الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لقد كانت الغارات الأميركية صباح يوم 17 يناير/ كانون الثاني 1991م تستهدف كل المنجزات العراقية مما يبدو للوهلة الأولى، لا علاقة له بما سميت زوراً بحرب تحرير الكويت، القصور الجمهورية والوزارات والمؤسسات العامة والجسور ومحطات الطاقة والمطارات ومصافي البترول والمصانع، ومحطات التكرير الصحية، ومصانع الأغذية وخطوط السكة الحديدية، ومصانع النسيج ومحطات الري، والمدارس والمستشفيات ومعمل لحليب الأطفال. وتعرض العراق لقصف لم يستخدم في كمه ونوعه حتى في الحرب العالمية الثانية، فقد نفذت القوات الأميركية 110 آلاف طلعة جوية وأنزلت 85 ألف طن من المتفجرات، وانسحب العراق من الكويت، ولكن تواصلت حرب الاستنزاف والحصار عليه دون رحمة حتى جرى احتلاله عام 2003 (1).
إنجازات صدام
قبل أن ننتقل إلى القسم التالي من الكتاب لابد أن نشير ولو بإيجاز إلى الإنجازات التي تحققت في عهد الرئيس الراحل صدام حسين والتي دفعت أمريكا للتآمر عليه بمساعده بعض الدول العربية، من اجل حماية مشروعها الصليبي في المنطقة (إسرائيل). أما لماذا الحديث عن الانجازات، فإن مرد ذلك للتذكير في زمن الأكاذيب الأمريكية التي تقلب الأبيض أسود، وتصنع من الأبطال مجرمين، ومن العاهرين والداعرين أنبياء ومخلصين. فالرحل صدام حسين في ذمة الله، ولا يملك الفرصة لدفع الأكاذيب التي ألصقت به، ولكن الواقع الذي يعيشه العراق الآن هو أفضل دفاع يمكن أن يستدل به على انجازات الرجل وكذب وخسة المحتل وأعوانه.
فخلال فتره حكمه للعراق تمكن الرئيس صدام حسين من تحقيق انجازات عديدة للعراق برغم كل محاولات الإساءة والتضليل التي نسجت حول فترة حكمة، فمنذ وجوده الأول عام 1968م وحتى سقوط بغداد حقق نظام صدام حسين العديد من الانجازات. فمنذ البدء عام 1972م أمم صدام حسين النفط، وكانت هذه الخطوة
(1) زلزال في أرض الشقاق: العراق 1915 - 2015 - كمال ديب؛ تقديم جورج قرم. - ط.1 - بيروت، لبنان: دار الفارابي، 2003. عرض/ إبراهيم غرايبةـ المصدر: الجزير ـ19/ 2/2004م
الأولى على طريق رصد هذا الرجل ونظامه وماذا يفعل في العراق. في عام 1972م كان المدخول النفطي للعراق ثمانمائة وأربعين مليون دولار، وفي العام 1981م حسب النشرة الاقتصادية لمجلة الشرق الأوسط وصل مدخول العراق من النفط25.9 مليار دولار، هذه النقلة الأولى لوضع البلد خارج النفق، فالعراق بدأ بتأميم النفط ثم تقدم في خطواته نحو نوع من تصنيع البلد، وجعله في مصاف أوائل دول العالم الثالث، وهناك تقرير من هيئة الأمم المتحدة يقول بأن النظام الصحي، والنظام التعليمي، هو الأول في بلدان العالم الثالث، هناك ثلاثة آلاف كيلو متراً طولية من السكك الحديدية والأوتوسترادات بناها نظام صدام، هناك المطارات وهناك السدود وهناك المحطات النووية وهناك المفاعلات الذرية وهناك تحديث العسكرة وهناك ما لا يمكن أن يحصى، هناك ثمانية ملايين دونم زراعي العام 1972م انتقلت إلى 25 مليون دونما زراعيا تستخدم منه الآلات الزراعية الحديثة، ويكاد يكون لكل فلاح صاحب قطعة من الأرض جرار آلي.
الوزير الفرنسي الأسبق (جان بيير شوفينمان) وهذا لم يكن من أزلام ولا من فلول صدام قال ذات مرة عشية استقالته وهو وزير دفاع من منصبه لأنه رأى بأم عينه بأن ما يحدث هو ليس تحرير للكويت بل تدمير العراق لذلك قدم استقالته قال بالحرف الواحد: في غضون قرن لثلاث مرات، يقوم الغرب بتحطيم حلم نهضة عربية بدأت من محمد علي باشا ومروراً بجمال عبد الناصر وانتهاءً بصدام حسين. هذا الذي قاله جان بيير شوفينمان وهو ديغولي ومن الديغوليين الكبار وليس من الناس الذين ممكن أن نحسبهم على خانة فلان أو عِلان، حسب تقييماتنا وتصنيفاتنا في الشرق العربي. http://www.aljazeera.net/programs/op_direction/articles/2004/7/7-11-1.htm - TOP#TOP
( جون بلجر) صاحب كتاب سادة العالم يقول بالحرف الواحد: إن أكثر نظام في العالم العربي استثمر في البنى التحتية وفي الاقتصاد، وفي دعم شعبه، هو صدام حسين كم من المليارات التي أُنفِقت على الطلبة العراقيين في العالم إلى ما هنالك في فترة من الفترات، كان العراقيون يستوردون البقدونس بطائرات خاصة، لماذا يتناسى البعض كل ذلك والآن لا يتذكرون منه إلا جرائمه؟.
هذا العمل المنهجي، هذا العمل التحويلي الانتقالي من واقع إلى واقع آخر، سيلقى صدودا من قوى تقليدية موجودة في العراق تتحدث عن إعدامات، وعن جرائم، ومقابر جماعية، وغيرها، وهذه محددات ابن خلدونية التي قالت بالقبيله، والعصبية القبلية، والطائفية، والمذهبية، والمغنم. هذه محددات ابن خلدون موجودة في العراق، كما أنها موجودة في كامل الوطن العربي، هذه المحددات تقول فيما تقول بأنه بعد (الواثق) الخليفة العباسي السابع، لم يذهب خليفة إلى ملاقاة ربه بصورة طبيعية، بل ذهب كل خليفة إما غيلة، أو قتلا أو سملا للعيون أو دسا للسم هكذا كان العراق في تاريخه وهكذا كانت المنطقة العربية كلها، محددات ابن خلدون تتحدث عن واقع عصبوي قبلي طائفي، لا تستطيع المنطقة أن تخرج منها؛ لأنه نحن نُحكَّم بماضينا في حاضرنا.
أليس كل هذا وغيره كثير من إنجازات ومن إيجابيات صدام حسين؟ إلى متى نظل نقول أنه الديكتاتور؟ لو أن الحكام العرب كلهم تساووا في الديكتاتورية أرى أن الرئيس صدام حسين تميز عنهم في أنه لم تكن في العراق سفارة صهيونية على أرض العراق ولم يُرفَّع علم صهيوني على أرض العراق ولم يضع يده في يد شارون أو بيغن أو موفاز أو شامير أليست هذه من إيجابيات الرئيس القائد صدام حسين؟ في عددها التذكاري الصادر عام 1976م بماسبة حرب أكتوبر قالت مجلة الهلال المصرية: تعتبر المشاركة العراقية في حرب أكتوبر من أبرز معالم التضامن العربي على الرغم من عدم علم القيادة العراقية وعدم التشاور معها في الحرب لكن بعد سماع النبأ عبر المذياع أرسل العراق ثلاثة أرباع قواته الجوية وثلث قواته المدرعة وخمس قواته المشاة أي أن العراق كان القوة العربية الثالثة كانت مصر وسوريا والعراق.
وعندما تباهى مناحم بيغن بأنه هو الذي أسس لعلاقة إيجابية مع الأكراد لذبح المزيد من جنود بغداد وعندما تباهى بأنه هو الذي دمر المفاعل أوزيرات في العراق أجابه إيفين يعقوب أيفين رئيس تحرير جريدة علهمشمار في 89/ 3/1990م بقوله: نصيحتي لقادة إسرائيل وهي أن يثقوا بما يقوله صدام حسين حيث أقواله غالبا ما تصاحب أفعاله فالبرج المنطقي الذي بناه وعرضه، ثابت وسليم ومستمر وإمكانيات
العراق قادرة على إعطائه إشارة البدء بالعمل، إن برج صدام البابلي يتكامل وهو هنا برج الإمكانية والاستعداد والتأسيس لا بنهضة علمية واقتصادية وعسكرية فحسب بل وبطموح تكنولوجي موازي أيضا تخصيب اليورانيوم إنه يستعد الآن لكي يضرب غدا وهذا المقال عنوانه" السرب الأول يعقوب إيفين علهمشمار.
في عام 1972م رفع صدام حسين شعار نفط العرب للعرب في الوقت الذي يُقتَّل فيه العربي بالنفط العربي أليست هذه من إيجابيات صدام حسين؟ في الوقت الذي وصلت فيه الأمية في بعض الدول العربية إلى أكثر من 50%، كانت العراق باعتراف من منظمة اليونسكو التي قال تقرير لها: إن ثلاثة أعشار في المائة نسبة الأمية في عهد صدام، إن 24 ألفا من علماء العراق هم ثروة الأمة أين تعلموا هل تعلموا في سفارات واشنطن أو بين أحضان سيدات أوروبا؟ لقد تعلموا في الجامعات العراقية أين كانوا هم هل هناك دولة عربية عرضت على أن تحمي هؤلاء العلماء؟ إن هؤلاء العلماء آرائهم هي التي جعلت أميركا والصهاينة يضربون العراق.
إن شيطنة صدام حسين جرى صناعتها عبر تاريخ طويل من الأكاذيب، يعني أبلسته وجعله إبليس يعني جحيم دانتي في حلابجة والمقابر الجماعية التي أُسِس لها هذا التاريخ الطويل (1). ففي نهاية عقد الثمانينات، وخلال عقد التسعينات، انفق النظام العالمي الجديد ووسائل الإعلام، ملايين الدولارات في تصوير الرئيس (صدام حسين) على انه شيطان العصر، إلى الدرجة التي أضحى يعتبر بها من قبل 95% من الرأي العام الغربي (سفاح بغداد). ولم يكن صدام فقط تلك الشخصية الشريرة التي تحاول تصنيع أسلحة الدمار الشامل كما هي صورته لدى أولئك القابعين في أمريكا، ولكنه ـ كذلك ـ الطاغية الذي سمم شعبه الكردي في حلبجة. لم يكن الرئيس العراقي من قام بهذا العمل، بناء على تقرير الكلية الحربية الأمريكية الذي اثبت أن أكراد حلبجة ماتوا ـ كنتيجة مباشرة ـ لهجوم إيراني بغاز الفسجين. لكن الإعلام الغربي الواقع في قبضة اللوبي اليهودي، لم يكن ليسمح للحقيقة بالظهور في
(1) محاكمة صدام بين الرفض والإدانة - برنامج الاتجاه المعاكس - تقديم فيصل القاسم ـ 6/ 7/2004م