الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع هل الأمر حقيقة في الفعل
؟
أي: إذا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم فعلاً فهل يدل هذا على أن المفعول مأمور به حقيقة؟
اختلف في ذلك على مذهبين:
المذهب الأول: أن الأمر ليس بحقيقة في الفعل.
وهذا مذهب جمهور العلماء، وهو الحق؛ لأنه يوجد فرق بين
الأمر والفعل من وجوه:
الوجه الأول: من حيث الحد: فإن الأمر هو: الاستدعاء بالقول
على وجه الاستعلاء.
بخلاف الفعل فإنه لا يقال فيه ذلك، وإن نُقل هذا التعريف
للفعل، فإنه يحتاج إلى دليل يُعتمد عليه، فيكون الأمر حقيقة في
القول المخصوص؛ لعدم الحاجة إلى دليل في ذلك، أما الفعل
فنظراً لاحتياجه إلى دليل فإنه يكون أمراً مجازاً.
الوجه الثاني: أن الآمر بالقول يُقال له: اَمر، بخلاف فاعل
الفعل فإنه لا يقال له: إنه آمر بذلك الفعل.
الوجه الثالث: أنه يُتصرف في القول فيقال: " أمر، يأمر، أمراً
بخلاف الفعل فلا يقال لمن صلى أو صام: إنه أمر ".
الوجه الرابع: أن الفعل يصح نفي الأمر عنه بخلاف القول،
فتقول: " فعل ذلك ولم يأمر به "، ولكن لا يجوز قول ذلك في
القول، فلا يقال:" أمر بذلك ولم يأمر به "؛ لأنه يلزم منه
التناقض.
المذهب الثاني: أن الأمر حقيقة في الفعل كما هو حقيقة في القول.
وهو مذهب بعض الشافعية، وبعض الفقهاء.
أدلة هذا المذهب:
الدليل الأول: قوله تعالى: (وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر) .
وجه الدلالة: أنه استعمل الأمر في الفعل، والاستعمال دليل
الحقيقة، إذن الأمر حقيقة في الفعل، ويكون المعنى: وما فعلنا إلا واحدة.
جوابه:
أنه لا يراد أن: فعله كلمح بالبصر، وإنما المراد: أن من صفته
وشأنه أنه إذا أراد شيئاً قال له: كن، فيقع ويكون كلمح البصر في
السرعة.
الدليل الثاني: قوله تعالى: (وما أمر فرعون برشيد) .
وجه الدلالة: كما سبق في الدليل الأول.
الجواب:
أن المراد بقوله: (وما أمر فرعون برشيد) أي: وما قول فرعون
برشيد، ويدل على ذلك قوله - بعد ذلك -:(فاتبعوا أمر فرعون)
والاتباع إنما يكون حقيقة في القول، لا في الفعل.
بيان نوع الخلاف:
الخلاف معنوي؛ ويتبين أثره في فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه يلزم على
المذهب الأول أنه إذا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم فعلاً أمام الصحابة، فإن هذا الفعل ليس بأمر لهم بأن يفعلوا مثله على الوجوب، أو على الندب
- على الخلاف الآتي -، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد يفعل الشيء وهو له خاصة، وقد يفعل الشيء على جهة النفل والفضل والندب، وقد يفعله سجية وخلقاً، أما إذا أمر بالقول فإن الأمر يؤخذ من هذا
القول فيكون للوجوب، أو الندب على الخلاف الذي سيأتي.
ويلزم على المذهب الثاني: أنه إذا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم شيئاً فإنه يكون أمراً بفعله - وهذا الفعل يكون واجبا، أو مندوباً - على
الخلاف الذي سيأتي -.