الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يهود إلى مصر ومنهم النبي إرمياه، وبذلك سقطت مملكة يهودا 586 ق. م .... وهكذا اختفت سلالة داوود الملكية، رمز الوعود والآمال واختفى معها الأمل بالسيطرة الشاملة
…
واستمرت حياة الشعب العبري في فلسطين بدون ملوكه وبدون ارستقراطيته الكهنوتية والتجارية (1).
وفي الفترة البابلية كان معظم الاسرائيليين، بما في ذلك سكان يهودا، من الوثنيين خلال الجانب الاعظم من هذه الحقبة، فقط قلة قليلة من الاسرائيليين اتبعوا النزعات التي انبثقت منها اليهودية في وقت لاحق (2). وهنا يسجل التلمود أن سقوط دولة اليهود وتدميرها لم يكن إلا "عندما بلغت ذنوب بني إسرائيل مبلغها وفاقت حدود ما يطيقه الإله العظيم، وعندما رفضوا أن ينصتوا لكلمات وتحذيرات إرمياه". وبعد تدمير الهيكل وجه النبي إرمياه كلامه إلى نبوخذ نصر والكلدانيين قائلاً: "لا تظن أنك بقوتك وحدها استطعت أن تتغلب على شعب الله المختار، إنها ذنوبهم الفاجرة التي ساقتهم إلى هذا العذاب". وتشير التوارة إلى آثام بني إسرائيل التي استحقوا بسببها سقوط مملكتهم، فتذكر على لسان أشعيا أحد أنبيائهم:"ويل للأمة الخاطئة، الشعب الثقيل الآثم، نسل فاعلي الشر، أولاد مفسدين تركوا الرب، استهانوا بقدوس إسرائيل، ارتدوا إلى وراء"(3). وتقول ايضاً: "والأرض تدنست تحت سكانها لأنهم تعدوا الشرائع، غيروا الفريضة، نكثوا العهد الأبدي"(4).
حياة السبي وأثرها في تشكيل الشخصية اليهودية
تعتبر حقبة السبي البابلي نقطة تحول هامة في تاريخ اليهود، إذ شهدت مخاضاً عسيراً، انتهت بولادة دين جديد، وفكر جديد، وتاريخ جديد للشعب اليهودي. فخلال فترة السبي، أعاد علماء اليهود كتابة تاريخ الشعب اليهودي حسب وجهة نظر جماعة الفريسيين، فحلت تقاليد جديدة بدلاً من القديمة، ونشأت مبادئ الانعزال اليهودي،
(1) فلسطين ارض الرسالات السماوية - روجيه جارودي - ترجمة قصي اتاسي- ميشيل واكيم - ص95 - 96
(2)
الاصولية اليهودية في اسرائيل- تأليف اسرائيل شاحاك، نورتون متسفينسكي - ص23 ترجمة ناصر عفيفي - الناشر الكتاب الذهبي مؤسسة روز اليوسق- 2001
(3)
سفر أشعيا - الإصحاح الأول
(4)
سفر أشعيا - الإصحاح 24
والابتعاد عن المؤثرات الدينية والثقافية لدى الشعوب الأخرى، وكان من نتائج ذلك أن شحنت العقائد الجديدة للشعب اليهودي بالحقد على البشرية، وغرست في نفسه فكرة الحصول على (الوعد) من الرب بتملك العالم، والسيطرة على سائر الشعوب (1)، عن طريق مسيح مخلص ينتقم لهم من الشعوب التي اضطهدتهم.
وهكذا وضع الفريسيون الأسس التي قامت عليها الشخصية اليهودية خلال العصور القادمة، بحيث انه لا يمكن تحليل هذه الشخصية من دون تظهير جذور العنف الكامن فيها، والكشف عن أصالته التوراتية التلموديه، والتي تشكل أساسا معرفيا يتحكم بأنماط السلوك للجماعات اليهودية، ويوجه ردود أفعالها في كل المراحل. ويعجب المرء وهو يتابع قراءته المتأنية للفكر اليهودي، من خلال توقيعاته في الخطاب التوراتي المتداول فيما بينهم، وذلك لما يجده من طروحات تلبس رداء القداسة، وتدعي أن مصدرها السماء، وهي ليست أكثر من أوهام وأحقاد وضغائن يندر وجودها في فكر ومعتقدات أي أمة بغض النظر عن مصدرها، وضعياً كان، أم غير ذلك (2).
فحقبة السبي البابلي تعتبر نقطة تحول هامة في تاريخ اليهود، حيث كان تاريخهم بعد موت سيدنا سليمان، تاريخ تدهور وانحلال، وفي السبي البابلي زاد من وطأة شعورهم بهذا التاريخ العاثر، شعورهم بالاضطهاد، وكان للظواهر المقلقة في نفوسهم والأحوال الاجتماعية المضطربة في حياتهم، انعكاس واضح الأثر في مشاعرهم النفسية الجياشة، فحفلت الآثار الأدبية التي وضعها هناك كهنتهم وشعراؤهم، بالمرثيات الشعرية الضافية، تندب حظ اليهود العاثر وتعبر عن آمالهم بالخلاص مما يعانون من ذل الأسر ومحنة السبي، ورهق التشريد، والعودة إلى فلسطين ونما في نفوسهم توق ونزوع إلى مخلص ينقذهم من عار الخيبات التي منوا ويمنون بها، ويخلصهم من الاضطهاد الذي يلحق بهم، أو من الشعور بالاضطهاد الذي يعانون منه (3).
(1) النشاط السري اليهودي في الفكر والممارسة - غازي محمد فرج 145ـ146 - دار النفائس- ط1 1990
(2)
صناعة الإرهاب ـ د. عبد الغني عماد - ص109
(3)
الأصولية المسيحية في نصف الكرة الغربي ـ جورجي كنعان ص113
فبعد السبي والتشتت، ومعاناة الشعور بالقهر، والتشرد، والخوف، وعدم الاستقرار، التي عاشها اليهود خلال السبي، لم يبق لليهود ما يبث في نفوسهم الهدوء، ويدب في روعهم الاطمئنان، غير الآمال يزرعها أنبياؤهم في صدورهم، وغير الأحلام ينشرونها في وجوههم المتعبة، وكان مدونو العهد القديم من البراعة أن يجعلوا من هذه الأماني والأحلام، نبوءات تدفق في نفوسهم الرجاء بأن يهوه (الرب) سيفتقدهم، وينقذهم من عذاب الأسر وذل السبي، ويعيدهم إلى (أرض الميعاد) فكان الوعد بيوم الرجاء بالخلاص الآتي، ورسخت في أذهانهم فكرة المسيح المخلص، الذي يأتي في سطوة زمنية وينقذهم مما صاروا إليه من ذل وهوان، ويعيد لهم مجد داود وسليمان، وكانت رأياهم عن المسيح المنتظر، ملكا من نسل داود، مملكته في الدنيا، يخضع الشعوب لسيطرتهم، ويضع أقدامهم فوق رقاب الأمم.
يقول النبي أشعيا: "ويكون في ذلك اليوم أن أصل يسى (والد داود) القائم راية للشعوب، إياه تطلب الأمم، ويكون محله ممجداً، ويكون في ذلك اليوم أن السيد (يهوه) يعيد يده ثانية، ليقتني بقية شعبه التي بقيت من أشور، ومن مصر، ومن فتروس، ومن كوش، ومن عيلا، ومن شنعار، ومن حماة، ومن جزائر الأمم، ويرفع راية للأمم، يجمع منفيي إسرائيل، ويضم مشتتي يهوذا، من أربعة أطراف الأرض، فينقضان على أكتاف الفلسطينيين غرباً، وينهبون بني المشرق معاً، يكون على ادوم ومؤاب امتداد يدهما، وبني عمون في طاعتهما". (سفر أشعيا 11، 10ـ14)
فحياة السبي التي عاناها اليهود عمقت في نفوسهم عقدة الحقد والكراهية للشعوب، كل الشعوب، ولم يبق لهم ما يروون به غلة الحقد والانتقام غير الحلم ـ النبوءة، فكان اعتقادهم بمجيء المسيح الملك لينتقم لهم من أمم الأرض، وكان الحلم ـ الرؤيا أن أصل يسى (داود) ـ المسيح، يقوم رأيه للشعوب في ذلك اليوم ينقضان على أكتاف الفلسطينيين، وينهبون بني المشرق، ويخضعون أدوم ومؤاب وبني عمون ـ الشعوب التي قهرتهم وأذلتهم، ثم قذفتهم خارج تخومها عندما رأتهم