المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثالثظهور الحركة الصهيونية - الحملة الصليبية على العالم الإسلامي والعالم - جـ ١

[يوسف الطويل]

فهرس الكتاب

- ‌إهداء

- ‌إهداء خاص

- ‌تقديم

- ‌الباب الأولالبعد الديني للتحيز البريطاني الأمريكي لإسرائيل

- ‌تمهيد

- ‌أسباب التحيز البريطاني الأمريكي لإسرائيل

- ‌حساب المصالح:

- ‌ نفوذ اللوبي الصهيوني

- ‌الصوت الانتخابي اليهودي

- ‌تضخيم في غير محله

- ‌الفصل الأولاليهود في التراث الديني المسيحي

- ‌موقف الكنيسة الكاثوليكية من اليهود:

- ‌ العهد القديم

- ‌موقف الكنيسة الكاثوليكية من الحركة الصهيونية وإسرائيل

- ‌موقف البروتستانت من اليهود

- ‌الفصل الثانيبريطانيا والمشروع الصهيوني

- ‌المطالبة بإعادة اليهود إلى فلسطين

- ‌الأفكار الصهيونية تغزو عقول الطبقات المثقفة

- ‌تغير في الأفكار

- ‌اللورد شافتسبرى

- ‌اليهود في الأدب الإنجليزي

- ‌السياسيون والبعث اليهودي

- ‌اللورد بالمستون

- ‌القس وليام هشلر

- ‌الفصل الثالثظهور الحركة الصهيونية

- ‌1ـ يهودا الكعى (1798ـ1878م)

- ‌2ـ تسفى هيرش كاليشر (1795ـ1874م)

- ‌هرتسل ومؤتمر بازل

- ‌اللجنة الملكية لهجرة الغرباء

- ‌وعد بلفور

- ‌هربرت صموئيل ومستقبل فلسطين

- ‌الدافع الديني ووعد بلفور

- ‌صهيونية لويد جورج

- ‌الانتداب البريطاني وتسليم فلسطين

- ‌هربرت صموئيل

- ‌الضباط البريطانيون…وبناء الجيش الإسرائيلي

- ‌وينغيت والتفسير العسكري للتوراة

- ‌الدافع الديني للتحيز

- ‌الفصل الرابعأمريكيا والمشروع الصهيوني

- ‌هجرة البروتستانت إلى أمريكيا

- ‌الفكر الأمريكي والبعث اليهودي

- ‌السامري على الدولار

- ‌وخاتم داود

- ‌أمريكا مهد الصهيونية

- ‌رؤساء أمريكا والبعث اليهودي

- ‌جورج واشنطن

- ‌توماس جيفرسون

- ‌جيمس ماديسون

- ‌الرئيس المنصر جون كوينسي آدمز

- ‌أندرو جاكسون .. وخرافة المعاد

- ‌أول تدخل لنصرة اليهود خارج أمريكا

- ‌العمل من أجل تحقيق النبوءات التوراتية

- ‌يهودي يوبخ الرئيس

- ‌فرانكلين بيرس

- ‌أمريكيا تعاقب سويسرا من أجل اليهود

- ‌الجماعات المسيحية الصهيونية خلال القرن التاسع عشر

- ‌جماعة أخوة المسيح

- ‌جمعية بنى بريث (أبناء العهد)

- ‌جمعية شهود يهوه

- ‌اندرو جونسون

- ‌يوليسيس جرانت

- ‌هايز وإجازة السبت

- ‌أول يهودي يمثل أمريكا في مصر

- ‌المشيخية في البيت الأبيض

- ‌وليم بلاكستون والبعثة العبرية نيابة عن إسرائيل

- ‌الرئيس هايسون ومظلمة بلا كستون

- ‌الحكومات الأمريكية والمطالب الصهيونية

- ‌الرئيس ويلسون

- ‌خلفاء ويلسون

- ‌مركز ثقل الصهيونية ينتقل إلى أمريكيا

- ‌العمل من أجل إلغاء الكتاب الأبيض

- ‌روزفلت والأفكار الصهيونية

- ‌ترومان ـ قورش ـ العصر الحديث

- ‌حرب عام 1948 م

- ‌اتفاقية الهدنة

- ‌صهيونية ترومان

- ‌المساعدات الأمريكية لإسرائيل

- ‌ايزنهاور

- ‌جون كنيدى الرئيس الكاثوليكي الوحيد

- ‌العداء للكاثوليك

- ‌سميث الكاثوليكي يخسر انتخابات 1928 امام هوفر البروتستانتي

- ‌كيندي يبحث عن مخرج

- ‌كيندي ومحاولة الإصلاح

- ‌نهاية كنيدي

- ‌ليندون جونسون

- ‌مستقبل إسرائيل والعالم

- ‌ريتشارد نيكسون والانتحار السياسي

- ‌جيمي كارتر ينفذ أمراً إلهياً

- ‌ريجان ومعركة هرمجيدون

- ‌ريجان والتزامه الديني

- ‌الفصل الخامستنامي التيار الديني المسيحي الأصولي في أمريكيا

- ‌أسباب البركة في أمريكيا

- ‌إسرائيل مفتاح أمريكيا للبقاء

- ‌أمريكيا قوية لأنها تقف مع إسرائيل

- ‌القول مقرون بالعمل

- ‌ السفارة المسيحية الدولية

- ‌جورج بوش الأب…قرارات تتخذ لتنفذ

- ‌الولادة الثانية والنشوة المطلقة

- ‌الباب الثانيالبعد الديني للضربة الأمريكية للعراق

- ‌الفصل الأولالطريق إلى حرب الخليج

- ‌بريطانيا وجذور الحرب على العراق

- ‌مقدمات الحرب على العراق

- ‌الحرب الجديدة

- ‌الحرب الاقتصادية والإعلامية

- ‌الهدف حماية إسرائيل وليس تحرير الكويت

- ‌إنجازات صدام

- ‌إعدام صدام حسين

- ‌الفصل الثانيالخلفية الدينية للهجمة الأمريكية البريطانية على العراق

- ‌أحقاد قديمة بثوب معاصر

- ‌التوراة وآشور العراق

- ‌وحي بشأن نينوى، كما ورد في كتاب رؤيا ناحوم الالقوشى

- ‌صرخة الخراب

- ‌خطايا نينوى

- ‌الدمار المحتم

- ‌الحقد على بابل

- ‌نبوءة عن دمار بابل 13

- ‌يوم الرب المقبل 9

- ‌‌‌سقوط بابلبيد الماديين

- ‌سقوط بابل

- ‌إدانة ملك بابل

- ‌يوحنا وحقده على بابل

- ‌جام الغضب على الفرات وعلى تل مجدو

- ‌سقوط بابل (رؤيا، 18)

- ‌كورش وإعادة اليهود المسبيين

- ‌ثأر اليهود من العراق

- ‌الفصل الثالثالأصولية المسيحية وفكرة عودة المسيح

- ‌العبرانيون بنو اسرائيل

- ‌حركة الأنبياء (ثقافة الانفتاح)

- ‌السبي البابلي

- ‌حياة السبي وأثرها في تشكيل الشخصية اليهودية

- ‌تاريخ بالتمني

- ‌فكرة الشعب المختار

- ‌رؤيا الخلاص والمسيح اليهودي

- ‌من التشرد إلى الرغبة بحكم العالم

- ‌فكرة المسيح المخلص ونهب أساطير الشعوب الأخرى

- ‌السبي البابلي وظهور النزعة القبلية المغلقة

- ‌عيسى المسيح عليه السلام

- ‌عيسى ليس المسيح المنتظر

- ‌ديانة المسيح أم ديانة بولس ويوحنا

- ‌فكرة العودة الثانية للمسيح

- ‌سفر الرؤيا والمسيح اليهودي

- ‌تفسير المتناقضات

- ‌الانقلاب البروتستانتي

- ‌العقيدة التدبيرية من دابي إلى سكوفيلد

- ‌عندما تختلط الأساطير بالنبوءات

- ‌الفصل الرابععقيدة الهرمجدون أو معركة (مجدو)

- ‌(مجدو)

- ‌سفر الرؤيا ومعركة هرمجيدون

- ‌الأصوليون المسيحيون وهرمجيدون

- ‌سيناريو هرمجيدون حسب (سفر الرؤيا)

- ‌علامات ومقدمات معركة هرمجدون العظمى

- ‌هجرة اليهود إلى فلسطين

- ‌المسيح يدعوك لتبني مستوطنة

- ‌تدمير الأقصى

- ‌بناء الهيكل

- ‌المقاومة الفلسطينية

- ‌عودة الفوضى وحدوث كوارث وانهيار اقتصادي

- ‌السلام يحل بعودة المسيح فقط

- ‌هرمجيدون في العقل البروتستانتي

- ‌التعجيل بقدوم المسيح

- ‌رونالد ريجان، والحكايات الخرافية عن هرمجدون

- ‌محور الخير .. ومحور الشر (أبناء النور وأبناء الظلام)

- ‌حرب يأجوج ومأجوج

- ‌المبشرون البروتستانت والنية القاتلة

- ‌نفوذ الجماعات المسيحية

- ‌الفصل الخامسالتراث الذي تركه الكتاب المقدس للشرق الأوسط

- ‌من هو عدو المسيح (وحش الرؤيا)

- ‌التفسير السياسي للتوراة

- ‌مصير العرب

- ‌مصير مصر

- ‌نبوءة بشأن مصر

- ‌دينونة مصر بيد ملك بابل

- ‌ريجان وليبيا

- ‌تقسيم لبنان

- ‌نبوءة ضد صور

- ‌غزو لبنان مستمد من التوراة

- ‌تقسيم سوريا والعراق وتحطيم قوتهما

- ‌حقد يهوه على الفلسطينيين

- ‌نبوءة بشأن أدوم (الأردن)

- ‌نبوءة بشأن الجزيرة العربية

- ‌التوراة وكيفية التعامل مع الآخرين

- ‌إسرائيل وشارون ونادي القتلة

الفصل: ‌الفصل الثالثظهور الحركة الصهيونية

‌الفصل الثالث

ظهور الحركة الصهيونية

بالرغم من أن الكتابات والدراسات المتعلقة بالحركة الصهيونية احتلت حيزاً كبيراً في الأدبيات العربية خلال القرن الحالي، إلا أنها في أغلبها لم تستطع وضع هذه الحركة في حجمها الطبيعي، وبيان دورها الحقيقي في قيام إسرائيل، حيث يعزو معظم الكتاب والمحللين ـ المهتمين بالقضية الفلسطينية ـ للحركة الصهيونية، القيام بالدور الرئيس في إقامة دولة إسرائيل، ويضفون على زعماء هذه الحركة هالة من العبقرية والدهاء والقدرة على المناورة واستغلال الفرص، واستعمال وسائل الضغط المختلفة على الحكومات وصانعي القرار، من خلال ما يقال عن سيطرة اليهود واللوبي الصهيوني على وسائل الإعلام والاقتصاد العالمي. واعتقد ان ما عرضنا له في السابق يكشف ولو جزئياً زيف هذه الدعاوى ويكشف ان دور الحركة الصهيونية وزعمائها لم يكن في أحسن الأحوال إلا كصدى للأفكار التي انتشرت بين المسيحيين البروتستانت.

ولذلك فإنه ليس من المغالاة في شيء القول "بأن الصهيونية غير اليهودية، كانت قد انتشرت في أوروبا، ووصلت فكراً وتخطيطاً إلى أعلى مراحل الصهيونية ـ أي مشروع الدولة ـ بينما كان اليهود أنفسهم، سواء في أوروبا الغربية أو أوروبا الشرقية، لا يزالون خارج النشاطات الصهيونية، وفي الكثير من الأحيان كانوا يقفون ضدها، كان بعضهم لا يستوعبها عقلياً، وبعضهم يرفضها دينياً أو نفسياً، وبعضهم لم يسمع بها بعد. ويمكن القول، بصورة عامة، إن اليهود كانوا آخر من اكتشف الصهيونية في أوروبا"(1). ويؤكد هذه الحقيقة رئيس الوزراء الإسرائيلي (نتنياهو) بقوله: "كان التأييد للفكرة الصهيونية، منذ البداية بين من هم غير يهود، اكبر بكثير منه في الأوساط اليهودية"(2). وقد لاحظنا من خلال العرض السابق كيف أن المسيحيين البروتستانت بدؤوا يطالبون بإعادة اليهود إلى فلسطين منذ القرن

(1) فلسطين، القضية ـ الشعب ـ الحضارة ـ بيان نويهض الحوت ـ ص 285

(2)

مكان تحت الشمس - بنيامين نتنياهو ص72

ص: 64

السادس عشر الميلادي، ولم يتركوا وسيلة لتحقيق ذلك، من خلال عقد اللقاءات وطرح المشاريع على رجال الدولة، والقيام برحلات استكشافية لدراسة فلسطين وتهيئتها لعودة اليهود إليها، هذا في حين كان اليهود آخر من يفكر في هذا الأمر.

"ويعود السبب في إحجام اليهود عن المشاركة والتجاوب مع هذه الدعوات إلى فقره تلموذية شهيره في الجزء المسمى "كيتوبوت" ص111 والتى تتردد في اجزاء اخرى من التلمود، حيث يقول الله انه فرض على اليهود ثلاثة مواثيق: اثنان منهما يتعارضان بوضوح مع المعتقدات الصهيونية وهما:

1 -

يجب على اليهود الا يتمردوا على غير اليهود.

2 -

يجب الا يقوم اليهود بالهجرة إلى فلسطين قبل مجئ المسيح.

3 -

والميثاق الثالث يفرض على اليهود عدم الصلاة بقوة طلباً لقدوم المسيح، حتى لا يأتي قبل موعده المحدد.

وقد قامت الغلبية العظمى من اهم حاحامات اليهودية التقليدية بتفسير المواثيق الثلاثة وواصلت اعتبار وجود اليهود في المنفى التزاماً دينياً للتكفير عن الآثام اليهودية التى جعلت الله يقوم بنفيهم" (1).

فاليهود المتدينون يبنون آمال المستقبل من العبرة بالماضي. "فهم يفسرون التوراة، بان الإسرائيليين القدماء أضاعوا الأرض المقدسة بسبب ارتكابهم المعاصي ضد الآخرين، وبسبب تخليهم عن إلههم الواحد من أجل آلهة أخرى. واليهودية في جوهرها دين ميثاق وعهد وان اختلف هذا العهد من جيل إلى جيل، فهو دائماً يبقى عقداً بين الشعب والله. فالله وعدهم بالأرض، وبأن يعيشوا فيها عيشة ازدهار، لكن في مقابل ذلك، على اليهود من جانبهم أن يقوموا بتنفيذ الشروط الخلقية والمبدئية للعهد، كما يشرحها أنبياء الله في كل عصر. فالله وحده إذاً هو الذي يحكم على سلوك أبناءه اليهود، وهو وحده الذي يرى ـ في مرحلة ما ـ أنهم قد وصلوا إلى حد

(1) الاصولية اليهودية في اسرائيل- تأليف اسرائيل شاحاك - نورتون متسفينسكي - ترجمة ناصر عفيفي - ص51.

ص: 65

المثالية الخلقية، مما يستدعى تصحيح العهد، فيرسل لهم مسيحاً ليخلصهم من الشتات، ويعيدهم إلى الأرض المقدسة" (1).

وعقيدة المسيح المنتظر أو (النزعة المسيحانية)(2) لدى اليهود بدأت بالتكوين منذ بداية زوال (دولة) اليهود التي كانت قائمه في فلسطين، أي منذ هدم الهيكل الثاني ثم الهزيمة الكبرى التي لحقت باليهود في باركوخبا عام 132م. فمنذ ذلك الحين، فيما يروى مؤرخو اليهود ظهر الاعتقاد بمجيء (المسيح) الذي سوف يخلص بني إسرائيل من المنفى، ويعيد إليهم مجدهم التليد. "حيث اتخذ هذا الأمل المسيحاني شكل أمل مزدوج: أمل مزدوج في العودة إلى العصر الذهبي لليهود، وأمل في قيام عالم أفضل، مختلف كل الاختلاف عن عالمنا، وهذا الخلاص المسيحاني لن يحدث إلا عند نهاية الزمن. والتعجيل بمعجزة مجيء العصر المسيحاني لا يمكن أن يأتي إلا من الله، وما على الإنسان إلا أن يصلي لله ويحسن عمله أملا في ألا يتأخر الخلاص وكل محاولة للعودة إلى أرض إسرائيل قبل ظهور الإشارات الإلهية، كفر وهرطقة وثورة ضد الإله وعودة اليهود إلى أرض آبائهم شأن من اختصاص الإله وحده، ولا تتم بقرار من بنى البشر" (3).

كانت هذه هي النظرة التي حكمت تفكير اليهود منذ تدمير الهيكل للمرة الثانية وحتى بداية القرن التاسع عشر، حيث التزموا بهذه الرؤية الدينية طوال هذه الفترة، ولم يبذلوا أي جهد في سبيل العودة إلى فلسطين، وظلوا ينتظرون المسيح المنتظر لكي يخلصهم ويعيدهم إلى فلسطين بمعجزه إلهية، "حيث ملأت قصص المسيح المنتظر كثير من الثرات اليهودي القديم والحديث وكثيراً ما كانت سبباً في نزول بلايا ورزايا كثيرة باليهود في ادوار مختلفة ولا تزال هذه العقيدة إلى اليوم راسخة في نفوس الطبقات المتدينة من اليهود. واذا قام شخص وادعى انه المسيح المنتظر

(1) فلسطين، القضية، الشعب، الحضارة ـ بيان نويهض الحوت ص 327

(2)

يشير الفكر المشيحاني إلى أن هناك شخصا مرسلا من الآلهة يتمتع بقداسة خاصة، إنسان سماوي، وكائن معجز خلقته الآلهة قبل الدهور، يبقى في السماء حتى تحين ساعة إرساله، وهو نقطة الحلول الإلهي المكثف الكامل في إنسان فرد، وسيأتي ليعدل مسار التاريخ اليهودي؛ بل والبشرى فينهي عذاب اليهود ويأتيهم بالخلاص. راجع دفاع عن الإنسان ـ د. عبد الوهاب المسيري

(3)

صراع اليهودية مع القومية الصهيونية - د. عبد الله عبد الدائم - ص 25 - دار الطليعة، 2000

ص: 66

الذي يحنون اليه منذ ازمان طويلة انكروا ادعاءه وسفهوا قوله ورفضوا الاذغان لما يدعوهم اليه. وكأن الامة اليهودية كانت ترمي لهذه الفكرة إلى غاية معنوية لا يريدون تحقيقها بوجه من الوجوه" (1).

لقد كانت تظهر بين الفترة والأخرى دعوات من بعض اليهود الذين يدعون أنهم المسيح المنتظر، فيلتف حولهم اليهود ويعقدوا عليهم الآمال ولكن سرعان ما يتضح كذب دعواتهم فتنهى هذه الدعوات بمقتل صاحبها أو تراجعه عن دعوته. "ففي عام 640 م ادعى يهودي من بيت ارامايا من قرية الفلوجة بالعراق، انه المسيح المنتظر، وقد تجمع حوله حوالي 400 شخصاً من مختلف المهن وحرقوا ثلاث كنائس، وقتلوا عمدة المنطقة، ولما بلغ خبر هذا المسيح وأعوانه السلطة أرسلت ثلة من الجيش أعملت فيهم بطشاً وتقتيلاً وقبض على المسيح المنتظر وأعدم"(2). ومن أولئك الأدعياء في الشرق الإسلامي خلال القرون الوسطى، دجال ظهر في الشام في آخر خلافة عمر بن عبد العزيز، وآخر من بلدة شرين ادعى انه سيحقق معجزة استعادة فلسطين. وظهر يهودي آخر من بلدة أصفهان يدعى عبيد الله أبو عيسى الأصفهاني، ابتدأ دعوته في زمن آخر ملوك بنى أميه 744م، وقال:"إن عودة فلسطين لن تتم إلا بالقتال، واعد جيشاً قوامه عشرة آلاف مقاتل من اليهود، وقد عاشت حركته فترة من الزمن في عهد أبو العباس السفاح، إلا أن الخليفة المنصور قضى على هذه الحركة وهزم جيش اليهود وفر أبو عيسى باتجاه الشمال"(3).

وفي حوالي 1160 م وفي عهد خلافة المقتفى لأمر الله العباسي حدثت فتنه كان سببها يهودي يدعى داود الروحي، كان قد ادعى أنه المسيح المنتظر. "وداود هذا نشأ في سواد الموصل ثم انتقل إلى بغداد حيث تفقه في علوم اليهود في مدارسهم الكبرى. وقد اختار بلدة العمادية شمال العراق ليعلن نبوأته فيها، إذ كان ينوى الاستيلاء على قلعتها الشهيرة بالقوة فبلغ خبر ذلك صاحب العمادية فقتله"(4).

(1) تاريخ اليهود في بلاد العرب في الجاهلية وصدر الإسلام - د. اسرائيل ولفنستون -ص 122

(2)

العرب واليهود في التاريخ - د. احمد سوسة - ص407

(3)

اليهودية - د. احمد شلبي - ص214

(4)

العرب واليهود في التاريخ - د. احمد سوسة ص407

ص: 67

اما في العصر الحديث فقد ظهرت النزعة المشيحانية بين الجماعات اليهودية مع تطور المجتمعات الغربية وظهور النظام المصرفي الحديث والدولة القومية المركزية، "حيث فقدت كثير من الجماعات اليهودية الوظيفية وظائفها كتجار ومرابين، وتزايد بؤس أفراد هذه الجماعات وفقرهم، وعدم استطاعتهم التكيف مع التطور الذي شهدته أوروبا في عصر النهضة. وبالتالي زادت هامشيتهم وزاد الاضطهاد الواقع عليهم، ومن ثم ففي أوقات البؤس والضيق كانت الجماهير اليهودية تتذكر دائما الرسول الذي سيبعثه إله الطبيعة والتاريخ ليصلح أحوالهم"(1).

وقد ظهرت آخر هذه الدعوات الميشيحانية في عام 1648م عندما ظهر شاب يهوى يدعى (سبتاى زيفى) من أزمير بتركيا لم يتجاوز عمره الثانية والعشرين، حيث أعلن أنه المسيح المنتظر. وما أن أعلن دعوته حتى تبعه عدد كبير من اليهود المتحمسين، واستمر في نشر دعوته في الأوساط الدينية اليهودية في العالم، فصار له أعوان كثيرون. "وفي سنة 1666م غادر أزمير مع جمهور من أعوانه متجها نحو اسطنبول لممارسة سلطته كملك، ولكن الباخرة التي كانت تقله مع أعوانه داهمتها عاصفة شديدة اضطرها إلى اللجوء إلى مضايق الدردنيل، ومن هناك سيق مكبلاً بالحديد إلى اسطنبول، فسجن، إلا أن سجنه زاد من الإقبال علي دعوته، فأمر السلطان محمد الرابع بنقله إلى سجن أدرنه، وأقنعه بالعدول عن دعوته بعد أن تحداه أن يمنع طلقات الرصاص من اختراق جسده، فما كان من (سبتاى زيفى) إلا أن ادعى الإسلام وغير اسمه إلى (محمد أفندي) "(2). وتعد حركة شبتاي تسفي "أهم الحركات المشيحانية التي هزت اليهودية الحاخامية من جذورها حتى لم تقم لها قائمة بعد ذلك، وهو ما مهد الطريق لظهور الحركة الصهيونية التي ترفض القيود الدينية وترفض الأوامر والنواهي وتعلي الذات القومية"(3).

هكذا كان حال اليهود طوال تاريخهم الطويل حائرين بين الدعوات الميشحانية وبين قيود حاخاماتهم التى تمنعهم من العوده إلى فلسطين بدون انتظار المسيح

(1) دفاع عن الإنسان ـ د. عبد الوهاب المسيري ـ عرض/ نشوة نشأت - الجزيرة نت

(2)

مقارنة الأديان ـ د. أحمد شلبي ص 223

(3)

دفاع عن الإنسان ـ د. عبد الوهاب المسيري ـ عرض/ نشوة نشأت - الجزيرة نت

ص: 68

المنتظر. ففي القرن الثالث عشر قام الحاخام اليعازر بن موشيه الزعيم الروحى للتجمع اليهودي في المانيا بتحذير اليهود الذين يهاجرون بكثافه إلى فلسطين من ان الله سيعاقبهم بالموت. وفي نفس الوقت تقريباً قام الحاخام عيزرا في اسبانيا بكتابة ان اليهودي الذي يهاجر إلى فلسطين انما يهجر الله الذي يوجد فقط في الشتات، حيث يعيش اغلب اليهود وليس في فلسطين. وفي منتصف القرن الثامن عشر كتب الحاخام الالماني الشهير يوناثان ايبشوتز "ان الهجرة المكثفة إلى فلسطين حتى مع موافقة كل دول العالم هي امر محظور قبل مجئ المسيح"(1). وبناء على هذه الصهيونية المسيائية المتدينة (إن جاز التعبير)، لا يوجد سبب على الأرض ـ مهما تكن أهميته ـ يستدعى العودة إلى صهيون، إلا أن يكون السبب هو الأمر الإلهي. فالعودة مرتبطة بسلطة الله التي لا تناقش. ولذلك فالصهاينة المتدينون يتهمون، كل من نادى بالعودة إلى فلسطين بدون انتظار عودة المسيح المنتظر، بالهرطقة، أي الكفر. ومن هنا تختلف هذه الصهيونية الدينية، عن الصهيونية السياسية التي قرر رجالها في مؤتمر بازل سنة 1897م العودة إلى الأرض المقدسة، ولم ينتظروا المعجزة الإلهية. "فالصهاينة المتدينون لا يرون في إي مؤتمر سياسي طريقاً للعودة، وهم، أكثر من ذلك ـ لا يرون حتى في عذاب الهولوكوست ومعسكرات النازية سببا للعودة. فالعودة إن لم تقترن بالإرادة الإلهية ـ بقدوم المسيح الجديد ـ هي عودة باطلة (2).

ولقد رأينا كيف أن اليهود أنفسهم أحجموا عن المشاركة في تأييد أو دعم دعوات المتدينين البروتستانت لهم من أجل العودة إلى أرض فلسطين، حيث كانت هذه المشكلة من أشد الصعاب التي واجهها الصهاينة غير اليهود (البروتستانت). ولكن مع بدايات القرن التاسع عشر الميلادي، ولأسباب كثيرة أهمها، تنامي التيار المسيحي البروتستنتي الداعم لأماني اليهود بالعودة إلى فلسطين، بالإضافة إلى ازدياد اضطهاد اليهود في أوروبا، ظهر عدد من المفكرين اليهود الذين نشروا العديد

(1) الاصولية اليهودية في اسرائيل- تأليف اسرائيل شاحاك - نورتون متسفينسكي - ص 52 ترجمة ناصر عفيفي.

(2)

فلسطين، القضية ـ الشعب ـ الحضارة ـ بيان نويهض الحوت ـ ص 327

ص: 69