الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
15 - بابُ التَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ، وَمَنْ تَرَكَ مُتَعَمِّدًا
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَنْ نَسِيَ فَلَا بَأْسَ. وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} ، وَالنَّاسِي لَا يُسَمَّى فَاسِقًا، وَقَوْلُهُ:{وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} .
(باب التَّسمية على الذَّبيحة)
قوله: (والناسي لا يُسمَّى فاسقًا) هذا جوابٌ مِن جهة مَن خصَّص الَايةَ بِمَن تعمَّد تركَ التسمية كالحنفية؛ حيث قالوا: لو تركَ التسميةَ ناسيًا لا تَحرُمُ ذبيحتُه، وتقويةٌ لقولهم، وأمَّا ذكرُ {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ} [الأنعام: 121] فلأنه من تمام الآية، أو لتقوية الشافعية؛ حيث قالوا: ما لم يُذكَرِ اسمُ الله عليه كنايةٌ عن الميتة، أو ما ذُكر غيرُ اسمِ اللهِ عليه، بقرينةِ ذِكرِ:{وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121]، وهو مُؤوَّلٌ بما أُهِلَّ به لغير الله.
قال في "الكشَّاف": فإن قلتَ: ذهبَ جماعةٌ إلى جوازِ أكلِ ما لم يُذكَرِ اسمُ الله عليه بنسيانٍ أو عمدٍ؟ قلتُ: قد تأوَّله هؤلاء بالميتة وبما ذُكِرَ غيرُ اسمِ اللهِ عليه، لقوله:{أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: 145].
(لَيُوحُونَ) لَيُوسوِسُونَ إلى أوليائهم من المشركين ليُجادِلُوكم بقولهم: ولا تأكلوا مما قتلَه اللهُ؛ وبهذا يرجح تأوُّلُه بالميتة.
* * *
5498 -
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: كنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِذِي الْحُلَيْفَةِ، فَأَصَابَ النَّاسَ جُوعٌ، فَأَصَبْنَا إِبِلًا وَغَنَمًا، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي أُخْرَيَاتِ النَّاسِ، فَعَجِلُوا فَنَصَبُوا الْقُدُورَ، فَدُفِعَ إِلَيْهِمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَ بِالْقُدُورِ فَأُكفِئَتْ، ثُمَّ قَسَمَ فَعَدَلَ عَشَرَةً مِنَ الْغَنَمِ بِبَعِيرٍ، فَنَدَّ مِنْهَا بَعِيرٌ، وَكَانَ فِي الْقَوْمِ خَيْلٌ يَسِيرَةٌ فَطَلَبُوهُ فَأَعْيَاهُمْ، فَأَهْوَى إِلَيْهِ رَجُلٌ بِسَهْمٍ، فَحَبَسَهُ اللهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ، فَمَا نَدَّ عَلَيْكُمْ فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا". قَالَ: وَقَالَ جَدِّي: إِنَّا لنرْجُو، أَوْ نَخَافُ أَنْ نلْقَى الْعَدُوَّ غَدًا، وَلَيْسَ مَعَنَا مُدًى، أفنَذْبَحُ بِالْقَصَبِ، فَقَالَ:"مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ فَكُلْ، لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ، وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْهُ، أَمَّا السِّنُّ عَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ".
(عَبَايَة) قال الغساني: في بعض الروايات: (عَبَايَة، عن أبيه، عن جدِّه)، بزيادة:(عن أبيه)؛ وهو سهوٌ.
(أُخرَيات) جمع: أُخرى، تأنيث: آخر.
(فأُكْفِئَتْ)؛ أي: قُلِبَتْ، وسبق الحديثُ مراتٍ.
(فعَدَلَ)؛ أي: قابَلَ، وكأنَّ هذا بالنظر إلى قيمة الوقت، وليس مخالفًا لقاعدة الأُضحية في إقامةِ البعيرِ مَقامَ سبعِ شِيَاهٍ؛ إذ ذاك بحسب الغالب في قيمة الشِّيَاه والإبل المعتدلة.
(نَدَّ)؛ أي: نَفَرَ وذهبَ على وجهه هاربًا.
(فأعيَاهم)؛ أي: أَتعبَهم وعجزَهم.
(أوابد)، جمع: آبِدَة، أي: التي تأبَّدَتْ، أي: توحَّشَتْ ونفَرَتْ من الإنس.
(هكذا)؛ أي: الجَرح بأيِّ وجهٍ قدرتُم عليه؛ فإن حكمَه حكمُ الصيد.
(مُدًى) جمع: مُدْية، وهي الشفرة، والغرضُ من ذكر لقاء العدو عند السؤال عن الذبح بالقصب: أنهم لو استعملوا السيوفَ في المذابح لَكلَّتْ، وعند اللقاء تَعجَزُ عن المُقاتَلة بها.
(أنْهَرَ)؛ أي: أسالَ الدمَ كما يَسيلُ الماءُ في النهر، و (ما) شرطيةٌ أو موصولةٌ.
(فعَظْم)؛ أي: وهو يتنجَّس بالدم، وهو زادُ الجِنِّ فلا يُذبَح به، أو لأنه غالبًا لا يَقطَع، إنما يَجرَح فتُزهَق النفسُ من غير أن يُتيَقَّنَ وقوعُ الذَّكاةِ به.
(فَمُدَى الحَبَشة)؛ أي: أنهم يُدمون مذابحَ الشاة بأظفارهم حتى تُزهَقَ النفسُ حَنَقًا، ومرَّ الحديثُ في (الشركة).
* * *