الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
75 -
كتاب المرضى
1 - باب مَا جَاءَ فِي كَفَّارَةِ الْمَرَض، وَقولِ اللهِ تَعَالَى:{مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ}
(كتاب المَرضَى)
(باب كفَّارة المَرَض)
الكفَّارة: صيغةُ مبالغةٍ، من: الكَفْر، وهو التغطيةُ، والمرض: خروجُ الجسمِ عن المجرى الطبيعي، يقال: مَلَكةٌ أو حالةٌ تصدر بها الأفعالُ عن الموضوع لها غيرَ سليمةٍ، وإضافةُ (كفَّارة) للمرض بيانيةٌ كـ: شجر الأراك، أي: كفَّارةٌ هي المرضُ؛ لأنه نفسَه كفَّارةٌ، لا أن له كفَّارةً، أو هو من إضافة الصفة للموصوف، وفي بعضها:(كفَّارة للمريض)، أي: كفَّارةٌ بما يحصل له من المرض.
(وقول الله تعالى) وجه مناسبة الآية للباب: أن قولَه: {يُجْزَ بِهِ} [النساء: 123] أعمُّ من الجزاء في الآخرة وفي الدنيا؛ بأن يكونَ
مرضُه عقوبةً لتلك المعصية، فيُغفَر له.
* * *
5640 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ مُصِيبةٍ تُصِيبُ الْمُسْلِمَ إِلَّا كفَّرَ اللهُ بِهَا عَنْهُ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا".
الحديث الأول:
(مصيبة) هي ما ينزل بالإنسان من مكروه.
(الشَّوكة) جوَّز فيه أبو البقاء الجرَّ، أي: لو انتهى ذلك إلى الشوكة، والنصبَ على تقدير: بحدِّ الشوكة أو مع الشوكة، والرفعَ؛ إما عطفًا على الضمير في (تصيب) أو مبتدأ خبره:(يُشَاكُها)، أي: يُصَاب بها، والضمير فيه؛ قال الطِّيبي: هو مفعوله الثاني، والأول مُضمَر، أي: يُشَاك المسلمُ تلك الشوكةَ، فاقتضى أنه مُتعدٍّ إلى مفعولَينِ، لكن قال الكِسَائي: شُكْتُ الرجلَ أَشُوكُه: أدخلتُ في جسده شوكةً، وشِيكَ بالبناء للمفعول يُشَاكُ شوكًا، وشاكَتْني الشوكةُ: دخلَتْ في جسدي، ويقال أيضًا: أَشاكَه بمعنى: شاكَه، فإذا كان شاكَ متعديًا لواحد فالضميرُ في (يُشاكُها) على التوسع، وأصلُه: يُشَاكُ بها.
* * *
5641 -
و 5642 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَار، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاه".
الثاني:
(نَصَب)؛ أي: تعب وإعياء.
(وَصَب)؛ أي: مرض، وقيل: المرض اللازم.
(هَمّ)؛ أي: مكروهٌ يحصل للإنسان بحسب ما يقصده.
(حزن)؛ أي: ما يَلحقُه بسبب حصول مكروه في الماضي.
(أذى)؛ أي: ما يَلحقُه من تعدِّي الغير عليه.
(غَمّ)؛ أي: ما يَلحقُه من تضييقٍ وثقلٍ، وهو شاملٌ لجميع أنواع المكروه؛ لأنه إما بسبب ما يَعرِض للبدن أو النفس، والأول: إما بحيث يخرج عن المجرى الطبيعي أو لا، والثاني: إما أن يُلاحَظ فيه الغيرُ أو لا، ثم ذلك إما أن يَظهَرَ فيه الانقباضُ أو لا، ثم ذلك إما بالنظر إلى الماضي أو لا.
* * *
5643 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ كَعْبٍ، عَن أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَثَلُ الْمؤمِنِ كَالْخَامَةِ مِنَ الزَّرْعِ تُفَيِّئُهَا الرِّيحُ مَرَّة، وَتَعْدِلُهَا مَرَّةً، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ كَالأَرْزَةِ لَا تَزَالُ حَتَّى يَكُونَ انْجعَافُهَا مَرَّةً وَاحِدَةً".
وَقَالَ زكرِيَّاءُ: حَدَّثَنِي سَعْدٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ كعْبٍ، عَنْ أَبِيهِ كَعْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
الثالث:
(سفيان) هو الثوري.
(عن سعد) هو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف.
(كالخامة) بخفة الميم، هي: الطاقة الغضَّة الليِّنة أولَ ما تَنبتُ، وألفُها منقلبةٌ عن واوٍ.
(تُفيِّئُها)؛ أي: تُميِّلها وتُقلِّبُها وتُرجعُها، وفاعلُه ضميرُ (الريح) المدلولُ عليه بالقرينة العادية، كما صُرِّحَ به في الحديثِ الآتي، سيأتي في (باب كفَّارة المريض).
(تَعدِلُها)؛ أي: تُقيمُها كما هي.
(كالأَرْزة) بفتح الهمزة وسكون الراء أو بفتحها: شجر الأَرْز، وهو شجرٌ معروفٌ.
قال (ع): كذا الرواية، وقال أبو عبيدة: إنما هو الآرِزة بالمد وكسر الراء، بوزن: فاعلة، أي: الثابتة في الأرض، وأنكرَ ذلك أبو عُبَيد، فقد جاء في حديث:(كشجر الأَرْز) مُفسَّرًا، انتهى.
(تزال) بفتح المثناة وضمّها.
(انجعافها)؛ أي: انقلاعها، وهو مُطاوعٌ، جَعَفَه جَعْفًا بالجيم والمهملة.
(وقال زكريا) وصلَه مسلم.
* * *
5644 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيُّ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الْخَامَةِ مِنَ الزَّرْعِ مِنْ حَيْثُ أتتهَا الرِّيحُ كَفَأَتْهَا، فَإذَا اعْتَدَلَتْ تَكَقَّأُ بِالْبَلَاءِ، وَالْفَاجِرُ كَالأَرْزَةِ صَمَّاءَ مُعْتَدِلَةً حَتَّى يَقْصِمَهَا اللهُ إِذَا شَاءَ".
الرابع:
(كَفَأَتْها)؛ أي: قلَبَتْها.
(اعتدَلَتْ) قيل: صوابه: فإذا انقلبت، وإلا لم يكن قوله:(تَكَفَّأُ)؛ أي: تقلَّبُ رجوعًا إلى وصف المسلمين، وكذا ذكره في (التوحيد) بهذا اللفظ، وقال:(المُؤْمِنُ يُكْفَأُ بالبَلاءِ)، وفي "مسند أحمد":(مَثَلُ المُؤْمِنِ مَثَلُ الخَامَةِ: تَحْمَرُّ مَرّةَ وَتَصْفَرُّ أُخْرَى)، ذكره في جواب مَن قال:(لم تُصِبْني الحُمَّى قطُّ)، وفيه فائدتان: تفسيرُ الخامة، وكونُه وَرَدَ على سببٍ.
قال (ك): فإن قلت: البلاءُ إنما يكون يُستعمَل فيما يتعلق بالمؤمن، فالمناسبُ أن يقال: بالرِّيح.
قلت: الرِّيحُ أيضًا بلاءٌ بالنسبة إلى الخامة، أو أراد بالبلاء ما يَضرُّ بالخامة، أو لما شبَّه المؤمنَ بالخامة أثبتَ للمشبَّه به ما هو من خواصِّ المُشبَّه.
(صمَّاء)؛ أي: صلبةٌ كبيرةٌ شديدةٌ، ليست مُجوَّفةً ولا خوَّارةً ضعيفةً.
(يَقْصِمُها) بالقاف وبإهمال الصاد بكسرها.
قال (ط): مَثَّلَ المؤمنَ بالخَامَة من حيث إنه إذا جاء أمرُ الله تعالى انطاعَ له ورجا في مكروهه الأجرَ، فإذا سكنَ البلاءُ عنه اعتدلَ قائمًا بالشكر له على البلاء، أي: الاختبار، وعلى المعافاة منه، منتظرًا لإحسانٍ آخرَ، والكافرُ لا يكون منه تعالى اختبارٌ له؛ بل يُعافيه ويُيسِّر عليه أمورَه ليَعسُرَ عليه مَعَادُه، فإذا أراد اللهُ أن يُهلكَه قصمَه، ويكون موتُه أشدَّ عذابًا عليه وأكثرَ ألمًا في خروج نفسه من ألم النفس المبتلاة بالبلاء المأجور عليه.
* * *
5645 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ يَسَار أَبَا الْحُبَابِ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: