الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رونالد ريجان، والحكايات الخرافية عن هرمجدون
كما أسلفا، فإن الاعتقاد بمعركة مجدو، وأنها وشيكة الوقوع قد سيطر على قطاع عريض من البروتستانت، ومنهم أشخاص اعتلوا أعلى كراسي المسئولية في العالم، ومن هؤلاء الرئيس الأمريكي (رونالد ريجان). يقول الأمريكي (اندرولانج) مدير الأبحاث في معهد الدراسات المسيحية ومقيم بواشنطن، "لقد أجريت دراسة عميقة عن ريجان والاعتقاد بمجدو، ووجدت أن ريجان قد نشأ على ذات نظام المعتقدات، التي نشأ عليها كل من (كلايد، وجيرى فالويل، وجيمى سواجارت) ومبشرين آخرين، وإن لدى ريجان اعتقاد بهذا اليوم على الأقل إلى وقت قريب من توليه الرئاسة". وقد عقد (لانج) مؤتمراً صحفياً، نظمه معهد الدراسات المسيحية، وقال في المؤتمر:"إنني وآخرين من المعهد أردنا التحقق في أمر ريجان وأيدلوجية مجدو بالنظر إلى إمكانية أن يعتقد رئيس ما ـ شخصياً ـ بأن الله قد قدر سلفاً حرباً نووية، هي إمكانية تثير عدداً من الأسئلة المخيفة، فهل سيؤمن رئيس معتقد بهذه الإمكانية بجدوى التفاوض على نزع السلاح حقاً؟ وهل سيكون إذا وقعت أزمة نووية واعياً ومتعقلاً؟ أم أنه سيكون تواقاً للضغط على زر ما شاعراً بذلك أنه يحقق تخطيط الله المقدر سلفاً لنهاية الزمن؟!! "(1).
كما نشرت صحيفة (الغارديان) البريطانية نقلاً عن صحيفة (الواشنطن بوست) الأمريكية دراسة جاء فيها: "إنه يجب أن نشعر جميعاً بالقلق عندما يتحدث الرئيس الأمريكي (رونالد ريجان) عن إرادة الله والمعركة الفاصلة بين الخير والشر على أرض الشرق الأوسط في حياة هذا الجيل. وكرر (ريغان) اعتقاداته حول نهاية العالم من خلال معركة هرمجدون التي ستنشب في الشرق الأوسط خمس مرات في أربع سنوات. وقد رفض البيت الأبيض الاستجابة لطلبات إجراء مقابلات صحفية مع الرئيس الأمريكي (ريغن) حول معركة هرمجدون الفاصلة الكبرى. كما رفض تقديم أسئلة مكتوبة إلى ريغن حول معركة هرمجدون (2).
(1) النبوءة والسياسة - جريس هالسيل - ترجمة محمد السماك ص44
(2)
المسيح القادم (مسيح يهودى سفاح) - جورجي كنعان ص41
ومع أن (ريغن) لم يقدم تعريفه الخاص لتعبير هرمجدون، فإن القواميس تفسر التعبير باعتباره المكان الذي ستدور فيه المعركة الفاصلة النهائية بين قوى الخير والشر، والتي سينتصر فيها المسيح المنتظر القادم من السماء على الديكتاتور الفوضوي الشيطاني وجماعته الأشرار، وليعلن بعدها العصر الألفي السعيد، حيث يمر ألف عام من السلام والسعادة، يكون الشيطان خلالها مقيداً بالسلاسل، ثم يبدأ زمن الخلود. وخلال حملة الترشيح لانتخابات الرئاسة الأمريكية عام 1980م ذكر ريغن للواعظ التلفزيوني (جيم باكر) ـ وهو ثالث أكثر المبشرين الإنجيليين التلفزيونيين شعبية في أمريكا، إذ يصل حديثه إلى ما يقارب ست ملايين عائلة يومياً أي 6،8% من مجموع المشاهدين ـ إلى الحاجة إلى صحوة روحية، وقال فجأة قد نكون الجيل الذي سيشهد (هرمجدون). وفي خطاب لريغن أمام مجموعة من زعماء اليهود في نيويورك، كشف عن الارتباط بين هرمجدون والشرق الأوسط، وذلك من خلال قوله أن (إسرائيل) هي الديمقراطية التابثه الوحيدة التي يمكن الاعتماد عليها في المنطقة، التي ستقع فيها المعركة الفاصلة الكبرى (1).
وبعد ستة أسابيع من تنصيب (ريغن) ذكر (جيرى فالويل) المؤيد الرئيس لحملة (ريغن) الانتخابية وصاحب برنامج (ساعة في أزمنة الإنجيل القديم) الأسبوعي، والذي يصل إلى 5،6 مليون عائلة، أي ما يعادل 6،6% من مجموع المشاهدين في أمريكيا، أن ريغن متفق معه حول نبوءة التوراة حول هرمجدون وأن المحرقة النووية ستقع خلال أقل من ستين عاماً، وأنه سيتم في هذه الحرب تدمير روسيا بالأسلحة النووية، وأن المسيحيين في الاتحاد السوفيتي سيبتهجون وسيصعدون إلى السماء في غمضة عين، وبهذه الطريقة سينجون من المحرقة. ويعتقد (فالويل) أن دمار الاتحاد السوفيتي سيتم عندما يتحرك نحو الشرق الأوسط وخاصة إلى إسرائيل. وفي أكتوبر (تشرين) 1983م كشف ريجان النقاب عن أن معركة مجدو ليست فقط عقيدة لا تزال تسكن قلبه، بل إنها لا تزال تشغل باله. فقد اتصل هاتفياً مع (توم داين) من اللجنة المركزية الأمريكية الإسرائيلية للشئون العامة، التي هي أقوى مجموعة ضغط قوية لإسرائيل، ليوجه له الشكر على جهوده لإقناع الكونغرس بإعطاء (ريغن)
(1) النبوءة والسياسة - جريس هالسيل - ترجمة محمد السماك ص50.
تفويضاً بالاحتفاظ بمشاة البحرية الأمريكية في لبنان لمدة ثمانية عشر شهراً، وقال (داين) إن (ريجان) قال له "كما تعرف .. ؟ إنني أستند إلى أنبيائكم القدامى في العهد القديم، وإلى المؤشرات التي تخبر بمجدو، وأني أتساءل إذا كنا الجيل الذي سيشهد ذلك .. لا أعرف إذا كنت لاحظت أياً من هذه التنبؤات، ولكن صدقني إنها تصف الوقت الذي نمر به"(1).
ولما نشرت صحيفة (الجيروزيليم بوست الصهيونية) أقوال ريغن الآنفة، أجرى صحفيان من مجلة (بيبول) حديثاً مع (ريغن)، جاء فيه: إنك ذكرت أن هذا الجيل سيشهد هرمجدون، وان الكثير من نبوءات التوارة تقع حالياً، فهل تعتقد ذلك حقاً؟ فرد (ريغان) قائلاً: لم أقل ذلك علناً من قبل، ولكن تحدثت مع المحيطين بي الآن من رجال الدين، وقد قالوا انه لم يكن هناك زمن وقعت فيه نبوءات متعددة معاً مثل الآن، وكانت هناك أوقات اعتقدنا فيها باقتراب نهاية العالم، لكن ليس في مثل هذه الأوقات. وأعتقد أنه عندما يأتي ذلك الوقت فإن الجيل الموجود سوف يفعل ما يعتقد أنه الحق، وريغن يعنى بعبارة (عندما يأتي ذلك الوقت) أما وقت نهاية العالم، أو وقت حدوث هرمجدون.
والأدهى من ذلك أن ريجان وقتما كان حاكما على ولاية كاليفورنيا، طلب من الواعظ (بيلي جراهام) أن يخطب في مجلسي الولاية التشريعيين ما يسمونه خطاب الوضع العام للولاية، وكان ذلك في تموز من العام (1971م) وبعد الخطاب وجه ريجان السؤال التالي إلى جراهام قائلا:"هل تعتقد أن المسيح سيعود عاجلا" فأجابه جراهام: "كل المؤشرات تقول إنه على الأبواب، وقد يعود في آية لحظة" فوافقه ريجان وكان مسروراً من أجابته، ثم قال:"لقد تحققت جميع النبوءات التي يجب أن تسبق تل مجدو، كل شيء يحدث كما هو متوقع، ولا يمكن للنهاية أن تكون بعيدة بعد اليوم". ثم عندما أصبح ريجان رئيساً اتخذ في عام 1983م الترتيبات لحضور الزعيم الأصولي (فولويل) مجلس الأمن القومي، ليناقش مع كبار موظفي أمريكا خططاً لحرب نووية مع روسيا كما وافق ريجان على أن يخطب (هال ليندسي) مؤلف كتاب كوكب الأرض العظيم الفائت أمام مخططي وزارة الدفاع الأمريكية ـ البنتاجون
(1) النبوءة والسياسة - جريس هالسيل ـ ترجمة محمد السماك ص51
ـ حول احتمالات نشوب الحرب النووية مع روسيا. وفي العام 1983م استخدم (ريجان) تعبير "الامبراطوريه الشريرة" إشارة إلى الإتحاد السوفيتي بمعنى أن السوفييت من قوى الشر التي تدعم قوى الظلام، التي تحارب تحت لواء الوحش عدو المسيح في معركة تل مجدو الرهيبة، حيث يفترض في تلك المعركة أن تقاتل إسرائيل وحلفاءها من قوى الخيرـ كذا ـ إلى جانب المسيح عند مجيئه الثاني (1).
وحيث وضع الرئيس الأسبق ريجان معركة تل مجدو نصب عينيه، فقد وجد من واجبه الديني العمل على زيادة الجبروت العسكري الأمريكي استعدادا للمعركة الرهيبة، وليس من شك في أن عقيدة ريجان بقرب انتهاء التاريخ في تل مجدو كان لها الأثر الأكبر في توجيه سياسته الاقتصادية، وسياسة التسلح العسكري الأمريكي. فخلال فترتين متتاليتين من رئاسته تفاقم عجز الميزانية الفدرالية إلى مستوى مذهل لم يسبق له مثيل في تاريخ أمريكا، وقد انبثقت سياسة ريجان الاقتصادية المبنية على الإنفاق التضخمي من اعتقاده بعدم وجود مبرر للقلق من تفاقم الدين العام، ما دامت (الخطة الإلهية) اقتضت نهاية التاريخ العاجل، ثم أن الإنفاق تركز على التسلح باعتباره الوسيلة المثلى لضمان المستقبل، في الوقت الذي تم فيه تخفيض الإنفاق على البرامج الاجتماعية المحلية، وفي ذلك قال ريحان:"لا يمكن لمعركة تل مجدو أن تحدث في عالم مجرد من السلاح". ومن المعروف أن الوعاظ الأصوليين من أمثال (جيري فالويل)(وهال ليندسي)(وبات روبرتسون) يؤمنون بأن المجيء الثاني لن يتحقق إلا بعد سلسلة من الكوارث والفوضى الاجتماعية والانهيار الاقتصادي وحرب نووية في تل مجدو (2).
ولم يكتف الرئيس ريجان بالإيمان بمثل هذه الخرافات، بل المصيبة الكبرى هي أن رئيس اكبر دوله في العالم والتي لديها مخزون من أسلحة الدمار الشامل، قادرة على تدمير الأرض وإفناء الحياة عنها، كان يؤمن أيضاً بالتنجيم والأبراج، حيث أثر ذلك على قراراته السياسية وعلاقاته مع الدول. يقول (كيتى كيلى) في كتابه (نانسى ريجان ـ فضيحة في البيت الأبيض): اظهر الرئيس (ريجان) اعتقاده في
(1) زعماء ودماء ـ ايمن ابو الروس ص104
(2)
يد الله ـ جريس هالسيل ـ ص17
التنجيم بالنسبة للانتخابات الرئاسية في البرازيل، لأن المنجمين قالوا له:"إن (تانكويدو نيافيز) سوف ينجح. وعند لقائهما في البيت الأبيض قال له ريجان: "إن أبراجنا نحن الاثنين متوافقة، ولذلك فإن العلاقة حسنة بين قطرينا" (1). ويضيف (كيتى كيلى):"في الوقت الذي كانت السيدة الأولى تدير العملية الرئاسية كانت منجمتها (جوان كويجلى)، من خلفها تقودها، حيث أقنعتها هذه العرافة بأن الرئيس يجب ألا يظهر أمام الجماهير إلا بعد 120 يوماً، نتيجة "مجالات الحقد والبغض لكوكبي اورانوس وزحل"، والتي قالت أنها تحولت ضده. وعلى أساس كلام المنجمة التي تتقاضى 3000 دولار شهرياً، أجبرت نانسى زوجها ريجان على عدم الخروج من البيت الأبيض، ولكنها وافقت رغم ذلك على أن يخرج يوم 27 يناير 1987م ليلقى خطاب الاتحاد في الكونغرس"(2).
فرئيس هذا حاله، كانت معجزة أن مرت فترة رئاسته بدون حدوث كارثة كونية، بسبب إيمانه بالخرافات وبأقوال المنجمين. وعندما يستعيد المرء أحداث الماضي القريب، يصاب بالذعر كيف أن أقوى أمة على وجه الأرض متحالفة مع إسرائيل، آمن رئيسها بلاهوت تل مجدو، وتطلع واستعد بجد ونشاط لتحقيق النهاية الرهيبة، فلم يكن أقل من معجزة أن انتهت ولاية (ريحان) دون انفجار حرب نووية بسبب نبوءات أصر أصحابها على تحقيقها قسراً. غير أن ما نخشاه حقيقة من تسلط أو إغراء هذه النبوءات هو ما ذكره (ارنست ناجل) عن التنبؤ المحقق لنفسه. وهو الذي يتألف من تنبؤات لا تصدق على الوقائع الفعلية، أو الوقت الذي تصاغ فيه هذه التنبؤات، غير أنها تغدو صادقة بسبب الأفعال التي تتخذ كنتيجة مترتبة على الاعتقاد بصحة تلك التنبؤات (3). وهنا يقول الكنسي البريطاني (روبرت جيوبت): أن من النتائج الجانبية المرعبة للاعتقاد بأن الله قضى مسبقاً بهرمجيدون هو أنه يصبح من اليسير (خلق) الحالة الموصوفة، بحيث إن التفسير يقود إلى تحقيقها. ويقول (ستيفن اولبرى) مؤلف
(1) نانسى ريجان ـ فضيحة في البيت الأبيض كيتى كي - يوسف فكرى، نهال الشريف - ص475 - دار الهلال،1991
(2)
نانسى ريجان ـ فضيحة في البيت الأبيض كيتى كي ص470
(3)
صدام الحضارات - صامويل هنتنجتون -ترجمة طلعت الشايب ـ تقديم د. صلاح قنصوه ص25 - الناشر: سطور- 1998