الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب السادس عشر الأمر بالأمر بالشيء هل يكون
أمراً بذلك الشيء أو لا
؟
ومثاله: لو قال زيد لبكر: " مر عمراً بأن يشتري لي كذا " فهل
يكون زيداً آمراً عمراً بشراء تلك السلعة؟
اختلف في ذلك على
مذهبين:
المذهب الأول: أن الأمر بالأمر بالشيء ليس أمراً به ما لم يدل
عليه دليل، أي: أن الأمر المتعلق بأمر المكلف لغيره بفعل من
الأفعال لا يكون أمراً لذلك الغير بذلك الأمر.
وهو مذهب جمهور العلماء، وهو الحق؛ لدليلين:
الدليل الأول: أنه لو كان الأمر بالأمر بالشيء أمراً لذلك الغير:
لكان ذلك مقتضاه لغة، ولو كان كذلك: لكان أمره صلى الله عليه وسلم لأولياء الصبيان بقوله: " مروهم بالصلاة لسبع " أمراً للصبيان بالصلاة من الشارع، ولكن هذا ليس أمراً للصبيان من الشارع ولا إيجابا عليهم؛ لأن الأمر موجه نحو الأولياء؛ حيث إنه أمر تكليف، ولذلك يذم
الولي بترك هذا الأمر شرعاً.
وأيضا لو كان ذلك أمراً. للصبيان لكانوا مكلفين بأمر الشارع،
وهذا غير متصور في حق الصبيان؛ لعدم فهمهم لخطاب الشارع،
ولقوله عليه الصلاة والسلام: " رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي
حتى يبلغ.. ".
الدليل الثاني: أنه يحسن أن يقول شخص للولي - الذي يرى أن
لطفله على طفل غيره شيئاً -: " طالب بحقه "، ويقول للمدعي
عليه - إذا عرف أنه لا شيء على طفله -: " لا تطعه ومانعه "،
ولا يعد ذلك مناقضة في كلامه، ولو كان الأمر بالأمر بالشيء أمراً
لذلك الغير لوقع التناقض.
وكذلك يحسن أن يقول السيد لعبده سالم: " مر غانما بكذا "،
ويقول لغانم: " لا تطعه "، ولا يعتبر ذلك مناقضة في كلامه، ولو
كان ذلك أمراً لغانم لكان كانه قال: " أوجبت عليك طاعتي ولا
تطعني " وهو ظاهر التناقض.
المذهب الثاني: أن الأمر بالأمر بالشيء أمر بذلك الشيء من الآمر
الأول.
أي: أن الأمر المتعلق بأمر المكلف لغيره بفعل من الأفعال يكون
أمراً لذلك الغير بذلك الفعل، وهو مذهب بعض العلماء.
أدلة هذا المذهب:
الدليل الأول: أن نافعا قد روى عن عبد اللَّه بن عمر أنه طلق
امرأته وهي حائض، فسأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال له: " مره فليراجعها، ثم ليتركها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله
أن يطلق لها النساء ".
وجه الدلالة: أن العلماء أجمعوا على أن ذلك كان واجبا على
ابن عمر مع أن الأمر ورد إليه من أبيه عمر الذي كان مأموراً من قبل
الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا يدل على أن الأمر بالأمر بالشيء هو أمر بذلك الشيء، وإلا: لما وجب على ابن عمر ذلك.
جوابه:
أن عمر وابنه رضي الله عنهما قد فهما أن مقصود رسول الله
صلى الله عليه وسلم التبليغ لعبد اللَّه، لا أن أباه يأمر من عند نفسه، ولا نزاع أنه إذا فهم التبليغ أن الثاني يكون مأموراً بالأمر الأول.
الدليل الثاني: أنا نقطع بأن اللَّه تعالى إذا أمر رسوله بأن يأمر
الأُمَّة بشيء: أن الأُمَّة تكون مأمورة من اللَّه تعالى بذلك الشيء،
وحيث ثبت القطع بهذا: كان الأمر بشيء أمراً بذلك الشيء من
الآمر الأول.
جوابه:
إن القطع الذي قلتموه - هنا - لم يأت من خصوص الأمر،
وإنما جاء من جهة العلم بأن الرسول مبلغ عن اللَّه أوامره، فالرسول
صلى الله عليه وسلم ليس آمراً، وإنما الآمر هو اللَّه تعالى.
بيان نوع الخلاف:
الخلاف معنوي؛ حيث إن هذا الخلاف قد أثر في بعض الفروع
الفقهية، ومنها:
1 -
أن الرجل لو قال لابنه: قل لأمك: أنت طالق، فإن أراد
التوكيل فهذا واضح؛ فتطلق؛ لأن الابن يعتبر وكيلاً لأبيه في طلاق
أمه.
أما إذا لم يرد شيئاً:
فإنه يلزم على المذهب الأول - وهو: أن الأمر بالأمر بالشيء
ليس أمراً بذلك الشيء - فإنه لا يقع الطلاق.
ويلزم على المذهب الثاني - وهو: أن الأمر بالأمر بالشيء
أمر بذلك الشيء - فإن الطلاق يقع؛ لأنه يكون كانه أمر بالطلاق
فينفذ.
2 -
لو قال زيد لبكر: مر عمراً أن يبيع هذه السلعة، ثم باعها
الثالث - وهو عمرو - قبل إذن الثاني - وهو بكر - بأن سمع زيداً
يقول ذلك - فهل هذا البيع صحيح؟
على المذهب الأول - وهو: أن الأمر بالأمر بالشيء ليس أمراً
بذلك الشيء - لا يكون هذا البيع صحيحا.
أما على المذهب الثاني - وهو: أن الأمر بالأمر بالشيء أمر بذلك
الشيء - يكون هذا البيع صحيحا.