أكثر من قرنين من الزمن، بهذه الحرب الفاصلة، حيث اتخذتا من أحداث 11 سبتمبر مبرراً لشن هذه الحملة الشرسة ضد الإسلام والمسلمين في كل مكان بدعوى محاربة الإرهاب. وقد قمت في حينه وبعد أحداث 11سبتمببر مباشرة بنشر دراسة عن هذه الحملة في عدد من الصحف والمجلات العربية وعبر مواقع الإنترنت، بينت فيها البعد الديني لهذه الحملة وكيف أن بوش عندما أعلن أنها حرب صليبية فأنه كان يعنى ما يقول حرفياً، وبينت أيضا كيف أن أحداث 11 سبتمبر هي من تدبير أمريكي لا علاقة للمسلمين بها من قريب أو بعيد، ولكن قامت الإدارة الأمريكية والتيار الديني الأصولي المسيحي الذي يحكم أمريكيا الآن بافتعال هذه الأحداث لتبرير شن هذه الحملة على العالم الإسلامي، حيث يؤمن إتباع هذا التيار الأصولي بخرافات ونبوءات توراتية تقول بضرورة قيام معركة فاصلة بين قوى الخير والشر تسمى هرمجيدون في ارض فلسطين كمقدمه ضرورية لعودة المسيح المنتظر الذي سيحكم العالم من مقره في القدس.

فقد كانت حرب أفغانستان هي البداية الأولى لهذه الحرب التي تسميها أمريكيا حرب الإرهاب والتي صرح الرئيس بوش بأنها ستشمل 60 دوله وستستمر لعدة سنوات، حيث يسعى التيار المسيحي الأصولي الذي يحكم أمريكيا الآن، بكل الوسائل إلى تطبيق وإخراج النبوءات التوراتية على ارض الواقع ولو كان ذلك بافتعال الأحداث وإخراجها كما يريد، وهذا ما حدث في أحداث 11 سبتمبر، وما تلاها من أحداث، حيث اجمع كافة المختصين والمحليين استحالة تنفيذ هذا العمل من قبل تنظيم كتنظيم القاعدة أو إيه جهة خارجية، نظراً للإمكانيات والتدريب والمعلومات الدقيقة التي لا تتوفر إلا لشخصيات قيادية في المخابرات أو الجيش الأمريكي. كما أن الولايات المتحدة لم تستطع حتى هذه اللحظة الآتيان بديل مقنع على تورط تنظيم القاعدة

ص: 11

في هذه العمليات. لهذا نؤكد أن كل ما حدث ليس إلا تدبير أمريكي مسبق لخلق الذرائع والمبررات لشن هذه الحملة الصليبية على العالم الإسلامي، خدمه لمشروعها الصليبي في المنطقة والمتمثل في دولة إسرائيل.

ونفس الشيء يقال عند محاولة معرفة الأسباب الحقيقة لحرب أمريكيا على العراق الشقيق الذي تعرض لمدة أكثر من 13 عاماً لحرب شرسة وحصار همجي وحاقد شنته كلا من بريطانيا وأمريكيا بحجج ومبررات مختلفة، بدأت بدعوى تحرير الكويت وتطبيق قرارات الشرعية الدولية وعمل لجان لتفتيش وأخيرا قامت باحتلاله بدعوى امتلاكه أسلحة دمار شامل

الخ.

ولسنا هنا في سبيل الخوض في هذه الدعاوى والمبررات التي افتعلها أمريكيا والتي يعلم القاصي والداني بطلانها وأنها ما هي إلا شعارات تخفى أمريكيا وراءها الأسباب الحقيقية ومخططاتها الخبيثة في المنطقة العربية والتي تصب في خدمة مشروعها الصليبي في المنطقة والذي يحتل وجود إسرائيل جوهر هذا المشروع الصليبي الذي بدأ التخطيط والتنفيذ له منذ قرون طويلة مع ظهور المذهب البروتستانتي.

فليس مصادفة أن تتزامن هذه الحملة الانجلوسكسونية (الانجلوأمريكية) على كثير من الدول والمنظمات وحركات المقاومة الإسلامية مع هجمة مماثلة يشنها العدو الصهيوني على شعب فلسطين، حيث وصلت عملية السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل إلى طريق مسدود بسبب تعنت الحكومة الإسرائيلية وممارساتها المناقضة لكل ما اتفق عليه سواء في مؤتمر مدريد أو في اتفاقيات أوسلو والتي تم التوصل إليها جميعا برعاية وضمانة أمريكية، حيث كان من المفترض أن تمارس الأخيرة دورها في الضغط على الجانب الإسرائيلي لإجباره على تنفيذ ما اتفق عليه. ولكن الذي حدث أن الولايات المتحدة لم تقم بدورها المطلوب، بل اختارت أن تكون في خندق واحد مع الجانب الإسرائيلي، وعملت كل ما في وسعها من اجل تمرير السياسة الإسرائيلية المناقضة لاتفاقيات السلام، بحيث أصبح التفريق بين الموقف الإسرائيلي والموقف الأمريكي من أصعب الأمور، بل إننا لا نجانب الحقيقة إذا قلنا أن التعنت الإسرائيلي أضحى مطلباً أمريكياً بالدرجة الأولي.

ص: 12

ولسنا هنا في مجال تقييم اتفاقيات السلام لان ذلك لا يدخل ضمن أهداف هذا الكتاب، ولكن الذي نريد توضيحه والتركيز عليه هو تحديد ماهية الصراع الدائر في منطقتنا منذ قرن من الزمن، وتحديد أبعاده والمتغيرات التي يمكن أن تؤثر فيه، ودوافع الدول التي تدعمه وتقف وراءه وتعمل كل ما بوسعها من اجل استمراره وترسيخ وجود الظاهرة الإسرائيلية في المنطقة، وذلك بعيداً عن كل ما يقال عن اثر اللوبي والصوت الانتخابي اليهودي وظروف الحرب الباردة وغيرها من الأقاويل التي أثبتت الأحداث عدم صحتها إطلاقا، حيث سنركز في هذه الدراسة على البعد الديني للصراع، والذي يمكن أن يوضح لنا طبيعة العلاقة القائمة بين إسرائيل والدول الداعمة لها وعلى رأسها بريطانيا وأمريكيا، والسبب الذي يدفع هذه الدول إلى تبني المطالب الصهيونية والدفاع عنها باستماتة.

في كلمة ألقاها بنيامين نتنياهو أثناء صلاة الصباح التي يقيمها المسيحيون الأمريكيون لإسرائيل، في مستهل فبراير 1985م عندما كان سفيراً لإسرائيل لدى الأمم المتحدة، أشاد نتنياهو بـ "الزمالة التاريخية بين المسيحيين المؤمنين واليهود، لان هذه الزمالة قد عملت بنجاح على تحقيق الحلم الصهيوني".

وفي كلمته تعجب نتنياهو كثيراً من جهل أولئك الذين يجدون مدعاة للدهشة فيما يقدمه المسيحيون الأمريكيون الإنجيليون من تأييد قوى وراسخ لإسرائيل ويصورونه كظاهرة جديدة، حيث قال:"فأولئك الذين يعرفون التاريخ الحقيقي للانخراط المسيحي العميق في الحركة الصهيونية لا يجدون أي مدعاة لأية دهشة أو تساؤل بشأن الدعم القوى الذي يقدمه لإسرائيل كل المسيحيين المؤمنين في العالم .. والذي جعل الكتاب والقساوسة والصحفيين ورجال الدولة ـ بريطانيين وأمريكيين ـ دعاة متحمسين لإعادة اليهود إلى وطنهم، حيث لم تكن هذه الصهيونية المسيحية قاصرة على الدعوة أو المثاليات بل امتدت إلى الخطوات العملية اللازمة لتحقيق ذلك الذي كان حلماً ".

هذا ما قاله نتنياهو قبل أكثر من 23 عاماً، عندما كان سفيراً لبلاده في أميركيا، وها هو الآن يستعد لترأس الحكومة الإسرائيلية التي لن نقول عنها أنها ستكون أكثر الحكومات الإسرائيلية تطرفاً وسعيا ً إلى التوسع فحسب، بل نضيف إلى

ص: 13

ذلك إنها ستكون أكثر الحكومات إدراكا ووعيا لحقيقة الموقف الأمريكي الرسمي والشعبي من الصراع الدائر في المنطقة. فنتنياهو تربى وتعلم في أمريكيا وعمل سفيراً لبلاده فيها، وتعرف خلال وجوده فيها عن قرب على التيار المسيحي الديني الداعم لإسرائيل، وسعى هذا التيار لتحقيق المشروع الصهيوني بكامله، انطلاقاً من إيمان أتباعه بنبوءات توراتية تعتبر إقامة إسرائيل وعودة اليهود إليها وبناء الهيكل مقدمات ضرورية لعودة المسيح الثانية، وبداية العصر الألفي السعيد حيث سيحكم المسيح العالم من مقره في القدس!! وانطلاقاً من إدراك نتنياهو لهذه الحقائق فقد حرص خلال عمله في أمريكيا وحتى بعد توليه رئاسة الوزراء على التقرب إلى هذا التيار والاجتماع بزعمائه ومؤيديه لكسب دعمهم وتأييدهم لكل ما يقوم به.

ففي الوقت الذي كان الجيش الإسرائيلي يتصدى بكل وحشية للمظاهرات العارمة التي اندلعت في فلسطين عام 1996 م بسبب إقدام الحكومة الإسرائيلية على افتتاح نفق بالقرب من المسجد الأقصى، كان نتنياهو يحضر اجتماعاً لمئات المسيحيين البروتستانت أعضاء السفارة المسيحية الدولية في مدينة القدس، غير عابئ بالانتقادات الدولية لهذا القرار، حيث ألقى أمام المجتمعين خطاباً حماسياً مثيراً، أكد فيه انه لن يغلق النفق وان القدس ستظل العاصمة الأبدية لدولة إسرائيل، حيث قوبل خطابه بالتصفيق الحاد والتهليل، وقام بعض القساوسة الحاضرين بمباركة نتنياهو، وامسك به أحدهم ووضع يده على رأسه وهو يرتدى القبعة اليهودية، واخذ يقرأ عليه الأدعية والابتهالات الإنجيلية داعياً الله أن يمده بالقوة للثبات على موقفه، وفي نفس الوقت كان جميع الحاضرين في القاعة يرددون كلمة آمين. وخلال هذا الاجتماع قام نتنياهو بإهداء المجتمعين مجسم لمدينة القدس خالي من أي اثر للمسجد الأقصى وقبة الصخرة، حيث وضع مكانهما مجسم للهيكل اليهودي.

ولسنا هنا في مجال سرد للوقائع والشواهد الكثيرة التي توضح اثر العامل الديني في كسب تعاطف المسيحيين البروتستانت، مع دولة إسرائيل وعدائهم لكل ما هو عربي وإسلامي، لأننا لو فعلنا ذلك سنكون بحاجة إلى عدة كتب لتسجيل ذلك. كما أننا لو أردنا متابعة الأحداث الجارية والتصريحات والشواهد اليومية الصادرة عن

ص: 14

المسيحيين البروتستانت فإننا سنضطر لإعادة كتابة هذا العمل كل شهرين أو ثلاثة تقريباً .. ولكننا نكتفي بما ورد في هذا الكتاب من معلومات، والتي نعتقد بأنها كافية لإلقاء الضوء على البعد الديني وأثره في تشكيل السياسة الأمريكية والبريطانية ليس فقط تجاه فلسطين، بل تجاه الأمة العربية والإسلامية .. والعالم، وهذا سيمكننا من معرفة الدوافع الحقيقية لحملتهما الصليبية على العالم الإسلامي، بعيداً عن كل المزاعم التي تحاول أمريكيا وأعوانها ترويجها مثل القول بان الهدف هو محاربة الإرهاب، أو غيرها من الأقوال والمبررات التي أصبح القاصي والداني يدرك بطلانها وعدم كفايتها لتبرير كل هذا الحقد والكراهية التي لا تذخر أمريكا جهداً في صبها على امتنا العربية والإسلامية، ممثلة في فلسطين والعراق وليبيا والسودان وإيران وأفغانستان .. الخ.

فما يحدث في أفغانستان والعراق لا يمكن فهمه إلا من خلال علاقته العضوية بما يحدث في فلسطين، وسياسة أمريكيا وبريطانيا تجاه العراق والعالم العربي والإسلامي لا يمكن فهمها إلا من خلال علاقتهما المباشرة بسياستها تجاه فلسطين. وسياسة أمريكيا وبريطانيا تجاه فلسطين لا يمكن فهمها فهماً صحيحاً بعيدا عن بعدها الديني المرتبط بالمذهب البروتستانتي السائد في هذه الدول الذي أعطى إسرائيل دوراً مركزاً في نظرة هذه الدول للعالم، ودوره في تشكيل العقل والفكر الأمريكي منذ البدايات الأولى وحتى الآن، حيث لم يكن بعيدا عن كل ذلك ما جرى للهنود الحمر والزنوج في أمريكا، أو ما حدث في فيتنام وهوريشيما وأمريكا اللاتينية، فكان الدين حاضراً في كل تلك المشاهد، وكان التراث الديني المستمد من التوارة ونبوءاتها وتفسيراتها هو المحرك لكل ما جرى من حروب صليبية لتطهير أمريكا من الهنود الحمر، ولنهب واستغلال شعوب العالم الاخرى بدعاوى مختلفة، حيث حرص قادة المجتمع الأمريكي السياسيين والروحانيين على السواء، بأن يتخذوا مواقفهم منذ نشأة جمهوريتهم وحتى الآن، على قمة متاحة من الأرض الأخلاقية العالية، مستمدين باستمرار السند والمبرر لكل تصرف أمريكي في شؤون أمريكا والعالم من الدين والأخلاقيات العليا، ومن المصطلحات ذات الرنين الأخلاقي القوى، كـ "الحقوق الإنسانية"، "والقانون الدولي"، و"الحضارة" وما أشبه، ومسبغين على

ص: 15

أنفسهم وعلى بلدهم عباءة الاضطلاع بعبء رسالة حملت العناية الإلهية ذاتها لا أقل، الأمة الأمريكية بها لصالح البشر جميعاً.

وقبل أن اختم هذه المقدمة أود الإشارة إلى أمر مهم، وهو أن هذا الكتاب، لا يهدف إلى القول بأن كل مسيحيي العالم يدعمون إسرائيل ويؤيدون ما تقوم به في فلسطين، بل إن هذا الأمر مقتصرٌ فقط على إتباع المذهب البروتستانتي الذين ينتشرون في أمريكيا وبريطانيا وبعض الدول الأوربية واستراليا، أما الطوائف المسيحية الأخرى ـ كاثوليك وارتوذكس ـ فلا يؤمنون بالتفسيرات والنبوءات التوراتية الخاصة بإسرائيل كما وردت في الإنجيل، ولهم موقفهم الخاص من اليهود وإسرائيل، والذي يصل إلى حد العداء. فالصليبيون الجدد الذين نتحدث عنهم في هذا الكتاب، هم أتباع المذهب البروتستانتي، الذي ظهر مع ما سمي بحركة الإصلاح الديني في القرن السادس عشر. أما بالنسبة لموقف المسيحيين العرب، فلا مجال هنا للمس بهم وبمواقفهم المشرفة عبر التاريخ وبنضالهم في سبيل نصرة قضايا أمتهم العربية وعلى رأسها قضية فلسطين، حيث شاركوا بكل قواهم في التصدي للخطر الصهيوني، سواء بدمائهم أو بأقلامهم التي كانت لها صولات وجولات في فضح الخطر الصهيوني، والتصدي له من خلال كتابات ومواقف كثيرة.

إن هذه الإشارة وهذا التوضيح كان ضرورياً، حتى لا يظن البعض أننا نهدف إلى تصعيد الصراع بين المسيحية والإسلام في وقت حقق الحوارـ بين الإسلام وممثلي الكنائس الأرثوذكسية والكاثوليكية، تفاهما واتفاقاً حول كثير من الأمور، والذي نتمنى أن يستمر للوصول إلى تعايش وتعاون مثمر بين أتباع الديانتين، بعيداً عن محاولات التهويد المنظم التي تخضع لها الفرق المسيحية البروتستانتية. كما إن هذا التوضيح كان ضروريا حتى لا يوضع المسيحيون العرب موضع الاتهام عن جهل أو سوء نية، فالتعايش المسيحي الإسلامي في عالمنا العربي سيظل شاهداً على التسامح والتعاون المثمر بين الأديان بالرغم من كل المحاولات التي يقوم بها أعداء أمتنا العربية من أجل تعكير صفو هذا التعايش.

والكتاب الذي بين أيدينا ينقسم إلى خمسة أقسام، تعالج جميعها موضوع رئيس وهو أثر البعد الديني في تشكيل السياسة العدائية البريطانية والأمريكية

ص: 16

تجاه قضية فلسطين والمنطقة العربية والإسلامية .. والعالم، حيث ركزنا في الباب الأول، على إبراز الجذور التاريخية لعلاقة المسيحيين باليهود، والانقلاب الذي حدث لهذه العلاقة مع ظهور المذهب البروتستانتي وانتشاره في بريطانيا وأمريكا؛ نتيجة للأفكار التي جاء بها هذا المذهب والتي مهدت السبيل إلى إقامة إسرائيل وإعادة اليهود إليها، من خلال سعي إتباعه إلى تحقيق ذلك منذ أكثر من أربعة قرون، وقبل ظهور الحركة الصهيونية، وبينا كيف أن الساسة البريطانيين والأمريكيين كانت ولازالت النظرة الدينية البحتة، هي التي تحكم مواقفهم تجاه قضية فلسطين والعالم الإسلامي.

وفي الباب الثاني عالجنا الأبعاد الدينية للهجمة الأنجلو أمريكية الشرسة على العراق وعلاقتها بمخطط إسرائيل الكبرى ومعركة هرمجيدون، حسب ما جاء في نبوءات التوراة الحاقدة للانتقام من بابل العراق التي سبت اليهود أيام نبوخذ نصر، وليس كما تزعم أمريكا بأنها جاءت لتحرير الكويت أو لتدمير أسلحة الدمار الشامل العراقية.

أما في الباب الثالث فقد عالجنا ما سميناه حملة بوش الصليبية على العالم الإسلامي والتي كانت بدايتها مع أحداث 11 سبتمبر، والتي اتخذتها إدارة بوش ذريعة لتنفيذ مخططها الرهيب والشيطاني في طول وعرض العالم الإسلامي؛ ولتطلق يدها في شن حرب تشمل 60 دولة غالبيتها إسلامية وتستمر لعدة سنوات تحت مسمى مكافحة الإرهاب. حيث أوضحنا أن هذه الأحداث ما هي إلا صناعه أمريكية، ليست بعيده عن صناع القرار الأمريكي والجماعات الأصولية المسيحية الإرهابية، وأن تنظيم القاعدة وأسامة بن لادن ليس لهما علاقة بهذه الأحداث. وأن الأولى بالملاحقة هم أتباع التيار الديني الأصولي المسيحي المتطرف، الذين يشكلون خطراً ليس فقط على العرب والمسلمين، بل خطراً على العالم بأسره من خلال إيمانهم بأفكار ومعتقدات عنصرية حاقدة على الإنسانية جمعاء، والتي تستدعى وقفه واعية وشجاعة من أتباع الديانتين الإسلامية والمسيحية ـ في شقها الكاثوليكي والأرثوذكسي ـ لمواجهة التهويد المنظم للبروتستانتية والذي جعل أتباع هذا

ص: 17

المذهب يقتربون من اليهودية أكثر بكثير من كونهم مسيحيين، حيث أصبح يطلق على حركتهم تسميه الصهيونية المسيحية (1)، والمسيحية منهم براء.

وفي الباب الرابع عالجنا فيه موضوع الإرهاب الأمريكي عبر التاريخ منذ تأسيس أمريكا وحتى الآن، حيث حاولنا إبراز اثر البعد الديني والخرافات التوراتية المتعصبة، في صياغة سياسة أمريكا تجاه العالم أجمع، من خلال إيمان هذه الدولة بخرافات ونبوءات توراتية حاقدة ومتعصبة على البشرية جمعاء، تشرع الإبادة والقتل والسيطرة والنهب على أسس دينية لاهوتية متعصبة، اعتقاداً منها بأن الله اختارها لتحضير العالم، لنوضح حقيقة أن الإرهاب ما هو إلا صناعة أمريكية مارسته ضد شعوب العالم أجمع باسم الشعارات الكاذبة من نشر للحرية والديمقراطية والحفاظ على حقوق الإنسان

ابتداءً من إبادة الهنود الحمر واستعباد العبيد ومروراً بحروب أمريكيا الخارجية في أمريكا اللاتينية وأوروبا وفيتنام وكوريا والعراق وأفغانستان، والتي راح ضحيتها عشرات الملايين من البشر. وعرضنا في هذا الفصل للإرهاب الأمريكي الداخلي، وللعديد من المنظمات الإرهابية الأمريكية المتطرفة التي تنطلق من منطلقات عنصرية متطرفة تشكل خطراً على العالم اجمع، حيث بينا أثر البعد الديني التوراتي على تشكيل الإرهاب الأمريكي الداخلي والخارجي.

وفي الباب الخامس والأخير حاولنا وضع تصور لكيفية مواجهه هذه الهجمة الصليبية الدونية على العالم الإسلامي .. والعالم. والتصور الذي وضعناه يقوم في الأساس على ضرورة تعاون وتضامن كافة دول العالم مسيحية وإسلامية وغيرها، من أجل التصدي للخطر الذي تشكله الصهيونية المسيحية على العالم أجمع، والتي قادت العالم إلى أكثر الحروب دماراً ووحشية في التاريخ، وذلك بمواجهه هذا الخطر من الداخل والخارج وتفعيل حوار الحضارات والأديان وبناء مشروع نهضوي عربي، وتسليط الضوء على دور فلسطين الحضاري وكيف يمكن ان تساهم في هذه المواجهة.

(1) من الجدير بالذكر هنا أن أول من استعمل تعبير (الصهيونية المسيحية) كان ثيودور هرتزل في وصفه لمؤسس الصليب الأحمر الدولي (هنري دونانت) وكان دونانت من الأثرياء الذين مدوا يد العون إلى الحركة الصهيونية، وكان واحدا من شخصيات مسيحية قليلة جدا لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة دعيت إلى المؤتمر الصهيوني الأول في بال انظر كتاب الدين في القرار الأمريكي ـ محمد السماك - ص16.

ص: 18

وأخيرا أرجو أن يكون هذا الكتاب إضافة جديدة للمكتبة العربية، يساهم ولو بقدر بسيط في فهم طبيعة الصراع الدائر في المنطقة، وطبيعة القوى التي تديره، حتى نتمكن من وضع تصور مستقبلي شامل لإدارته، يكون مبنياً على أسس سليمة وفهم صحيح ومعطيات دقيقة، لأن الخطأ في فهم طبيعة العلاقة بين إسرائيل والقوى العظمى المؤيدة لها، ترتب عليه أخطاء كبيرة في التعامل معها، واتخاذ العلاج الخاطئ للأمور المصيرية، لا ينتج عنه إلا أخطاء فادحة على كافة المستويات.

والحمد لله في البدء والختام

يوسف العاصي الطويل

رفح /فلسطين 7/ 2007

ص: 19