الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني
بريطانيا والمشروع الصهيوني
وطدت حركة الإصلاح الديني أقدامها في إنجلترا منذ أن أنفصل الملك (هنري الثامن) عن كنيسة روما في القرن السادس عشر، "حيث لعب الخلاف بينه وبين كنيسة روما حول طلبه الموافقة على طلاق زوجته دوراً رئيسياً في انتشار البروتستانتية في إنجلترا، مما دفع الملك هنري إلى إصدار أمره الملكي سنة 1538م إلى كنائس إنجلترا بإنهاء الوصاية الكهنوتية على الكتاب المقدس وتفسيره، وتمكين كل فرد من المؤمنين من الإطلاع على نصوص الأسفار المقدسة وتفسيرها التفسير الذي يمليه عليه عقله وضميره"(1).
كما ساهمت طموحات الطبقة الرأسمالية الناشئة في حدوث هذا الانفصال، حيث كان التجار الأثرياء كارهين أشد الكره لسطوة الكنيسة الكاثوليكية وقيودها على التجارة والمعاملات المالية، وبخاصة فيما يتعلق بمسألة الفوائد على رؤوس الأموال (الربا). "حيث كانوا ضائقين أشد الضيق بما رأوه تدخلاً غير مشروع من جانب بيروقراطية كهنوتية أجنبية في أنشطتهم التجارية ومعاملاتهم المالية ومتضررين مما كانت تفرضه على تلك الأنشطة من ضرائب، فكان دعمهم وترحيبهم بحركة الإصلاح الديني للتخلص من نفوذ الكنيسة الكاثوليكية"(2).
وعلى المستوى الديني، شهدت نهاية الحرب الأهلية ظهور محاولة البيوريتانيين أصحاب المذهب الطهراني في الاستفادة من التسوية الثورية "لغرض استكمال الإصلاح الديني، وإقامة مؤسسة دينية جديدة تستند إلى (البروتستانتية الربانية) ألحقة، تعم كلمتها المملكة وتستبعد الكثلكة مرة وإلى الأبد من الجسم السياسي البريطاني. حيث تم ذلك عند الإطاحة بالملك (جيمس الثاني) الكاثوليكي المذهب، وهربه من البلاد وما تبع ذلك من وضع (لائحة الحقوق) عام 1688م، ووضع الإطار
(1) راجع كتاب مواقف من تاريخ الكنيسة - رولاند بينتون ـ ترجمة القس عبد النور ميخائيل - دار الثقافة المسيحية
(2)
المسيحية والتوراة - شفيق مقار ص66
الديني الذي توج في فترة لاحقة بإقرار التسامح الديني التام بين جميع المذاهب" (1).
هذه الأمور وغيرها أدت إلى توطيد البروتستانتية أقدامها في بريطانيا، مما انعكس بصوره مباشرة على الموقف من اليهود، حيث ظهرت في بريطانيا، بين عدد من المسيحيين البروتستانت، رجالاً ونساءً، حركة تدعى (حركة العودة)، وهى حركة منطلقة من إيمان المسيحيين بعودة اليهود إلى فلسطين. وقد اعتقد رواد هذه الحركة أن على العالم، أن يساعد اليهود في استعادة فلسطين. وسيتضح أن مشكلة هؤلاء الرئيسية لم تكن في إقناع العالم بل في إقناع اليهود أنفسهم (2). وقد أسس هذه الحركة عالم اللاهوت توماس بريتمان، حيث لاقت دعوته آذاناً صاغية من الكثير من رجال الدولة الكبار، أمثال القاضي وعضو البرلمان (هنري فنش) الذي أصدر أول كتاب عن الصهيونية في لندن في سنة 1628م، وقد كان فنش من المؤمنين بفكرة العصر الألفي السعيد، والتي تعنى عودة المسيح المنتظر، الذي سيقيم مملكة الله في الأرض والتي ستدوم ألف عام، ولابد من عودة اليهود إلى أرض فلسطين كمقدمة لذلك.
ثم وصلت حركة الإصلاح الديني إلى ذروتها في إنجلترا في القرن السابع عشر، في عهد ما يسمى بالثورة البيوريتانية، عندما تولى أولفرت كروميل السلطة وأعلن الجمهورية. والحركة البيوريتانية (حركة التطهر) والتي ظهرت وانتشرت في القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين، "هي الحركة التي حولت الأفكار والمبادئ الدينية المتعلقة باليهود إلى عقيدة سياسية، أهم أفكارها: فكرة وجود الشعب اليهودي، وفكرة عودة الشعب اليهودي إلى فلسطين، وفكرة ـ استيطانه وسيادته في فلسطين"(3).
ففي عهد البيوريتاريين ازداد الاهتمام بالعهد القديم بشكل كبير، وأصبح كتابهم الوحيد الذي يستمدون منه فلسفتهم وأفكارهم ومعتقداتهم وطريقة
(1) لوك .. مقدمة قصيرة جداـ تأليف/ جون دون ـ عرض/ كامبردج بوك ريفيوز
(2)
فلسطين، القضية ـ الشعب ـ الحضارة ـ بيان نويهض الحوت ـ ص 292
(3)
المصدر السابق ـ ص 287