الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وينغيت والتفسير العسكري للتوراة
كان الكابتن تشالز اورد وينغيت مؤسس الوحدات الليلية الخاصة، "ابناً لعائلة اسكتلندية تنتمي إلى جماعة (اخوان بليموث) إحدى طوائف (المنشقين) في إنجلترا المتشبعة بروح بوريتانية صارمة. حيث كانت قصص التوراة وترانيم سفر المزامير مادة قراءاته الأولى. وظل يلهج بها طوال حياته، حتى أصبحت دارجة على لسانه. وعن طريقهما عرف أول مره شعب إسرائيل وأرض إسرائيل، اللذين ألهبا خياله منذ نعومة أظفاره"(1).
وفي أثناء توجهه إلى فلسطين، انكب وينغيت على دراسة مشكلات ارض إسرائيل الحديثة. واتضح له بسرعة، أن النضال اليهودي ليس غريبا عنه أبداً. إذ أن قصص التوراة عن حروب بني إسرائيل ضد ملوك الكنعانيين، ومناظر البلد التي كان مولعاً بها، قربته من المسألة اليهودية أكثر فأكثر. وفور وصوله، التحق وينغيت بالقوات البريطانية العاملة في فلسطين، وبدأ نشاطه من أجل تحقيق إقامة الدولة اليهودية، من خلال نشاطه العسكري المميز، حيث قام بتشكيل الوحدات الليلية الخاصة التي لعبت دوراً أساسياً في محاربة الثوار الفلسطينيين، كما لعب دوراً أساسياً في إنشاء الجيش الإسرائيلي من خلال تدريب أفراده وتزويدهم بالمعدات، وقد حدث أن التقى وينغيت بحاييم وايزمان وابن غوريون وقدم لهما خطة مفصلة لإنشاء جيش عبري في فلسطين ليكون جاهزاً لتسلم البلاد في اللحظة المناسبة. لهذا يعتبر وينجيت من أشهر الضابط الإنجليز الذين قدموا مساعدة للمنظمات الصهيونية العسكرية، حيث كان ينظر إلى المساعدة التي يقدمها لليهود كواجب ديني مفروض عليه أن يؤديه.
فقد كان وينغيت ـ مثله، مثل معظم الصهاينة غير اليهود ـ من الحرفيين الدينيين، الذين يفسرون العهد القديم تفسيراً حرفياً، ولذا كان مثابراً على تفسير الأحداث التاريخية التي وردت في الإنجيل تفسيراً عسكرياً وكأنها حدثت بالأمس،
(1) الثورة العربية الكبرى في فلسطين ـ 1936ـ1939م (الرواية الإسرائيلية الرسمية) - ـ ص 331 - مؤسسة الدراسات الفلسطينية.
على حد قول بن جوريون. وكان وينغيت مقتنعاً تمام الاقتناع بأنه مرسل في مهمة دينية مقدسة ومحددة لإنقاذ إسرائيل، وفي ذلك يقول عنه موشى ديان:"كان وينغيت يؤمن إيماناً لا يتزعزع بالتوراة. فقبل أن ينطلق في مهمته كان يقرأ في التوراة، المقطع الذي يتحدث عن المنطقة التي سيسلكها، فيجد فيه ضماناً لانتصارنا، انتصار إله يهوذا"(1).
ويوضح دافيد كوهين ـ وهو أحد الزعماء الصهاينة ـ مدى معرفة وينغيت بفلسطين، ومدى إيمانه بكل ما ورد بشأنها في التوراة، فيقول: "كنت معتاداً على التجول في البلد (فلسطين) برفقة زوار من أبناء الشعب الإنجليزي، كانوا على معرفة بأسماء من تاريخنا، ويعرفون خريطة البلد جيداً ويحفظون مقاطع من التوراة عن ظهر قلب. لكن أياً منهم لم يكن شبيهاً بوينغت في عمق معرفته، واطلاعه المذهل، وقدرته على تفسير ما ورد في التوراة. كان يروى شفاها مقطعاً في أثر مقطع. ها هي حاروشت هغوييم، ديبواره وبراك، جبال غلبواع، تل هاموريه، شوننم وعين دور ـ كل هذا كما لو كان يقرأ في خريطة أمام عينيه ـ هنا تماماً، تقريباً هنا،
…
ربما خلف هذه الصخور
…
هنا أرسلوا الإشارات الضوئية
…
لهذا السبب أو ذاك أصيبوا
…
بالتأكيد فروا من هذا الوادي
…
ولماذا لم يساعدهم إخوانهم من السبط الفلاني، أما كانوا قاطنين هنا، وراء الجبل؟ وكان يتحدث بألم، بانفعال وغضب، كما لو أن الأمر حدث البارحة، كما لو أن الانقسام الكبير بين آل داود وأسباط إسرائيل أمر يخصه شخصياً" (2).
و وينغيت هذا لم يكن إلا نموذجاً من النماذج الكثيرة لضباط وجنود ومسئولين إنجليز، عملوا في فلسطين، وكانت النظرة الدينية البحتة هي التي تحكم تصرفاتهم وقراراتهم تجاه فلسطين. وقد علمت من خلال قصص الاجداد ان هذا الضابط عمل في قريتنا (يبنا) قضاء الرملة ومارس كافة انواع الارهاب ضد سكانها وقد ذكر ابن قريتنا، الاديب والقاص محمد جاد الحق في روايته (قبل الرحيل) بعض من جرائمه
(1) يوميات قادة العدو -3 - الفاشية - موشي دايان- ترجمة جوزيف صفير - ص 38 - دار المسيرة، بيروت.
(2)
الثورة العربية الكبرى في فلسطين ـ 1936ـ1939م (الرواية الإسرائيلية الرسمية) مؤسسة الدراسات الفلسطينية ـ ص 332