الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أصغر وأقل أهمية، من شأنه أن يفتح الباب لتطور تاريخي لا مناص من تحقيقه على المدى البعيد، وان كانت معاهدة السلام قد أعاقته في الوقت الراهن" (1).
وهنا نرى أن توقيع مصر لاتفاقية السلام مع إسرائيل لم تشفع لها وتستثنيها من مخططات اليهود والصهاينة المسيحيون، الذين يدركون أن هذه الاتفاقية ليست إلا فتره للهدنة، ليتمكنوا خلالها من الانقضاض على الدول العربية دولة بسبب عزل مصر عن محيطها العربي، باعتبارها تشكل مركز الثقل في المواجهة، ليأتي حسابها الكبير بعد ذلك تنفيذاً لأوامر التوراة اليهودية للانتقام من المصريين، الذين اضطهدوا اليهود وأخرجوهم من مصر. هذه هي خطط الصهيونية الاستراتيجية تجاه مصر والسودان وليبيا، والتي تبدو كتطبيق حرفي لما ورد في التوراة في مواضع كثيرة، وتعالوا نقارن ..
نبوءة بشأن مصر
احتلت مصر مكاناً مركزياً في التفكير اليهودي، لاسباب متعددة منها الحضاري والسياسي والدينى، حيث كانت الحضارة المصرية القديمه من اعرق الحضارات التى ظل بنو اسرائيل يحسدونها على ما وصلت اليه من ازدهار وقوه انعكس على نفوذها وسلطانها في المنطقة كلها، بينما كان اليهود مجرد قبائل رحل لا دور حضاري لهم. يضاف إلى ذلك ان مصر شهدت نزوح اليهود اليها، ثم خروجهم من ارض مصر بقيادة النبي موسى، وتيههم "في الأزمنة الأخيرة لإسرائيل، زمن أنبياء ارميا واشعيا، وقبل زمن من تدمير الهيكل على يد طيطس الروماني وتشتيتهم في بقاع العالم، وقف أنبياء إسرائيل على عتبات النهاية، يتنبأون بعودة المجد السليماني، وقيام دولة إسرائيل مره أخرى، وأنها حينذاك ستسود العالم، لكن قيامها كان يشترط أولاً وأخيراً خراباً تاماً لمصر وإذلالاً لها، وهو ما يفصح عن التكوين النفسي والعقلي ومدى التشوه، الذي لحق بنفوس القوم تجاه مصر"(2).
(1) مجلة كيفونيم، القدس، العدد 14 فبراير 1982ص49ـ59 نقلا عن كتاب الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية- روجيه جارودى ص271 - تقديم محمد حسنين هيكل - دار الشروق- ط1 1998
(2)
رب الزمان - سيد محمود القمني - ص 44
"فاليهود لم تستند على أعتاب صدورهم أو تطرق أبواب نفوسهم القيم الإنسانية، والفضائل الخلقية، كإطعام الجائع، وإعطاء المحتاج، وحماية الخائف، التي كان المصري القديم يقدسها معتقداً أنها الأساس في حياته، وفي مماته أيضاً. وعلى النقيض كان بنو إسرائيل في الأخلاق والسلوك. فقد عبروا عن محبتهم وحسن معاملتهم بطوفان من الحقد العنصري المرير، واغرقوا به المصريين الذين فتحوا لهم قلوبهم بمحبة وأبوابهم بالكرم، واسكنوا الرعاة الجياع في أرضهم الخيرة المعطاء، وقابلوا هذه المعاملة الحسنة بسلوك فريد من الحيل والدهاء والمكر والحقد والغدر. فمن جهة استغلوا ثقة المصريين وطيب قلوبهم وكرم ضيافتهم ونقاء سرائرهم وصفاء نواياهم، وائتمروا ليلة عزموا على الخروج من مصر أن "يطلب كل رجل من صاحبه، وكل إمرأة من صاحبتها أمتعة فضه وأمتعة ذهب
…
ليكون حين تمضون أنكم لا تمضون فارغين" (سفر الخروج)، كما قال لهم اللههم. ومن جهة أخرى رموا أو رمى إلههم مصر بتلك الضربات الرهيبة، التي يقشعر لهولها الضمير، ويذهل لحقدها الفكر، وتشحب بجوارها أفظع قصص الرعب"(1).
ويعبر يهوه الرب عن حقده اللاهب على مصر بكلمات يصغر عما فيها من صور حاقدة شائنة ملتاثه، كل ما في الدنيا من كلمات البذاءة والتوقح والذم والتحقير. يقول اشعياء: "ها هو الرب قادم إلى مصر يركب سحابة سريعة (2)، فترتجف أوثان مصر في حضرته، وتذوب قلوب المصريين في داخلهم. وأثير مصريين على مصريون فيتحاربون، ويقوم الواحد على أخيه، والمدينة على المدينة والمملكة على المملكة، فتذوب أرواح المصريين في داخلهم، وأبطل مشورتهم، فيسألون الأوثان والسحرة وأصحاب التوابع والعرافين. وأسلط على المصريين مولى قاس، فيسود ملك عنيف عليهم. هذا ما يقوله الرب القدير. وتنضب مياه النيل، وتجف الأحواض وتيبس. تنتن القنوات، وتتناقص تفرعات النيل وتجف، ويتلف القصب والأسل. وتذبل النباتات على ضفاف نهر النيل والحقول والمزروعات كلها تجف، وكأنها لم
(1) المسيح القادم .. مسيح يهودي سفاح - جورجي كنعان - ص148
(2)
يفسر بعض المسيحيون قوله في إنذار مصر: (هو ذا الرب راكب على سحابة سريعة وقادم إلى مصر) أن المسيح ـ الذي هو الرب ـ قد وصل إلى مصر وهو طفل يرضع على سحابة. راجع عودة المسيح المنتظر لحرب العراق بين النبوءة والسياسة ـ احمد حجازي السقا ص222
تكن مخضرة. فيئن الصيادون وطارحو الشصوص في النيل وينوحون ويتحسر الذين يلقون شباكهم في المياه. ويتولى اليأس قلوب الذين يصنعون الكتان الممشط، ويفقد حائكو الكتان الفاخر كل أمل. ويسحق الرجال، أعمدة الأرض، ويكتئب كل عامل أجير".
ويضيف اشعياء فيقول: "رؤساء صوعن حمقى، ومشورات فرعون غبية. كيف تقولون لفرعون نحن من نسل حكماء، وأبناء ملوك قدامى؟ أين حكماؤك يا فرعون ليطلعوك على ما قضى به الرب القدير على مصر؟ قد حمق رؤساء صوعن وانخدع أمراء نوف وأضل مصر شرفاء قبائلها. جعل الرب فيها روح فوضى، فأضلوا مصر في كل تصرفاتها، حتى ترنحت كترنح السكران في قيئه. فلم يبق لعظمائها أو أدنيائها ما يفعلونه فيها. في ذلك اليوم يرتعد المصريون كالنساء خوفاً من يد الرب القدير، التي يهزها فوقهم. وتغدو أرض يهودا مثار رعب للمصريين، فيعتريها الفزع من ذكرها، لأن الرب القدير قد قضى قضاءه على مصر"(اشعياء 19، 1ـ17). ثم يؤنب اشعيا بني جلدته الذين يلجأون إلى مصر وفيئها في الملمات، ويقول:"ويل للبنين المتمردين .. الذين يذهبون إلى مصر للمعونة .. ليلتجئوا إلى حصن فرعون، ويحتمون بظل مصر، فيصير لكم حص فرعون خجلاً، والاحتماء بظل مصر عاراً"(سفر اشعيا الإصحاح 30).
ويقول يهوه بلسان حزقيال: "هأنذا عليك يا فرعون ملك مصر، فاجعل حذائي في فكيك، أتركك في البرية، بذلتك طعاماً لوحوش البر ولطيور السماء. هاأنذا اجلب عليك سيفاً واستأصل منك الإنسان والحيوان وتكون ارض مصر مقفرة خربة واجعل أرض مصر خرباً خربة مقفرة، لا تمر فيها رجل إنسان ولا رجل بهيمة أشتت المصريين بين الأمم وأبددهم في الأراضي"(1). أما ارميا فقد وقف يعبر عن مكنون كل إسرائيلي تجاه مصر (2) في قوله: "اخبروا مصر، واسمعوا في مجدل، واسمعوا في نوف (منف) وفي تحفنيس، قولوا انتصب وتهيأ الآن، لأن السيف يأكل حواليك ..
(1) المسيح القادم .. مسيح يهودي سفاح - جورجي كنعان - ص144
(2)
رب الزمان - سيد محمود القمني - ص 45
نادوا هناك فرعون ملك مصر هالك .. نوف تصير خربة وتحرق فلا ساكن .. هاأنذا أعاقب آمون نوف وفرعون مصر وآلهتها والمتوكلين عليه" (سفر ارميا الإصحاح 46).
هذا هو مصير مصر كما تريده التوراة اليهودية الحاقدة، وغيره الكثير الذي يعمل الصليبيون الجدد على إخراجه إلى ارض الواقع، والذي لا يقل عما جاء بحق بابل وآشور والفلسطينيين، لأن مصر احتلت مكاناً خاصاً ورئيساً في الفكر اليهودي، وذكريات الخروج من مصر والتيه في سيناء
…
الخ، سجلها اليهود في ثوراتهم الحاقدة، وتوعدوا المصريين بالدمار والقتل وكل أصناف الويلات كما جاء في النص السابق. فمن الحرب الأهلية وتقسيم مصر .. إلى أبطال المشورة وتسليط ملك قاس على المصريين، بل يصل الحقد اليهودي على مصر إلى حد تمنى جفاف مياه النيل وتلف الضرع والزرع.
واعتقد أنه ليس صدفة أن تتطابق هذه الرؤية التوراتية مع ما جاء في التقرير السالف الذكر، وما يخطط لمصر على أرض الواقع. فالمحاولات الإسرائيلية الأمريكية لخلق فتنة طائفية في مصر على أشدها، .. وإسرائيل وصلت إلى بوابة البحر الأحمر في جزيرتي حنيش الكبرى والصغرى، وهي تثبت أقدامها في أعالي النيل ومنطقة البحيرات. وفي المستقبل القريب سوف يدور الصراع حول المياه .. والنيل والبحيرات هي المخزن الاستراتيجي الهائل لمصر وللأمة العربية، وقد بدأت أولى فصول المؤامرة على مياه النيل بإعلان بعض الدول الأفريقية رغبتها في إعادة النظر في توزيع حصص مياه النيل، حيث ستكون مصر والسودان من اكبر المتضررين من ذلك.
وفي نفس السياق يتم تهديد الحدود الجنوبية لمصر وهى السودان، من خلال ما يحدث في الجنوب، وفي الشرق في دارفور وأريتريا، حيث الأيادي الصهيونية الأمريكية واضحة في كل ما يحدث هناك من مؤامرة كبرى ليس على السودان فقط، بل على مصر أيضاً وعلى الأمة بأكملها. وكان المفروض أن تفيق الأمة وان تتقارب وتتوحد، ولكنا نقرأ العكس، (اسياس افورتي) يفتح معسكرات تدريب لجون قرنق