الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس هل يجوز استعمال أحد المترادفين مكان الآخر
؟
انفراد المترادفات يصح إقامة بعضها مكان بعض إجماعا، فيقام
لفظ " بر " مكان لفظ " قمح "، و " قعود " مكان " جلوس "،
وهكذا. ولكن الاختلاف إنما هو في حالة تركيب المترادفات، ففي ذلك
مذاهب:
ْالمذهب الأول: أن ذلك يجوز في لغة واحدة، ولا يجوز من
لغتين مختلفتين، وهو مذهب كثير من العلماء، ومنهم البيضاوي،
وصفي الدين الهندي، وهو الحق؛ لأن وضع أحد المترادفين موضع
الآخر من لغة واحدة لا يلزم منه الإخلال والإفساد للمعنى، أي:
أن صحة التركيب وفساده متعلق بالمعنى دون اللفظ، فإذا صح المعنى
لم يبق محذور؛ لأن كلا اللفظين معروف لأهل هذه اللغة، فكان
ذلك جائزاً.
أما وضع أحد المترادفين موضع الآخر من لغتين فلا يجوز، فلا
يصح " خداي أكبر " في موضع: " اللَّه أكبر "، وقلنا ذلك لأمرين:
أولهما: أنه يلزم منه اختلاط اللغتين.
ثانيهما: أنه يلزم منه ضم مهمل إلى مستعمل؛ لأن اللفظ المرادف
من اللغة الأخرى يعتبر مهملاً بالنظر إلى أهل اللغة الأخرى الذين لا
يفهمونه، فعلى هذا: يكون التخاطب به ممتنعا لذلك.
المذهب الثاني: أنه يجوز وضع أحد المترادفين مكان الآخر مطلقا.
وهو مذهب ابن الحاجب، وهو مذهب كثير من الحنفية.
دليل هذا المذهب:
أن المقصود من التركيب: معناه، دون لفظه، وما دام أن المعنى
لم يتغير في اللفظين، فلا مانع من وضع أحدهما مكان الآخر،
سواء كان ذلك من لغة واحدة أو من لغتين، فلما انتفى المانع:
وجب العمل بالمقتضى لسلامته عن المعارض.
جوابه:
أنا نوافقكم في أنه يجوز وضع أحد اللفظين مكان الآخر في لغة
واحدة - كما ذكرنا - ولكن نمنع ذلك في لغتين، ويمنع ذلك أمران
هما: اختلاط اللغتين، وضم مهمل إلى مستعمل، وقد سبق
بيانهما.
المذهب الثالث: أنه لا يجوز وضع أحد المترادفين مكان الآخر
مطلقاً.
وهو مذهب فخر الدين الرازي وبعض العلماء.
دليل هذا المذهب:
أنه لا فرق في كون اللفظ موضوعاً للمعنى باصطلاح لغة واحدة
أو لغتين، فلو جاز إقامة كل واحد من المترادفين مقام الآخر لجاز
وضع قوله: " خداي أكبر " موضع " اللَّه اكبر "، ولكنه لا يجوز
باتفاق، وهذا يتحقق في اللغة الواحدة، كما يتحقق في اللغتين.
جوابه:
أنه يوجد فرق بين أن يكون من لغة واحدة وبين أن يكون من
لغتين، فإذا كان وضع أحد المترادفين في لغة واحدة، فهذا جائز؛
لعدم اختلاط اللغتين، ولعدم ضم مهمل إلى مستعمل، أما وضع
أحد المترادفين من لغتين، فهذا لا يجوز لوجود الأمرين السابقين.
بيان نوع الخلاف:
الخلاف معنوي؛ حيث أثر في مسألة أصولية وهي: هل يجوز
نقل الحديث بالمعنى.
فعلى المذهب الأول: يجوز نقل الحديث بالمعنى في لغة واحدة،
دون اللغتين، وعلى المذهب الثاني: يجوز نقل الحديث في لغة
واحدة ومن لغتين، ويلزم على المذهب الثالث: أنه لا يجوز نقل
الحديث بالمعنى مطلقاً.