الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كخطوة أولى باتجاه العودة وعزم على تحويل أمل العودة واسترجاع الملك إلى إرادة فعالة مخططة والى عمل إيجابي" (1).
يقول الرب على لسان اشعيا: "اسمع لي يا يعقوب، ويا إسرائيل الذي دعوته .. إن الرب أحب كورش، وهو ينفذ قضاءه على بابل ويكون ذراعه على الكلدانيين. لقد دعوت أنا بذاتي (كورش) وعهدت إليه بما أريد، وسأكلل أعماله بالنجاح. اقتربوا مني واسمعوا: منذ البدء لم أتكلم خفية، ولدى حدوثها كنت حاضراً هناك. هناك قد أرسلني السيد الرب وروحه بهذه الرسالة: "هذا ما يقوله الرب فاديك قدوس إسرائيل .. اكسروا أغلال الأسر. ارحلوا عن بابل. ارفعوا أصواتكم بالغناء حتى يذيع في أرجاء الدنيا أن الرب قد فدى عبده يعقوب. لم يعطشوا عندما اجتاز بهم الصحراء. فجر لهم المياه من الصخر. شقه فتدفقت منه المياه. أما الأشرار فلا سلام لهم يقول الرب" (اشعياء 48، 12ـ22).
ثأر اليهود من العراق
من نافلة القول أن الأسر البابلي لم يكن ليبرر حقداً يهودياً أبديا ضد بابل لقرون طويلة قادمة سوى أنهم خلدوه في العهد القديم. ولكن هذا العداء لم يكن مستغرباً طالما أن اليهود كانوا ينظرون إلى بابل أسوأ النظر ويضمرون لها اشد الحقد والعداء، فهي سابيتهم وسيدتهم وهم عبيدها وأسراها (2). وهذه المعتقدات اليهودية الحاقدة علي البشرية هي التي تحرك حكام البيت الأبيض وبريطانيا تجاه المنطقة والعراق. فمنذ أن قام يوحنا بوصم بابل في رأياه، باللقب البغيض (أم العاهرات ونجاسات الأرض)، أصبحت بابل العراق مرتبطة فوراً في أذهان اليهود والمسيحيين الأصوليين - في الغرب بكل أوصاف الرذائل والطغيان والاضطهاد والفساد، وأصبحت عندهم إلى الأبد رمزاً لكل رذيلة ولكل شيء بغيض على وجه الأرض، حتى أن (القديس أوغسطين) نفسه في اعترافاته عن أيام صباه كتب: "انظروا مع أي نوع من الناس رتعت في شوارع بابل، وكيف تمرغت في وحولها كما
(1) الصهيونية المسيحية في نصف الكرة الغربي - جورجي كنعان - ص109ـ116 الجزء الأول (الدعوة والدعاة) - بيسان للنشر والتوزيع - ط1 1995
(2)
اصول الصهيونية في الدين اليهوي - د. اسماعيل راجي الفاروقي - ص 70 - مكتبة وهبه - ط.2 1988
لو كنت دهاناً من الطيب والقرفة فتمسكت بسرتها، لأنه كان من السهل إغوائي". وعن والدته المتدينة البعيدة عن كل مجون كتب يقول:"والدتي التي تجري دماؤها في عروقي، ابتعدت كثيراً عن وسط بابل"(1). حتى إن جنود كرمويل، في غمار إسباغ هوية إسرائيل على أنفسهم، كان تركيزهم على بابل، حيث اتخذ التركيز طابعاً يهودياً خالصاً حيث كانوا يرددون:"سيف على الكلدانيين وعلى سكان بابل وعلى رؤسائها وعلى حكمائها. سيف على أبطالها. سيف على خيلها وعلى مركباتها. سيف على خزائنها فتنهب. حر على مياهها فتنشف"(سفر ارميا 50:35ـ38). فإنجلترا، في هذيان الحمى التطهيرى، لم تصبح (مصر) و (ادوم) و (مواب) فحسب، بل باتت أيضاً (بابل).
ومن نبع الكراهية المصفاة لبابل، بلد السبي، استمد جنود كرمويل بوصفهم إسرائيل المسبية في وطنهم إنجلترا ضراوة خاصة في مقاتلة "البابليين" أي جند شارل الأول" (2).
يقول الاستاذ محمد فاروق الزين: "ان من أكثر الألغاز حيرة وغموضاً أن يعرف المرء السبب الذي من اجله قررت الكنيسة في القرن الرابع أن تدرج (رؤيا يوحنا) ضمن الكتاب المقدس والأكثر غموضاً وحيرة كيف أن (الرؤيا) بعدما أصبحت سفراً من أسفار الكتاب المقدس، تركت هذا الأثر العجيب الذي لا يمحى عبر القرون ليس في العقل الغربي فحسب وإنما في عملية اتخاذ القرارات عند الغربيين تجاه منطقة الشرق الأوسط حتى بعد ألفي عام من الزمن. واليوم نجد في الغرب وفرة من الكتب التي تجد العلاقة صريحة بين عراق اليوم وبين بابل (أم العاهرات ونجاسات الأرض)، ومنها كتاب شارل تايلور بعنوان (صدام بابل العظيمة)، وكتاب شارل داير من ندوة دالاس اللاهوتية بعنوان (صعود بابل) وعلى غلافه صورة صدام، وحتى بعد هزيمة العراق ذكر شارل داير أن العراق قد يبرز من جديد بدور بابل نجاسات الأرض، وان صدام نفسه قد يعود للظهور بصورة (وحش الرؤيا) عدو المسيح فلا يستغرب المرء
(1) المسيحية والإسلام والاستشراف ـ محمد فاروق الزين ص244
(2)
المسيحية والتوراة - شفيق مقار ص120
إذاً أن تستمر العقوبات الاقتصادية على العراق دون أن تحقق غرضاً سوى معاناة الشعب العراقي" (1).
ومن الجدير بالذكر أن (شامبرز) كان هو أول من نبه في كتبه إلى خطورة البابليين - أي العراقيين واعتبر أن البابليين سيكونون مرشحين لقيادة هذه العالم وانتزاع السيطرة من قوى عظمى مسيحيه ولذلك فهناك اعتقاد لدى البعض منهم بأن أمريكا إذا لم تنتصر على العراق وتبيدها في هذه الحرب فان العراق سيصبح في غضون سنوات قليله قوة عظمى يحسب لها ألف حساب، مما سينقل مركز الثقل الدولي إلى منطقة الشرق الأوسط وان التاريخ سيعيد كرته من جديد ويكتب للمسلمين السيطرة على العالم. كما أن نصوص سفر الرؤيا، فيها إغراء لليهود بقتال العراق وتدمير أهله بحجة أن فيها سبعة جبال من ذهب نقي. حيث تقول كتب التيار التجديدي للميسوديت:"أن العرقيين إذا نجحوا أولاً في السيطرة على الذهب وما يرتبط به من جبل الذهب، فإنهم قد يسيطرون على كل المنطقة وأنهم سيدفعون في اتجاه الحرب مع إسرائيل وان العرقيين سينتصرون على إسرائيل في هذه الحرب بل وسيزيلون هذه الدولة من الوجود وأنهم سيطورون المسجد الأقصى بدلاً من هدمه، وعندما يصل بهم الأمر إلى هذا الحد فإن ذلك يعنى عدم عودة المسيح وتأخيره إلى مئات الأعوام الأخرى حتى يتحقق الانتصار من جديد للعالم المسيحي اليهودي المشترك"(2).
وليس من شك أن أتباع الصهيونية المسيحية في أمريكا وبريطانيا، كانوا متشربين روح العهد القديم في النص الحاقد الذي يتحرق كاتبه لسحق رؤوس الأطفال البابليين بالحجارة "طوبى لمن يجازيك يا بابل كما جازيتنا، طوبى لمن يمسك أطفالك ويسحقهم على الصخور"(المزامير ـ المزمور 137). وليس هذا النص فقط، بل مئات غيرها وردت في التوراة وسفر الرؤيا صبت جام غضبها وحقدها، ولعناتها على بابل العراق. ولهذا لم يكن من قبيل المصادفة أن يستشهد (مناحيم بيغن) وهو يوقع معاهدة السلام مع مصر بالنص الحاقد السابق، أمام الرئيس أنور
(1) المسيحية والإسلام والاستشراف ـ محمد فاروق الزين - ص 251ـ262
(2)
عودة المسيح المنتظر لحرب العراق بين النبوءة والسياسة -احمد حجازي السقاص122
السادات والرئيس جيمي كارتر، وفيه المطالبة بالثأر من العراق بسبب سبي نبوخذ نصر لليهود" (1).
وهكذا يبدو أن ذوبان العراق ببابل، وذوبان بابل بالعراق، جعل الحقد اليهودي التاريخي يزداد ذوباناً في نفوس اليهود على امتداد كل العصور حتى عصرنا الحاضر، ضد العراق، وقد ارتضى العراق، أن يدفع، في كل عصر، ضريبة ذوبانه ببابل، وذوبان بابل فيه، باعتبار أن التخلي عن الأصل هو بحد ذاته تخل عن الهوية والانتماء والوجود برمته، وهذا ما لا يرضاه الشعب العراقي في أي زمان ومكان (2).
(1) المصدر السابق- ص123
(2)
خلفيات الحصار الأمريكي البريطاني للعراق - د. صالح زهير الدين - ص 14