الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غيرهم من البشر فحسب، بل ويجعلهم أعلى وأرفع وأعظم امتيازاً من كل أولئك الأغيار الآخرين" (1).
فكرة الشعب المختار
تكرر التوراة في العديد من نصوصها وصف اليهود بأنهم شعب الله المختار ومن عداهم (غوييم)، حيث تحولت فكرة الاختيارية هذه إلى مزاعم عقيدية تستند على الاصطفاء والاستثناء والاستعلاء والعداء وادعاء القداسة. فالزعم بالاختيار راسخ في نفوس اليهود والتي يتشربها الطفل منهم منذ الصغر ومنها:"لأنك شعب مقدس للرب إلهك وقد اصطفاك الرب لتكون له شعباً خاصاً على جميع الشعوب التي على وجه الأرض". وهم كذلك يعتقدون أنهم شعب استثنائي: "أنا يهوه إلهكم الذي ميزكم من الشعوب". أما الاستعلاء على بقية الشعوب فهو فعل عبادة كما في الخطاب التوراتي: "يقف الأجانب ويرعون غنمكم أما انتم فتدعون كهنة الرب تأكلون ثروة الأمم وعلى مجدهم ينآمرون". أما الروح العدوانية فتتجسد على لسان إلههم يهوه: "فلا تقطعوا عهدا مع سكان هذه الأرض". وأيضا يبشرهم: "فاعلم اليوم أن الرب إلهك هو يعبر أمامك كنار آكلة هو يقرضهم وهو يذللهم أمام وجهك فتطردهم وتبيدهم سريعاً كما كلمك الرب إلهك". هم أيضاً شعب الله المقدس والاعتداء عليه اعتداء على الرب: "أسير بينكم وأكون لكم إلها وانتم تكونون لي شعباً". وفي موضع آخر: "لأنك شعب مقدس للرب إلهك". هكذا أدت هذه النصوص إلى نمو الوعي العنصري بفكرة الشعب المختار والى الإيمان بجنس وأمة متفوقة، كتب لها تاريخ خاص لا تندمج في أمة أخرى ولو عاشت بينها أجيالا، والواقع أن هذه الكتابات الملفقة تؤسس لأسطورة شعب الله المختار بمضمونها العنصري" (2).
فالعهد القديم كله من أول إلى آخر سفر فيه، له هدف واحد غلب على كل شيء: "الادعاء بأن اليهود شعب ذو خصوصية فريدة تضعه فوق كل السائمة الأمميه، وأنهم شعب عريق له أسلاف عظام هم إبرام واسحق ويعقوب، وان الله وقع في
(1) السحر في التوراة والعهد القديم ـ شفيق مقارـ ص329 - رياض الريس للكتب والنشر - لندن - قبرص - ط1 1990
(2)
صناعة الإرهاب ـ د. عبد الغني عماد - ص113
عشق أولئك الناس لأسباب تخصه من فجر التاريخ وميزهم وجعلهم شعبه المختار والأخص، وتعاقد مع آبائهم ـ شرط أن يتختنوا ـ على إعطائهم أراضى شعوب عديدة ذات ارض خصبه وحضارات عريقة، وطرد تلك الشعوب من طريق الشعب الأخص المختار وأبادتها حتى لا تضايقه" (1).
وهذا الادعاء بالخصوصية والتفوق المزعوم لا يمكن تفسيره الا بنقيضه، حيث لعبت هزائم قبائل بني إسرائيل الكثيرة والمؤلمة أمام الحضارات العريقة لبلاد ما بين الرافدين وحضارات مصر الفرعونية دورا مهما في محاولة تعويض هذه الهزائم عن طريق إقامة ميثاق مقدس مع يهوه. الأمر الذي سيعوضهم النقص الذي كانوا يشعرون به لدى مقارنة نفسهم مع الحضارات المحيطة بهم. وهذا ما نراه واضحاً في أحاديث قادة إسرائيل مع الرب وتضخيمهم ومبالغاتهم كما هو جلي في موقفهم من الشعوب والأمم الكبرى. أننا نعثر في التوراة على رغبة الإله اليهودي في أن يجعل من كنعان (أهل فلسطين الأصليين) ملعوناً وعبداً، بينما تصبح بابل المكان الذي تبلبلت فيه السن الشعوب والأمم، وتصبح مصر وأهلها، أي من أنقذ اليهود - حسب أساطير التوراة نفسها- من المجاعة والموت، تهمة وشتيمة. في حين يتحول (الخروج) وأحكامه كما وضعت على لسان موسى إلى سفر عن مشاركة الملاك إياه في طرد الكنعانيين والاموريين والحثيين والغرزيين والحوبيين واليبوسيين. بحيث طالب إلههم موسى في (العدد) بالانتقام لبني إسرائيل من المديانيين بقتل ذكورهم وسبي نسائهم وأطفالهم وسرقة مواشيهم وحرق مدنهم، كما لو أن قيمة (العدد) تتمثل في تعداد من ينبغي طرده وقتله. بينما تمثل قوانين وتعاليم (التثنية) في تعاملها مع الأعداء ضراوة عنصرية دموية الظاهر والباطن. في حين لا نعثر في التوراة كلها على مديح أو ثناء لأي شعب من الشعوب التي أرست أسس الحضارة الإنسانية. على العكس أنها تكتظ بالشتائم القبيحة والأحكام المبتذلة والكراهية الوسخة، التي تكشف عن طبيعة النفس الغضبية اليهودية وإلهها" (2).
(1) قراءة سياسية للتوراة - شفيق مقار ـ ص181 - رياض الريس للكتب والنشر - لندن-قبرص- ط1 1991
(2)
ثالوث الإله القومي والشعب المختار والقوة الغضبية (الصورة والمعنى في الصراع العربي - اليهودي) - د. ميثم الجنابي- مجلة المؤتمر عدد 1174 - 14 - آب-2006 - http://www.inciraq.com/Al-Mutamar/2006/1101_1200/1174/060814_1174_5..htm
فمن ناحية علم النفس الإجتماعي يقول بعض المحللون بأن إيديولوجية (شعب الله المختار) يمكن شرحها بعقدة النقص لدى القبائل الإسرائيلية لدى مقارنة نفسها بالحضارات القديمة المجاورة. وقد عزّز هذه الفكرة طبقة الكهنة المتعطشة إلى السلطة و طبقة (الأنبياء) من أتباع يهوه. فقد قامت هاتان الطبقتان بعملية غسل دماغ، دامت طويلاً، للقبائل اليهودية من أجل إقناعها بخصوصيتها وبمركزها الرئيسي لدى يهوه. ولكن كانت نتائج عملية غسل الدماغ سلبية تماماً بالنسبة لعلاقات القبائل اليهودية مع جيرانها. إثر هذه العملية إمتلأت قلوب الإسرائيليين بالحقد تجاه جيرانهم من الكنعانيين والمصريون لكونهم أتباع ديانات أخرى وبكون دياناتهم لا تقيم وزناً ليهوه حامي إسرائيل. هذا الحقد الإسرائيلي أدى إلى تقوقع القبائل اليهودية في مواطنها وإلى عدائها الشديد لجيرانها. كذلك فإن شعور القبائل اليهودية بالضعف بالمقارنة مع جيرانها أدى إلى خلق طبقة الكهنة لصورة مرعبة ليهوه، هذا الإله المتعطش للدماء بشكل عجيب لا يمكن مقارنته بآلهة الشعوب المجاورة" (1).
وهنا يسلط فرويد أضواء علم النفس على تلك الفئة التي دونت هذه القصص الملفقة فيقول: "أنها فئة منبوذة، مشردة، قابعة في زوايا الأسر ولا وطن لها، مهيضة الجناح، لا حول ولا قوة لها تستند إليهما. هذه الفئة جلست لتدون تاريخ جماعة خرجت من مصر قبل ثمانمائة عاماً، لمست بعض خيوطه من روايات الأسلاف وهى تغط في خضم الأحلام التي كانت تساورها وتستأثر بتفكيرها. فتارة تحلم بالقوة التي تسندها، وتارة أخرى بالجاه الذي يرفع منزلتها ثم بالوطن الذي تأوي إليه. فاتخذت من الاهها يهوه، ومن شخصية النبي موسى، قوة دينية تتشبت وتتسلح بها على الأعداء. كما اتخذت من إرجاع أصلها إلى إبراهيم الخليل وحفيده يعقوب أصالة النسب التي تجعلها الشعب المختار. ومن كنعان اتخذت عقيدة الوطن الموعود الذي
(1) التلفيق والعدوانية في الايديولوجية الصهيونية -الكاتب: د. فيصل دراج كاتب وناقد فلسطيني ـ دمشق 31 - 3 - 205
يفيض لبناً وعسلاً، وعزوا كل ذلك إلى الآله يهوه، والى إبراهيم ويعقوب وكلهم بريئون من هذه الفئة" (1).
وهذه السمة في تأليف تاريخ مصطنع لليهود لم تفت أي باحث أو مفكر أزاح عن عينيه وعن فكره غشاوة الورع المكذوب الذي يفرض على العقل وجوب تصديق ذلك التلفيق للتاريخ باعتبار التصديق مطلباً إيمانياً. "فكتابات اليهود المقدسة لا تكف عن التغني بأمجاد بني إسرائيل العسكرية، إلا أن هذه الأمجاد هي الأخرى، فيما نعتقد، أسطورية كتاريخهم كله. والدليل ماثل في انه قلما جاء أي ذكر لليهود في تواريخ الأمم. وان ذكروا على الإطلاق، كان ذلك ذكراً لانتصار حققه الشعب صاحب التاريخ عليهم، لا انتصار حققه اليهود عليه، ومن المدهش اننا لا نجد في اى نص مصري ادنى اشاره أو تلميح إلى تلك الاقامة الطويلة التى اقامها العبريون في بلاد الفراعنة (2). فقد كان وجودهم عابراً كغزو استعماري، ثم خرجوا من مسرح الأحداث - هذا إن كان لهم وجود قبل اليونان -· وهم لم يصنعوا أية حضارة، بل كانوا لصوص حضارة، وطفيليين وهامشيين. حتى كتابهم الديني وهو الإنتاج الوحيد لديهم، كان سرقة من تراث الآخرين.
يقول غوستاف لوبون في كتابه (اليهود في تاريخ الحضارات الأولى): "إن اليهود في فلسطين لم يعرفوا سوى الرعي وسوى العمل الزراعي القليل وهم لم يقدموا للحضارة شيئا"ً. كما أن المؤرخ اليوناني هيرودت عندما زار فلسطين في القرن الخامس قبل الميلاد، لم يذكر شيئاً عن اليهود. مما يعني أنه لم يكن لهم وجود، أو وجودهم ضئيل لا قيمة له، وبالتالي لم يثر انتباهه (3). كما انه لا وجود لاية آثار تثبت ولادة عصر جديد للحضارة في فلسطين بوصول العبريين اليها. وقد قررت (كالين كينيون) وهى تحصي ما عثرت عليه من حفرياتها الأثرية ما يلي: "ان احدى الصعوبات الرئيسية في تحديد توقيت دقيق لدخول الاسرائيليين إلى فلسطين هى عدم وجود أية إشارة أثرية تسمح لنا بالقول بأن هناك برهاناً مادياً عن وصول شعب
(1) رسائل حضارية في مواجهة اليهوديةـ الأب فوتيوس خليل ـ ص65
(2)
فلسطين ارض الرسالات السماوية - روجيه جارودي - ترجمة قصي اتاسي- ميشيل واكيم - ص36
(3)
راجع كتاب: المعتقدات الكنعانية - د. خزعل الماجدي
جديد". ثم تستنتج الكاتبة قائلة: "لابد من التسليم بأن المجموعات الاسرائيلية التى كانت تصل إلى فلسطين هى من البدو الرحل
…
ولقد اقتبسوا لدى تمركزهم كل ما لدى سابقيهم في هذه الارض من أدوات ووسائل .. إن الثقافة الفلسطينية كانت في جوهرها كنعانية" (1).
ويؤكد الأب ديفو على: "ان (الشعب الاسرائيلي) لم يتكون الا بعد استقراره في أرض كنعان". أما المورخ (نوث) في كتابه (تاريخ اسرائيل) فيصل إلى النتيجة نفسها إذ يقول: "إن اتحاد اثنتي عشرة قبيلة في اسرائيل .. لا يبدو ظاهرة ذات أثر إلا بعد أن احتلت هذه القبائل الأرض ذات الثقافة الفلسطينية .. أما تاريخها فلم يبدأ إلا على أرض فلسطين"(2).
وهكذا فإن انتصاراتهم التي تحفل بها كتاباتهم المقدسة ليست إلا من قبيل التعويض الأدبي (التأليفي) عن شعورهم بالافتقار إلى ما شهدوه لدى الأمم التي عاشوا بينها من قوة عسكرية وسطوة سياسية. "فبالنظر إلى تاريخ مصر على كثرة ما اكتشف منه، لا يشير إلا لماماً في لمحات إلى القبائل البدوية، بينما تتحدث التوراة بالتفاصيل عن مصر وملوكها ومدنها وطبائع أهلها، مما يشير إلى معرفة واضحة من جانب الإسرائيليين بشئون مصر والمصريين، وهو أمر طبيعي تماماً حيث أن وضع إسرائيل كقبائل هامشية ما كان يشغل حيزاً هاماً في المدونات المصرية، بينما كان المدون الإسرائيلي لا يستطيع أغفال مصر"(3).
ومما تقدم يمكننا الآن ان نضع المرحلة العبرية من تاريخ فلسطين في سياقها الصحيح لنرى إلى ما استعارته من الحضاره الاخرى وما قدمته لها. يقول (ديل ميدكو) في كتابه (التوراة الكنعانية المكتشفه في رأس شمرا): "على الرغم من اجتياح البلاد من قبل العبريين ظلت الحضارة الكنعانية هي السائدة حتى سيطرة
(1) فلسطين ارض الرسالات السماوية - روجيه جارودي - ترجمة قصي اتاسي- ميشيل واكيم - دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر - طبعة 1991 - ص64
(2)
فلسطين ارض الرسالات السماوية - روجيه جارودي - ترجمة قصي اتاسي- ميشيل واكيم -ص64 - 65
(3)
رب الزمان - سيد محمود القمني - ص 42 - مكتبة مدبولى الصغير - ط1 1996