الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني حرف " الفاء
"
تأتي للمعاني التالية:
أولاً: أنها تأتي عاطفة، واختلف في كونها للترتيب والتعقيب
على مذاهب:
المذهب الأول: أنها تأتي للترتيب، والتعقيب، وهو مذهب
جمهور العلماء.
وهو الحق؛ حيث إن " الفاء " تفيد أن ما بعدها ثبت له الحكم
بعد ثبوته لما قبلها من غير مهلة، فإذا قلت:" جاء زيد فعمرو ":
أفاد هذا أن عمراً ثبت له المجيء بعد زيد من غير تراخ بينهما في
الزمن.
والترتيب إما أن يكون في الزمان مثل: قوله تعالى: (خلقك فسواك)، وقولك:" ضربته فهلك ".
وإما أن يكون الترتيب في الذكر، وهو عطف مفصل على مجمل
كقوله تعالى: (وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) ،
وقوله: (فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً) ،
وقوله: (فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ)، وكقولك: " أعطى
فأجزل "، وقولك: " خطب فأحسن "، وهذا الوقوع دليل على
أنها للترتيب.
وأما الدليل على أنها للتعقيب فهو وقوعها في جواب الشرط مثل
قولك.: " إن دخلت الدار فأنت طالق " فالجواب - وهو الطلاق -
يلي الشرط عقبه بلا مهلة.
المذهب الثاني: أن " الفاء " لا تدل على الترتيب.
وهو محكي عن الفراء.
دليل هذا المذهب:
قوله تعالى: (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ) .
وجه الدلالة: أن مجيء الباس إنما يكون قبل الهلاك، فهذا يدل
على أن " الفاء " تأتي وهي لا تدل على الترتيب، وكذلك قوله
تعالى: (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله) .
جوابه:
إن في الكلام حذفاً تقديره: " أردنا إهلاكها فجاءها بأسنا "،
ومثله الآية الأخرى، ولا شك أن إرادة الإهلاك سابقة على مجيء
البأس، ولا شك أن إرادة قراءة القرآن سابقة على قراءته، فتكون
الفاء في النصين على أصلها من الترتيب والتعقيب.
المذهب الثالث: أن الفاء لا تدل على التعقيب.
وهو مذهب بعض العلماء.
دليل هذا المذهب:
قوله تعالى: (قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ) .
وجه الدلالة: أن افتراء الكذب يكون في الدنيا، والإسحات
بالعذاب أي: الاستئصال به يكون في الآخرة، وبينهما تراخ في
الزمن، إذن:" الفاء " لا تكون للتعقيب.
جوابه:
إن الفاء في هذه الآية للتعقيب، وقد حصل لهم ذلك الإسحات
في الدنيا، بيان ذلك: لا تختلفوا على الله كذبا فيستأصلكم
ويهلككم هلاكا لا بقية فيه، فالافتراء والعذاب كلاهما في الدنيا؛
لأن الاستئصال لا يكون في الآخرة، فتعقيب الافتراء بالاستئصال
متحقق في الدنيا مباشرة لمن لم يرجع منهم عن غيه، وقد حصل
ذلك لفرعون وقومه.
بيان نوع الخلاف:
الخلاف معنوي، حيث أثر ذلك في بعض الفروع الفقهية ومنها:
1 -
هل تجب استتابة المرتد؟
يلزم على المذهب الأول - وهو: أن الفاء للترتيب والتعقيب -:
أنه لا تجب استتابة المرتد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:
"من بدل دينه فاقتلوه "،
فالفاء - هنا - للتعقيب بلا مهلة، وهي تقتضي الترتيب باتصال.
ويلزم على المذهب الثالث - وهو: أن الفاء لا تدل على
التعقيب -: أنه تجب الاستتابة؛ لأن الفاء ليست للتعقيب.
2 -
لو قال: " إن دخلت هذه الدار فدخلت هذه الدار الأخرى
فأنت طالق "، فإنه يلزم على المذهب الأول: أنها لا تطلق حتى
تدخل الدار الأولى قبل الثانية، فلو عكست لم تطلق؛ لأن الفاء
للترتيب.
ويلزم على المذهب الثاني: أنها تطلق إذا دخلت الدار الثانية قبل
الأولى؛ لأن الفاء ليست للترتيب.
ثانيا: وتأتي " الفاء " بمعنى " الواو " مثل قول امرئ القيس:
بسقط اللوى بين الدخول فحومل
و" الفاء " عند التجرد تستعمل حقيقة في العطف والترتيب
والتعقيب، ولا تستعمل في غيره إلا بقرينة.