الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الخامس فيما تستعمل فيه صيغة الأمر - وهي: " افعل
" -
لقد سبق أن قلنا: إن الأمر هو: استدعاء الفعل بالقول على وجه
الاستعلاء، وقلنا - أيضاً -: إن للأمر صيغة وهي: " افعل "،
وينبغي أن تعلم هنا: أن صيغة " افعل " - أو ما يقوم مقامها - لا
تستعمل للأمر فقط، ولا تستعمل للوجوب أو الندب، بل تستعمل
لمعان أخر غير ذلك، وإليك بيان ذلك فيما يلي:
الأول: الوجوب كقوله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ) .
الثاني: الندب كقوله تعالى: (فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً) ،
والصارف له من الوجوب إلى الندب هو: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على الصحابة الذين لم يكاتبوا العبيد الذين كانوا تحت أيديهم
مع أن فيهم خيراً للإسلام والمسلمين.
الثالث: التأديب كقوله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن أبي سلمة -:
" يا غلام، سم اللَّه، وكل بيمينك، وكل مما يليك ".
وبين الندب والتأديب عموم وخصوص، بيان ذلك:
أن التأديب خاص بإصلاح الأخلاق وتحسينها، وهذا أعم من أن
يكون من مكلف وغيره، أما الندب فهو خاص بالمكلفين، وهذا أعم
من أن يكون مختصا بإصلاح الأخلاق وغيرها.
الرابع: الإرشاد كقوله تعالى: (وأشهدوا إذا تبايعتم)
وقوله: (إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) .
والفرق بينه وبين الندب أن المندوب مطلوب لمنافع الآخرة، لذلك
يوجد فيه ثواب بخلاف الإرشاد، فإنه مطلوب لمنافع الدنيا لذلك لا
ثواب فيه.
الخامس: الإباحة كقولك لشخص آخر: " كل من بستاني ".
السادس: التهديد كقوله تعالى: (فاعبدوا ما شئتم من دونه) ،
وقوله: (اعملوا ما شئتم) ، وسماه بعضهم بالوعيد، وسماه
آخرون بالتقريع، وسماه فريق ثالث بالتوبيخ.
السابع: الإكرام كقوله تعالى: (ادخلوها بسلام آمنين)
الثامن: الإهانة كقوله تعالى: (ذق إنك أنت العزيز الكريم)
وضابطه: أن يؤتى بلفظ دال على الإكرام، والمراد ضده.
التاسع: التعجيز كقوله تعالى: (فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ) ،
وقوله: (فأتوا بسورة من مثله)، وقوله:(فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ) ، وهو إنما يكون فيما لا قدرة للعبد عليه.
العاشر: السخرية مثل قوله تعالى: (كونوا قردة) ، وسمي
ذلك بعضهم بالتسخير، وهذا لا يصح؛ لأن السخرية هو: الهزء
كقوله تعالى: (إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون) ،
أما التسخير فهو نعمة وإكرام كقوله تعالى: (وسخر لكم الليل والنهار) .
الحادي عشر: الدعاء مثل قوله تعالى: (ربنا اغفر لي ولوالدي)
وهذا لا يكون إلا من الأدنى إلى الأعلى على وجه الإحسان والتفضل.
الثاني عشر: التسوية كقوله تعالى: (فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا)
بعد قوله: (اصلوها) والمراد: أن هذه التصلية لكم سواء
صبرتم أو لا، فالحالتان سواء، فيكون قوله تعالى - بعد ذلك -:
(سواء عليكم) جملة مبينة ومؤكدة مبالغة في الحسرة عليهم.
الثالث عشر: التمني كقوله صلى الله عليه وسلم:
"كن أبا ذر " أي: يتمنى أن يكون أبا ذر، وكقولك:" كن فلانا كذا " أي: أتمنى أن تكون يا فلان طالب علم، وأكثر الأصوليين يمثلون للتمني بقول امرئ القيس:
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي
…
بصبح وما الإصباح منك بأمثل
وهذا لا يصح؛ لأن المستعمل في التمني - في هذا البيت - هو
صيغة الأمر مع لفظ: " ألا " لا الصيغة وحدها.
الرابع عشر: الامتنان كقوله تعالى: (كلوا من طيبات ما رزقناكم) ،
وسماه بعضهم بالإنعام.
والفرق بينه وبين الإباحة: أن الإباحة مجرد إذن، أما الامتنان فلا
بد من اقترانه بذكر احتياج الخلق إليه، وعدم قدرتهم عليه.
الخامس عشر: التكوين، كقوله تعالى:(كن فيكون) ،
وسماه بعضهم: " كمال القدرة ".
والفرق بينه وبين السخرية: أن التكوين: سرعة الوجود من
العدم، وليس فيه انتقال إلى حال ممتهنة، بخلاف السخرية فإنه لغة
الذل والامتهان.
السادس عشر: قرب المنزلة كقوله تعالى: (ادخلوا الجنة) .
السابع عشر: التحذير والإخبار عما يؤول إليه أمرهم كقوله تعالى:
(تمتعوا في داركم ثلاثة أيام) .
الثامن عشر: الخبر كقوله ثعالى: (أسمع بهم وأبصر) أي:
سمعت وأبصرت، وكقول الرسول صلى الله عليه وسلم:
"إذا لم تستح فاصنع ما شئت "
أي: إذا لم تستح صنعت ما شئت، حيث يصح في: جوابها الصدق والكذب.
التاسع عشر: التعجب كقوله تعالى: (انظر كيف ضربوا لك الأمثال) .
وبعضهم مثل كذلك بقوله تعالى: (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) أي: ما
أسمعهم وأبصرهم، وهذا فيه بُعْد؛ لأنه يفهم منه الخبر كما سبق.
العشرون: الإنذار كقوله تعالى: (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ) .
وقد جعله بعضهم نوعاً من التهديد، ولكن هذا ليس بصحيح،
حيث يوجد فرق بينه وبين التهديد من وجوه:
الأول: أن التهديد عرفاً أبلغ في الوعيد والغضب من الإنذار.
الثاني: أن الفعل المهدد عليه يكون ظاهر البطلان والتحريم، أما
الإنذار فقد يكون كذلك، وقد لا يكون.
الثالث: أن الإنذار يكون مقروناً بالوعيد كالآية السابقة، وقوله
تعالى: (قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار) ، أما التهديد، فقد
يكون مقرونا بالوعيد، وقد لا يكون.
الواحد والعشرون: الالتماس كقولك لنظيرك: " أعطني كتابا ".
الثاني والعشرون: المشورة كقوله تعالى: (ماذا تأمرون) .
الثالث والعشرون: التصبر كقوله تعالى: (لا تحزن إن اللَّه معنا) .
الرابع والعشرون: الاحتقار كقوله تعالى: (ألقوا ما أنتم ملقون) .
وذلك في قصة موسى عليه السلام يخاطب السحرة؛ وذلك
لأن السحر وإن عظم شأنه - عندهم - فإنه في مقابلة ما أتى به
موسى عليه السلام من المعجز حقير.
والفرق بينه وبين الإهانة: أن الإهانة تكون بالقول، أو بالفعل،
أو بالتقرير كترك إجابته، أو نحو ذلك، لا بمجرد الاعتقاد،
والاحتقار قد يكون بمجرد الاعتقاد، يقال في مثل ذلك: احتقره،
ولا يقال: أهانه.
الخامس والعشرون: التكذيب كقوله تعالى: (فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) .
السادس والعشرون: التحسير كقوله تعالى: (قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ)، وقوله:(قل موتوا بغيظكم) .
السابع والعشرون: التفويض كقوله تعالى: (فاقض ما أنت قاض) ،
وسماه بعضهم بالتسليم، وسماه آخرون بالتحكيم.
الثامن والعشرون: الاعتبار كقوله تعالى: (انظروا إلى ثمرة إذا أثمر وينعه)
، وقوله:(قل سيروا في الأرض فانظروا) ،
حيث إن في ذلك عبرة لمن اعتبر، وبعضهم سماه: تذكير النعم.
التاسع والعشرون: إرادة الامتثال لأمر آخر، كقوله صلى الله عليه وسلم: "كن عبد اللَّه المقتول، ولا تكن عبد اللَّه القاتل، فالمقصود الاستسلام
والكف عن الفتن.
الثلاثون: الاحتياط كقوله صلى الله عليه وسلم:
"إذا قام أحدكم من النوم فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا "
بدليل قوله بعده: " فإنه لا يدري أين باتت يده"، فالأمر هنا للاحتياط؛ حيث إنه يحتمل أن تكون يده قد لاقت نجاسة من بدنه لم يعلمها، فليغسلها قبل إدخالها في الإناء؛ لئلا يفسد الماء الذي فيه.