الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَعْينهُمْ، وَقَطَعُوا أَيْدِيَهُمْ، وَتُرِكُوا فِي نَاحِيَةِ الْحَرَّةِ، حَتَّى مَاتُوا عَلَى حَالِهِمْ.
(عُكْل) بضم المهملة وإسكان الكاف.
(وعُرَيْنة) مُصغَّر: عُرَنَة بمهملة وراء ونون: قبيلتان معروفتان.
(ضَرْع)؛ أي: مواشي.
(رِيف) بكسر الراء، أي: أرضٌ فيها زرعٌ.
* * *
30 - بابُ مَا يُذْكَرُ فِي الطاعونِ
(باب ما يُذكَر في الطاعون)
هو بَثْرٌ مُؤلِمٌ جدًّا يخرج غالبًا من الآباط، مع لهبٍ واسودادٍ حوالَيه وخفقانِ القلبِ والقَيء، وقال الجَوهري: هو الموتُ من الوباء.
5728 -
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، قَالَ: أَخْبَرَني حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ سَعْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أُسَامَةَ بْنَ زيدٍ يُحَدِّثُ سَعْدًا، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأَرْضٍ فَلَا تَدْخُلُوهَا، وَإِذَا وَقَعَ بِأرْضٍ وَأَنتمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا
مِنْهَا"، فَقُلْتُ: أَنْتَ سَمِعْتَهُ يُحَدِّثُ سَعْدًا، وَلَا يُنْكِرُهُ.
الحديث الأول:
(سعد)؛ أي: ابن أبي وقاص.
* * *
5729 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زبدِ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ حَتَّى إِذَا كَانَ بِسَرْغَ لَقِيَهُ أُمَرَاءُ الأَجْنَادِ؛ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاح وَأَصحَابُهُ، فَأخْبَرُوهُ أَنَّ الْوَباءَ قَدْ وَقَعَ بِأرْضِ الشَّأْمِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقَالَ عُمَرُ: ادع لِي الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلينَ، فَدَعَاهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّأْمِ فَاخْتَلَفُوا؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ خَرَجْتَ لأَمْرٍ، وَلَا نَرَى أَنْ تَرْجِعَ عَنْهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعَكَ بقِيَّةُ النَّاسِ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَا نَرَى أَنْ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ، فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّي، ثُمَّ قَالَ: ادْعُوا لِي الأَنْصَارَ، فَدَعَوْتُهُمْ، فَاسْتَشَارَهُمْ، فَسَلَكُوا سَبِيلَ الْمُهَاجِرِينَ، وَاخْتَلَفُوا كَاخْتِلَافِهِمْ، فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّي، ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِي مَنْ كَانَ هَاهُنَا مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْفَتْح، فَدَعَوْتُهُمْ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ مِنْهُمْ عَلَيْهِ رَجُلَانِ، فَقَالُوا: نَرَى أَنْ تَرْجِعَ بِالنَّاسِ، وَلَا تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ، فَنَادَى عُمَرُ فِي النَّاسِ، إِنِّي مُصَبِّحٌ عَلَى ظَهْرٍ، فَأصْبِحُوا
عَلَيْهِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ: أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللهِ؟ فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ! نعمْ، نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللهِ إِلَى قَدَرِ اللهِ، أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ إِبِلٌ هَبَطَتْ وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ، إِحْدَاهُمَا خَصِبةٌ، وَالأُخْرَى جَدْبَةٌ، أليْسَ إِنْ رَعَيْتَ الْخَصْبةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللهِ، وَإِنْ رَعَيْتَ الْجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللهِ؟ قَالَ: فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَكَانَ مُتَغَيِّبًا فِي بَعْضِ حَاجَتِهِ، فَقَالَ: إِنَّ عِنْدِي فِي هَذَا عِلْمًا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأرْضٍ وَأَنتمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ"، قَالَ: فَحَمِدَ اللهَ عُمَرُ ثُمَّ انْصَرَفَ.
الثاني:
(بِسَرْغ) بفتح المهملة وتسكين الراء ثم معجمة، يُصرَف ولا يُصرَف: قريةٌ في طرف الشام.
(أُمَراء الأَجْناد)؛ أي: بمدن الشام الخمس: وهي فِلَسْطِينُ، والأُرْدُنُّ، وحِمْصُ، وقِنِّسْرينُ، ودِمَشْقُ.
(الوَباء) بالمدِّ والقصرِ؛ وهو أشهرُ.
قال الخَليل: هو الطاعون، وقيل: المرض العام؛ فكلُّ طاعونٍ وباءٌ، بدون العكس، والذي وقع بالشام في زمن عمرَ رضي الله عنه هو طاعونُ عَمْواس بفتح المهملة: قريةٌ معروفةٌ بالشام.
(المهاجرين الأولين) هم الذين صلَّوا إلى القِبْلتَين.
(بقية الناس)؛ أي: بقية الصحابة، وهذا تعظيمٌ لهم، أي: كأن
الناسَ لم يكونوا إلا الصحابةَ، كما قال:
هم القومُ كلُّ القومِ يا أُمَّ خالدِ
وعطفُ (أصحاب) على (الناس) عطفٌ تفسيريٌّ.
(تُقدِمهم) من الإقدام، بمعنى التقديم.
(ارتَفِعُوا)؛ أي: اذهبوا.
(مَشيخة) بفتح الميم وكسر الشين، جمع: شيخ.
(مُهاجرة الفتح) الذين هاجروا عامَ الفتحِ قبلَ الفتحِ، وقيل: هم مُسلِمةُ الفتح.
(مُصْبِح) بإسكان الصاد، أي: مسافر في الصباح راكبًا.
(على ظهر)؛ أي: ظهر الدابة راجعًا إلى المدينة.
(فأَصبحوا عليه)؛ أي: راكبين متهيئين للرجوع.
(قَدَر الله)؛ أي: تقديرُه، فقضاءُ الله هو ما حَكمَ به من الأمور الكلية في الأزل، والقَدَرُ هو تلك الجزئياتُ واحدٌ بعدَ واحدٍ، قالوا: فهو المرادُ بقوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إلا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ} [الحجر: 21].
(لو غيرك) بالرفع: فاعل بفعل محذوف، أي: قالها غيرُك؛ لأن (لو) تختص بالدخول على الفعل، نحو: لو ذاتُ سوارٍ لطَمَتْني، وجوابُ (لو) محذوفٌ، قيل تقديره: لآذَيتُه لاعتراضك عليَّ في مسألةٍ اجتهاديةٍ، وقد وافقَ عليها الأكثرُ، وقيل: لم أتعجَّبْ منه، وإنما أتعجبُ من قولك مع فضلك وعلمك.
(عُدْوَتَان) بضم المهملة وكسرها: طرفًا الوادي.
(خَصْبة) بفتح الخاء وإسكان الصاد المهملة وكسرها، أي: ذاتُ خصب وكلأ.
(جَدْبة) بسكون الدال وكسرها، أي: فالكلُّ بتقدير الله تعالى، سواءٌ نَدخل أو نَرجع، فاستَعمل عمرُ -رضي الله تعالى عنه- في رجوعه الحذرَ مع إثبات القَدَر، فعملَ بالدليلَينِ المُتمسِّك بهما كلٌّ من الطائفتَينِ: التسليمِ للقضاء، والاحترازِ عن الإلقاء في التهلكة.
(فلا تَقدَمُوا) بفتح الدال، أي: ليكونَ أسكنَ لقلوبكم وأقطعَ للوسوسة.
(فلا تخرجوا)؛ أي: لئلا تكونوا قد عارضتُم القَدَرَ وادَّعيتُم الحَولَ والقوةَ في الخاص منه.
(فرارًا) مفعول لأجله، أي: فلغير الفرار يجوز لكم أن تخرجوا.
(فحمد الله)؛ أي: على موافقةِ اجتهادِه واجتهادِ معظمِ أصحابِه حديثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه لم يكن قاله تقليدًا؛ بل لأن الرجوعَ أحوطُ مع مساعدة المهاجرين والأنصار، والمَشيخة الذين فيهم سَداد الرأي وكثرة التجارب.
قال (ط): وجهُ النهي: وإن كان لا يموت أحدٌ إلا بأجله إنما هو حذرًا من الفتنة في أن يظنَّ أن هلاكَه كان من أجل قدومه، وأن سلامتَه من أجل رجوعه، فنَهَى عن الدنو من المجذوم مع علمه بأنه لا عَدوَى، وأما إذنُه لمن استَوخَم المدينةَ بالخروج فليس أمرًا
بالفرار؛ لأن الاستيخامَ كان خاصًّا بهم دونَ الناس، ولاحتياجهم إلى الضَّرع، ولاعتيادهم المَعاشَ في الصحاري، وفيه: أن على المرء التدبُّرَ في المَكَاره قبلَ وقوعها، وتجنُّبَ المَخُوفِ قبلَ هجومه، وأن عليه الصبرَ وتركَ الجزعِ بعدَ نزولِه.
قال (ن): فيه خروجُ الإمام بنفسه لمشاهدة أحوال الرعية، وإزالةُ ظلم المظلوم، وكشفُ الكرب، وتنزيلُ الناسِ منازلَهم، والاجتهادُ في الحروب، وقَبُولُ خبر الواحد، وصحةُ القياس وجَوازُ العمل به، واجتنابُ أسباب الهلاك.
قال البَيضاوي: النهيُ عن الدخول في أرض الوباء للإقدام على خطر، وعن الخروج لأنه فرار من القَدَر، ولئلا تضيعَ المَرضى من عدم التعهُّد، والمَوتى مِن عدم مَن يُجهِّز؛ فأحدُ الأمرَينِ تأديبٌ وتعليمٌ، والآخرُ تفويضٌ وتسليمٌ.
* * *
5730 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِر: أَنَّ عُمَرَ خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ، فَلَمَّا كَانَ بِسَرْغَ بَلَغَهُ: أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّأمِ، فَأخْبَرَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا سَمِعْتُم بِهِ بِأَرضٍ فلا تَقْدَمُوا عَلَيهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرضٍ وَأَنتم بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ".
الثالث:
في معنى الذي قبلَه.
* * *
5731 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ الْمَسِيحُ وَلَا الطَّاعُونُ".
الرابع:
(المسيح)؛ أي: الدجال.
* * *
5732 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا عَاصمٌ، حَدَّثتنِي حَفْصَةُ بِنْتُ سِيرِينَ، قَالَتْ: قَالَ لِي أنس بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه: يَحْيَى بِمَا مَاتَ؟ قُلْتُ: مِنَ الطَّاعُونِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ".
الخامس:
(يحيى)؛ أي: ابن سِيرين أخو حفصة، وقال (ش): أي: ابنُ أبي عَمْرةَ كما رواه مسلم، وليس لحفصةَ عن أنسٍ في الصحيحين غيرُ هذا.
(بما مات)؛ أي: بأيِّ أرضٍ مات؟ كذا قال (ك)، والأحسنُ: بأيِّ سببٍ؟ وأَثبَتَ الألفَ مع الاستفهام على خلافِ الأكثرِ.
* * *
5733 -
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صَالحٍ، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"الْمَبْطُونُ شَهِيدٌ، وَالْمَطْعُونُ شَهِيدٌ".
السادس:
(المَبطُون)؛ أي: الذي مات بمرض البطن.
(شهيد)؛ أي: له ثوابُ الشهادة.
(والمَطعُون)؛ أي: الذي مات بالطاعون، وقد سبق أن الشهيدَ في الدنيا والآخرة هو مَن قاتَلَ لتكونَ كلمةُ الله هي العليا، فقُتِلَ، ففي الدنيا لا يُغسَّل ولا يُصلَّى عليه، وله في الآخرة ثوابُ الشهداء، وشهيدُ الدنيا فقط كمَن قاتَلَ رياءً وسمعة أو للغنيمة، فقُتِلَ، فلا يُغسَّل ولا يُصلَّى عليه، ولكن في الآخرة ليس له أجرُ الشهادة، وشهيدُ الآخرة فقط كالمَبطُون والمَطعُون ونحوهما فله الثوابُ في الآخرة لشدة ما كابَدَه، وليس له حكمُ الشهيد الدنيوي.
* * *