الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ضد الإله وعودة اليهود إلى ارض آبائهم شأن من اختصاص الإله وحده، ولا تتم بقرار من بني البشر (1).
هكذا وضع كهنة اليهود خطة الرجوع إلى فلسطين، وبناء الهيكل في صهيون، ليكون عرشاً للمسيح المنتظر، الذي يأتي في سطوة زمنية، وينقذهم من حكم الدول التي استعبدتهم، ويعيدهم إلى أرض الرب ومهد الأنبياء. فعجز اليهود في تشتتهم وقصورهم المادي، كانا ينتهيان بآمالهم إلى مجرد الرجاء من اله داود، أن يبعث إليهم من لدنه مخلصاً، ينقذهم من هوان الأسر ويعيدهم إلى أرض فلسطين، بمعجزات ربانية تعوض عنهم قصورهم وعجزهم، وبتعبير الكاتب (جون اليجرو): أن ما عجز اليهود بقواهم الذاتية عن تحقيقه، سوف يحققه يهوه (الإله) بجنده السماوي تحت قيادة المسيح المحارب، سليل بيت داود، وابن الله، وسيكون ذلك المسيح الذراع اليمنى للملك المنشود، ولسوف تبيد أنفاسه ذاتها الأشرار الذين جرؤا على الوقوف في وجه قصد يهوه المتمثل في أن يحكم شعبه المختار العالم (2).
وقال السيد يهوه: "في ذلك اليوم أقيم مظلة داود الساقطة، وأحصن شقوقها وأقيم روحها وأبنيها كأيام الدهر، لكي يرثوا بقية أدوم وجميع الأمم .. وأرد سبي شعبي وأغرسهم في أرضهم"(سفر عاموس 9). وقال يهوه: "إني أجمع جميعك يا يعقوب أضم بقية إسرائيل"(سفر ميخا2)
…
"وأجعل عيني عليهم أرجعهم إلى هذه الأرض أبنيهم ولا اهدمهم، أغرسهم ولا اقلعهم، أعطيهم قلباً ليعرفوني أني أنا يهوه، فيكون لي شعباً وأنا أكون لهم إلهاً"(سفر أرميا 24).
من التشرد إلى الرغبة بحكم العالم
يزخر تاريخ اليهود على النحو المدون به في العهد القديم بالكثير من الاشارات إلى اشكال الصراع التى تجسدت فيما عرف بأنه "الحرب" فالتوراة تطبع العقيدة الاسرائيلية بعد ذلك برباط وثيق بين "حرب اسرائيل" و "رب اسرائيل"، حيث يصبح
(1) عودة المسيح المنتظر لحرب العراق بين النبوءة والسياسة -احمد السقا ص36 أو صراع اليهودية مع القومية الصهيونيةـ د. عبد الله عبد الدائم ص 25
(2)
المسيح القادم (مسيح يهودي سفاح) - جورجي كنعان ص167
الرب هو "رب الجنود" الذي يمهد لبنى اسرائيل السبيل لتحقيق مآربهم في الغزو والاحتلال وطرد الشعوب (1).
فلم يكتفي كهنة اليهود بالحلم بالعودة وتأسيس دولة، بل بالرغبة بحكم العالم واستعباده. فبمقدار ما كان شعورهم بالضعف والمهانة يقوى، بمقدار ما كان الأمل بالعودة يقوى، وراح أنبياءهم يضخمون صورة الأمل والإطار الذي يحتضن هذه الصورة، فإذا صورة المملكة التي يحلمون بإنشائها صورة خيالية لا نظير لها في عالم الواقع لأنها بنت خيالهم، وكان إطار تلك الصورة إمبراطورية عالمية واسعة الأرجاء بعيدة الحدود، يكونون فيها سادة والشعوب جميعها عبيداً، وتكون صهيون عاصمة العالم.
قال يهوه (الرب) مخاطباً ابنته السيدة المدللة - إسرائيل -: "بالوجوه إلى الأرض يسجدون لك، ويلحسون غبار رجليك"
…
وقال مخاطبا صهيون التي اشتهاها مسكنا له: "وبنو الغريب يبنون أسوارك .. وملوكهم يخدمونك تنفتح أبوابك دائما ليؤتى إليك بغنى الأمم، وتقاد ملوكهم .. ارفعي عينيك حولك وانظري قد اجتمعوا كلهم جاءوا إليك يأتي بنوك من بعيد وتحمل بناتك على الأيدي وتتحول إليك ثروة البحر، ويأتي إليك غنى الأمم"(سفر أشعيا 6، 49). ويقول يهوه (الرب) مخاطباً شعبه المختار في مكان آخر: "وعلى الأيدي تحملون وعلى الركبتين تدللون .. ويقف الأجانب ويرعون غنمكم ويكون بنو الغريب حراثيكم وكراميكم، أما انتم فتدعون كهنة الرب تأكلون ثروة الأمم وعلى مجدهم تتآمرون"(سفر أشعيا 61، 66).
بهذه الرؤى ـ الأحلام ـ التنبوءات وأمثالها، ظل أمل العودة إلى فلسطين، دائم الاتقاد في صدورهم كظاهرة ورع روحيه مقدسة، وقد لبثوا دهراً يتخيلون المسيح الموعود ملكاً، صاحب عرش وتاج يفتح فلسطين بالسيف ويعيد فيها بناء الدولة الدائله، لكي يقاد إليها ملوك الأمم فيسجدون لإسرائيل ويلحسوا غبار رجليها (2).
(1) المجتمع الاسرائيلى وثقافة الصراع - د. عمر عبد العلى علام - ص 52 - دار العلوم للنشر والتوزيع - ط1 2007
(2)
الأصولية المسيحية في نصف الكرة الغربي - جورجي كنعان - ص115